الثلاثاء، 31 يناير 2012

مصر تلعب كرة شراب! بقلم محمد أمين ٣١/ ١/ ٢٠١٢


الفرق بيننا وبين غيرنا أننا نلعب كرة شراب.. فى ملاعب الرياضة وملاعب السياسة أيضاً.. والفرق بين ما يحدث الآن وما كان يحدث فى الثورة الأولى هو نفس الفرق بين الكرة الأوروبية ولعب المحترفين، وبين الكرة الشراب ولعب الحوارى.. الآن نعود إلى لعب الحوارى.. على طريقة علينا وعلى أعدائنا.. نطبق قانون الغيظ.. نريد أن نتخلص من العسكر، ولو ألقينا مصر فى البحر!
لا يمكن أن يفهم من كلامنا أننا مع حكم العسكر.. قطع لسان من يتهمنا بذلك.. العسكر أنفسهم لا يريدون البقاء أكثر.. طلبوا من منصور حسن، والمجلس الاستشارى، دراسة تقصير الفترة الانتقالية.. يريدون أن يعودوا إلى ثكناتهم.. سمعوا كلام الثوار.. ارحل يعنى امشى.. اتفضلوا استلموا بقى.. مين قال أنا؟.. من لديه هذه الجرأة؟.. من هو بحَّار مصر الساحر؟.. المركب بتغرق يا قبطان!
لا مجلس الشعب يريد الرئاسة، ولا «الكتاتنى» يريد.. ليس لأن هناك صفقة، ولا لأن «العسكرى» لا يريد الرحيل.. ولا «الاستشارى» يريد، ولا منصور حسن يريد الرئاسة.. العبء خطير جداً.. مين يستلم بقى فهمونا؟.. لا يوجد غير «البرادعى».. هل هو الذى يملك عصا موسى؟!.. هل هو ساحر مصر الآن؟.. هل شرط أن يفجر الثورة، أو أن يقودها، أن يتقدم لتولى زمام الحكم؟!
السؤال: لماذا نسعى لتقصير الفترة الانتقالية؟.. وما هى المدة التى يمكن تقصيرها؟.. هل هى ثلاث سنوات، ونسعى لجعلها سنة؟.. عملياً المدة المتبقية فى حدود ٧٠ يوماً.. هل نريدها ٦٠ يوماً؟.. خلاص، تأكدنا أن المجلس العسكرى يريد الرحيل.. لكن ليس مقبولاً أن يتولى مصر أى واحد والسلام.. أفهم أن هناك غضباً من «العسكرى».. وأفهم أن «العسكرى» لم يلعب سياسة!
لا أدرى ما هى المشكلة لو أن «البرادعى» تولى الحكومة قبل الدكتور شرف؟.. ولا أدرى لماذا لم يتدارك «العسكرى» الأمر قبل تكليف «الجنزورى»؟.. حاجة من اتنين: إما أن البرادعى نجح، وعبر بمصر، وعاد الثوار من الميدان.. أو أنها كانت فرصة «العسكرى» لحرق «البرادعى» وتخلص الحدوتة.. المصيبة أن العسكرى ركب دماغه، ولم تكن لديه القدرة على المبادرة والمناورة!
الآن لا توجد مصلحة حقيقية لتقصير الفترة الانتقالية أسبوعاً أو أسبوعين.. مالهاش قيمة فى مجريات الأمور.. لكنها ربما تعكس حالة اطمئنان من ناحية، وتعكس رغبة الثوار فى الانتصار من ناحية أخرى.. وليس من المصلحة أن يتحرك الثوار للرئاسة أولاً قبل الدستور.. أليس هؤلاء الذين قاتلوا من أجل الدستور أولاً.. الأساس أولاً؟!.. لو حد فاهم حاجة يقولنا!
لا أحد يفهم مَنْ يحرك مَنْ؟.. ما قيمة انتخاب رئيس مؤقت؟.. عمرو موسى يؤكد أن انتخاب البرلمان لرئيس مؤقت يطيل الفترة الانتقالية.. وهى مسألة غاية فى الخطورة.. معناها أن يبقى الثوار فى الميدان.. ليه رئيس مؤقت لما ممكن يبقى فيه رئيس جمهورية؟.. «هذه الأفكار تستهدف إطالة الفترة الانتقالية، وتأجيل تسليم السلطة إلى رئيس منتخب، وتؤخر انطلاق الجمهورية الثانية»!
عفواً مصر لا تلعب كرة شراب.. مصر بيتلعب بيها كرة شراب.. فرق بين الاحتراف ولعب الحوارى.. ما يحدث الآن لعب حوارى.. عقلاء الإخوان يقولون ليس من المصلحة تأييد مرشح رئاسى ينتمى لهم من قريب أو بعيد.. لا يريدون الرئاسة، ولا العسكر باقون.. فأين عقلاء الثورة وحكماؤها؟.. للأسف بقى المنافقون فقط!!

خير أمة وأطيب قلب بقلم خالد منتصر ٣١/ ١/ ٢٠١٢


عندنا دائماً بديهيات وثوابت تصبح كذلك من كثرة الترديد والإلحاح وليست لأنها حقائق دامغة، من هذه البديهيات المزيفة أننا أطيب شعوب العالم وأكثرهم عملاً للخير، بالطبع هذا ينطبق على مصر والدول العربية، التى تتغنى على الدوام بالقلب الطيب وبخير أمة وبالتكاتف والتعاون والتضحية بلا مقابل ومساعدة الغلابة والفقراء... إلخ، وهذا للأسف تكذبه كل الأرقام والإحصائيات الرسمية، التى تؤكد أننا فى ذيل الأمم فى عمل الخير، فمن تراه من رجال الأعمال يساعد مرضى أفريقيا وغلابة الهند وبؤساء السند والعشوائيات المجهولة، ويحارب الملاريا والإيدز، ويقوم بتمريض المساكين دون كلل ولا ملل ولا زهق، هم رجال الأعمال الأمريكان والأوروبيون، الذين نتهمهم بالتبشير وليسوا الخليجيين أو المصريين أو الشوام... إلخ!!،
 وقد نبهنى مقال بجريدة «المدى» العراقية، إلى وجود مقياس مهم لعمل الخير والمساهمة فيه، وهو مقياس نجاح المنظمات غير الحكومية، وهى المنظمات التى تقدم الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وهذا هو قمة الخير والعطاء، ولكن ماذا كتب فى قائمة أفضل مائة منظمة غير حكومية فى العالم مما منحنى هذا الانطباع عن أمتنا العربية المجيدة؟
كتبت فى جوجل «the top ١٠٠ best ngos»، مستفسراً عن هذا الترتيب الذى نشرته جريدة جلوبال العالمية الشهيرة، كانت المفاجأة أن هناك منظمة مصرية رقم ٩٢ هى الـ A.P.E وقبلها فى المركز الـ٩١ منظمة بحرينية هى الـMIDEAST youth، ثم تأتى منظمة أردنية فى المركز الـ٩٦، ومن يرد الاطلاع والتأكد فليدخل على موقع: http://theglobaljournal.net/photo/full_view٥٧٥//
جرب أن تقرأ أفضل المنظمات غير الحكومية فى هذا الترتيب، سيصيبك الذهول لأن منظمة من بنجلاديش رقم ٤، ومن كينيا «يوشاهيدى» رقم ١٠، ورقم ١٥ وهى لفقراء وحفاة من الهند، ورقم ٢٤ من تنزانيا ورقم ٤٠ من كولومبيا و٤١ من السنغال حتى كمبوديا تحتل رقم ٢٨!!
كنا نطمئن أنفسنا بأننا رغم أننا فى ذيل العالم، اقتصادياً وحضارياً، إلا أننا مازلنا نمتلك القلب الطيب وحب عمل الخير... إلخ، لكن للأسف اتضح أن هذا اطمئنان مزيف نتيجة مرض مزمن، هو أننا نصدق ما نريد ونتمنى أن نصدقه بغض النظر عن مدى حقيقته وصدقه.

الاثنين، 30 يناير 2012

كتاب الفوضى بقلم نيوتن ٣٠/ ١/ ٢٠١٢


قرأت فى عدد «المصرى اليوم»، أمس الأول، مقال الدكتور عمرو الزنط بعنوان (حزب وفد الميدان). يتمتع الدكتور الزنط بوضوح رؤية فى زمن (المشوشين)!
انتقد الكاتب رغبة النشطاء بميدان التحرير فى نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى مجلس الشعب. أهم انتقاداته هو أنه لا ينبغى تركيز السلطتين التنفيذية والتشريعة فى يد سلطة واحدة. قال بين كلماته (إنهم لا يعرفون ما يريدون)! فى المقال فكرة أخرى، وهى أنه يجب على النشطاء أن يشكلوا وفدا للتفاوض مع المجلس العسكرى. تلك الفكرة، وما سبقها فجرت فى ذهنى مجموعة من الأفكار الموازية والناتجة.
اختلف مع التحليلات المتداولة الآن، من حيث المبدأ. أغلب الاستنتاجات تقوم على أساس قياسات معروفة ومعايير سبق اللجوء إليها. الحالة المصرية الآنية خارج أى خبرة. لا تقاس على أى ثورة كبيرة من الثورات الأربع العظمى - الإنجليزية والأمريكية والفرنسية وآخرها الروسية- لا تقارن بالافتعالات الملونة فى أوكرانيا وصربيا وجورجيا. لا تختبر بناء على الحالات التونسية أو الليبية أو اليمنية أو السورية. مصر (وضع خاص).
للتدليل: يفترض فى الانتخابات أن تصنع شرعية مقبولة شعبيا. «الإخوان» حصلوا على أكثرية مجلس الشعب فى تصويت حر لم يطعن عليه. فى حالات أخرى يعنى هذا أن المطاف انتهى. فى مصر انعقدت جلسات مجلس الشعب ولم يترسخ فى ذهن الناخبين والرأى العام عموما أن سلطة جديدة قد نشأت وفق معايير القانون. عُلقت لافتة على باب المجلس تقول (الميدان هو البرلمان). قال الميدان يومى الأربعاء والجمعة إن (البرلمان هو الميدان)!!
مجلس الشعب جاء باختيار الراغبين فى الاستقرار ومُضى العملية القانونية فى طريقها المعلن. أعضاء مجلس الشعب تبنوا من مقاعدهم حديث ميدان التحرير. اكتسحهم الميدان قبل أن يعارض نتيجة الانتخابات بشكل أو آخر فى المظاهرات الأخيرة. النتيجة هى أن الانتخابات حتى الآن ليست نهاية المطاف. التنازع مستمر. مصر تنشئ وضعا خاصا!
يقول المعلقون.. بعضهم على الأقل.. إن الجيش كان يمكنه أن يتجنب مشكلات كثيرة لو قبل بوضع الدستور قبل الانتخابات. سمعت من يقول إن مصر دفعت ثمن زمالة اللواء ممدوح شاهين بالمحامى الإخوانى صبحى صالح فى دراسة القانون! قد يكون هذا تبسيطا للأمور.
لست على ثقة من أن صياغة الدستور قبل إتمام الانتخابات كان يمكن أن تقودنا إلى مرحلة انتقالية أعقل وأكثر اتزانا. ملايين المصريين أيدوا فى ١٩ مارس الماضى اقتراح الجيش بأن تكون الانتخابات أولا. أقلية من المصريين ترفض ذلك حتى الآن. تطالب بالديمقراطية ولا تقبل أهم قواعدها، الرضوخ لرأى الأغلبية. مصر تبتدع وضعا مختلفا!
لا يوجد (كتاب سياسى) يمكن الرجوع إليه. نحن الآن بين دفتى (كتاب الفوضى). لو تم تشكيل وفد من الميدان لكى يفاوض المجلس العسكرى، كما يطلب الدكتور عمرو الزنط.. فلن يحقق هذا هدفا. لن يتفق الميدان على وفد.. فهو متشرذم. من جانب آخر اختار المصريون من يمثلهم وهم أعضاء مجلس الشعب.. ما حاجتنا إلى (وفد) إذن؟! للمفارقة مجلس الشعب (المنتخب) يطلب أن تكون مصداقيته من الميدان!!
فى المعايير المعلنة إذا قبض جيش على سلطة دولة فإنه يفرض على الكل ما يريد. لا نقاش. لا اعتراض. لا مفاوضات. الآن فى مصر جيش يدير عملية ديمقراطية. يواجه معارضة حادة. لا يتخذ اجراء. تسانده شرعية ١٩ مارس ويقال له اترك موقعك فورا. هذا غير مسبوق فى التاريخ.
حسب الكتب المعروفة تقود هذه الحاله الهشة إلى الفاشية. الفوضى تتلوها سلطة باطشة. تفرض على الجميع أن يصمت، وتضع هى القواعد دون نقاش. تحظى غالبا بتأييد المواطنين الذين تعبوا من عدم الاستقرار. هذا كلام الكتب المعروفة لكن مصر الآن فى (وضع فريد). قد نصل إلى الفاشية وقد نصل إلى تنازع طاحن وعنف بالغ، وقد تنجلى الصورة فى لحظة ويستقر كل شىء فجأة!! أين تكمن المشكلة؟ فى أن الجميع يريد أن يسترضى الميدان.
لماذا؟ لأن الميدان دفع سلطة مصرية عتيدة لأن تترك موقعها فى فبراير الماضى.
من يسيطر على الميدان؟ لا أحد بين فئات السياسة يمكنه أن يقول ذلك أو يدعيه.
الإعلام بيت الداء ومنبع حيوية مصر.. فى آن.. يأخذ من الميدان ويعطيه. لو توقف (الاعتماد المتبادل) بين الإعلام والميدان فقد تتغير الصورة!!
فى مجال الإعلام سوف تبدأ الفاشية عملها. أن يصبح (إعلاما فاشيا) يملأ فراغا فى السياسة أو أن يرضخ إجبارا إلى فاشية تمنعه من أن يملأ هو الفراغ. لو لم يحدث هذا أو ذاك يسيطر (تحالف الاعتماد المتبادل بين الإعلام والميدان) على مجريات مصر!!

منصور حسن: أنا ضد منح الجيش وضعاً خاصاً فى الدستور و«الخروج الآمن» إهانة للمجلس العسكرى «١-٢» أجرت الحوار رانيا بدوى ٣٠/ ١/ ٢٠١٢





