الأربعاء، 29 فبراير 2012

شحاتة والبرادعى «التهويل والتهوين» بقلم جلال عامر ٢٩/ ٢/ ٢٠١٢


حدثت معى «معجزة» فقد «انتفخت» ذاتياً ودون عجلاتى من هذا البلد الذى إذا أحب شخصاً وضعه فوق السطوح وإذا كره شخصاً حبسه فى حجرة الفئران.. ورغم أننى «أهلاوى» ومن عشاق فيلم «الخطايا» إلا أننى أهوى «حسن حلمى» وأقدر «نور الدالى» وأحترم «مرتضى منصور» وأحب «حسن شحاتة» أكثر من «الجوهرى» بعشرين ألف متفرج.
ورغم دراستى لـ«اللغة» العبرية وللمجتمع الإسرائيلى فإننى رفضت أن أكون رئيساً لإسرائيل مثلما رفض الكابتن «حسن شحاتة» أن يكون مدرباً لها علماً بأن «إسرائيل» لم تعرض على الرئاسة ولم تعرض على «حسن شحاتة» التدريب.. كما رفضت رئاسة نيجيريا بينما قبل «حسن شحاتة» تدريبها علماً بأن «نيجيريا» لم تعرض على الرئاسة ولم تعرض على «حسن شحاتة» تدريبها وسوف أرفض رئاسة أى بلد لا يقوم «حسن شحاتة» بتدريبه حتى لو كان البرازيل.
والأمر متروك للأمم المتحدة ومجلس الأمن لتحديد اسم البلد الذى يدربه الكابتن «ارحمونا يرحمكم الله».. وعاد «البرادعى» فأصيبت وسائل الإعلام بالخرس وفزع «شكرى أبوعميرة» و«على بدرخان» و«خالد يوسف» خوفاً على «انتخابات الرئاسة» فى نقابة السينمائيين، وارتفعت البورصة وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيناى فى لغة الهوى عيناك.. حتى البرنامج الوحيد الذى أشار إلى الرجل فى قناة خاصة فيها مساحة حرية لكن المذيع استغل هذه المساحة فى زراعة «الكرنب» والمذيعة استغلتها فى تربية «الفراخ»، ودار الحوار بينهما كالآتى:
المذيع:- إيه رأيك فى الجدع اللى رجع من بره ده؟
المذيعة:- رأيى إنه أحسن له يمسك وزارة الخارجية أو هيئة الطاقة أو نادى الجزيرة أو صيدلية عمه.
المذيع:- طيب إفرضى لا قدر الله- باقول لا قدر الله- إنه عايز يشتغل فى السياسة.
المذيعة:- لأ بقى هنا نقول له لأ.
ثم انتفخ وجه المذيعة ونكشت شعرها وأخذت شكل «الباتعة الكيكى» وتحول المذيع إلى «التيحى» فظننت أنهما سوف ينتقلان إلى وصلة بث مباشر أمام الجيران من أسفل بلكونة «البرادعى»، «حسن شحاتة» رجل محترم فاز بالكأس و«محمد البرادعى» رجل محترم فاز بنوبل، والأول مدير فنى المنتخب لا غير والثانى مرشح محتمل للرئاسة فقط، لكننا نصر دائماً على نظرية السطوح وحجرة الفئران، وبسبب غياب الموضوعية كان «١٢٣» هو رقم الإسعاف فأصبح «١٢٣» هو ترتيب مصر فى الدول المتقدمة.

