الخميس، 1 مارس 2012

د. على جمعة يكتب: التوبة وبناء إنسان الحضارة ١/ ٣/ ٢٠١٢


إن الله سبحانه وتعالى اختارنا أمة للرسالة، وجعلنا خير أمة أُخرجت للناس إن نحن فهمنا عن الله مراده، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته، وإن كنا على قدمٍ يرضى فيها الله عنا، حتى نكون هداية للعالمين ولا نكون فتنة للناس، ولنظل بذلك معمِّرين للكون وبناة حضارة شامخة شاهدة على عظمة الإسلام وإعجاز رسالته.
وإذا كانت الحضارات دائرة بين صعود وانحدار لارتباطها بأفعال الإنسان فقد أرشدنا الله تعالى إلى ما يصحح هذه الأفعال وهو مقام التوبة، والتوبة عادت كلمة إذا ما سمعها المؤمن اختزل معناها وجعلها خاصة بارتكاب المعاصى، وجعلها أمراً غيبياً يتعلق باليوم الآخر، والتوبة أعظم من ذلك! تشمل هذا وتزيد عليه، فالتوبة حالة نقد ذاتى.. حالة من مراجعة النفس.. حالة من الرقابة الإدارية.. ومن ثم فالتوبة تعد إحدى الأدوات المهمة فى بناء إنسان الحضارة، فالإنسان الذى يربى نفسه على التوبة بمفهومها الصحيح والشامل هو إنسان قادر على بناء المجتمع الإنسانى وتشييد أركانه.
والمعنى الصحيح للتوبة يظهر جلياً فى قول رسول الله، المصطفى الحبيب والمجتبى المعصوم، سيد الكائنات: «واللهِ إنى لأستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه فى اليوم أكثرَ من سبعينَ مرَّة» (صحيح مسلم) فهل كان يتوب عن معصية يرتكبها، أم عن كبيرة يقع فيها؟ حاشاه.. فمن أى شىء كان يتوب - صلى الله عليه وسلم؟!
ولكنها كانت نقداً ذاتياً ومراجعة، ليعلمنا المحاسبة لعمل اليوم: ما الذى قصرنا فيه؟ ما الذى كان فى ذمتنا فلم نفعله لله؟ ما الذى كان ينبغى أن يتم على وجه هو أحسن من ذلك وأجدى؟
والتوبة فى اللغة: الرجوع، تاب إليه أى: رجع إليه، ومنها المراجعة، ومنها المراقبة، ومنها المحاسبة على حد ما قال سيدنا عمر، رضى الله عنه: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فى الدُّنْيَا» (رواه الحاكم فى المستدرك).
فالتوبة لو فهمناها لأدخلناها عنصراً من عناصر الإدارة، وعنصراً أساساً فى الاقتصاد الذى يجرى بين الناس، وعنصراً أساساً فى الحكم، وعنصراً أساساً فى السياسة، خارجيِّها وداخليِّها، وعلى هذا المفهوم كيف لنا أن نبنى حضارة دون استيعاب مفهوم التوبة فى أدبياتنا وثقافتنا!
والتوبة معنى عظيم، ودلالتنا على المعنى الصحيح الواسع الذى أراده الله ليس معناها أن الفهم المحدود للتوبة محض خطأ، بل هو عجز وقصور، فالمرء إذا ما أذنب ذنباً وجب عليه التوبة، فـ«كلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاء، وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (رواه الترمذى فى سننه) وكما علّمنا سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم،
 أنك إن فعلت ذنباً وجب عليك أن تقلع عنه، وأن تظهر الندم عليه، وأن تعزم ألا تعود لمثله أبداً، ثم بعد ذلك إن كان متعلقاً بحقوق العباد أن ترد إلى العباد حقوقهم، وإن كان متعلقاً بالله- والله كريم- فإن الله يسامحك ويغفر لك لأنه عفو غفور رحيم، لا تضره المعصية كما لا تنفعه الطاعة.