أكد منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى، أن شباب ثورة ٢٥ يناير أخطأ لأنه لم يتحد فى حزب واحد يرفع مشعل التغيير، وترك الساحة خالية لأحزاب وأطياف أخرى، أما النخبة السياسية فقد ظهر أنها تأثرت بالنظام السابق، وليست لديها رؤية سياسية، وغير قادرة على قيادة المجتمع، ومنشغلة بالصراعات الضيقة.
وأضاف «حسن» فى حوار لـ«المصرى اليوم» بمناسبة مرور عام على الثورة، أن المجلس العسكرى ارتكب خطأ بإصدار الإعلان الدستورى، الذى تسبب فى إرباك مصر منذ لحظة إعلانه وحتى الآن، وأشار إلى أنه لم يطلب موافقة أحد على ترشحه لرئاسة الجمهورية، لكنه لن يقول للرأى العام «لا» إذا شعر بأن هناك من يطالب بترشحه.. وإلى نص الحوار..
■ بعد مرور عام على ثورة ٢٥ يناير، ما تقييمك لما حدث حتى الآن؟
- لم أفرح فى حياتى كما فرحت بالثورة، فهى معجزة بمعنى الكلمة، وهذه ليس مبالغة، لأن المعجزة هى الحدث الذى لا يتنبأ به إنسان، والشخصية المصرية بعد عشرات السنين من القهر أصيبت بعدد من الأمراض، كالخوف والنفاق والعجز عن الحركة، حتى إننى قلت من قبل إننا شعب معاق سياسيا، العقل يفكر واللسان يتكلم والجسد مشلول لا يتحرك، ومن ثم لا يستطيع أن يغير الواقع السياسى، وينصاع خلف الحاكم ظنا منه أن الأخير يعرف طريقه، وليس بالضرورة أن يكون الحاكم مدركاً إلى أين يتجه، لذلك فرحنا فرحة غامرة بهذه الثورة كما فرحنا بالشباب الذى قام بها، فهم الذين نزلوا أول أيام الثورة، وكانوا شباباً محترماً ومثقفاً لا غوغائياً، ولم يحمل حجراً فى يده، ولا يمكن أن أنسى المنظر البديع الذى لم أر له مثيلاً عندما اصطف الشباب يصلون على كوبرى قصر النيل وفوقهم خراطيم المياه، لكنهم يسجدون فى إصرار ويستعينون بالله، ويتصدرهم شاب يتصدى للمياه ليحمى زملاءه منها فى مشهد رائع، ومن باب الإعجاز أيضاً أن الشباب نزل يواجه أحد أقوى الأنظمة فى العالم، بما لديه من مدرعات وأسلحة، وكأنه جيش ثانٍ فى البلد، واستطاعوا بالإصرار والثبات أن يهزموا جهاز القمع حتى جاءت لحظة تنحى الرئيس السابق، وكنا سعداء وفرحين حتى لحظة الاستفتاء.
■ فى رأيك، ما انتصارات الثورة حتى هذه اللحظة؟
- أهمها هزيمة النظام السابق، وانحياز الجيش للشعب، ولو أنه لم يقف إلى جوار الشعب فكم من دماء كانت ستسفك؟ وسيتم القضاء على الثورة، لكنه وضع رقبته على المحك، لأن الحرس الجمهورى لو استطاع القضاء على الثورة، لكان كل قادة الجيش الآن يواجهون الإعدام.
■ كيف نقول إن الجيش حمى الثورة فى ظل الأحداث التى نشبت قبل التنحى، ومنها موقعة الجمل؟
- البعض فسر الوضع وقتها بأن هذه الجمال والخيول دخلت دعما وتأييداً للثوار، لكن حين بدأ الضرب، لم يكن الوضع مألوفاً بالنسبة لقوات الجيش المتواجدة فى الميدان، ولم تعرف كيف تتصدى للمهاجمين، فآثرت الابتعاد عن كل الأطراف، وكل ما فعلت أنها لم تمتثل للأوامر التى صدرت لهم بالضرب، فلم تزج بنفسها فيما حدث.
■ ما أهم إنجازات الثورة فيما يخص الممارسة السياسية للشعب؟
- منها إجراء انتخابات أقرب إلى النزاهة الكاملة، فخلال ١٠٠ عام فى مصر لم تعقد انتخابات نزيهة سوى فى عهد ممدوح سالم فى ١٩٥٦، ويحيى باشا إبراهيم، رسب فى الانتخابات، رغم أنه كان وزيراً للداخلية وقتها، أما غير ذلك، فقد كان النظام دائماً هو من يقرر التزوير بالنطاق الذى يريده، فكان التزوير الكامل فى ٢٠١٠، بينما كانت انتخابات ٢٠١١ أنزه انتخابات فى تاريخ مصر، ومن مكاسب الثورة أن الشعب أصبح متقدماً سياسياً وشجاعاً ينزل إلى الشارع ليوقف أى سياسى عند حده.
■ كيف تقيم أداء النخبة السياسية؟
- لم يكن لها دور كبير فى عهد النظام السابق نتيجة القهر السياسى، وكانت تتستر غالباً على انتهاكاته كى تحافظ على نفسها، وكلنا وافقنا على ذلك لندخرها ليوم تستطيع فيه أن تخرج المجتمع مما هو فيه، وانتظرنا منها الكثير، وبعد قيام الثورة تصورنا أن النخبة ستفيد المجتمع بمفاهيم حديثة، لكن للأسف خيبت أملنا، وظهر أن الماضى أثر عليها، فلم تعد لديها الطاقة أو الرؤية لتغيير مصر، أو قيادة المجتمع، وأصبحت المسألة صراعاً على من يأخذ النصيب الأكبر من البرلمان.
■ والمجلس العسكرى؟
- ألقيت عليه مسؤولية ضخمة لم يكن مستعداً لها، وقام بعمل بطولى لا يقل عن أى عمل آخر فى الثورة، ومع احترامى وتقديرى للمجلس، فقد كانت أخطاؤه نتيجة عدم ممارسته السياسة من قبل، فلم يعرف طريقه جيداً، ورغم أن عقيدتهم تضمنت عدم التعرض لأحد بعنف، لكنهم لم يضعوا فى اعتبارهم أنهم تسلموا مجتمعاً دون أمن، وفى كل مجتمع فى العالم أغلبية ملتزمة وأقلية متمردة على القانون، ولأن الشرطة كانت غائبة، وهى القوة الشرعية الوحيدة، كان لابد للجيش أن يتصدى لهذه القلة، لكنه وسع دائرة عدم التعرض للمدنيين، بمن فيهم المتمردون، حتى أصبح طابع البلد هو الفوضى.
■ البعض يقول إن الجيش ظل يحكم مصر بالفعل طوال ٦٠ عاماً منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ حتى الآن؟
- هذا غير صحيح، فإذا كان النظام السابق لم يسمح لغيره من المدنيين بممارسة الحكم، فكان من الأولى إقصاء العسكر، لذا لم يكن لهم أبداً خبرة لا فى السياسة ولا فى إدارة البلاد، ومن هنا نشأت الأزمات، ففى الأيام الأولى تصور الجيش أن المرحلة تقتضى بعض التعديلات الدستورية فعدل المواد التسع محل الخلاف، التى تم تفصيل بعضها لصالح شخص بعينه فى النظام السابق، والمواد الخاصة بصلاحيات الرئيس، لذلك صرح قادة المجلس العسكرى بأنهم لن يستمروا سوى ٦ أشهر، وهى المدة المطلوبة لإنجاز مهمة التعديلات الدستورية، وهى نفس التعديلات التى أشار إليها «مبارك» فى أحد خطاباته قبل التنحى، فى محاولة لإرضاء الناس، وكان باقياً له فى الحكم ٦ أشهر، لذا تصوروا آنذاك أنهم يحلون محل الرئيس السابق فى هذه المهمة، وأرى أنهم لم يكونوا طامعين فى الحكم.
■ لماذا إذن طالت هذه المدة؟
- لأنهم عندما أنجزوا التعديل الدستورى وأجروا الاستفتاء عليه وجاءت النتيجة ١٤ مليوناً لـ«نعم»، مقابل ٤ ملايين لـ«لا»، فوجئنا بعد ذلك بالإعلان الدستورى الذى يقول إن مجلسى الشعب والشورى سينتخبان لجنة من ١٠٠ شخص لوضع الدستور، وهكذا بدأ الخلاف.
■ إذن الإعلان الدستورى كان خطأ؟
- لقد أدى إلى مشاكل، لأننا كنا فى مفترق طرق، فمنذ هذه اللحظة حتى الآن، فرشت الأرض بالمشكلات والخلافات، فأطراف تقول «الدستور أولاً»، فكيف يمكن انتخاب مجلسى الشعب والشورى دون دستور مرشد لشكل البرلمان القادم؟ وطرف آخر يقول «الانتخابات أولاً»، وانتصرت هذه الفكرة، وتمسك أصحابها بالاستفتاء، واعتبروا أن الخروج عليه خروجاً على الديمقراطية، وشرحنا لهم كثيراً خطورة ذلك، لكنهم أصروا على قناعتهم، ووصل الخلاف لدرجة أصبحت تهدد سلامة المجتمع، وقلت وقتها إننى من أنصار «الدستور أولاً»، لكن لو سألونى الآن فلن أقول ذلك، لأن هذه المعادلة سينتج عنها غالب ومغلوب، ولا أود أن ندخل مصر الجديدة، وهناك غالب ومغلوب، وثأر بين القوى السياسية، فأنا أؤمن بالتوافق.
■ ما رأيك فى محاولات التوافق التى جرت على مدار العام، وفشلت، مثل الوثيقة الحاكمة للدستور وغيرها؟
- محاولات التوافق الخاصة بالوثائق التى قدمت من شيخ الأزهر، والدكتور محمد البرادعى، والدكتور على السلمى كانت مجرد محاولة لخلق حالة من الاطمئنان لدى الشعب بأن الدستور لن تنفرد به قوة واحدة، وسيعبر عن الجميع، لكن إحدى القوى السياسية أصرت على أن تبقى الوثيقة استشارية وليست ملزمة.
■ هل نستطيع القول إن الارتباك والقلق كانا أبرز معالم العام السابق؟
- نعم، بسبب أخطاء جميع الأطراف، ولأننا لم نكن نفيق من ارتباك وقلق إلا وندخل فى ارتباك وقلق جديدين.
■ هل تقصد المليونيات؟
- المليونيات كانت سلاح الشعب البديل، لأنه ليس لديه قوة أخرى للضغط سواها، وهذه المظاهرات تكون ضرورية أحياناً، لكن أُسىء استخدامها، فعظمة المليونية فى الاتفاق على مطلب واحد نؤيده، أو أمر ما نرفضه، ويجب أن نحتفظ بها كسلاح عندما تكون هناك ضرورة.
■ هل كان ذلك خطأ شباب الثورة؟
- بعد قيام الشباب بالثورة وإسقاط رأس النظام تصوروا نتيجة قلة خبرتهم السياسية أن العهد الجديد بدأ فتركوا الساحة وذهبوا لتكوين أحزاب وائتلافات بالعشرات، وهذا فى رأيى خطأ كبير، لأننى كنت أتمنى أن يكونوا هم أقوى وأكبر قوة فى مصر من خلال تكوين حزب واحد، لأن من نزل وأيد الثورة كان حوالى ٢٠ مليوناً، ولا يوجد حزب فى مصر بهذا الحجم من حيث عدد الأعضاء، وكنت أتمنى أن أنضم لهذا الحزب إن وجد، وبالتأكيد لو أنشئ مثل هذا الكيان، لكان أشبه بحزب الوفد بعد ثورة ١٩١٩، من حيث كونه حزب الحركة الوطنية.
■ ماذا عن الشيخ عماد عفت وغيره من شهداء مجلس الوزراء، ومعظمهم شخصيات مرموقة استشهدوا فى مظاهرات وصفوها بأنها مظاهرات بلطجية؟
- قيل أيضاً إن الشيخ عماد اعتدى عليه رجال مدنيون غير معروفين، ولدينا سابقة فى أحداث ماسبيرو، وشهادات تؤكد وجود أطراف خارجية تطلق الرصاص على المتظاهرين، ولا أحد يعرف هويتهم.
■ أنت تؤمن بوجود ما يسمى «الأيادى الخفية»؟
- هذه حقيقة موجودة، والدولة لا تستطيع التوصل إلى هؤلاء.
■ أين أجهزة الأمن؟
- الجهاز المختص بهذه الأمور هو أمن الدولة، الذى كان يعرف دبة النملة منذ عهد الملك فاروق، حيث كان يسمى «القلم السياسى»، وانهار أثناء الثورة، أما المخابرات فلا علاقة لها بهذه الملفات، حيث منعت من التدخل فى الشأن الداخلى بنهاية عهد صلاح نصر.
■ كيف ترى فكرة الخروج الآمن للجيش؟
- إذا كان صاحب الأمر نفسه ليس خائفاً، ولا يطلب ضمانات، فكيف نتحدث عن ذلك؟
■ ألم يطلب وضع ضمانات فى وثيقة «السلمى» كخطوة لوضعها فى الدستور الجديد؟
- لا، فقد نفوا علاقتهم بها، وقالوا إنهم لا يريدون ضمانات، وعيب أن نقول ذلك، لأن معناه أننا نريد الإساءة لهم بالقول إنكم أجرمتم ونحن سنعفو عنكم، وإذا كان هناك فرد من الجيش ارتكب خطأ فسيقدم للمحاكمة، لكن أن نتهم المجلس العسكرى بالكامل فهذا خطأ.
■ البعض يقول إن المجلس منفصل عن مؤسسة الجيش وتجب محاكمته إذا لزم الأمر؟
- المجلس العسكرى والجيش ليسا منفصلين، وهذه التفرقة المقصود بها أن نهاجمهم كما نريد، ولا أقبل هذا الفصل فقادة المجلس هم قادة الجيش، وجزء من الكيان الذى نعتز ونفخر به، وطبعاً فإنهم ليسوا فوق النقد، لكن يجب ألا يكون النقد بإسفاف أو بغير احترام، وأعتقد أن أى شخص يخطئ داخل الجيش تتم محاكمته داخلياً، لكننا لا نفهم الطريقة التى يتعامل بها الجيش مع مثل هذه الأمور، ففى حياتنا المدنية عندما يخطئ شخص، نصوره ونضعه على الصفحات الأولى للجرائد وهو فى طريقه للقسم، أما الجيش فمؤسسة منضبطة بطبيعتها، ولا تعلن عن محاكماتها على الملأ، لأن الروح المعنوية لضباط الجيش وجنوده يجب ألا تهتز، لذا أعيب على المواطنين الذين يهينون بعض أعضاء القوات المسلحة بالسب والرشق بالحجارة والشماريخ، فهذا عيب وعمل غير وطنى لأنه لا يوجد جيش يهان فى بلده، وأول استعداداته قبل السلاح رفع روحه المعنوية.
■ هل تؤيد منح الجيش وضعاً خاصاً فى الدستور لحماية مدنية الدولة؟
- سبق أن اعترضت على الفكرة عند طرحها، لأنها تعتبر تقليداً لتركيا، حين أراد أتاتورك تغيير المجتمع التركى من الثقافة الإسلامية إلى النظام العلمانى، فأراد إقامة قوة تفرض هذا التغيير على مدى السنين، لكننا حالة مختلفة، لأننا لا نريد تغيير ثقافة أو هوية المجتمع، بل نريد إقامة مجتمع واعٍ سياسياً مثل بريطانيا وفرنسا، حيث لا يخشى السياسى الدستور فقط، بل والرأى العام.
■ ماذا عن الوضع الاقتصادى للجيش، وهل يقبل الشعب أن يبقى دون رقابة بعد قيام الثورة؟
- الجيش نفسه لم يطلب امتيازات، وقال إنه مكتف بما له من وضع فى دستور ١٩٧١، إذن هم لا يطالبون بامتيازات جديدة.
■ ما الذى يعطيه لهم هذا الدستور؟
- لا يعطيهم شيئاً، وما أقصده أنهم لا يريدون المزيد، أما عن رقابة الوضع الاقتصادى للجيش فمن الممكن جداً تكوين مجلس وطنى به قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعدد من قياداته ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وآخرون من المدنيين، وتناقش فيه الميزانية فى سرية تامة وهذه ضمانات كافية.
■ هل سيوافق الجيش على ذلك؟
- لا أعتقد أن لديه مانع.
■ ما رأيك فيما تردد عن الدفع بك كمرشح توافقى للرئاسة؟
- لم يطلب منى أحد ذلك، ولم أطلب من أحد ترشيحى، ولم ولن أقف بباب أحد طالباً الموافقة على ترشيحى فى أى منصب، وأحمد الله على محبة الناس وثقتهم فىَّ، وقلت إنه لو طلبنى الرأى العام فلن أستطيع أن أرفض طلبه، لأن من العيب أن ترفض طلباً للرأى العام، لكننى حتى الآن لم أشعر بذلك.
■ ولو ضغط عليك حزب أو تيار من أجل الترشح؟
- أعتقد أن هناك على الساحة من يستطيع القيام بهذه المهمة على أكمل وجه.
■ هل حدث أن اتصل بك أى حزب لهذا الغرض؟
- لا، لم يحدث.