والتوبة ينتج عنها المراجعة، ولما أن فرَّغنا التوبة من معناها الدنيوى وقصرناها على غيب الآخرة فسر المفسرون قوله تعالى: «يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى» (هود: ٣) أى: إلى مدة حياتكم، ولكننا إن أرجعنا لها المعنى الواسع، فيظهر لنا ضرورة المراجعة الدائمة، لأن فن المراجعة وسنة الله سبحانه وتعالى فيه أن يستمر ذلك دائماً،
 ويرشدنا سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، إلى أن نفعل ذلك كل يوم، فالله يصحح لنا أعمالنا ويحفظ علينا نظامنا وييسر لنا أفعالنا إلى أجل مسمى.. لابد بَعدَه- قصر أو طال- من مراجعة أخرى.. ومن توبة ثانية.. من بعد توبة.
وليتيقن المرء أن الله «عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» يصلح الحال إذا ما تحققنا بهذا، ولا يكفى واحداً فينا أن يفعل ذلك حتى يتغير المجتمع أو تصحو الأمة «وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: ٣١)، إذا أراد المؤمن أن يكون واحداً من أمة ويريد لهذه الأمة أن تتقدم البشر وأن تقوم برسالتها،
 وأن تكون لها العزة والكرامة فعليه أن يفعل ذلك وأن يأمر غيره به، فواحد لا يكفى، من تاب على مستواه بارك الله له فى حياته وجعله مفلحاً فيها ولا نرى أثر ذلك فى الأمة إلا إذا تحرك جمع منا يتوب إلى الله فينصر الله به الأمة.
ويقـول ربنا سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً» (التحريم: ٨)، و«نَصُوحاً» من النُّصح، ويقول صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَة» (صحيح مسلم)، ونفهم نحن «نَصُوحاً» على أنها توبة صادقة، ولكن لو تعمقنا فى «النون والصاد والحاء» فى «النصح»، وجدنا أن النُّصح هذا له أركانه وله شروطه،
 ومنها أن نكون مجتمعاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، عن صواب وعلم ووعى وإخلاص، وقد فنيت حضارات عديدة بسبب إغفالها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
هذه خلاصة النصيحة.. فإذا عرفنا ذلك عرفنا أن توبتنا ينبغى أن تتصف بتلك الصفات: أن تكون لله، وأن تكون صادقة، وأن تكون ذات همة.. وهذه الهمة إنما هى لتغير أحوالنا إلى أحسن حال- كما يريدنا الله عز وجل- فى جانبيها: فى جانب الشهادة وفى جانب الغيب، لأنه سبحانه وتعالى عالِم الغيب والشهادة، وبيده الملك والملكوت،
وهو رب الدنيا والآخرة، فالاختزال بتر لمراد الله من أوامره وإرشاداته..! ونحن نأمل أن يعود الأمر إلى الأمر الأول، لا أن نهتم بدنيانا ونترك آخرتنا، ولا أن نهتم بآخرتنا ونترك دنيانا، ولكن علينا أن نفهم عن الله مراده كما أراد، فنعبده كما أراد سبحانه، ونعمر كونه كما أرشدنا فى كتابه، ونزكى أنفسنا مثلما دلنا فى هدى نبيه، صلى الله عليه وسلم.

إبراهيم درويش يتحدث لـ«المصري اليوم» : الإخوان والسلفيون يأخذون مصر إلى «دستور الدولة الدينية»(١-٢) أجرى الحوار محمد رضوان ١/ ٣/ ٢٠١٢




أكثر من عام مر على الفترة الانتقالية، التى بدأت عقب تنحى حسنى مبارك فى ١١ فبراير ٢٠١١، شهدت الفترة المرحلة الأولى من تأسيس الدولة الجديدة، بانتخاب الركن الأول من أركان السلطة الثلاثة، وهو مجلسا الشعب والشورى، وتتبقى معركتا انتخابات الرئيس وصياغة الدستور الجديد.
وعلى الرغم من الصخب الذى يحيط بانتخابات الرئاسة، فإن المعركة الحقيقية التى ستحدد وجه مصر ومستقبلها وحياة شعبها، هى الدستور الجديد.
تبدأ مصر حكايتها مع الدستور، بعد غد السبت، بالاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى، تمهيداً لوضع قواعد انتخاب اللجنة التأسيسية، وسط مخاوف من هيمنة التيار الدينى على من سيكتبون الدستور، وعلى ما سيكتب فى الدستور.