كشف منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى أن ابتعاد المجلس عن وضع معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور كان بسبب رفض قوى سياسية الاقتراب أو التدخل فى أى شأن يختص به البرلمان، على اعتبار أن حدوث ذلك يعد خروجا على الإعلان الدستورى، وقال فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»، إن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، أجدر الأحزاب على قيادة مصر، كونهم عملوا لسنوات طويلة فى أعماق المجتمع ووقوفهم على مشكلاته الحقيقية.. وإلى نص الحوار:
■ كيف تفسر هذا التفوق الكاسح للتيار الإسلامى فى انتخابات مجلس الشعب؟
- من المعتاد فى الدول عريقة الديمقراطية حين يستمر حزب فى المعارضة لسنوات طويلة، فإنه يتفوق فى الانتخابات اللاحقة بشكل تلقائى، لأن الشعب «يمل» من سياسات الحزب الحاكم الذى بدوره يبدأ فى الترهل، بينما تقوى المعارضة من نفسها وتنظم صفوفها فتتفوق فى الانتخابات، وهو ما حدث مثلا فى بريطانيا حينما حكمت مارجريت تاتشر وحزب المحافظين لـ١٥ سنة، حتى أتى حزب العمال المعارض فانتصر عليها، وهو ما ينطبق الآن على التيار الإسلامى الذى ينشط فى الشارع منذ ٨٠ سنة ومن الطبيعى أن يتصدر المشهد الآن بعد سقوط الحزب الوطنى، لأن ما كان يمنع ذلك من قبل هو تزوير الانتخابات.
■ ألم يسهم المجلس العسكرى فى هذا التفوق بعد تيسيره المهمة لهم؟
- ربما يكون ذلك قد حدث، ولكنه لم يؤثر كثيرا فى نتائج الانتخابات.. ربما كانت النتيجة النهائية ستقل بنسبة ١٠% لكن التيار الإسلامى فى النهاية كان سيحقق انتصارات ساحقة للأسباب التى ذكرتها الآن، وعلينا إذن أن نهنئهم ونتعاون معهم ونتعايش مع بعضنا البعض، كل ما نرجوه منهم احترام الدستور وحرية الفرد، فليس من المنطقى أن تقوم ثورة ليقرر طرف أن يهاجر ويترك البلد لأنه غير راض عن نتائج الانتخابات.
■ لماذا جاء الخوف من الإسلاميين فى رأيك؟
- لأن الشعب لم يكن معتادا على التيارات الإسلامية، وثانيا لأن النظم السابقة للأسف حاولت الإساءة لهذا التيار، فطوال الثلاثين عاما الماضية كان يطلق على جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، فطبيعى أن يشعر الناس بالخوف لأن المحظورة ستحكمهم، إضافة إلى القلق بسبب ما انتشر من أقاويل حول تدخل الإسلاميين فى الحريات الشخصية، ومنع السياحة الشاطئية، إلى آخره، فكلها عوامل أحدثت قلقًا شديدًا.
■ ماذا عن التخوف من تطرف بعض فصائل التيار الإسلامى؟
- المعارضة بطبيعتها متطرفة، بسبب وجودها فى موضع المسؤولية، ولكنها حين تصل للحكم تواجه المشكلات بواقعية وتصبح متوازنة، كما أنها تحتاج وقتها إلى معونة باقى القوى السياسية، لأنها لا تكون مسؤولة فقط عن أنصارها، وإنما عن الشعب برمته، وبالتالى فإنها تأخذ آراء كل القوى الأخرى فى الاعتبار، وأعتقد أن تصريحاتهم خلال هذه الفترة كانت معتدلة.
■ البعض يتخوف من أن تكون تصريحاتهم مجرد كلام للتطمين تختلف بعدها سياساتهم؟
- عموما هذه مرحلة الكلام والتصريحات، وعندما تبدأ مرحلة العمل سنرى بعدها ماذا سيفعلون، ولكن يجب ألا نحكم عليهم مسبقا.
■ ربما ينطبق هذا على الإخوان ولكن ماذا عن السلفيين؟
- كلهم من التيار الإسلامى وسيلتزمون بذلك، وبالمناسبة، برغم كل ما يقال عن السلفيين فأنا تعاملت مع رئيس حزب النور د.عماد عبدالغفور، عضو المجلس الاستشارى، فوجدته شاباً هادئا وملتزماً وغير متطرف، وأنا أرى الحزب من خلاله، فلو أنه بهذه الصفات فمن المؤكد أن من رشحه لرئاسة الحزب من المؤمنين بهذه الصفات.
■ ذكر لى الكاتب الكبير بهاء طاهر من قبل أن قيادات التيار الإسلامى قد تكون معتدلة لكن القواعد غير مضمونة واستشهد براشد الغنوشى، القيادى الإسلامى المعتدل فى تونس، مقابل القواعد المتطرفة من السلفيين ممن طاردوا النساء فى الشوارع؟
- أى حزب به المتطرفون والمعتدلون وعلينا أن نتفاءل ونأخذ ما نراه من اعتدال وعدم افتراض الأسوأ، فآفة الشعب المصرى الآن هى الشكوك اللامتناهية فى كل شىء، وفى بعضنا البعض، ليس فقط نتيجة حكم مبارك وإنما منذ عهود سابقة لعدم وجود وضوح وشفافية وتناقض الخطاب مما يجعلنا نحتاج عشرات السنوات لتبديد هذه الشكوك. وهذه فى رأيى ستكون عقبة أساسية فى مسيرة الديمقراطية بل من الممكن أن تعطل الحياة بكاملها لأن الحياة تحتاج إلى تفاؤل واستبشار الخير.
■ البعض يشكك فى قدرة الإخوان على إدارة البلد فى المرحلة المقبلة ويقولون إن العقلية التى تدير جماعة ربما لا تستطيع إدارة بلد؟
- بالعكس هم من أقدر الناس على إدارة البلد فقد مارسوا السياسة ويعلمون مشاكل القاعدة، لأنهم عملوا فى أعماق المجتمع ولديهم خبرة جيدة وأعتقد أنهم سيكونون مرنين أكثر فى المستقبل.
■ وما ضمان كتابة الدستور بشكل يعبر عن جميع طوائف الشعب وألا يستأثر به طرف واحد خاصة بعد تصريحك بأن مجلسى الشعب والشورى سيختاران اللجنة التأسيسية ولا علاقة للمجلس الاستشارى بالأمر؟
- لقد حدث صراع شديد حول هذا الأمر من قبل إحدى القوى السياسية، على أساس أن الاقتراب أو التدخل فى أى شأن يختص به البرلمان يعد خروجاً على الإعلان الدستورى، وخرجوا بتصريحات مطمئنة للناس بأن الدستور سيخرج بشكل توافقى.
■ بوجود مجلس تشريعى منتخب هل تعتقد أن المجلس الاستشارى مازال له دور أم لم يعد له محل من الإعراب؟
- المجلس الاستشارى له دور بقدر ما للمجلس العسكرى من دور، فيمكن للأخير باعتباره رئيسا للجمهورية أن يقترح قوانين للعرض على مجلس الشعب فيعرضها المجلس العسكرى علينا أولا، لكن دورنا سينتهى فى يونيو مع نهاية دور المجلس العسكرى.
■ لماذا لم تقدم استقالتك من المجلس الاستشارى بعد أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء كما فعل بعض أعضاء المجلس؟
- لقد جاءتنى رسائل بمعنى حافظ على ماضيك وسمعتك، ورسائل تحثنى على الاستقالة لكننى رفضت الاستقالة، فأنا متأكد أننى عندما تحملت هذه المسؤولية لابد أن أكون على مستواها وألا أهرب من الميدان وأن أبذل كل جهدى إلا إذا شاءت الظروف غير ذلك، وإذا كانت المصلحة الشخصية تتحقق بالاستقالة فإن مصلحة الوطن تقتضى الثبات فى الموقع وأداء الواجب.
■ هل تعتقد أنك أنجزت كرئيس للمجلس الاستشارى؟
- قدر الإمكان، فمثلا أخذنا موقفاً حاسماً من أحداث مجلس الوزراء حيث قدم المجلس العسكرى بيانا أبدى أسفه فيه ووعد بمحاكمة المخطئين من جنوده، كما ناقشنا مشروع قانون إجراءات انتخابات رئيس الجمهورية ورفعنا بعض التوصيات فى مجالات مختلفة وأهم إنجاز هو أن هناك ضماناً للشعب وللجيش أن هناك فئة من السياسيين المدنيين الذين لهم دور فى اتخاذ القرار.
■ ما مواصفات الرئيس القادم فى رأيك؟
- أن يكون فوق كل التناحرات، وأن يكون مؤمنا بأن العدل أساس الحكم وأن يكون الفقراء والضعفاء فى عينيه، لأن الشعب لم يأخذ نصيبه من الاقتصاد وأن يمنحهم فرصاً عادلة، وأن يكون رئيساً حسن السمعة وغير ملوث، لا فى الماضى ولا فى الحاضر وطاهر اليد.
■ هل رضا مؤسسة الجيش عن الرئيس القادم أمر حتمى؟
- الرئيس القادم لا يحتاج إلى رضا خاص إنما من سيرضى عنه الرأى العام يجب أن يرضى عنه الجيش.
■ إذا حشد التيار الإسلامى كل قواه لصالح مرشح إسلامى هل يمكن أن تقبل مؤسسة الجيش أن يكون القائد الأعلى لها عبدالمنعم أبوالفتوح أو سليم العوا أو حازم صلاح أبوإسماعيل؟
- لو رشحته الأغلبية فلن يقول الجيش لا.. لكن أيضًا يبدو لى أن للشعب ما يكفى من الوعى بحيث لن يضع كل البيض فى سلة واحدة.. الحكمة تقتضى أن يكون هناك توافق على الرئيس القادم وأن يكون مقبولا من الجميع، وهذا يمكن أن يحل هذه الإشكالية.. والإخوان يساهمون فى ذلك بتصريحهم أنهم لا يريدون الرئاسة.. إذن هم لديهم وعى ويفهمون الوضع جيدا.
■ هل يمكن أن يشهد تشكيل الحكومة القادم صراعا حول بعض الحقائب الوزارية؟ أى أن يطلب الإخوان مثلا وزارات كالخارجية أو الداخلية أو المالية؟
- هذا يعتمد على النظام الانتخابى، فكالعادة نعالج الأمور بقشور المعرفة وليس بالمعرفة الكاملة، فمنذ أشهر عندما بدأ الحديث حول هوية النظام الانتخابى الذى ستجرى على أساسه الانتخابات أصر المجلس العسكرى على أن يكون النظام منتصفا ما بين القائمة والفردى، فذهب عدد من الأحزاب للمجلس العسكرى للتفاوض وبمزيد من الضغط تم التوافق على نسبة الثلثين للقوائم والثلث للفردى. وإقرار النظام الانتخابى بهذه الصورة كان خطأ لأنه كان ينبغى أن يكون بناء على شكل النظام السياسى الذى نريده لمصر: هل برلمانى أم رئاسى أم مختلط، فإذا كان برلمانياً بمعنى أن يحكم رئيس الوزراء من البرلمان يفضل أن يكون النظام الانتخابى بالفردى ليكون فى البرلمان أغلبية واضحة، ولكن لو تمت الانتخابات بنظام القوائم فى نظام برلمانى لابد أن يكون هناك ائتلافات متعددة بما يتسبب فى صراعات ولا تعيش مدة طويلة، حيث سرعان ما يختلف حزب ما فيخرج من الائتلاف ليسقطه .. وللعلم فالنظام فى بريطانيا برلمانى لكنه فردى أى إن الأغلبية ٥٠% + ١.. إذن المسألة واضحة إذا أردت نظاما رئاسيا أو مختلطاً فليس هناك علاقة حتمية بين الجهاز التنفيذى والبرلمان ويمكن أن يكون النظام الانتخابى وقتئذ بالقوائم.
■ وما الأفضل لمصر فى رأيك؟
- أنا كنت أفضل النظام البرلمانى لمصر لأنه الأقرب إلى أسلوب حياتنا وتقاليدنا الاجتماعية أن يكون لدينا كبير البلد «رئيس الجمهورية» دون سلطات تنفيذية وإنما هو رجل «مندوب الشعب» فى الحكم، ولكن السلطة الحقيقية فى يد رئيس الوزراء الذى له أغلبية برلمانية، وكنت أخشى النظام الرئاسى لأن ميراثنا السلطوى طويل وعميق واعتادت مصر أن الرئيس لابد أن يأخذ سلطات استثنائية ويستعملها فى غير محلها، ولكن الآن وبعد أن ظهر أن البرلمان غير منتظم وبالتالى ليس معدا لحياة حزبية قوية تحقق نظاما برلمانيا جيدا، لذا أفضل نظاما مختلطا يحافظ على السلطة التنفيذية نسبيا وفيها نوع من الانضباط على أن يتحول إلى النظام البرلمانى بعد أن تقوى الأحزاب ونرى أغلبيات تمثل الأغلبيات الحقيقية.
■ وأى نظام اقتصادى تقترح لمصر فى الفترة القادمة؟
- الشعب يحتاج إلى العدالة الاجتماعية، أى الاشتراكية.. والاشتراكية ليست عارا يجب أن نتبرأ منه كما أنها لا تعنى ألا نعطى رجال الأعمال فرصة للاستثمار والتنمية.. لابد أن نمنح رجال الأعمال حقوقا وتيسيرات ما داموا جادين، فأنا كنت ضد بيع القطاع العام بالكامل ومع فكرة إبقاء شركة أو اثنتين فى كل قطاع فى يد الدولة لتوفير المنتج بأسعار مناسبة للشعب، وأن تخصخص باقى الشركات لأن الدولة عموما ليست مديرا جيدا ولكن بقاء شركة فى كل القطاعات فى يدها يضمن تواجد السلع بأسعار مناسبة للفقراء. لا بد أن نراجع حياتنا بالكامل فى كل المجالات بما يحقق مصالح الفقراء أولا.. نريد تغيير النظام التعليمى، وأنا ممن يؤمنون بالتضحية لصالح التعليم، لابد أن يتم وضع حد للتخلف وأن نكسر الحلقة المفرغة من الجهل بالتعليم، كذلك نريد تغيير نظام التموين، والتأمين الصحى، والمواصلات.. كل شىء فى حياتنا يجب أن يتغير.
■ هل تعتقد أن حرية الإعلام الآن هى مجرد عارض بعد الثورة أم أنها ستستمر بهذا الشكل غير المقيد؟
- حرية الإعلام الآن أصيلة وليست عارضا، فقد بدأت فى النمو فى عهد النظام السابق نتيجة عدم رغبته فى المواجهة، فتسللت الحرية تدريجيا حين يكتب كاتب ما مقالاً حاداً «فيعدى» أو تقدم مذيعة حلقة ساخنة «فتمر».. وحين بدأت «كفاية» فى النزول للشارع بدأ سقف الحرية يعلو رغم أن النظام السابق كان يعتبر ذلك «تنفيسا» بمنطق «دعهم يتحدثوا ودعنا نفعل ما نريد»، إلا أنه لم يدرك أن كل ذلك يحدث نحرا فى كيان النظام وهدماً فى قوته وهيبته بما يجعله قابلا للسقوط فى أى لحظة، لذا فأنا أرى أن حرية الإعلام حقيقية وليست عرضا.
■ انسحب الدكتور البرادعى من سباق الرئاسة وقال إنه يرغب فى أن يكون زعيما له دور مثل غاندى، فهل تعتقد أنه ناجح فى هذه المهمة؟
- حتى الآن هو ناجح ولكن هذه الوظيفة يمكن أن تتلاشى سريعا عندما لا تكون لها ثمار عملية على أرض الواقع، وأن تكون لها ذراع تنفذ أفكارها ولكن الدعوة فقط دون رد فعل لن تجدى فى شىء، فما نفع غاندى فى ظل وجود نهرو الذى آمن بأفكاره ونفذها.
■ هل ستنتقل مصر سريعا إلى الديمقراطية؟
- الشعب صار يسعى إلى الديمقراطية، وهناك إصرار على إتمام المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور سريعا ولكن تبقى الممارسة الديمقراطية تحتاج إلى تمرين.
■ وما المطلوب الآن؟
- لقد أطلقنا مبادرة للجلوس إلى طاولة واحدة لتحديد أهداف واضحة وخطة نسير عليها خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية للانتقال بوضوح إلى مصر الجديدة.
■ هل كان هذا ردا على مقترحات مختلفة بتسليم السلطة سواء فى أبريل أو ٢٥ يناير؟
- نعم لأننى شعرت بأننا على أعتاب فوضى شاملة، وهذه الاقتراحات ستعطل المسيرة ولن تنقلنا إلى مصر الجديدة، فلو بدأنا الجمهورية الجديدة على ما نحن عليه أبشر بأنه لا مستقبل سياسياً لمصر، فأناس تقترح اقتراحات هدامة وأخرى تتصارع مع بعضها البعض... إلخ، علينا أن ننضبط ونتفاءل ونستعيد بعضا من روح ٢٥ يناير.
■ هل تعتقد أن التحالفات الجديدة التى تشهدها الساحة الآن مجدية؟
- أنا طالبت بحزب للثورة ولا يهمنى من يعمله بشرط أن يتصدره شباب «مش الكبار يعملوه ويسيطروا عليه»، ومازال يوجد فراغ سياسى لن يملأه إلا الشباب، فأى محاولة لجمعهم أهلا وسهلا بها، المهم أن يكون الشباب مسيطراً عليها ونحن الكبار ندعمها وأن يكون بالفعل شاملا لكل الشباب الثورى وليس أن يكون نصفهم فى هذا الحزب والنصف الآخر خارجه فيبدأ الصراع بينهما.
■ وماذا عن التحالفات الانتخابية لرئاسة مجلس الشعب ووكيليه، هل يمكن أن تتحول إلى تحالفات سياسية فى المستقبل؟ وهل ستكون مجدية أم لا؟
- لابد أن تكون هناك تحالفات واتفاق حول السياسات، وما كنت أعترض عليه من قبل هو الاتفاق حول توزيع الأدوار، أى إنه بدلا من أن يكون طرف فى الحكم وآخر معارضا يطلب الاثنان أن يكونا فى الحكم ويتحالفا حول المقاعد كما قيل منذ أشهر عن اتفاق الإخوان والوفد قبل الانتخابات.
■ ما رأيك فى مشهد ٢٥ يناير الماضى وما تبعه من قرار اعتصام البعض فى الميدان للمطالبة بتحقيق مطالبهم؟
- لقد مر يوم ٢٥ يناير بسلام تام، بعكس كل التهديدات التى انطلقت طوال الفترة الماضية بدموية هذا اليوم، وقد سبق أن حذرت من هذه التهديدات، وقلت إن المقصود بها هو تخويف الناس من النزول للاحتفال، والحمد لله صدق ما قلت، والفضل فى ذلك يعود للشباب والقوى السياسية.
■ وما رأيك فى الاعتصام؟
- حقيقة لا أفهم ما هو مبرر الاعتصام والدعوة لنقل السلطة فى أقرب وقت.. فلم يتبق على فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية سوى شهرين ونصف الشهر.. ولو بدأنا الآن فى التفكير فى البديل لرئيس المجلس العسكرى واستبداله برئيس مجلس الشعب وأمام رفض مجلس الشعب والأغلبية لهذا المقترح باعتباره يحدث خلطا بين السلطة التنفيذية والتشريعية فسنجد أنفسنا أمام جدال شديد وربما نتجاوز الشهرين ونصف الشهر، وتطول المدة بعكس ما يريد أصحاب هذه الدعوات، لذا من الأفضل الآن الالتزام بالجدول المحدد لتسليم السلطة، وربما يكون هناك مجال لتحريك بعض المواعيد خلال المتبقى من المرحلة الانتقالية إلى مواعيد أقرب.

يومـان رائعان بقلم د. يحيى الجمل ٣٠/ ١/ ٢٠١٢


أما اليوم الأول فهو الخامس والعشرون من يناير عام ٢٠١١، وأما اليوم الثانى فهو الخامس والعشرون من يناير ٢٠١٢.
هذان يومان تاريخيان ورائعان بكل معانى الكلمة.
أما اليوم الأول فيكفيه للاعتراف بروعته وتاريخيته أنه كان اليوم الذى كسر فيه الشعب المصرى وفى مقدمته شبابه الثائر النبيل حاجز الخوف إلى غير رجعة. والأمر الثانى أنه كان اليوم الذى وضع فيه الشعب المصرى رجليه على أعتاب الديمقراطية.
وهكذا بدأت الثورة.
ومر عام الآن على قيام الثورة وكان هناك إشفاق وقلق عام بالنسبة لما قد يحدث فى يوم ذكرى الثورة. وكان عندى ما يشبه الحدس اليقينى أن هذا اليوم- ذكرى عيد الثورة- سيمر بسلام وسيكون الصوت الغالب فيه هو صوت العقلانية والرشد. وزاد من هذا اليقين عندى ما حدث فى ميدان التحرير يوم عيد رأس السنة الميلادية حين التقت مجموعات من الأقباط والمسلمين فى الميدان واحتفلوا وابتهلوا واتجهوا إلى الله أن يحقق آمال مصر حتى تستكمل الثورة.
وبالأمس القريب فى يوم الذكرى الرائعة خرج ملايين المصريين إلى الميادين العامة فى شتى محافظات مصر وكان ميدان التحرير فى القاهرة- وسيظل بإذن الله- هو البؤرة والرمز. ولم يحدث أى احتكاك جدى أو شجار عنيف بين المتواجدين فى ميادين مصر المختلفة. حدثت بعض الإصابات نتيجة الازدحام والتدافع وعولج أغلبها فى مكانه ونقل عدد قليل من الحالات إلى المستشفيات العامة وأظنها تكون الآن قد تم شفاؤها والحمد لله.
وأحب أن أشير هنا إلى بيان الجمعية الوطنية للتغيير- والتى أعتز بأننى كنت أحد مؤسسيها- حيث يقول البيان: إن خروج هذه الملايين الحاشدة قد منح الثورة المصرية ميلاداً عفياً جديداً وأعطى قوى الثورة فرصة سانحة لضم صفوفها وتنسيق أعمالها والنهوض لاستكمال مسيرتها، وأشار البيان إلى أن واجب البرلمان الجديد يحتم عليه أن يتجه نحو دستور توافقى جديد تتبناه جمعية تأسيسية تمثل كل أطياف المجتمع وقواه السياسية. وهو المعنى الذى كثيراً ما رددته فى كل كتاباتى ومداخلاتى.
والذى أريده اليوم هو تحليل مختلف الهتافات والنداءات التى نادى بها الفرقاء المتجمهرون.
لعل أبرز النداءات والذى كان هو النداء الذى شارك فيه أغلب المتواجدين فى ميادين مصر المختلفة هو ضرورة أن توجد محاكمات ثورية لرموز الفساد السياسى والمالى فى النظام السابق وفى مقدمتهم الرئيس المخلوع ونجلاه وزوجته وكل رموز حكمه.
هذا المطلب كان مطلباً مشتركاً إلى حد كبير بين سائر الاتجاهات. فما هى إمكانية تحقيق هذا المطلب الآن وما هى العقبات إن وجدت.
كان هذا المطلب سليماً وهاماً ومشروعاً منذ الأيام الأولى للثورة. ووقتها كان يلزم أن تنشأ محكمة ثورة خاصة لمحاكمة هؤلاء الذين أذلوا مصر وأهانوها على مدى ما يقرب من ثلاثين عاماً وفى كل المجالات والميادين.
ولكن ذلك لم يحدث حين كان يجب أن يحدث وكان يمكن أن يحدث وأحيلت تلك القضايا إلى المحاكم الجنائية العادية.
وتقديرى أن محكمة الجنايات التى تحاكم الرئيس المخلوع ونجليه وحبيب العادلى هى محكمة على أعلى مستوى من المهنية والموضوعية وقد أحيلت هذه القضايا إلى المحكمة بالطريق القانونى السليم فهل يمكن الآن انتزاع اختصاصها كما يطالب الثوار وأن يعهد بهذا الاختصاص إلى محكمة ثورة خاصة.
تقديرى أن هذا المطلب تقف أمامه عقبات قانونية. وعلى أى حال فإن مجلس الشعب الذى يملك سلطة التشريع يستطيع أن يواجه هذا الأمر عسى أن يجد مخرجاً يحقق رغبة الثوار وهى رغبة مشروعة مادمنا نحتفل بذكرى الثورة. هذا مطلب ثورى وهذا هو مجلس الشعب الذى جاءت به الثورة وعليه أن يتصدى لهذه المسؤولية.
هذا عن المطلب الذى شاركت فيه أغلب الفئات التى خرجت إلى الميادين العامة. أما المطلب الثانى والذى اقتصر على بعض الكتل السياسية المشاركة فكان هو نقل السلطة من المجلس العسكرى فوراً إلى سلطة مدنية.
هذا المطلب رفضته التيارات الدينية وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة وقد قرأت للدكتور عصام العريان، نائب رئيس الحزب وعضو مجلس الشعب, فى تصريح له لجريدة الشرق الأوسط- نشر بتاريخ ٢٦ يناير ٢٠١٢- أن المطالبة بتنحى المجلس العسكرى تؤكد إصرار البعض على عدم الالتزام بخارطة الطريق الواقعية التى توافقت عليها كل القوى السياسية والتى تحدد انتقال السلطة نهائياً من المجلس العسكرى إلى السلطة المدنية قبل ٣٠ يونيه المقبل. وأضاف الدكتور العريان قائلاً إن الاستمرار فى إهانة المجلس العسكرى واستدراجه إلى معارك فى الشارع سيؤدى إلى ضياع البلد كله.
ولكن جماعات سياسية أخرى وعلى رأسها شباب ٦ أبريل وغيرهم اعتبروا هذا المطلب بنقل السلطة فوراً هو مطلب أساسى من مطالب الثورة.
وأنا هنا أتساءل مع هؤلاء الزملاء عن ماذا يتنازل المجلس العسكرى الآن وماذا ينقله وإلى من؟ كان المجلس العسكرى يتولى قبل انتخابات مجلس الشعب وقبل حكومة الدكتور كمال الجنزورى كل سلطات الدولة.
والآن انتقلت السلطة التشريعية وسلطة الرقابة إلى مجلس الشعب المنتخب انتخاباً سليماً نزيهاً- سواء رضى البعض عن نتائج الانتخابات أو أنكرها- ولكن هذه هى إرادة الشعب التى لابد من احترامها والرضوخ لها وإلا هدمنا كل أسس النظام الديمقراطى.
هذا عن سلطة التشريع ورقابة السلطة التنفيذية. ليس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة منها الآن شىء.
أما السلطة التنفيذية فيتولاها مجلس الوزراء الذى ينعقد أكثر من مرة هو أو لجنة من لجانه مرات على مدار الأسبوع ويتخذ ما يراه من قرارات دون معقب عليه والذى سيخضع بحكم الضرورة لرقابة البرلمان عندما تنتظم جلسات مجلس الشعب.
وهكذا تكون سلطة التشريع والرقابة والتنفيذ قد انتقلت فعلاً ولم تصبح فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وعلى ذلك فماذا بقى للمجلس من سلطات وهل يمكن نقلها فعلاً.
المجلس ومعه الجيش المصرى كله مهمته الأساسية هى حماية مصر من أى عدوان خارجى وقد تبرز هذه المهمة فى الحدود الشرقية أكثر مما تبرز فى الحدود الأخرى وذلك لوجود العدو الرئيسى الذى يتربص بها والذى يتحيّن أى فرصة للانقضاض على سيناء ليعيد عجلة التاريخ إلى الوراء.
هل هذه المهمة قابلة للتنازل ولمن؟
من ناحية أخرى فى هذه المرحلة الانتقالية التى لن تستمر أكثر من خمسة أشهر من الآن من يملك إمكانية الحفاظ على النظام العام وعلى الضبط والربط داخل البلد. من يملك فى هذه المرحلة وفى هذه الأيام أن يصون أمن الناس وحياتهم.
ليت هؤلاء الإخوة الذين يطالبون برحيل المجلس العسكرى فوراً والآن أن يسألوا أنفسهم هذه الأسئلة وأن يجيبوا عنها بقدر من الرؤية والعقلانية.
والله المستعان

مصر بين ثورتين! بقلم محمد أمين ٣٠/ ١/ ٢٠١٢


لا تنس أنك عملت ثورة رائعة.. لا لكى يركبها عسكر ولا حرامية.. فمصر لن تكون غير دولة مدنية.. لا هى عسكرية ولا ينبغى.. ولا هى دينية ولا ينبغى.. تذكر أنك عملت ثورة، ولديك الآن خبرة الثورة.. وأنك لا يمكن أن تبيع ثورتك.. خليك فاكر كمان، أن ثورتك تتعرض للخطر، حين ترفع الأحذية.. وإليكم الحوار:
- شفت مبادرة عمرو خالد للم شمل الثوار؟!
- طبعاً عاملها لصالح الإخوان.. مش لله!
- يعنى إنت عاجبك اللى بيحصل فى الميدان؟!
- الأول اسأل مين السبب؟.. شفتهم وهمه بيغلوشوا علينا بالقرآن؟!
- المصيبة إنكم داخلين الميدان منقسمين.. كل واحد ناوى على كارثة!
- همه اللى بيستعرضوا عضلاتهم.. فاكرين هنسيبهم يتهنوا بالتورتة!
- فاكر لما كان ميدان التحرير فى الثورة الأولى يشبه الكعبة؟!
- فاكر طبعاً.. حاجة مش ممكن تتنسى!
- فاكر لما كنا بنطوف فيه بخشوع.. وكان ناقص نخلع الأحذية؟!
- أيوه فاكر.. مصر كانت حاجة تانية خالص!
- دلوقتى برضه بنخلع الأحذية.. وبنرفعها فى وش بعض.. بعد ما كنا بنرفع العلم!
- أنا معاك ده خطأ.. بس احنا اتظلمنا برضه!
- تعرف هوه ده الفرق بين الثورة الأولى والثورة الثانية!
- فاهم كنا فى الأول إيد واحدة.. دلوقتى بقى فيه انتهازية!
- فى الأول عملنا ثورة عظيمة.. أسقطنا النظام بكلمة «ارحل»!
- ودلوقتى هنسقط المجلس العسكرى اللى بيحمى مبارك!
- فى الثورة الأولى أسقطنا الوريث والرئيس!
- وفى الثورة الثانية هنسقط المشير.. بدأنا بحملة «كاذبون»!
- إنتوا بتتكلموا فى حسبة شهرين.. تفتكروا دول حاجة كتيرة؟!
- تضمن منين إنهم يمشوا بقى فى الموعد؟!
- بس همه سلموا السلطة التنفيذية للجنزورى، والسلطة التشريعية للبرلمان!
- خلاص يبقى لازم يرجعوا ثكناتهم فوراً.. وإلا فالثورة مستمرة!
- سؤال: يسلموها لمين أولاً؟!
- يسلموها للدكتور البرادعى.. مفجر الثورة.
- هههههههههه.. كده مرة واحدة دون انتخابات!
- يسلموها للبرلمان المنتخب.. لو كانوا صادقين.
- البرلمان مش عاوز.. الإخوان رفضوا.
- ده علشان بينهم صفقة.. خد البرلمان وآخد الرئاسة!
- لأ.. الفكرة مين هيقبل الورطة دى.. يابنى الإخوان فى كابوس!
- إنت الوحيد اللى بيقول كده.. كابوس مش حلم!
- تفتكر حلم الإخوان يمسكوا مصر فجأة؟!
- أومال كانوا بيحاربوا ليه يعنى، لإتمام خارطة الطريق؟!
- المسألة بقت ورطة كبرى.. دلوقتى فاقوا من الحلم!
- العسكر لعبوا لعبة عشان يقعدوا يحموا أنفسهم!
- طيب إيه رأيك، همه مش عارفين الرجوع يبقى إزااااى؟!
- يا سلااااام.. يسلموا ويمشوا.. مش عاوزة فلسفة!
- التسليم لرئيس منتخب فى انتخابات رئاسية.
- إمتى؟.. ولا عاوزين خروج آمن؟!
- لأ.. الموعد المحدد فى «يوليو».. وممكن تبقى فيه مفاجآآآآت.
 عتقد أننا جميعا وبالأخص تلك التيارات الإسلامية والتى بدأت المشاركة الجادة والعلنية للمارسة السياسية لابد لنا وواجب بل ومفروض علينا أن نسعى جاهدين لنمتلك فقها دينيا.، وأيضا فقها سياسيا مضافا إلى كليهما فقها مجتمعيا وثقافيا وقانونيا ودستوريا نستطيع من خلاله أن نفرّق ما بين حشد الأتباع والأنصار..حول الرؤى والأفكار لإختيار ما نظنه أفضل إختيار دون تسفيه أوتحقير للآخر .،وما بين شحن وتعبئة الأنصار وفرض رأينا قهرا وكأننا فى جهاد نحارب فيه أعداء الوطن والكفّار.! ولست هنا بمنفك أدعوا كلا الأطراف إلى ضرورة المراجعة ليس فقط للسلوك الخطأ المقترن بالقول حينا عن جهل وعدم فهم وإدراك ، وحينا عن عمد وقصد لا يصلحه أبدا مجرد إعتذار ملوك باللسان.، ولا حتى مبادرة تقدم سعيا للتوافق من خلال وجهة نظر منتصر يمن على مهزوم بطريق ثالث قد يعد إختيار.! ولكن يجب أن تكون المراجعة قبلا للرؤى والأفكار من خلال الطرح أصلا كمعتقد ومنهج فكرى وأيدلوجى يبنى عليه كل فريق خطط الدفاع والهجوم والكر والفر للنيل من الفريق الآخر.، ولكن لتنال مصر بكل أطيافها وفرقها أقرب إختيار لأأمن الطرق وأيسرها وكذا الصواب فتحقق فيه الغد الأفضل يالإصلاح الأكييد والتغيير المفيدللجميع وليس فقط لفئة وفريق على حساب الآخر .،. و فى ذلك فليتنافس المتنافسون.وتعبّد الطرق ويكون الحشد للأتباع والأنصار بعرض المزايا وقلة العيوب فى الرؤى والأفكار المطروحة من خلال فريق وعكسها فى الجانب الآخر ، وليس بالشحن والتعبئة ضد الأشخاص وإعتبار ما ينطق به الآخر كفر بواح وعداء صراح يستلزم الهجاء والجهاد ، وتحليل الخداع بنشر الشائعات والأكاذيب بفقه الحروب القديم الذى أبدلا لا يصلح لإدارة المعارك السياسية إن جازت التسمية فلا يجوز إعتداد فكر وفقه الحروب التقليدية فيها.، ولكن يلزم لتلك المعارك فقه وفكر جديد نميز به وفيه ما بين حشد الأتباع والأنصار..حول الرؤى والأفكار لإختيار ما نظنه أفضل إختيار دون تسفيه أوتحقير للآخر .،وما بين شحن وتعبئة الأنصار وفرض رأينا قهرا وكأننا فى جهاد نحارب فيه أعداء الوطن والكفّار.! اللهم قدبلّغت .. اللهم فاشهد.!

الأحد، 29 يناير 2012

احلم.. احلم.. احلم بقلم نادين البدير ٢٩/ ١/ ٢٠١٢



ما هو حلمك؟ بماذا حلمت وأنت صغير؟ هل دمرك حلمك؟ أم أنعشك وأعاشك؟ أم كنت ممن ابتعد عن الشر بمجرد بزوغه الأولى واتبع خطا الواقع بتقاليده الرتيبة ذات السعادة المعروفة بلا خيالات مرهقة أو كوابيس مزعجة؟
ولمن كسر القاعدة ولم يتبع الأنساق واتبع حلمه مهما كان جنونه: هل تشكر القدر على نعمة الأحلام؟ أم تتذكر الموعد الذى غفوت فيه مستيقظاً وتستعجب من تماديك فى تشكيل عالم لم يكن موجوداً؟
فى هذا المجتمع الذى يمقت الحالمين، ويضيق الخناق عليهم، من يملك الجرأة على إعلان حلمه؟
من تملك الجرأة على ذلك ولو سراً؟
أعتقد أن الأمر مع المذنبين قد سار كالتالى:
يغريك الخيال، فتتمرد. أول خطوة تبدؤها خائفاً قلقاً تعجبك البداية فتتمادى أكثر، بعدها لا تعود تسمع أو ترى شيئاً معتاداً. الناس من حولك، الكل يستنكر ما تفعله، وعيناك لا تتسعان سوى لخيالك، وطريقك خالٍ إلا من عمود واحد عليه مصباح واحد شعلته تتراقص متعالية حتى على العمود الذى يرفعها.. تنطق قائلة: «احلم»، وحين تصل إلى هناك، حيث منتصف المسافة أو ربما نهاية الدرب، وفيما أنت تفكر بزهو وفخر فى بدايات حلم جديد يطرأ على بالك شىء مهم، تنظر من حولك، فلا تجد أحداً.
هنا. الأحلام أثمانها باهظة، هكذا قالوا لنا.. فكيف تتحقق المعادلة؟ كيف نحافظ على حياة سوية ونتمسك بأطراف حلم ما فى الوقت ذاته؟
أنت عنيد. تعلم أن تحقيق المعادلة فى المكان العربى من رابع المستحيلات بفعل التقاليد، لكن كل ما بك يدغدغك ويدفعك لاتباع إلهامك وضوضائك وفوضاك، وكل ضروب البوهيمية الفكرية التى يعيشها خيالك. تقول إن تلك الضروب كانت أساس إبداع الشعوب. قل لى أيها المذنب: من يهتم لإبداع الشعوب هنا؟
الحلم فى هذا المكان يفصل على قياس الجميع، مثلما يفصل الفكر على قياس الجميع، مثلما يقررون لك متى تنام ومتى تثور، متى تهدأ ومتى تعصف... إلى آخر تنشئة القافلة التى تسير بنغمة واحدة وتسهر على حلم واحد أيضاً.
لا أدعو لأى تمرد، بل لإنعاش علاقتى والأحلام. ماذا يعنى لو انشققت وحلمت بشىء غير الموروث المرسوم القديم؟ ماذا لو أحلم حلماً غبياً، أو هستيرياً؟ وماذا لو أرفض السير مع القوافل العظيمة؟ ماذا لو أسير وحيدة فى قافلة رثة، لكنها حلمى؟
الأمانة تلزم أن أصارحك بأنك، لكى تعيش سعيداً بشكل مطلق (نوعاً ما) فى هذه الأرض التقليدية، انس أن تحلم غير الحلم المعهود. خذ شهادتك، واعمل بأى وظيفة، ثم تزوج وأنجب أطفالاً ولا تسأل كثيراً ولا تسرف فى القراءة ولك أن تتناول ما شئت من الطعام. أنت أيضاً تعلمى دون أن ترتقى فى العلم كثيراً وتزوجى مبكرة ثم أنجبى الأطفال، ومثله لا تطرحى الكثير من الأسئلة، واسمنى قدر ما تستطيعين.
كى تعيش السعادة الدارجة لا تمارس الغباء، لا تدخل فى تعاتيم الأحلام وتتحد وتنفذ ما يتلوه عليك إلهامك ووحيك.
أسأل نفسى كل ليلة قبل أن أنام: هذا الطريق الوعر، ما السعادة التى أراها فيه؟ أصفها بأنها ليست سعادة بعيون مجتمعية. هى سعادة من نوع آخر، لاذعة أحياناً، موجعة يملؤها التشويق، ورغم ذلك يكفى أنه طريقى الذى ابتدعته دون إملاء.. هذه سعادة فى حد ذاتها، نعيشها ـ غيرى وأنا.. نحن الذين رفضنا أن ننسى، ولم نعر اهتماماً لمن يصنف الأحلام بين حلال وحرام.
وكيف ننسى الحلم؟ من ينسى شرفه؟
فى فيلم أمريكى ريفى غير معروف قالت الأم لابنتها: لا تدعى مخلوقاً يقف بينك وبين أحلامك، ولا تتنازلى عن حلم، لأنك لن تنسيه أبداً وسيلاحقك كالكابوس حتى تنهيه أو تعيشى محطمة.
نزول الشباب للميادين يعنى أن الناس لم تنس وما زالت تحلم، وخروج التظاهرات فى كل مكان عربى يعنى أن الأحلام الحرة لم تمت ولم يصيبوها فى مقتل كما ظنوا. تقف الأحلام على رؤوس الجبال، ويقف البقية يبحلقون، عاجزين عن هزها وتحريكها.