الدستور الجديد، ليس معركة سياسية، بل مصير وطن، معركة لا يفوز فيها أفراد أو أحزاب أو جماعات، بل لحظة حاسمة ربما تكون الأكثر خطورة وأهمية فى تاريخنا الحديث والمعاصر.
«المصرى اليوم» تفتح هذا الملف، تستشرف الرؤى والمخاوف والأحلام والسيناريوهات المحتملة، ربما نعرف ما نحن مقبلون عليه.
■ المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى المؤقت التى تنص على اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور افتقدت التفاصيل التى تحدد كيفية الاختيار وأسسه، هل تعتبر هذا قصوراً فى المادة أم أن الأمر يتطلب قانوناً خاصاً؟
- المادة ٦٠ أحد الأخطاء التى ارتكبها من صاغ الإعلان الدستورى، أو من أشار على المجلس العسكرى بوضعها، وهذا الكلام سبق أن قلته لأعضاء المجلس العسكرى فى اجتماعات عدة، فتلك المادة تنص على أن يجتمع الأعضاء غير المعينين فى أول اجتماع مشترك لمجلسى الشعب والشورى بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ٦ أشهر من انتخابهم، لاختيار جمعية تأسيسية من ١٠٠ عضو تتولى إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد فى موعد غايته ٦ أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض هذا المشروع على الشعب للاستفتاء عليه.
فى البداية يجب أن نوضح أن المصيبة التى وضعتنا فيها التعديلات الدستورية التى تم الاستفتاء عليها فى ١٩ مارس، هى حتمية قيام السلطة التشريعية ممثلة فى مجلسى الشعب والشورى، رغم أن مجلس الشورى الذى أنشئ عام ١٩٨٠، لم يكن موجوداً فى النظام السياسى المصرى، بل أنشأه الرئيس السادات، وكنت حاضراً فى هذا الوقت عندما قال السادات «إحنا عاوزين نعمل مجلس العائلة زى المصطبة كده نقعد عليه ونحل مشاكلنا».
■ أنت ترى أنه لم يكن هناك داع لاستمرار مجلس الشورى؟ وكان من الواجب إلغاؤه فى الإعلان الدستورى؟
- لم يعط السادات مجلس الشورى أى اختصاص تشريعى على الإطلاق، وما زال الوضع هكذا حتى الآن، حتى بعد تعديلات ٢٠٠٧، لا يملك الشورى أى اختصاص تشريعى، وإنما يبدى رأيه فيما يحيله رئيس الجمهورية إليه، لذلك تجد النظام السياسى وفق دستور ٧١ ووفق هذا الإعلان الدستورى، الذى نحكم به الآن، متمسكاً بأن تكون السلطة كلها فى يد رئيس الجمهورية، وهو من يعين رئيس مجلس الشورى، ولا أحد يفهم ما هو الداعى من هذا التمسك والإصرار. الدول المركبة فقط التى تتكون من ولايات مختلفة ومتنوعة فى الكم والحجم، هى التى تتكون فيها السلطة التشريعية من مجلسين، فينتخب المجلس الأول على أساس معيار عدد السكان، والمجلس الثانى يكون بالتساوى بين المحافظات، وأول تجربة كانت فى الولايات المتحدة الأمريكية، حين وضع دستورها سنة ١٧٧٩، واستمر نظامها السياسى حتى الآن، بأن يمثل مجلس الشيوخ كل ولاية بشيخين، ومجلس النواب منذ قرنين وربع ٤٥٥ نائباً، أما فى مصر ما شاء الله وصل عدد نواب الشعب إلى ٥٠٠ نائب، وكان فى المجلس السابق ٥١٨، نحن نعيش فى دولة موحدة، دولة بسيطة لا تحتاج إلى مجلسين.
■ لكن مجلس الشورى لم يكن الخطأ الوحيد فى الإعلان الدستورى؟
- نعم والإصرار أيضا على نسبة ٥٠% عمال وفلاحين، والتى وضعتنا فى مأزق، فهذه النسبة لم تكن فى الدساتير المصرية السابقة أيضا، وإنما تم وضعها سنة ١٩٦٤، ولم يحدث فى تاريخ مجلس الأمة ومن بعده مجلس الشعب حتى يومنا هذا، أن دخل المجلس عامل أو فلاح، كلهم كانوا أصحاب أموال ورجال شرطة سابقين، إذن حين تنص المادة ٦٠ على أن يجتمعوا ويختاروا اللجنة التأسيسية، وفق الصياغة الحرفية والتفسير الحرفى للمادة ٦٠ من القانون القائم أن أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين هم الذين يختارون، لكن فى تفسير آخر أنهم ممكن يختاروا من أنفسهم أو من غيرهم، إنما أساس الاختيار من داخل الأعضاء.
■ المادة ٦٠ لم تكن واضحة فى أن عملية الاختيار تتم من داخل مجلس الشعب أو الشورى أو من خارجهما؟
- المادة تحتمل التفسيرين، فإذا أراد التيار الإسلامى كله أن يختار اللجنة من داخل المجلس، فهو وشأنه، وإذا أراد أن يختار جزءاً من داخل المجلس أو من خارجه فمضمون المادة يحتمل.
■ هل نفهم من مضمون هذه المادة أن الاختيار بالانتخاب؟
- كلمة الاختيار عندما تنتقل من النص إلى الواقع العملى، تعنى أن الأمر متروك للحزب أو التيار الغالب، وبعيداً عن الناحية النظرية، نحن نسمع عن أن الإخوان المسلمين وضعوا الدستور فعلاً خلاص، وانتهوا من اختيار اللجنة.
الخطورة تكمن فى الأمر منذ بدايته، لأن هناك مبدأ جوهرياً جداً لا يمكن إغفاله، وهو أن الدستور هو الذى يخلق المجلس التشريعى أياً كان اسمه، مجلس أمة، أو مجلس شعب، أو مجلس شورى، أو مجلسين معاً، ولا يجوز للمجلس أن يخلق الدستور، بمعنى أن الدستور هو الذى يخلق ويشيد ويرسم السلطات الثلاث، لأنه البناء السياسى للنظام، ومن ثم الدستور أولاً، الدستور أولا، الدستور أولاً.
وأنا أؤيد رأيى بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ ١٧ ديسمبر ١٩٩٤، عندما قالت فى القضية رقم ١٣ لسنة ١٥ قضائية دستورية، وذكرت حرفياً إن «الوثيقة الدستورية» تخلق سلطات الدولة بما فيها السلطة التشريعية وتقرر مسؤوليتها والقواعد التى تحكمها، وبالتالى يكون المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية على ما عداها وهى التى تضع الدستور.
■ كيف ترى إذن الطريقة الأنسب لوضع الدستور؟
- أحدث طريقتين لوضع الدستور، إما باختيار جمعية تأسيسية منتخبة لغرض واحد فقط، هو وضع الدستور، وهذه الطريقة مع ارتفاع رقعة مصر ونسبة الأمية، قد تكون فيها مخاطر.
الطريقة الثانية وهى ما طبقتها تركيا، وعاصرت تجربتها نظرياً وعملياً، واشتركت فى وضع الإطار العام للدستور فى تركيا فى مايو ٢٠١١، عن طريق لجنة محايدة، لأن الدستور يجب أن يوضع باعتبار أنه وثيقة تستمر لمئات السنين، وأنا بدأت دراسة دستور تركيا عندما وجهوا لى الدعوة للمشاركة فى تعديله، ووجدت أن الأوضاع فى تركيا خلال عام ٢٠٠٢، تتشابه مع أوضاعنا الآن إلى حد كبير.
أما أحوال تركيا الحالية فهى مختلفة، فهى من الناحية الاقتصادية متقدمة جداً، وأردوجان الذى كان يظنه البعض قائداً للتيار الدينى، أثبت اعتناقه التيار الليبرالى الذى يركز على التنمية الاقتصادية.
■ وكيف تشكلت اللجنة التى وضعت الدستور فى تركيا؟
- اللجنة كانت تضم حوالى ١٦ شخصاً، رشحهم ما يقرب من ١٥ حزباً، كل حزب رشح شخصاً واحداً محايداً، وهناك أحزاب رشحت شخصين أو ثلاثة، المهم أن اللجنة كانت محايدة، وضمت عدداً من المفكرين والشعراء والأدباء.