ألف باء تاء بقلم مفيد فوزى ٢٨/ ١/ ٢٠١٢


سأفترض أن مصر- بعد برلمان شرع الله- تتعلم من جديد مبادئ القراءة الرشيدة فى بناء الأمم، والمفترض أن ألف باء تاء ثاء لهو إقصاء الماضى ببلاويه، فلا يطل علينا ويفسد الحاضر وليس إقصاء الطاقات المصرية التى تربت فى معامل الحياة. يجب أن نفهم أن الإقامة الطويلة فى محطة الماضى توغر الصدور وتؤجج شهوة الانتقام. يجب أن نفهم أن المعرفة صارت متاحة عند أطراف أصابع الشباب، أقول المعرفة وليست «الخبرة»، فالخبرة هى حصاد نار التجارب، والتجارب ثمرة السنين. وبهذه «الطاقة الإيجابية» نتآمر للبناء لا للتخريب، و«نضمر» لبعضنا الحب لا المقت والكراهية. ألف باء تاء نهوض أمة هو ثورة أخلاقية، تخرج فيها الضمائر الحية إلى الميدان وتخلع الأقنعة التى تختبئ وتتطهر النفوس وتصلى معاً جماعة فى مسجد الوسطية وكنيسة المحبة. وإذا كنا حقا «نحلف بسماها وبترابها» فلابد أن ننسى ذواتنا لتحيا مصرنا ولا تنكسر.
أن تصل مصر إلى «برلمان شرع الله» خطوة على طريق الألف ميل الذى سنسابق فيه الزمن حتى يسكن التعليم الجيد داخل المسام وفى الجينات ليطرد الجهل والتخلف والتطرف. هذه الثلاثية المدمرة للشعوب.. وهى المكون الرئيسى للنظم الفاشية والديكتاتورية التى تعتبر الفرد «لقيطا» والحاكم نصف إله. لقد كنت أفسر بعض أحداث العام المنصرم بكلمة واحدة دون أن أبذل جهدا فى التبرير والتفسير، فسرت «قطع الطرق» بالجهل فسرت «قطع أذن مواطن فى قنا» بالتطرف، وفسرت حادث «سحل فتاة» بالتخلف. ويوم أرى فى المجلس الملتحى الموقر نقاشا مجتمعيا حول «تعليم بقصد التفكير لا التلقين» و«تعليم نحتاج إليه يرتبط بسوق العمل» و«تعليم صناعى يعيد مكانة الأسطى نقطة الارتكاز بين العامل والمهندس» سنصفق له مائة مرة وأكثر لقد آمن المجلس الموقر بأن التعليم هو الحل.
ألف باء تاء نهوض الأمم أن تتغلب «روح الفريق» على الذات وأن نتخلص من روح الزعامة ونبرة الاستعلاء التى كانت سمة الميدان على امتداد عام وأشهر. إنى أقسم أن المصرى- مثقفا أو أمياً- صار يلوك السياسة فى فمه ويعرف حقوقه ربما أكثر من واجباته، ولكن لا يستقيم مجتمع كله زعماء، ولو حدث أن اتفق مائة على رأى واحد وكبرت المائة وصارت ألفاً، فسوف ندرك أننا قطعنا مشواراً يستحق الثناء فى كتاب القراءة الرشيدة لنهوض الأمم. ألف باء تاء أن «نتدارك» أخطاء الماضى، فلو كانت ثورة يوليو جعلت من مبادئها الستة «الحرب على الأمية» لصرنا بعد ستين عاما أنضج شعوب العالم، ولو انتبهنا إلى سيطرة الطابع الاستهلاكى وصحبته من الكسب السريع، لما أصابنا التواكل السيئ، ولو عرفنا قيمة الأرض والعرض لما بيع كل شبر من الأرض بالأمر المباشر.
هذه الأخطاء نعترف بها لكى نقفز للأسباب والنتائج، فقط علينا، ومصر فى براءة مرحلة الحضانة، أن تتجرد العقول من أى تبعية إلا ترابها وسماها، وتصفو النية، ويظللنا انتماء حقيقى، وليس انتماء الأغانى أو تهتهة المذيعات بحب مصر. صدق القصد- وحده- سيحرث أرضنا من جديد، ونلقى بذور الجدية فنحصد أشجار الجدية. ألف باء تاء مبادئ نهوض الأمم التى يجب أن تتعلمه مصر «الجديدة» هو أهمية الوقت وضبطه بعد هدره وسفحه واحتقاره، فعامل الوقت صنع ألمانيا بعد الحرب، وصنع اليابان بعد هيروشيما، وصنع ماليزيا أحد النمور السبعة.
ولعلم برلمان شرع الله أن بلدا يعمل بسواعده وضمائره أعظم عند الله من شعب كسول يؤدى الفرائض فقط! إذ ويل لأمة تلبس مما لا تنتج وتأكل مما لا تزرع «جبران خليل جبران»، وشرع الله فى العدل الإنسانى فى «عمل» لشاب لا يذهب للغرق على سواحل أوروبا، شرع الله فى «سرير» بالمستشفى للشفاء لا للموت، شرع الله فى «تدفق سياحى» على البلد دون شعور بأن الشاطئ عورة للكفار. علينا أن نتصارح، فمصر تتعلم الآن أبجدية الديمقراطية فى روضة الحرية، دون أن نصاب بـ«طول الجدل وقصر العمل»، ليتنا ونحن نتعلم مبادئ القراءة الرشيدة لنهوض الأمم لا نخطئ فى الإملاء! فلو أخطأنا، فلا محل لنا من الإعراب.

السبت، 28 يناير 2012

عام على ثورتنا المجيدة «١» بقلم عمرو الليثى ٢٨/ ١/ ٢٠١٢


أستعرض شريط الأحداث منذ يوم ٢٤ يناير ٢٠١١، وحتى سقوط نظام مبارك فى ١١ فبراير ٢٠١١، وكانت تلك الأيام من أكثر الأيام تأثيراً ليس فى حياتى وحياة أسرتى فقط، لكن فى حياة جميع المصريين.. إن الـ١٨ يوماً التى مرت على عمر مصر أيام لا تنسى.. ففى تلك الأيام سطر الشهداء بدمائهم تاريخ مصر وحاضرها ومستقبلها المشرف، وفى تلك الأيام ضحى المصابون بعيونهم وأجسادهم فى سبيل إسقاط نظام فاسد قبع على صدورنا ثلاثين عاماً.. وعندما أتذكر وأحيى ذكرى الثورة لا أجد سوى المقالات التى قمت بنشرها فى «المصرى اليوم» فى تلك الفترة المهمة فى تاريخ مصر.. وعندما أسترجع ما كتبت بدءاً من يوم ٢٤ يناير حتى سقوط «مبارك» أشعر بأن ثورتنا نجحت على الأقل فى إسقاط «مبارك» ونظامه، لكنها لم تحقق أهدافها التى قامت من أجلها، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية.. واسمحوا لى بأن أتذكر معكم بعض التعليقات التى نشرتها فى الأيام الثمانية عشر، وقبل سقوط «مبارك» ونظامه.
الإثنين ٢٤ يناير ٢٠١١ (الحكومة لازم ترحل)
وقد كتبت فى هذا المقال الذى صدر قبل الثورة بيوم الآتى: «رئيس الوزراء الدكتور (نظيف) يتحدث عن ارتفاع معدلات النمو، وأمنياته بأن تصل إلى ٨٪، والناس تشعر بأن كلام رئيس الوزراء للاستهلاك الإعلامى.. فكلما تحدث مسؤول فى الدولة عن ارتفاع النمو (الناس نموها بيقف).. وكلما تحدث وزير فى حكومة مصر المحروسة عن انخفاض أسعار السلع الرئيسية.. (الأسعار بتولع)!!.. وإذا ما أعلن وزير الإسكان، أحمد المغربى، عن اجتماعات طارئة مع القيادات لسرعة الانتهاء من مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى يستيقظ الناس فيجدون (لا عندهم مجارى وعايشين على الطرنشات، ولا لاقين مياه نظيفة وبيشتروا الميه.. الجركن بـ٢ جنيه).
هذه الحكومة حكومة كاذبة.. على مدار سنوات عمرها لم تشعر بالمواطن الغلبان إلا فى تصريحات مسؤوليها الإعلامية، أما على أرض الواقع فقراراتها متخبطة، ولا تشعر بمحدودى الدخل.. وعندما يتفتق ذهن رئيس الحكومة ليؤكد أن الشعب فى رفاهية يخرج ليقول: إن الحياة مزدهرة والدليل (قالوله) قالوله إن الشعب سعيد، وحيثياته ارتفاع مبيعات المشروبات الغازية (بالذمة ده كلام؟).. قالوله إن الشعب هيقطع هدومه من الانبساط، والدليل (الإقبال على شراء أجهزة التليفزيون).. بالله عليكم.. هل هذا كلام مقبول أو حتى معقول؟!
حكومة أصبح الإنسان فيها يتسول من أجل لقمة العيش.. حكومة أصبح المواطن فيها يبحث فى أكياس الزبالة ليجد بقايا طعام لأسرته الجائعة.. حكومة فى ظلها أصبح الداخل إلى مستشفيات الحكومة مفقوداً والخارج مولوداً.. حكومة فى ظلها ازداد الغنى ثراء والفقير فقراً!! حكومة أحد وزرائها يتباهى بأن دخل المواطن فى الشهر ١٠٠ دولار!!.. حكومة يشرب جزء من شعبها (مية مجارى).. ويأكلون محصولات زراعية رويت بمياه الصرف وأسماكاً تعيش فى مياه ملوثة!!.. حكومة باعت ممتلكات الشعب بالبخس تحت مسمى الخصخصة.. وبعد كل ذلك نجلس (لنمصمص شفايفنا)، ونقول الحكومة (عملت وسوت).. حكومة تحول فيها الحاصل على بكالوريوس تجارة وهندسة وطب إلى زبال أو سمكرى أو نقاش مع احترامى لهذه المهن.
حكومة حولت مفهوم الشفافية إلى كابوس فى ظل وجود وزراء رجال أعمال نصف أقدامهم فى الوزارة والنصف الآخر فى أعمالهم الخاصة (وهى اللى باقيلهم بعد خروجهم من الوزارة).. الاقتصاديون يحذرون حكومة (نظيف) من تكرار أحداث تونس، ويطالبون بوضع خطط لتحسين الأجور، والقضاء على ارتفاع الأسعار.. بالمناسبة.. تونس فى عهد (بن على) حققت إنجازات كانت الحكومة هناك تتباهى بها، لكنها كانت إنجازات لفئة محددة، والغالبية كانت تعانى من الظلم والفساد وغياب العدالة.. لذا فإن الفساد والظلم (يمحوان أى إنجازات للحكومة)!
إنى أطالب الرئيس مبارك بأن يقيل حكومة نظيف (عاوز أقوله يا ريس الناس تعبت من هذه الحكومة.. يا ريس الناس عايزه حكومة شعبية.. حكومة تحس بيها.. وتعمل على مصالحها.. يا ريس الناس مش عايزه حكومة إلكترونية، لكن عايزين حكومة إنسانية تشعر بهم وبآلامهم وتحل مشاكلهم.. تكون ليهم مش عليهم»!!

مجلس شورى الجماعة بقلم جلال عامر ٢٨/ ١/ ٢٠١٢



تعالى نتعرف جرالك إيه؟! فليس ضرورياً أن من يدافع عن الفقراء يجب أن يكون حافياً أو تجتمع الجمعية العمومية للذباب على وجهه، وقد كان «أحمد شوقى» الثرى يصف الفقر أفضل من «حافظ إبراهيم» الفقير، وقد عرفت مصر الفقر مع مجىء مجلس الشورى ضيفاً عزيزاً على شعب فقير، وأتذكر أن أول رئيس له كان منافساً لـ«جمال حمدان» فى الجغرافيا، وآخر رئيس له كان منافساً لـ«ترافولتا» فى الرقص، لذلك نقلونا من فوق الخريطة إلى صالة الديسكو..
وفى فيلم «دائرة الانتقام» شطب البطل على أسماء الحزب الوطنى ومباحث أمن الدولة وبقى مجلس الشورى شاهداً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.. ومن أجمل الأشياء أننا نقسم على الدستور فى غيابه ثم لا نحترمه فى وجوده، واليوم كان من المفترض أن يكمل «خالد سعيد» عامه الثلاثين لولا «المخبرين»، وأن تكمل الثورة عامها الأول لولا «المتربصين»، وكلاهما تم تشويه وجهه.. فلا تسألونى ما اسمه حبيبى لكن من الممكن أن تقرأه فى خطابات العشاق أو على مسلة الشهداء.. وقد صور «صلاح عبدالصبور» أجساد الشهداء تلتف تحت سارية العلم، لكننا وضعنا سارية العلم فى مركز شباب الجزيرة بينما الشهداء فى ميدان التحرير.. لذلك لم تصل الثورة إلى مائدة المصريين، وارتبطت «الفاكهة» بوجود مريض، وارتبطت «اللحمة» بوجود انتخابات، وكأن الاختيار بين «حر» جائع أو «عبد» شبعان..
 لذلك على الدولة أن تترك مؤقتاً مراقبة الميادين وتتجه إلى مراقبة الأسواق.. وسوف يسلم المجلس العسكرى السلطة مبكراً قبل السادسة صباحاً، وعلينا من الآن أن نعد مائدة الفطور، فارتفاع الهتافات لن يخفض الأسعار لكن البطون الخاوية تنتج الميادين الممتلئة.. فعلى المجلس أن يرحل وعلى المجلس الآخر أن يرحم، وعلى الشعب أن يلحظ أن شباك منور البلد مازال مفتوحاً، وأن النيل مازال يصب فى سويسرا، وأن شيخاً واحداً سرقوا من بيته نصف مليون جنيه، فاللصوص الجبناء لم يأخذوا بمواعظه عن مزايا الفقر، وفضلوا أن يأخذوا نقوده.. فهذا زمن الشيوخ واللواءات.. أما المواطن فعليه أن ينزل فى هذا الصقيع لانتخاب مجلس شورى الجماعة لعله يعيدنا من صالة الديسكو إلى خريطة العالم، أو على الأقل يعيد النقود إلى فضيلة الشيخ.

الجمعة، 27 يناير 2012

اللى خلف.. مات بقلم إسعاد يونس ٢٧/ ١/ ٢٠١٢



■ يوم الإثنين ٢٣ يناير ٢٠١٢ تم افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة بمجلس الشعب المنتخب.. قعدنا يوميها نستعرض الوشوش فى أول تجمع ليها سوا سوا.. أصل كنا بنشوفهم فرادى فى إعلانات الشوارع والبرامج بس.. وراقبنا الأفعال اللطيف منها والمستفز واللى بيدوس على عصب التبول اللاإرادى.. قضينا اليوم واحنا بنتعرف على اسم الله عليهم الأعضاء نفر نفر وهما بيحلفوا القسم بأنهم سوف إن شاء الله يعنى يحترموا الدستور.. اللى هو مش موجود.. وللحق والتاريخ.. كان هناك انقسام بين الناس.. منهم اللى فرحان ومذبهل عشان قريبه دخل المجلس واتصور تحت القبة.. ومنهم اللى كان مبحلق فى شاشة التليفزيون وعلى وجهه سمات الهطل والغباء وحاسس إنه قالب على فيلم باكستانى.. ومنهم المتشائم اللى كان بيضرب كف على كف ويقول عليه العوض ومنه العوض فيكى يا بلد.. الأكادة بقى إن فرقة من المشاهدين كانت تمارس اللطم ع الصدغ وهم الحلاقين.. الذين تأكدوا إنهم ماعادش لهم عيش فى الشغلانة ويستحسن يقلبوا مراكبية أو كداوى زار.. لكن على الأقل طمأنا أنفسنا بأن لغمطة الانتخابات البرلمانية خلصت وأهو فيه شوية ناس اتستفوا فى المجلس الموقر وربنا يعينهم على بعض ويعينا عليهم فمشوارنا لسه طوووووووووووويل أما نشوف آخرتها.. بنية سليمة أقول.. شدوا حيلكوا كده وحبوا بعض.. إنتوا إخوات فى المجلس.. مش عايزين بلاوى وفضايح الماضى.. مش من أولها حاندى كوع هنا وزومبة هناك ونتخانق مين اللى يقعد جنب الشباك.. إحنا مش طالعين رحلة للقناطر يا حبايبى.. وأحب بهذه المناسبة أن أسمع أغنية الشرعية للميدان مش لحد تانى.. يعنى اللى حايمشى عوج.. هو عارف حايجراله إيه.. ويوم ٢٥ يناير من ٢٠١٢ أكبر دليل على كده.. حاتتشال يعنى حاتتشال يا متقال.. فخلينا حونينين على بعض.. ويللا كلنا نحب بعضنا.. خلينا نخلص من ليلة وقف الحال السودة اللى إحنا فيها دى.
■ عندى فكرة فى راسى بتدور.. إيه رأيكم يا ليبراليين فى إننا نواجه الواقع اللى مصرين ننكره وده اللى تاعبنا وعاملنا هسهس؟؟.. نغير طريقة تفكيرنا ونقول لنفسنا إن الإخوان أصبحوا واقع.. فهيا نتعامل مع هذا الواقع بمنطق أكثر حكمة.. عشان نزق المركب لقدام شوية.. نحن لا نتفق أيديولوجيا معهم البتة.. لكن تحديد الأهداف والمواضيع سيسهل علينا وعليهم المهمة.. إحنا عاملين زى اللى لابدين لبعض فى الدرة ومنشّنين على إنه كل ما حد من التوجه المضاد يتحرك نكعبله.. لا ده بيمشى ولا التانى بيشبع كعبلة ويروّح ينام فى بيتهم.
■ بما إن الإخوان رفضوا تسليم المجلس العسكرى السلطة لرئيس مجلس الشعب نزولا على رغبة الثوار.. وبما إنهم مصرين إن الفترة تكتمل لحد تلاتين يونيو لحد الانتخابات الرئاسية.. وبما إن السؤال المطروح حالياً هو نأجل الدستور شوية ونعمل انتخابات رئاسية؟؟.. وللا نكمل تكوين اللجنة التأسيسية اللى حاتأيف الدستور؟؟.. وبما إن هناك تخوف من إن تكوين اللجنة التأسيسية ياخد دهور ولسه قدامنا انتخابات الشورى ولسه اللجنة حاتقعد تخترع فى الدستور وبعدين يتم طرحه على الناس للاستفتاء ونهرم وإحنا لسه ما خلصناش.. وبما إن الثوار اللى هما احنا وصلنا لنقطة إن على المجلس تسليم السلطة للمدنيين لأن الموضوع زاد وفاض وغطى.. وبما إنى أنا شخصيا لم أعد أتحمل أن يتم التطاول على المؤسسة العسكرية المتمثلة فى المشير والمجلس.. وأكره جدا أن تفسد العلاقة بين المواطن والرجل العسكرى الذى يمثل الظهر الحامى للوطن زى ما حصل مع البوليس.. طب ما تقدم الانتخابات الرئاسية يا سيادة المجلس العسكرى شهرين.. ما تنتهوا من وضع قانون انتخاب الرئيس يا مجلس استشارى وتقدموه وتخلصونا.. حد حايقول لأ؟؟.. حد حايقول ده مش دستورى؟؟.. هو إيه اللى كان دستورى من مارس اللى فات؟؟.. هو فيه حاجة اتعملت صح؟؟.. هو انتوا لو كنتوا سمعتوا كلام الليبراليين وعملتوا الدستور الأول مش كنا وفرنا على نفسنا كل الهردبيس اللى حصل ده؟؟.. مش كنتوا أبطلتوا كل مظاهرات التكفير اللى طلعت فى وشنا زى بابور الجاز ما يهب كده؟؟.. القصد.. أهو اقتراح.. عجب عجب.. ما عجبش نسحبه.. وحقكوا علينا.
■ أقرب وصف لما نحن فيه الآن إننا لايصين لوصة «ينى».. محدش يسألنى هو «ينى» كان لايص فى إيه.. قعدت أدور فى التراث جبنا التعبير ده منين واشمعنى «ينى» مش مخيمر مثلا.. ونكت جوجل ما لقيتش.. لكن أكيد «ينى» كان لايص فى حاجة واحدة بس.. إحنا بقى لايصين لوصة عنقودية متشعبة مشرئبة.. لوصة ينى وخريستو وبابادوبلو.. إيه اللى جاب القلعة جنب البحر.. مش فاهمة أنا.
■ يوم الثلاثاء ٢٤ يناير.. كتب الأستاذ محمد عبدالقدوس فى عموده «متدين فى دنيا الفن» يقول: بمناسبة رفض الرقابة لفيلم كريسماس تكونت مؤخرا ما يسمى بجبهة الدفاع عن الإبداع وهى تطالب دون خجل بإلغاء جميع أشكال الرقابة وترفض هوية مصر العربية الإسلامية، وتقول إنها خليط وتعلن معارضتها لتطبيق الشريعة الإسلامية فى بلادنا، وأرى أن هذا التطرف العلمانى لا يقل خطورة على الفن النظيف والإبداع الحقيقى المحترم من التطرف الدينى، ولمعلوماتك أنصار التيار العلمانى «بيركبهم عفريت» كلما جاء ذكر تعبير «الفن النظيف» زيهم زى الإسلاميين المتشددين بالظبط.. (طب مش نقرا شوية عن الموضوع قبل ما نهاجم واحنا مش عارفين إيه الحكاية أصلا؟!..).
■ ملحوظة: الأستاذ هو نجل الكاتب العظيم إحسان عبد القدوس الذى أثرى الأدب والسينما بأعظم الأعمال مثل أنا حرة والطريق المسدود والنظارة السوداء والراقصة والسياسى إلخ.. وحفيد السيدة الرائعة والصحفية الخالدة والممثلة المسرحية القديرة روز اليوسف والفنان خفيف الظل الجميل محمد عبد القدوس الأب..
كانوا يقولون زمان فى الأمثال.. اللى خلف ما ماتش.. عندما يرون ابنا يمجد سيرة والده العظيم ويحيى أعماله وذكراه ويحترم فكره وإبداعه ولا يتبرأ منه.. أستاذ إحسان.. بالنسبة لك.. اللى خلف مات وشبع موت..