■ ما الآلية التى اتبعتها اللجنة لوضع الدستور الجديد؟
- بدأت بدراسة تاريخ الحكم فى تركيا منذ الدولة العثمانية، بالأوراق والمستندات، واستعرضت التجارب الدستورية التى مرت بها، منذ دستور ٢٣ وحتى الآن، وعقدت لجان استماع محترمة، عرضت فيها كل الأحزاب والأقليات والنقابات وجهات نظرها برقى رفيع المستوى، وقدموا أوراقاً واستمعنا إليهم بروح طيبة ودون أدنى خلاف على الإطلاق، وتم تجميع كل الآراء ونقاط التوافق، ونقاط الخلاف، وأوجه التشابه فى الرؤى التى طرحت، ثم تمت مناقشتها، وبدأت اللجنة فى الصياغة، وقررت طرحه أولاً لإبداء رأى الشعب فيه، وتوجهات المجتمع، ثم يعاد ضبط صياغته، ثم يطرح على الشعب مرة أخرى للاستفتاء، وهذا أرقى منهج لوضع الدستور، أعتقد أننا يجب أن ننظر له بتفحص.
■ هل كان يتحتم على من صاغ تلك المادة أن يحدد شروط ومعايير اختيار أعضاء اللجنة وكل التفاصيل المتعلقة بعملها؟
- هى بداية خاطئة بكل المقاييس، وستسجل باعتبارها أكبر خطيئة فى تاريخ الحركة الدستورية فى مصر، وأعتقد أن الأمر لم يلتبس على من وضعوها، خصوصاً أن من بينهم عدداً كبيراً من أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهم بالتأكيد يعلمون حكم المحكمة الدستورية العليا الذى أشرت إليه، لكن ما حدث أن التوجهات الإسلامية غلبت على الجميع، ولا أقصد هنا المرجعية الدينية لكن أقصد أن هناك توجهات دينية للقفز على السلطة هى التى تحكمت فى أذهانهم، كان هناك هدف واحد هو لابد أن نصل إلى السلطة بجميع الطرق.
لاحظ أن المجلس العسكرى، ليست له خبرة أو علاقة بالمسائل الدستورية أو القانونية، وإنما الذين أصدروا وقاموا بصياغة هذا الإعلان الدستورى، هم المسؤولون عن هذه الخطايا والأخطاء، الدستور لا يوضع بهذا الشكل، بداية وضع الدستور خاطئة، وهذا يعنى أننا نبنى دستوراً على منهج خاطئ كلية.
■ لكن المحسوبين على التيار الدينى كانا رئيس اللجنة وأحد أعضائها، أى عضوين فقط، كيف غلب التيار الدينى إذن؟
- لا أود أن أتعرض للأسماء، لكن رئيس اللجنة هو الذى يتولى توجيه باقى الأعضاء، وصبحى صالح أصبح فقيهاً دستورياً، كما أصبح نصف الشعب خبراء استراتيجيين، لكن رئيس اللجنة بالتأكيد كان يعرف أن هذا ليس أسلوباً مطلقاً لوضع الدستور.
■ لماذا لا تفترض أن الجميع اعتقد أن هناك قانوناً سيصدر لينظم تلك العملية ويحدد المعايير؟
- لا أعلم ما كان فى ذهنهم، إنما وضعها بهذا الشكل أصلاً خطأ وخطيئة، وأعتقد أنها كانت مقصودة.
■ هل نحن فى حاجة الآن إلى صدور قانون للمعايير وطريقة الاختيار، أم أن المادة بنصها الحالى كافية، وتعنى أن يتم الاختيار بالانتخاب، وبحرية كاملة من الأعضاء المنتخبين؟
- لا تنظر إلى الناحية النظرية البحتة، ما يحدث هو أن الإخوان والسلفيين انتهوا فعلا من اختيار اللجنة، وحزب الحرية والعدالة هو من سيقود العملية كلها، والمشيئة ستكون لهم، واترك كلام الإنشاء الذى يقولونه فى الصحف كل يوم عن التوافق هذا كلام لا يصدق، خصوصا بعد عملية الإقصاء التى تمت فى لجان مجلس الشعب.