الدستور فى النُص بقلم محمد سلماوى ٢٧/ ١/ ٢٠١٢


بعد مرور سنة على قيام الثورة، بدأت من الأمس مرحلة جديدة فى تاريخ البلاد، قد تكون أقصر من السنة التى أضعناها فى التخبط والامتناع عن اتخاذ القرارات التى كان ينتظرها الشعب، لكنها بالتأكيد مرحلة دقيقة، بل هى أكثر دقة من المرحلة السابقة، فهى التى يجب أن توصلنا فى النهاية إلى رئيس جديد منتخب، يتسلم السلطة من المجلس العسكرى.
لقد بدأ المجلس العسكرى عهده بأن أغرق البلاد فى حالة من البلبلة حول أولويات المسار السياسى، وأدى عدم الحسم فى هذه القضية إلى حالة من الاستقطاب انقسمت فيها البلاد بين فريقين: أولهما يطالب بالدستور أولاً، وثانيهما يطالب بالانتخابات أولاً، ومثل هذا الجذب على الجانبين ساهم فى تأخر تقدم البلاد نحو إعادة البناء وإقامة النظام الجديد الذى كان يتطلع إليه الناس.
ثم فجأة، قرر المجلس العسكرى إجراء تعديل على الدستور القديم وفق ما أشارت به اللجنة التى شكلها المجلس، والتى راعت بحكم تشكيلها المعيب المصالح السياسية الصغيرة لجماعة الإخوان المسلمين وليس المصالح الكبرى للوطن، وهكذا جاء الاستفتاء على المواد الدستورية التسع، الذى دعا إليه المجلس ليكرس حالة الاستقطاب التى اكتنفت المجتمع ما بين مؤيد للتعديلات التسعة على الدستور القديم ومطالب بإسقاط الدستور القديم ووضع دستور جديد، وكان فى ذلك استقطاب ثان أعمق من الأول.
وعند ظهور نتائج الاستفتاء التى جاءت بنسبة ٧٠٪ مؤيدة لأعمال الدستور بالتعديلات المستفتى عليها، وجد المجلس أن الصراع المجتمعى الذى جمد تقدمنا أوشك على الانتهاء، فإذا به يقرر فجأة عدم العمل بالدستور، وضرب عرض الحائط بنتيجة الاستفتاء، وذلك بإصدار إعلان دستورى جديد يحل محل الدستور الذى تم استفتاء الشعب على تعديلاته.
والحقيقة أن الأقلية التى رفضت الاستفتاء كانت متفقة مع الأغلبية التى صوتت له على ضرورة إعمال الدستور، لكنها كانت تفضل وضع دستور جديد وعدم العمل بالدستور القديم حتى بعد التعديلات، أى أن الجميع كان يرى أن يكون الدستور أولاً، لكن المجلس بالإعلان الدستورى الذى أصدره قرر ألا يكون الدستور أولاً، ونص فى إعلان الدستور الذى لم يتم الاستفتاء عليه على أن تكون الانتخابات البرلمانية أولاً وتليها الانتخابات الرئاسية ثم فى النهاية يأتى الدستور.
وحين وجد المجلس أن الفترة الانتقالية قاربت على الانتهاء بعد أن تمت انتخابات مجلس الشعب وستليها انتخابات مجلس الشورى، الذى لا يريده أحد، أراد أن «يلخبط» أوراق اللعب مرة أخرى بأن يعلن تأخير انتخابات الرئاسة لما بعد كتابة الدستور، وهو وضع غريب حقاً، فقد تنفسنا الصعداء حين خرجت البلاد من معضلة «الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً»، ورغم أن النتيجة لم تكن مرضية، حيث كنا نرى أن تكون كتابة الدستور الجديد أولاً، إلا أننا التزمنا بما نص عليه الإعلان الدستورى من أن الانتخابات هى التى يجب أن تأتى أولاً، فِلمَ العبث بالجدول الزمنى مرة أخرى بتأخير انتخابات الرئاسة بالمخالفة للإعلان الدستورى؟!
لقد أحزن المجلس أننا خرجنا أخيراً من الجدل العقيم حول الدستور، فقرر ألا يكون الدستور سابقاً للعملية الانتخابية ولا تالياً لها، وإنما يتخللها، أى يجىء ما بين الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، فلا يكون الدستور أولاً ولا يكون آخراً وإنما يكون «فى النُص»!! فهل هذا معقول؟!فى علم المنطق الفرضيات الخاطئه تقود إلى نتائج خاطئه, والموضوع ذو شجون وفيه تتكرر الأحداث مع الماضى لتتطابق أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى, فثوره 52 كانت ثوره شباب أكثرهم بكباشيه حتى أنها سميت بثوره البكباشيه , والعجيب ان عصرهم كانت القراءه هو المتنفس الترفيهى لشباب هذا الزمن, لذا كانت مجمل ثقافه هؤلاء الشباب افضل كثيرا من ثقافه شيوخ هذه الأيام التى هى ثقافه سمعيه بصريه تتأتى من المشاهده والسمع من اجهزه الأعلام. ويعضدها أسلوب التعليم الذى يحاسب الطالب على ماحفظه وليس على ما فهمه, تتشابه المشاكل أن البكباشيه كانوا فى اشد القلق من شرعيتهم وكذلك المجلس العسكرى, وأستعان الأثنان برجال القانون فى 52 أستعانوا بجهابذه مثل السنهورى وسليمان حافظ ولكن ناصر كان مفرط الذكاء ففهم أن مسأله الشرعيه مسأله تبريريه وليست قانونيه, وفهم ناصر أن الشرعيه تصنعها القوه والحجه والسيطره على الجماهير. وهكذا تخلص ناصر من القانونيون فقد أكتشف اللعبه وأصبح بذكاءه يستطيع تسويق الشىء وعكسه. حينما تولى المجلس السلطه كان أيضا فى أشد القلق من شرعيته, فأستعان بفقهاء المحكمه الدستوريه مكررا ما فعلته ثوره 52 , ربما أن هؤلاء الفقهاء ساهموا فى تعميق الخوف فمن خوف سائلهم تتأتى قوتهم, وفى نفس الوقت أقلق الجلس العسكرى شباب الثوره والأحزاب الكاتونيه التى لا وزن لها وفى المقابل وجد الأخوان شريكا معقولا قويا وبرجماتيا يمكن الأعتماد عليه. وبنفس رجال مبارك اللذين اقترحوا التعديلات الدستوريه اتفق مع الأخوان على تشكيل لجنه من الأخوانيون لصياغتها على ان يسطر الأخوان على الشارع لأقرارها بأغلبيه من قال نعم فله الجنه. دخل رجال المحكمه الدستوريه ليأكدوا ان التعديلات وألغاء دستور 71 لن يكسب المجلس الشرعيه فتم عمل الأعلان الدستورى. هنا أصبحت واجبات السلطات سواء تشريعيه او رئاسيه أو رقابيه مجهله فى ظل غياب الدستور فهو الأساس لبناء مؤسسات الدوله وهو الذى يفصل بين السلطات. غياب ادستور أصبح نواه الخطأ الذى يتضخم كلما تحركت واصبح مثل كره الثلج المتدحرجه التى يكبر حجمها ويتعملق فى حركتها من قمه الجبل إلى سفحه وفى العلم يقال Snow ball effect هذا معناه أن الخطأ يكبر حجمه مع الحركه, هنا أصبحت قواعد ونظام الأنتخاب وتقسيم الدوائر خاطئه, لا يعلم أحد هل تأسيس الأحزاب على أساس دينى أمر خاطىء أو لا عموما الحزاب الدينيه فرضت نفسها, ليصبح البرلمان مشكوكا فى شرعيته , وعمل الدستور بعد انتخابات الرئاسه خاطىء وأختيار اللجنه التأسسيه مهما فعلت سيظل خاطئا وقبل أنتخابات الرئاسه خاطئا أيضا فالرئيس هو الذى يعين ثلث أعضاء الشورى فإن كان تأسيس اللجنه يستلزم وجود المجلسين مجتمعين, فلو تم هذا قبل انتخاب الرئاسه سيكون أحداهما ناقصا بنسبه الثلث. هذا يعنى أنك مهما فعلت فستكون الأجابه خاطئه , وعند عمل الدستور الجديد فغالبا ستلغى نسبه 50% عمال وفلاحين وربما يلغى الشورى أيضا ومهما كان شكل الدستور الجديد فسيصبح المجلسان باطلان لأن تشكيلهما غير دستورى وهنا نعود إلى المربع الأول لنبدأ من جديد (ستكلف هذا العبث 4 مليار جنيه). ومن الفكاهى أن نواب الشعب أقسموا على احترام الدستور الغير موجود والأحرى ان يقسموا بأحترام الأعلان الدستورى. إذا كان هناك شىء واحد صحيح أرجو ان تدلنى عليه فقد فشلت.

الثورة مستمرة.. والطغيان يترنح بقلم محمد البرغوثى ٢٧/ ١/ ٢٠١٢


فى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ كنت واحداً ممن أكدوا فى ثقة نهائية لا تقبل نقاشاً أو تفكيراً، أن «مبارك» لم يعد أمامه شىء يفعله غير أن يرحل، وعندما راح البعض يناشد الرئيس السابق عبر الصحف والفضائيات أن يحل مجلس الشعب المزور، وأن يقيل حكومة «نظيف» لينجو من مصير الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، قلت عبر الفضائيات والصحف إن استجابة مبارك لهذه المطالب ستكون وقوداً إضافياً ودافعاً جباراً للشعب الثائر الذى لن يغادر الميادين قبل الإطاحة بالرئيس نفسه، وإن عدم استجابته ستؤدى حتماً إلى مزيد من إراقة الدماء، ولا يوجد حاكم فى العالم، خصوصاً فى عصر الفضاء المكشوف، بإمكانه أن يستمر فى الحكم ويداه ملوثتان بدماء شعبه.
وفى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ رأيت شباب الإخوان يتوافدون على ميدان التحرير، وفهمت من بعضهم أنهم جاءوا كأشخاص بعد أن أكدت «الجماعة» أنها لن تشارك فى المظاهرات، ولكنها لن تمنع أعضاءها من الانضمام للمتظاهرين، وبعد أيام قليلة اتضح لى أن هؤلاء الشباب كانوا فى الأيام الأولى مجرد كتيبة استطلاع متقدمة تراقب الموقف، وتجمع المعلومات عن طبيعة هذه المظاهرات، لكى تقرر الجماعة موقفها النهائى على ضوئها، وعندما تأكد مكتب الإرشاد من أنها ثورة وليست مجرد انتفاضة، صدرت الأوامر بالنزول الجماعى إلى الميادين التى سقطت فى قبضة الثوار، بعد أن انكسرت الشرطة وكل الأجهزة الأمنية والسرية، أمام الطوفان البشرى الجائع إلى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
وفى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١، وخلال الأيام التى انتهت بسقوط «مبارك»، لم يجرؤ الإخوان ولا غيرهم من التيارات الدينية على إظهار هويتهم داخل الميادين، ليس لأنهم أدركوا أن اللحظة تقتضى إنكار الذات والاندماج فى المجموع، وليس لأنهم كانوا يعرفون أن غيرهم كان هو الداعى الأصيل لهذه الثورة، ولكن لأنهم أيقنوا أن إظهار هويتهم سيعرضهم للنبذ والطرد من الميادين.
وفى مثل هذه الأيام، وتحديداً عصر يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، رأيت ميدان عبدالمنعم رياض، وكنت مرابطاً حوله، يخلو فجأة من قوات الأمن المركزى، وشاهدت الجنود المساكين وقد استولى عليهم الذعر وهم يحاولون الهرب، ثم وهم ينهارون ويطلبون الرحمة من الطوفان البشرى المنتصر، وبكيت كما لم أبك فى حياتى وأنا أشارك المواطنين فى حمايتهم من أى إهانة، وراقبت عشرات الأمهات وهن يجلبن زجاجات المياه ويقدمنها للجنود المساكين الذين أهلكهم العطش والجوع.
وفى مثل هذه الأيام رأيت مدرعات ودبابات الحرس الجمهورى تنتشر حول ميدان التحرير، وشاهدت اللؤم والخسة فى عيون ضباط الحرس الذين جاءوا لإرهاب المتظاهرين، ثم تظاهروا بعد ذلك بأنهم نزلوا لتأمين المنشآت، ثم راحوا يغيرون مهمتهم مع اتجاه الريح، وأخيراً استسلموا أمام اليقين الساطع بأنه لا توجد قوة على ظهر الأرض بإمكانها أن تفعل شيئاً فى مواجهة عشرات الآلاف من البشر، ناهيك عن مئات الآلاف التى خرجت ورابطت فى الشوارع والميادين حتى سقوط الطاغية.
ويوم الأربعاء الماضى، عاد الشعب المصرى بكل فئاته وأطيافه إلى الميادين ليبدأ موجة جديدة من الثورة ضد «الحاكم» الذى لم يتغير، وضد القمع والقتل والتلاعب المهين بالثورة والثوار، وضد الظلم الاجتماعى الذى ترسخ أكثر مما كان عليه قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وضد رجال مبارك المندسين فى كل مواقع الإنتاج والإدارة وصناعة القرار، وضد المجلس العسكرى الذى تسبب ـ عن قصد أو عن سوء إدارة ـ فى تدمير فرحتنا بالثورة، بل ساهم بدور مخيف فى مزيد من الفواجع، ومزيد من الظلم الاجتماعى، وكاد يصل بالوطن كله إلى حافة هاوية الفوضى والانهيار، فهل من عاقل واحد فى هذا «المجلس» يدرك فوراً أن هذا الشعب لن يتراجع حتى ينتزع ثورته وأهدافها النبيلة من كل الأيادى التى تحاول خنقها؟