■ أنت تعتقد إذن أن التوجهات الدينية ستغلب على الدستور أيضا؟
- نعم، وسيخلق هذا الدستور الدولة الدينية.
■ يتردد الآن أن هناك مساعى من بعض القوى السياسية بأن يصدر المجلس العسكرى قانوناً للمعايير؟
- المجلس العسكرى وقع فى فخ، ومنذ مايو الماضى انتبه إلى هذا الفخ، واتصل بى أحد أعضاء المجلس، واجتمعت معهم يوم ١٦ مايو، وكانوا قد بدأوا ينتبهون إلى أن الاتجاه يسير ناحية الدولة الدينية أو الدستور الدينى، وأنا رفضت حضور الاجتماع فى البداية، لكن اللواء ممدوح شاهين اتصل بى بعدها وألح على حضورى، رفضت، وبعد ساعتين اتصل بى ثانية، وقال سأرسل لك سيارة شرطة عسكرية لأخذك، قلت له الطيب أحسن وذهبت، وقلت كل ما أريد، قلت إن الدولة فى خطر، وإن المصير سيكون أسوأ مما كان، وإن الثورة لم تحقق أى شىء، وشرحت لهم أساليب وضع الدستور، ونبهتهم أن المادة ٦٠ أكبر خطأ وقعت فيه لجنة تعديل الدستور، وقدمت مشروع دستور مصغراً من ٢٠ مادة.
■ وماذا فعلوا به؟
- الساعة السادسة من هذا اليوم تلقيت مكالمة تليفونية دون رقم، ووجدت المتصل يقول أنا عصام شرف، فى الحقيقة لم أنتبه أنه رئيس الوزراء، ولما شعر بذلك قال أنا عصام شرف كنت أستاذاً عندك فى جامعة القاهرة، والآن أنا رئيس وزراء مصر، قلت له أهلاً وسهلاً، وكنت قد قلت فى الاجتماع إن الوزراء فى الحكومة لا يصلحون لإدارة كشك سجاير، وقال لى «شرف» فى اتصاله كل كلامك صح، وطلب الاستعانة بى، وأن أرسل له كل مقترحاتى مكتوبة، ثم ذهب ولم يعد، ولا أعرف فى ماذا كان يريد أن يستعين بى.
■ لماذا لم يتم اختيارك ضمن أعضاء المجلس الاستشارى؟
- المجلس الاستشارى خطيئة أيضاً، يدعو إلى حوار وطنى جديد، نخرج من حوار لندخل فى حوار، هذا المجلس مثل مجموعة من الناس قابلوا أثناء سيرهم مجموعة أخرى تصلى صلاة جنازة على ميت، فانضموا للصلاة عليه فى التكبيرة الأخيرة، وقالوا علشان ربنا يرحمنا، وصلوا دون وضوء، هذا هو المجلس الاستشارى الحالى، مجلس ليس له دور، ولا يقدم أى جديد، والمجلس العسكرى ما زال عنده مستشارون من المحكمة الدستورية العليا.
هناك اتجاه أكيد نحو الدولة الدينية، وهناك اتجاه من السلفيين لتسمية مصر فى أقصى سرعة دولة إسلامية دينية، تقوم بتطبيق كل الحدود، وكذلك الأمر بالنسبة للإخوان المسلمين، ذراعهم السياسية الممثلة فى حزب الحرية والعدالة تتفق مع هذا الاتجاه، وذراعهم الثانية التى لا أعرفها، لكن يمكن أن نستنتج من قول المرشد الدكتور بديع عندما قال منصب المرشد العام للإخوان المسلمين أكبر من منصب رئيس الجمهورية، وأيضا الأستاذ مهدى عاكف منذ شهر أو اثنين قال: «اللى مش عاجبه حكم الدين يمشى».
■ كيف تقرأ مواقفهم بخصوص هذا الموضوع؟
- هؤلاء لم يقرأوا ابن خلدون مثلا أو الجبرتى أو الإمام محمد عبده أو جمال حمدان ولا حتى نجيب محفوظ، لم يقرأوا تاريخ الدولة العثمانية كيف انهارت رغم أنها كانت قائمة على أساس دولة الخلافة، وأقول لهم إن التيار الدينى فى مصر منذ نشأته قبل ٨٠ عاماً كان يسير فى ركب السلطة، وإن لم يكن يسير فى ركب السلطة، فإنه يسير فى طريق يبتغى به الوصول إلى السلطة، لكنهم الآن يسيرون فى طريق واحد نحو السلطة.