الخميس، 26 يناير 2012

اقتربت الساعة.. وانشق الوطن! بقلم محمد أمين ٢٦/ ١/ ٢٠١٢


ساعة الصفر محددة أيضاً هذه المرة.. كما كانت محددة فى «٢٥ يناير» الأولى.. الثوار يعلنون عن موعد الثورة.. الأجهزة الأمنية تعرف الموعد.. السلطة الحاكمة لا تستخف باللحظة، ولا تستهتر.. لا تقول مثل مبارك «خليهم يتسلوا».. لكنها لن تواجه الثوار.. لا بخراطيم المياه، ولا بالقنابل المسيلة للدموع، ولا بقنابل الغاز.. القرار هو: الميدان مسؤولية الثوار أنفسهم!
المشير طنطاوى اتخذ أربعة قرارات قبل ٢٥ يناير.. وهى تسليم السلطة التشريعية للبرلمان.. والإفراج عن ١٩٥٩ معتقلاً، وهى الدفعة التى عرفت بدفعة المدون مايكل نبيل.. وصرف مستحقات الشهداء والمصابين.. وإلغاء حالة الطوارئ، اعتباراً من ٢٥ يناير.. وبالتالى تكون السلطات الثلاث قد خرجت من قبضة المجلس العسكرى.. فلم يبق شىء يمكن تسليمه لأحد!
السلطة التنفيذية فى يد رئيس الوزراء كمال الجنزورى.. والسلطة التشريعية فى يد سعد الكتاتنى ومجلسه الجديد.. والسلطة القضائية فى يد القضاة.. لا يقربها أحد.. لا قبل الثورة ولا بعدها.. فأى سلطة يسلمها المجلس العسكرى؟!.. وبالتالى يصبح الثوار أمام طلبات جديدة تتعلق بالمحاكمات.. أو تتعلق برئيس مؤقت، لحين إعداد الدستور، كما قال نور فرحات، أمين المجلس الاستشارى!
المثير أن متظاهرى التحرير قد تباينت ردود أفعالهم تجاه المطر، كما تباينت تجاه قرارات المشير.. الثوار قالوا «تمطر ميه تمطر سكر.. يسقط يسقط حكم العسكر».. عيد الثورة هذه المرة لإسقاط حكم العسكر.. فإن كانوا قد أسقطوا مبارك فى «٢٥ يناير» الأولى.. فهم يريدون إسقاط حكم العسكر فى «٢٥ يناير» الثانية.. الإخوان يعرفون أن السقوط ليس للعسكر وحدهم!
سؤال مهم يحضرنى الآن: كيف يتحرك الثوار هذه المرة؟ أعرف أنهم تخلصوا من عقدة الخوف، وكسروا الحاجز النفسى؟.. فهل هم منظمون؟.. هل هناك رأس جاهز لتحريك الثوار؟.. هل تم تشكيل مجلس قيادة؟.. هل يتولى البرادعى رئاسة سلطة مدنية تحكم مصر فى فترة انتقالية؟.. هل تتجاوز سلطة الحاكم الجديد، سلطة البرلمان المنتخب؟.. هل التحرير شىء، والبرلمان شىء آخر؟!
هل هناك فى الأفق تغيير وزارى مرتقب؟.. من هو رئيس وزراء الثورة الثانية؟.. هل هو واحد من الميدان؟.. هل اكتوى الثوار برئيس وزراء التحرير بعد تجربة الدكتور عصام شرف؟.. هل البرادعى هو رئيس الوزراء الجديد؟.. هل تتحول الثورة الثانية إلى حرب أهلية بين التيار الإسلامى المؤيد للبرلمان، والتيار الوطنى المؤيد للثورة مستمرة؟.. هل كانت الأمطار خيراً أم نذيراً من السماء؟!
هل هناك نذر انقسامات فى الميدان الآن؟.. هل الثورة الثانية تختلف فى مطالبها عن الثورة الأولى؟.. هل كانت الأمطار اختباراً لعزيمة الشباب؟.. هل المشادات والمشاحنات الكلامية بين الإخوان المسلمين والمتظاهرين، مقدمة لمعركة ينتصر فيها أحد الطرفين فى السيطرة على الميدان؟.. هل يشهد التحرير صراع منصات؟.. هل نجد منصة تحتفل بالعيد مع الجيش، وأخرى تريدها ثورة ثانية؟!
لا خلاف أن الثورة الأولى كانت تجمع الفرقاء حولها.. لا أحزاب لا حركات، ولا شعارات متضاربة.. الآن نحن أمام مشكلة توجهات.. أمام معسكرين، وأمام تيارين.. وأمام رغبات ومنصات وتوجهات.. وأمام برلمان صفق لـ«العسكرى»، وأرسل له برقية تهنئة وشكر.. ومن جهة أخرى أمام ميدان يرى أن السماء لم تكن تمطر فقط، وإنما كانت تبكى من أجل الشهداء، فى عيد الثورة!

يا ثوار مصر اتحدوا بقلم حسن نافعة ٢٦/ ١/ ٢٠١٢


الأقوياء هم من يحكمون العالم، وهم لا يحكمون بموازين الأخلاق الحميدة والقيم والمبادئ السامية، لا يحكمون لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وبالقطع لا يحكمون بحكمة وعدل محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولا بسماحة السيد المسيح (عليه السلام)، حتى وإن ارتدوا عباءات الدين. بل يحكم هؤلاء بموازين القوى والمصالح، بشريعة الغاب، فلا يحق لغزال ضعيف لا يملك إلا أن يتراقص على أنغام الطبيعة أن يتفاوض على حياته مع أسد قوى يستطيع أن يبطش ويقتل، وسيعود الأمر برمته إلى مزاج شهية السيد ملك الغابة، لكن سيختلف الأمر تماماً مع جنابه إذا كان التفاوض مع مجموعة من الجاموس الوحشى. الأقوى دائماً يفرض شريعته وشروطه فيصبح عدله عدلاً كما يصبح ظلمه أيضاً عدلاً.
يجد المجلس العسكرى (القوى) الحاكم فى مصر ملايين المصريين يبررون أفعاله (جرائمه) ضد الثوار الشرفاء بحجج الطرف الثالث والصالح العام واستقرار البلاد، فيتحول الظالم إلى مظلوم، والثائر الوطنى إلى خائن. يكذّب الناس أعينهم ويصدقون (القوى). تختزل كل بطولات الشعب المصرى المجيدة فى أشخاص أعضاء المجلس العسكرى (القوى) تماماً، كما كانت تختزل بالأمس فى شخص المخلوع (أول ضربة جوية فتحت باب الحرية) وعجبى. تنسب بطولات قام بها آباؤنا وأجدادنا من العسكريين أو المدنيين من شباب الفدائيين وشعوب قناة السويس إلى جنود وقادة لم يكن لهم للأسف الشديد أى بطولات إلا فى مواقع محمد محمود وشوارع مجلس الشعب والوزراء وقصر العينى. بطولات أذاقوا فيها أخواتهم وإخوانهم من المصريين السحل وفقء العيون والقتل وهتك الأعراض. حتى إن من شارك منهم بالفعل فى حروب مصر ضد أعدائها نال حظه من الشرف والقيادة والسلطة والنفوذ والشهرة والمال فلماذا يمنون علينا ليل نهار بما فعلوا من واجب، كان سيقوم به أى مصرى آخر إذا كان فى نفس موقع المسؤولية؟
العالم لا يعترف إلا بالأقوياء ولا يتفاوض قوى مع ضعيف، بل يفرض عليه إرادته، لكنه بالضرورة يضطر إلى التفاوض مع قوى مثله إذا تعارضت المصالح. ولن يتصارع أسدان لينقذ أحدهما فريسة ضعيفة من بين أنياب الآخر، لكنهما يتصارعان أو يتفقان فقط على التهام الفريسة الضعيفة. لن تتفاوض الإدارة الأمريكية حول مصالحها فى مصر مع شباب الثورة لكن بالضرورة تتفاوض مع جماعة الإخوان المسلمين (القوية). لا يعقد المجلس العسكرى صفقات مع ثوار ضعاف منقسمين إلى ألف قسم لكنه بالضرورة سيعقدها مع جماعة الإخوان المسلمين الأكثر عدداً وتنظيما، ولن يهم إذا كانت هذه الصفقات ستحقق مطالب الشعب والثورة، المهم أنها ستحقق مصالح أطرافها. لا يتم استيراد حكام وحكومات النظم الاستبدادية من خارج أوطانهم، بل هم ليسوا إلا ابناً شرعياً لثقافة مجتمعات تسودها روح الفردية وينقسم فيها الأفراد والجماعات الصغيرة على أنفسهم ولن يفرخ لنا مجتمعنا اليوم من يبكى مسؤولية السلطة ويخشى شرها ويأخذها كارهاً لا راغباً (كعمر بن الخطاب) ولا يحق لنا أن ننتظر حتى يأتينا عمر ليقيم العدل، بل نحن من نجعل من حاكمنا فاروقاً أو فرعوناً. لا تقوم دولة العدل والمساواة بالرجاء والتمنى، بل تفرض بالقوة من ثوار متحدين تسبق مصلحة مجموعهم مصلحة أشخاصهم، فالسياسة ليست إلا معادلة قوى تحقق مصالح أطرافها ولكى تحقق الثورة أهدافها يجب أن يكون الثوار أحد أقوى أطراف المعادلة.
فإلى كل ثائر وكل ثائرة فى أرض المحروسة، أدعوكم لإنشاء كيان مدنى واحد ليلم شملنا جميعاً تحت مظلة واحدة ليسمى اتحاد ثوار مصر. يسجل اسمه كل من يؤمن بأن الثورة مازالت مستمرة حتى تحقق جميع أهدافها على أن يتم التسجيل بشكل شخصى فردى فلا يكفى أن تعلن أى جماعة أو حركة أو حزب سياسى ما انضمامه لعضوية الاتحاد. يتم تشكيل برلمان ثورة من الأعضاء المسجلين، وذلك بأن يرشح كل حزب سياسى أو جماعة أو حركة وطنية من يمثله فى برلمان الثورة ثم يتم اختيار نسبة من الأعضاء المستقلين بطريقة عشوائية من خلال برنامج كمبيوتر على ألا يقل عددهم عن ثلث أعضاء البرلمان الثورى. ويقوم أعضاء البرلمان الثورى باختيار مجلس قيادة الثورة من خارج أعضاء البرلمان على أن يراعى فى تشكيل المجلس الآتى: أن يتكون من عدد سبعة أشخاص يمثل أحدهم الأزهر، ويمثل الآخر الكنيسة، ويمثل ثالث الشباب، ورابع يمثل القوات المسلحة، ويكون من أحد القادة خارج الخدمة، والذى اتضح خلال العام الماضى ولاؤه الكامل للثورة، ثم الثلاثة الأخرى من الشخصيات العامة الثورية. ويشترط فى كل أعضاء برلمان الثورة ومجلس قيادتها عدم التواجد أو السعى أو النية فى أى منصب سياسى رسمى على أى مستوى ويشترط فى جميع أعضاء الاتحاد ككل الإيمان الراسخ بأن ثورتنا ستظل دائما بيضاء سلمية.
وحدوا الصف وفقكم الله،،،
 أولا : لعل ما حفزنى إلى هذا النحو من التعليق الذى يحدده عنوانه ، هو هذا "النفير" الذى أطلقه صاحب "الرسالة ـ المقالة" تمجيدا لـ "القوة" ، ذلك النوع من القوة الذى يتكافأ مع قوة "الخصم ـ الحاكم" الحالى لـ "العالم" ، وهؤلاء الذين : "لا يحكمون بموازين الأخلاق الحميدة والقيم والمبادئ السامية ، لا يحكمون لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وبالقطع لا يحكمون بحكمة وعدل محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ولا بسماحة السيد المسيح (عليه السلام) ، حتى وإن ارتدوا عباءات الدين . بل يحكم هؤلاء بموازين القوى والمصالح ، بشريعة الغاب" كما تقول سطور "الرسالة ـ المقال" نصا وحرفا ، وذلك أنى أرى ـ من وجهة نظرى ـ أن ما تدعو إليه الرسالة ، وما تدعمها به "مكانية المقال ومكانته" ـ حتى ولو كانت له مبرراته التى ساقها و"عممها" تعميما على غير أساس أو دليل مادى أو موضوعى ـ ليس هو مما "تكلمت" به الثورة المصرية "الحضارية" و"الإنسانية" و"الأخلاقية" و"النبيلة" و"الباسلة" و"الوطنية" و"الفريدة" و"المذهلة" ، و"الصامدة" و"المستمرة" ، وكلها "مفردات" قد صاغتها و"أبدعتها" الثورة المصرية ، تعلن بها ـ أو تستعيد بها ـ لغة "جديدة" للثورات ، قوامها ولسانها ، وأبجديتها وأدبياتها ، وسلوكها : "الأخلاق" و"الإنسانية" ، فى مواجهة القوة الطاغوتية الغاشمة ، وهو السلاح الذى شرعه الله للحق فى مواجهة الباطل ، وللخير فى مواجهة الشر ، وليس مقارعة "القوة الغاشمة" بقوة غاشمة "أقوى" ، بل بـ "أخلاق" ثورية شرعية "أسمى" و"أرقى" ، فحتى "الهمس" بـ "الحق" و"الحقيقة" هو أعلا صوتا ، وأبلغ أثرا ، من الصراخ بالباطل أو العربدة بطلقات الرصاص ** ثانيا : 1 ـ يقترب بنا حديث صاحبنا الإبن الأستاذ / أحمد عبدالمغنى (أحد أبناء الثورة) ، من فكر "نيتشه" فى بدايات رحلته الفكرية ، والذى أصبح به فيلسوف "القوة" و"العجرفة" ، وقد أخـِـذَ عليه تمجيده للقوة ، حيث يعد من أوائل من صاغوا نظرية الرجل الخارق أو "السوبرمان" إذا جاز التعبير ، ثم انتهى فى مؤلفه الرائع : "هكذا تكلم زرادشت" إلى مقاربةٍ لـ "الفضائل" الإنسانية ـ كما يراها ـ والذى تحدث فيه عن "الصحراء" ، حديث إنسان يتطلع منها إلى معجزة تنقذ الإنسانية ، ثم يكرر بشكل غريب وملفت للنظر نداء : "حيّ على الصلاة" ، ونداء آخر : "توكلت على الله" ، ويشهد كمثقف غربي ، على كل شيء يمهد الطريق للبربرية القادمة ، وعلى انهيار قيمة الله ، بما تمثله من إيمان بالآخرة ، وبالأخلاق والفضائل ، وعلى انحطاط الغرب ، لأنه لم يعد يؤمن بالأخلاق وبالآخرة ... وأخيرا لا يؤمن بالله * 2 ـ من نافلة القول أننا يجب أن نبدأ بما انتهى إليه غيرنا بعد أن رشدوا ، واستبانت لهم أنوار الحقيقة ، وأضاءت لهم إضاءات الأخلاق ، التى بعث لتبليغها ، وترسيخها وإتمامها ، الرسل والأنبياء ، وأنـْـعـِـمْ بها هذه "الثورات" التى تترسمها ، وتسمو بها ، وتستهدفها ،   ،
 * ثالثا : 1 ـ لا خلاف على أن "الحق" يحتاج إلى "قوة" فاعلة تسنده ، ولكن أى "نوع" من القوة ؟ وهل هى القوة المادية فقط ؟ بالقطع لا ، فهى القوة التى اعتمدها واعتمد عليها الطغاة ، فأدت بهم إلى أن "اسقطتهم" الشعوب ـ أو الحروب ـ بالثورة عليهم بقوة "الحق" و"الشرعية" ، فكانت الثورات "الدموية" ، وأخرى بقوة الحق والشرعية و"الأخلاق" و"الإرادة الوطنية" التى لا تجتمع على باطل ، فكانت الثورات الحضارية الإنسانية الأخلاقية النبيلة ، وهى وإن كانت "تتباطأ" فيها النتائج ، إلا أنها تخلد فى تاريخ الإنسانية .. والثورات * 2 ـ ولا شك أن الثورة المصرية فى 25 يناير 2011م ، هى أنصع وأبهى وأبلغ مثال على هذه الثورات الخالدة ، والتى تستلهم ثورة "إخناتون" على الوثنية الفرعونية ، تحالف "الكهنة" و"هامان" و"الفرعون" ** رابعا : لا أدل على أن القوة المادية ، هى شرط لازم ، ولكنه غير كاف ، للانتصار على عدو الله والناس ، من قوله تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(الأنفال :60) ، وقد حدد تعالى ، هذا العنصر "المادى" بالأتى : 1 ـ قدر "المستطاع" من القوة ، ومن "الخيل" التى تظل جاهزة مستعدة فى "رباطها" * 2 ـ بقصد "الإرهاب" ، أى "الإخافة" ، وهو قريب من المنطق الذى يقول أن : الاستعداد للحرب ، قد يمنع الحرب * 3 ـ أن هناك من الأعداء ، أعداءٌ "آخرين" لا نعلمهم ، ولا يعلمهم إلا الله ، فمهما أعددنا من قوة مادية لمن نعلمهم من الأعداء ، فهى لن تتعداهم إلى من نعلمهم ، والذين يتكفل بهم علم الله ، ولذلك توالى فى القرآن الكريم ذكر "النصر" مقصورا على أنه من "عند" الله ، وأنه لمن ينصره ويعلى من كلمة الله ، ويتبع منهجه القويم ، وطريقه المستقيم ، بلا إفراط أو تفريط ، ولا رهبانية أو إقصاء ، هذا إذا كنا "أمة" "وسطا" كما جعلنا الله ، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، ونؤمن بالله الواحد الأحد ، وبهذا تكتمل عناصر القوة الحقيقية ، كما أرادها الله ، وكما حاولت الثورة المصرية الباسلة مجتهدة ، أن تترسمها ** خامسا : ومن "البديهيات" أيضا ، أن الاتحاد قوة ، والتفرق ضعف ، ومن المشاهد الجليلة حقا ، أن الثورة المصرية قد "وحدت" المصريين ، ومن "المطلوب" حقا ، أن "السياسة" الحقيقية "الوطنية" التى تعتمد "الديموقراطية" وتنتهج "تداول السلطة" ، وتضبط منظومة القوانين التى تــُـعـَـرِّفُ "الحقوق" و"الواجبات" وتحددها ، وتطبقها عدلا ومساواة ، إنما تبدأ من حيث "الاختلاف" ، فى نطاق قوله تعالى : "لتعارفوا" ، ولإعمار الأرض والحفاظ على "تكريم" الله للإنسان ، وتتيح "الحوار" الوطنى لإزالة "الخلاف" ، ولا تقترب بأى منهما (الاختلاف والخلاف) من دائرة "المصالح العليا" للوطن والمواطنين ، ومن "الثابت" أيضا ، أن الشعوب التى تفقد "أخلاقها" و"فضائلها" فى رحلتها من الثورى إلى السياسى ، فالمصالح العليا ، إنما تفقد معها "ذاتها" و"روحها" ، وتصنع فى النهاية "وحشا" بلا روح إنسانية ، أو قيم أخلاقية ** حكمة اليوم : السلطة المطلقة ، مفسدة مطلقة ، ومن أمن العقاب ، أساء الأدب ، وأكتفى بهذا ، والله تعالى أعلم ، وتحياتى للجميع ، وتحيا مصر