وهنا أتذكر واقعة حدثت عندما ألغى إسماعيل صدقى دستور ٢٣، رغم أنه كان دستوراً قيماً جداً ومتقدماً فى النصوص، حتى عن دستورى ٥٦ و٧١، وقتها قامت مظاهرات كثيرة جداً، والمنتمون للتيار الدينى قالوا للمتظاهرين فى ذلك الوقت لماذا تتظاهرون، وعندها استشهد زعيمهم بآية قرآنية لتهدئتهم قال: «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان صديقا نبياً».
كتابات نجيب محفوظ أيضا توضح كيفية صعود التيارات الدينية وكونها تجربة وطموحاً، وجمال حمدان فى وصف مصر حين تعرض لوصف الدولة العثمانية وكيفية قيامها، قال حرفيا إنها استعمار دينى، من نوع البطش، والتستر بمفهوم الخلافة ثم استنزاف دماء المصريين وحقوقهم وحرياتهم، ذلك الاستعمار الذى كان يسلم للخليفة بالحكم المطلق بالأمر والنهى والطاعة العمياء، ووصف جمال حمدان حال الأمة فى ذلك العهد بحال الراعى الذى يفصل بين أنواع القطعان، ويعتنق مبدأ «فرق تسد»، وقال: «كما يسوس الراعى قطعانه بالكلاب»، وكانت الانكشارية هى كلاب الصيد فى الدولة العثمانية، أيضا الإمام محمد عبده قال إن الحكم المهلك المستند إلى مرجعية دينية زائفة إنما يتبرأ منه الإسلام، وهو الذى تسبب فى خراب مصر، ابن خلدون قال نفس الشىء، إن النفس التى تتخفى وراء قناع الدين تجارة رابحة فى عصور التراجع الفكرى والتقهقر والأمية، ثم قال: «إنما الذين يستغلون الدعوة الدينية ليطلبوا بها الرئاسة التى امتلأت بها جوانحهم، بجانب التوصل إليها بصور أخرى، اعتنقوا وآمنوا بأن ثوب الدين هو السبيل المباشر إلى ما يأملون».
■ يمكن الرد على هذا الكلام بأنه من التاريخ، والإخوان يؤكدون فى كل تصريحاتهم أنهم يطالبون بدولة مدنية، تلتزم بأخلاق وقيم ومبادئ الإسلام؟
- حرفيا يقولون «دولة مدنية بمرجعية إسلامية»، ولو كان منهجهم دولة مدنية بمبادئ الإسلام أنا أول من يوافق عليهم، لكن هناك تلاعباً بالألفاظ.
■ ربما يقصدون الأخلاق والمبادئ والقيم وليس بالضرورة الحدود والمظاهر الدينية؟
- عندما تستعرض تصريحات عصام العريان وصبحى صالح وكل هؤلاء الذين يعبرون عن الذراع السياسية للإخوان، تجد أن كلامهم غير ذلك، يتكلمون عن الحدود وإقامة الخلافة الإسلامية، وانظر إلى حزب النور السلفى، يطالبون مقدما بتطبيق الحدود، ويجب أن نفرق بين الإخوان والسلفيين، هما مختلفان لكنهما سيجتمعان فى نهاية المطاف.
الدولة الدينية بدأت فى القرون الوسطى، وقبل القرون الوسطى أول دولة دينية أقامتها الكنيسة، واندثرت بفعل المفكرين، الدولة الآن دولة شعب وأرض أو إقليم ونظام سياسى وسيادة، ويجب أن يبقى الدين علاقة بين الفرد وربه، أما الحكم بالحدود وبتحريم الفنون وأشياء أخرى، فهذا لا يصلح الآن، وللأسف الشديد بعض المثقفين الآن والمذيعين والفنانين باعوا أنفسهم للتيارات الدينية.
■ ولكن الإخوان ينفون سعيهم إلى دولة دينية، بل يؤكدون رفضهم وضع المجتمع والدولة فى قالب دينى.