الضباب والرؤية بقلم مصطفى الفقى ٢٦/ ١/ ٢٠١٢


فى أحد البرامج التليفزيونية فى مايو ٢٠١٠ سألنى المذيع فى ختام الحوار (هل من كلمة توجهها إلى رئيس الدولة بعد أن استعرضنا عدداً من القضايا والمشكلات التى تعترض طريق المصريين؟ فقلت موجهاً حديثى للرئيس السابق- والتسجيلات موجودة- إننى أدعوك باعتبارك ولى الأمر أن تحدد للوطن «خارطة طريق»، فالمستقبل غامض والغد مبهم والأقاويل والشائعات كثيرة فإذا كان من حق الفلسطينيين أن تكون لهم «خارطة طريق» فالمصريون يستحقون ذلك قبل غيرهم، لأن الأجيال الجديدة تشعر بالقلق من حاضرها وبالضباب يلف مستقبلها فلتكن المهمة الأساسية الآن هى أن يدرك شعبنا إلى أين يتجه؟ وفى أى محطة يقف القطار؟).. وكنت معنياً وقتها بشدة بالتساؤل حول مستقبل «مصر»، وكلما وجدت صديقاً كبيراً أثق فيه كنت أبثه همومى الثقيلة ومخاوفى الكبيرة.
فعلت ذلك مع أستاذى الدكتور «بطرس بطرس غالى» ومع المفكر العربى الكبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل» والصديق الدكتور «على الغتيت» وزميل دراستى الأستاذ «منير فخرى عبدالنور» وغيرهم من أصدقاء العمر ورفاق الحياة، ولقد كنت أشعر منذ عدة سنوات بأننا نتجه فى طريق العد التنازلى وأن النظام قد شاخ وأن القيادة قد ترهلت وأن حجم المسكوت عنه أكبر بكثير من المتحدث فيه ولفت نظرى بعض الأصدقاء إلى أن النظام القائم ينظر لى بريبة ولا يثق فى إطلاقاً وأن حجم معارضتى المتزايدة التى تبدو متناثرة فى اللقاءات التليفزيونية أو الأحاديث الصحفية أو الندوات السياسية توحى لقيادات الحزب والبرلمان بأنك معارض من الداخل وأن تزايد حدة انتقاداتك لما يجرى هو مؤشر لإحساسك بقرب نهاية النظام،
وعندما شاعت المقولة الشهيرة التى أطلقتها فى إشارة واضحة إلى «ملف التوريث» وقتها (إن الرئيس القادم لـ«مصر» يحتاج إلى مباركة أمريكية وقبول إسرائيلى)، وهى المقولة التى حركت الأوجاع وأثارت زوبعة رمقنى فيها النظام السابق بنظرة ضيق وكراهية شعرت بهما على نحو غير مسبوق وأنا أقول ذلك الآن لا تملقاً للثورة والثوار ولا ركوباً لموجة يمتطيها الجميع ولكن لكى أقول إن الضباب مازال يغلف أجواء المستقبل وإن القطار قد توقف فى محطته الكبرى وأفرغ كل حمولته لكى يمتلئ بحمولة جديدة يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ فى اتجاه مختلف خروجاً من شريط القطار الذى كان طرفاه «استبداد» و«فساد»، فالرؤية لا تزال غائبة والمحطة النهائية غير معلومة وعندما نتابع الأخبار مرئية ومسموعة ومكتوبة نشعر بأن هناك فراغات فى معانى الجمل المطروحة والأخبار السائدة، ولعل التعبير الساخر الذى نرمز له بكلمة «اللهو الخفى» هو إشارة إلى درجة الغموض الذى يكتنف طريقنا ويغلف معالم المستقبل على نحو يدعو إلى القلق من جديد ويثير المخاوف مرة أخرى إذ رغم أننا قد اجتزنا انتخابات برلمانية مرت بسلامٍ غير متوقع نجد أن الإفراز الإسلامى الواضح لها قد بدأ يقلق قطاعاً عريضاً فى الداخل والخارج برغم التطمينات المتتالية والمؤشرات الإيجابية التى تلوح فى الأفق أيضا،ً
ولابد أن أعترف هنا بأننى ضد نظرية «التفسير التآمرى للتاريخ» كما أرفض الاستسلام لها ولكننى فى الوقت ذاته أعترف بوجود المؤامرة فى السياسات الإقليمية والدولية والمحلية وما أكثر الأمثلة فى ذلك والنماذج التى تبرهن على وجودها وأنا أظن- وأرجو أن أكون مخطئاً- أن كثيراً مما يدور فى الميادين والشوارع المصرية خصوصاً فى العاصمة يشير إلى وجود مخططاتٍ تخريبية تقف وراءها قوى إجرامية تبدو أحياناً دقيقة التنظيم قادرة على الظهور عندما تريد ومدربة على الاختفاء عندما يستلزم الأمر ذلك وتختلف التفسيرات بين قائل إنها فلول النظام القديم وآخر يقول بل هى ميليشيات لقوى سياسية قائمة ثم حديثٌ متقطع عن التدخل الأجنبى بصوره المختلفة، فالشارع تتدفق عليه سلع ثلاث هى «الأموال» و«السلاح» و«المخدرات»، وكأنما كتب على هذا الوطن العظيم ألا يستريح أبداً فإذا خلصته ثورة ٢٥ من يناير ٢٠١١ من نظامٍ مستبد وعدالة اجتماعية غائبة وثقة فى الحكم مفقودة فهو يواجه مرة أخرى دائرة العنف أحياناً وافتقاد الثقة المتبادلة دائماً وبين هذه وتلك تضيع الرؤى وتتبعثر الأفكار وتتراجع المواقف.
إننى أريد أن أقول بصراحة لقد أصبح لدينا برلمان يعكس إرادة الشعب حتى ولو كان ضد رغبة البعض كما أن لدينا انتخابات رئاسية سوف تضع فى القصر الجمهورى من يقود البلاد والعباد فى هذه الفترة العصيبة من تاريخ «مصر» الوطن والشعب والمجتمع، ولست أشك فى أن دستور البلاد سوف يأتى بالتوافق الوطنى المستريح إذ لا يمكن أن تملى قوى معينة إرادتها على غيرها عند إعداد وصياغة تلك الوثيقة العليا حتى ولو كانت لتلك القوى الغلبة سياسياً وشعبياً فهى فى النهاية لم تعش كل الزمان والمكان و«الدستور» وثيقة راقية لها صفة الدوام والاستمرار ولا يمكن أن تأتى انعكاساً لإرادة قوى بذاتها أو تكون تعبيراً مرحلياً عن وقتها، وسوف يأتى يوم نرجو أن يكون قريباً يتنفس المصريون فيه هواءً نقياً ويتخلصون فيه من (فساد الأمكنة)، على حد تعبير الروائى المصرى المتميز «صبرى موسى»..
وأنا فى النهاية- رغم كم الإحباط الذى عايشنى فى السنوات الأخيرة- أشعر بالتفاؤل لأن مصر بلد كبير غنى بموارده البشرية ثرىٌ بمصادره الطبيعية، كما أن هناك سبباً غيبياً لشعورى ذلك، وهو أن الله يحمى «مصر» دائماً فهى المحروسة والكنانة وبلد الأولياء والصالحين من أهل الشرائع السماوية!

النساء والأقباط بقلم د. حسن حنفى ٢٦/ ١/ ٢٠١٢


يبدو الجمع بين النساء والأقباط فى عنوان واحد وفى تحليل واحد غريبا، وهو فى الحقيقة ليس كذلك، فالرؤية لهما واحدة، والعقلية التى وراءهما واحدة، والتصور الذى وراءهما واحد: قسمة المجتمع الذى يرتبط أعضاؤه برباط واحد إلى أقلية وأغلبية طبقا للطائفة، أقباط ومسلمين، أو طبقا للجنس، أنثى وذكر. وهو مازال موجودا فى الهويات الشخصية الرسمية التى تصدرها الدولة وفى بطاقات الصعود أو النزول فى المطارات، وهى قسمة لا تفيد فى شىء. فماذا يهم إذا كان حامل الهوية الوطنية ذكرا أو أنثى للتعرف على شخصيته أو فى معاملات البنوك أو أقسام الشرطة أو المؤسسات التعليمية، فالمواطن أمام القانون العام لا جنس له، ذكرا كان أو أنثى. وفى عقود الزواج لا يحتاج المأذون للتعرف على شخصية الزوجين أيهما ذكر وأيهما أنثى، تكفى طريقة اللباس والزينة. فلا خطأ فى أن يعقد بين ذكرين أو أنثيين. ولا تحتاج المستشفيات للتعرف على جنس الحامل ذكرا كان أم أنثى.
إنما هى العقلية الغربية التى تعتز بنظامها الديمقراطى الذى يقوم على الأغلبية والأقلية، حيث تحكم الأغلبية وتصبح الأقلية فى المعارضة، ثم تحكم الأقلية عندما تصبح أغلبية، والأغلبية عندما تصبح أقلية فى المعارضة، ثم انتقلت هذه القسمة إلى الدين، بروتستانت وكاثوليك وأرثوذكس، وإلى سود وبيض فى أمريكا، وإلى سكان أصليين ومهاجرين فى الوطن الواحد. ثم انتقلت هذه الدراسات إلى الوطن العربى والعالم الإسلامى لتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى أقلية وأغلبية طبقا للدين، مسلمين ومسيحيين، أو الطائفة، سنة وشيعة، أو الجنس، ذكور وإناث، أو العرق، عرب وعجم وأكراد وتركمان وبربر، وربما كان ذلك طبيعيا فى مجتمعات تأصل فيها مفهوم المواطنة ولا خطر فيها على تفتيت الأوطان، أما بالنسبة للدول الحديثة التى تكونت بعد حركات التحرر الوطنى فى القرن الماضى فمازالت المجتمعات فيها أقوى من الدول، ولم يقض فيها على الطائفية والعرقية والقبلية والعشائرية وكل ترسبات الماضى. يسقط الغرب فيها عقليته الكمية العددية ويحولها إلى ديانات وطوائف وأجناس، فإندونيسيا ليست دولة إسلامية بل أغلبيتها من المسلمين. والعراق مكون من عدة طوائف وأعراق، سنة وشيعة، أكراد وعرب وتركمان. وتركيا أغلبيتها من المسلمين، مكونة من أتراك وأكراد. والخليج كله مكون من شيعة وسنة، واليمن زيود وشوافع، ومصر أقباط ومسلمين، والسودان عرب وأفارقة، والمغرب العربى عرب وبربر.
ولما كان فى الغرب أيضا مشكلة فى الأحوال الشخصية، مثل صعوبة الطلاق، وكان من عادات المجتمع هيمنة الرجل بالرغم من الحداثة والتنوير، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت حركات تحرير المرأة وحقوق المرأة، وانتقل الخطاب لدى المتغربين فى مجتمعاتنا، فظهرت كتابات «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» تقليدا للنموذج الغربى، فحوصرت من أنصار القديم بالرغم من أنه فى مجتمعاتنا لدينا مشاكل فى قانون الأحوال الشخصية، الذى بقى كما هو عليه منذ أربعة عشر قرنا دون تحديثه طبقا لتغيرات العصر وطبقا للاجتهاد وأصوله والذى تسمح به الشريعة، وكما وقع فى بعض الحركات الإصلاحية الحديثة. ظل مفهوم الأقلية والأغلبية هو السائد اعتزازا بالديمقراطية، فالعلاقة بينهما علاقة مقهور بقاهر، أقلية مقهورة وأغلبية قاهرة فى الدين وفى الجنس، والهدف تفتيت المجتمع إلى فئات وطوائف وجماعات، وكأن هذا الوطن لا وجود له ولا سيادة له ولا انتماء له، إنما الانتماء إلى الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق أو القبيلة أو العشيرة أو العائلة، فبعد حركات التحرر الوطنى من الاستعمار والاحتلال مازالت القوى الغربية تنكر على هذه الدول الوطنية وجودها، وعلى مجتمعاتها تكوينها الوطنى، وتعاملها بمفاهيم التخلف وهى تدعى الحداثة. وتستمر مفاهيم التفتيت: صعيدى بحراوى، بدوى، حضرى، طبقا للجهة وتمزيق الوطن إلى جهات والتعامل مع الفئات الصغيرة، وتنكر الوحدة الكبرى، الوطن.
ليست الأنوثة أو الذكورة هوية، إنما هى تنوع فى الطبيعة يقوم على التمييز والوحدة، والحب رابطة بينهما، فالتنوع طارئ والوحدة أصلية. وليس التمايز فى الدين أصليا بل يعبر عن مراحل مختلفة لتطور الوعى الإنسانى. الجوهر واحد وإن اختلفت الأشكال، القانون فى اليهودية، والمحبة فى المسيحية، والعدل فى الإسلام. وليست الطائفة هوية سنة أو شيعة، إنما هو تنوع تاريخى فرضته الظروف الاجتماعية والسياسية للمجتمع، إنما الهوية هى الإنسانية التى لا تعرف دينا أو طائفة أو عرقا أو جنسا، الإنسان من حيث هو إنسان. وهو مشتق من الأنس، أى الائتلاف مع الآخر ومحبته على عكس ما تنتهى إليه الطائفية والجنسية من بغض وشحناء.
المسلم والقبطى، الذكر والأنثى، كلاهما ينتمى إلى وطن واحد، يعيشان على أرض واحدة، يعملان فيه، ويتركان أثرهما عليه، يولدان ويموتان فى رحابه. يحنان إليه حين الهجرة. هو الذكرى والتاريخ. وهو مصدر الإلهام الأدبى والفنى. وما أكثر الأغانى الوطنية فى تاريخ الغناء فى مصر. وامرأة القائد «أم المصريين»، تحولت فى وجدان الشعب إلى محطة حافلات ومستشفى وحى. وفى تماثيل الاستقلال الوطنى الرجل والمرأة معا يرفعان العلم الوطنى أو يمسكان بالمطرقة والسندان لتنمية المجتمع صناعيا وزراعيا. واسم يتردد كل يوم على كل لسان مئات المرات، بل إن المرأة بمفردها أحيانا ترمز للوطن، كما هو الحال فى تمثال «نهضة مصر»، ورمز للثورة كما هو الحال فى رفع هدى شعراوى النقاب أثناء ثورة ١٩١٩، فالوطن هو الجامع للمسلم والقبطى، للذكر والأنثى دون أقلية وأغلبية وكأنها قوى سياسية متنافسة على السلطة، تحددها أصوات الناخبين ويتدخل فيها الإعلام، حقيقة أو زيفا. الوطنية هى الانتماء للوطن، وهى فضيلة تتجاوز الأديان والطوائف والأجناس.
قامت حركات التحرر الوطنى باسم الوطن، مسلمين وأقباطاً، رجالا ونساء، على الرغم من الإحصائيات والتعدادات كم فى الوطن من كل طائفة وجنس بناء على مقاييس متخلفة، وفى حالة غياب مفهوم الوطنية، وسيادة التصور الكمى العددى الذى أفرزته الديمقراطيات الحديثة، تغليبا لفريق على آخر باسم الأغلبية. وأحيانا تتحول الوطنية إلى تطرف قومى، كما حدث فى النازية والفاشية والصهيونية، تمتزج بالعنصرية والقوة والعدوان على الشعوب المجاورة أو استئصال شعوب من أرضها وإحلال شعب آخر محله، كما فعلت الصهيونية فى فلسطين. وسرعان ما تندحر لأن كل الأوطان تتساوى فى حقها فى الحرية والاستقلال.
 وأحيانا تطغى طائفة على حقوق طائفة أخرى، لدرجة الحروب بين الأديان والمذابح بين الطوائف. وسرعان ما تنتهى بنهاية مفهوم الطائفة لصالح المواطنة التى تتكون من عدة طوائف لا هويات. وتقوم حركات تحرير المرأة وحقوق المرأة مطالبة بالمساواة مع الرجل فى حق التمثيل فى الحياة العامة، والوظائف القيادية والعمل بالبرلمان، وكل مظاهر الإدارة «مراتى مدير عام». وتحرير المرأة أساسا من سيطرة الرجل ثم من غلبة التقاليد الاجتماعية فى المجتمعات الأبوية، حتى تنتقل من «أمينة» إلى «سوسن» فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة. والحقيقة أن الرجل والمرأة كليهما فى حاجة إلى تحرر، «سى السيد» قبل «أمينة»، وهى ترسبات تاريخية وعادات اجتماعية تستند إلى موروث ثقافى متصل لم يتغير، اعتمادا على الشريعة.
وإذا كانت بعض الاتجاهات المحافظة تستند إلى آيتين لتدعيم التمايز بين الذكر والأنثى وهما (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)، (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) تعبران عن الوضع الاجتماعى القديم، فإن عشرات الآيات الأخرى تساوى بينهما فى العمل الصالح فى الدنيا (أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وفى الآخرة (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ). لا فرق بين الذكر والأنثى إلا السعى فى العالم والكد فيه (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).
وقد خلق الله الذكر والأنثى للتعارف كما خلق الشعوب (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وقد كانت عادة اجتماعية تفضيل الذكر على الأنثى لمنفعته فى الحروب والتجارة (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى). وفى الإجماع كمصدر شرعى إذا اعترض واحد فقط فإنه يكون ناقصا وليس تاما، فلا أغلبية ولا أقلية بل احترام للجميع على قدم المساواة، لذلك نداء للمثقفين والباحثين أن يخرجوا موضوع النساء والأقباط من منطق الأقلية والأغلبية إلى منطق المواطنة.

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