- هذا مجرد كلام، لكن ما إن تقل لهم نريد دولة ديمقراطية حتى يتهموك بالعلمانية، والعلمانية أصلا أسىء استعمالها، العلمانية جاءت من العالم، وهى تعنى أن تساير الفكر العالمى، اترك كلمة علمانية، نحن نريد دولة مدنية، ولنترك الدولة المدنية أيضا، نريد دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، كلنا متدينون وكلنا مسلمون، قل عليهم الإخوان فحسب، إنما كلنا مسلمون، لكن تتبع وحلل كلماتهم وآراءهم وخطبهم، البلد يتجه نحو مصير خطير جداً جداً.
■ إذا سعى البعض لإصدار قانون متعلق بمعايير اختيار لجنة تأسيسية، هل تعتقد أنه سيكون سبباً للخلاف أو الصراع بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى؟
- المجلس العسكرى الآن بمنتهى الأمانة فى موقف ضعف، وهو الذى أدى بنفسه وسلم نفسه إلى هذا الموقف، إنما لن يكون هناك توافق إطلاقا، حزب الحرية والعدالة ومعه السلفيون أجمعوا على أنهم هم من سيختارون القول الفصل.

فى انتظار صورة الرئيس بقلم جلال عامر ١/ ٣/ ٢٠١٢


أغداً ألقاك يا خوف فؤادى من غدى.. وأحد أصدقائى كان يعتقد أن عندنا والعياذ بالله دولة مؤسسات فوق السطح، لكن بعد التحاليل اكتشف أن عندنا تجمع سلطات تحت الجلد، فأنا وحضرتك والمجتمع والناس والبرلمان ومجلس الوزراء واتحاد الكرة فى انتظار ظهور صورة السيد الرئيس على التليفزيون لتستقر الأمور وتهدأ النفوس حتى رجال البورصة يقولون نحن فى انتظار ظهور صورة السيد الرئيس لتعتدل الأسعار.. وكلنا كده عايزين صورة.. صحيح أن صور سيادته تملأ الميادين، لكنها صور قديمة من فترات رئاسية موغلة فى القدم.
وبسبب غياب السيد الرئيس - شفاه الله - تحولنا، مؤقتاً، إلى «جمهورية برلمانية» يحكمها السيد رئيس الوزراء، ويتحكم فى حركة المرور فوق المحور، وقد يسافر السيد رئيس الوزراء ليمثلنا فى مؤتمر القمة فى «ليبيا» فنتحول إلى «جمهورية شعبية»، وقد نرسل السيد وزير الخارجية إلى المؤتمر فيسمحون له بالجلوس مع الملوك والرؤساء العرب، لكنهم لن يسمحوا له بالجلوس مع الصيادين المصريين، ثم يرجع السيد الرئيس بالسلامة، فنعود مرة أخرى «جمهورية رئاسية».
مما يؤكد أن عندنا تداولاً للسلطة لكن ليس عن طريق «الصناديق» ولكن عن طريق «السفريات»، والشمس تطلع والبورصة تنزل، وتحتل عربة الفول مكانها بجوار الكمين، وتمضى الحياة، ففى العالم الثالث محاولة «قلب» نظام الحكم بالسلاح جريمة، ومحاولة «عدل» نظام الحكم بالسياسة أيضاً جريمة، فهى بلاد لا تفرق بين بقعة الضوء والمرض الجلدى.
وتصحو من النوم لتدخل فى غيبوبة وتنتظر ظهور السيد الرئيس لتستقر «الدنيا»، وظهور السيدة العذراء ليستقر «الدين» فأين المؤسسات والثعلب الذى فات، وأتذكر أن والدى لم ير وجه أمى إلا بعد ثلاثين عاماً من الزواج، رآها صدفة فى الأسانسير وعرف أنها مديرة مكتبه وربة منزله وأم أولاده وماسكة الجمعية ومصروف البيت، وأنها تضع فى يدها كل السلطات، بالإضافة إلى خاتم الزواج لذلك تعلمت من التجربة وعندما نزلت الانتخابات كنت أكتب على اللافتات (فلان الفلانى فئات وعمال وشحن ع الهوا).

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