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

: الوسادة الخالية والمقعد الفارغ بقلم جلال عامر ٢٨/ ٢/ ٢٠١٢


أنا من الجيل القديم الحريص على الأخلاق والمتمسك بطابور المعاش.. جيل تربى على عصا المدرس وعصيان الأهل.. كانت أمى تطلب منى شراء الخبز فأرد بأدب «مش رايح».. جيل كان يرى صديق والده وهو طفل على بعد كيلومتر فيجرى ويعزم عليه بسيجارة.. لذلك نحن ضد رفع قانون الطوارئ لأننا لو رفعنا عن مصر الطوارئ ممكن رجليها تبان.
ولكن نحن جيل طماع عندنا «نائب عزرائيل» ليوسف السباعى و«نائب فى الأرياف» لتوفيق الحكيم ومع ذلك نريد نائباً للسيد الرئيس.. كل يوم مصر فى مستشفى الولادة جابت البنت والولد لكنها فشلت حتى الآن أن تلد من يصلح نائباً للسيد الرئيس.
فأصبح عندنا الوسادة الخالية ومقعد النائب الخالى وفاضل دولاب ونكمل أوضة النوم ونجوز البنت حتى لا تبور، لأنها عندما تبور قد يتم استصلاحها وتوزيعها على شباب الخريجين ضمن مشروع «ابنى بيتك وإحنا نهده».
حالة البلد لا تحتمل الآن عدم وجود نائب، صحيح ليست كلها سوداء فهناك أشياء كثيرة بيضاء فى مصر مثل الزبادى واللبن والجبنة القريش لكن الاحتياط واجب فى بلد يشهد إضراباً بعد كل وجبة وحريقاً كل ست ساعات على طريقة «بدلاً من أن تلعنوا الظلام ولعوا حريقة».. ونعتقد أن تغيير الصورة على علب السجائر لا يكفى فمصر فى حاجة لتغيير الصورة المعلقة على الجدران.
والحقيقة أن الحزب الوطنى يعبر عن نبض رجل الشارع نهاراً ويعبر عن شخيره ليلاً، وإذا لم يستطع أن يغير فى الأفعال فليغير فى الأقوال، فمنذ آلاف السنين ونحن نؤكد أن موقع مصر ممتاز ومناخها معتدل وخطاب السيد الرئيس تاريخى، فمن باب التغيير لماذا لا نقول إن موقع مصر معتدل ومناخها تاريخى وخطاب السيد الرئيس ممتاز؟!.. رغم الإضرابات والاعتصامات والحرائق التى تشهدها البلاد، مازال فى مصر يد صلبة وقوية.. إيد الهون.

الاثنين، 27 فبراير 2012

حكومة إخوانية أم حكومة وحدة وطنية؟! بقلم د.حسن نافعة ٢٧/ ٢/ ٢٠١٢


كتب الأستاذ فهمى هويدى مؤخرا مقالا نشر تحت عنوان «مغامرة حكومة الإخوان» كان لافتا للنظر ومثيرا للعديد من التساؤلات. أبدى الكاتب الكبير فى بداية مقاله تفهما للمطالب الداعية إلى تكليف جماعة الإخوان بتشكيل الحكومة فى مصر، لكنه استغرب فى الوقت نفسه أن تأخذ الجماعة هذه الدعوة على محمل الجد وتشمر عن سواعدها وتبدأ فى المشاورات والترشيحات والترتيبات وكأن الدعوة طبيعية أو بديهية ومخلصة.
غير أن الأستاذ فهمى كانت له وجهة نظر أخرى، فقد عبر بوضوح عن شكوكه فى نوايا وأهداف بعض من يتحمسون لهذه الدعوة ونعتهم بـ«الكارهين والشامتين وبأنهم عملوا بصاصين لحساب جهاز أمن دولة النظام السابق»، ثم عاد وافترض حسن النية لدى أغلبية من تصوروا أن المنطق، بصرف النظر عن أى ادعاءات قانونية،
 يقضى بضرورة تولى الحزب الحائز على الأغلبية فى البرلمان تشكيل الحكومة. ورغم عدم إنكاره لحق الإخوان فى تشكيل الحكومة بعد حصولهم على الأغلبية النسبية فى البرلمان، إلا أنه رأى فى احتمال إقدام الجماعة على تشكيل الحكومة فى هذه المرحلة خطوة غير ملائمة،
 وغير مجدية، بل ومغامرة غير مأمونة العواقب لن تصب لا فى مصلحة البلد ولا مصلحة الجماعة نفسها. فهى خطوة ليست فى مصلحة البلد «لأن دولا عدة غربية بل عربية أيضا سوف تحجم عن تقديم أى معونات أو استثمارات لمصر،
 وليس من المستبعد أن يتكرر مع حكومة الإخوان فى مصر ما حدث مع حكومة حماس فى غزة». وهى خطوة ليست فى مصلحة الإخوان لأن هناك قوى فى الداخل والخارج على السواء تسعى لإثبات عجز حكومة الإخوان وفشلها. بل إن الأستاذ فهمى لم يستبعد أن يتكرر مع حكومة الإخوان ما حدث فى تركيا مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه عام ١٩٩٦، وتضطر بالتالى إلى «الإقدام على تنازلات تهدد رصيدهم التاريخى وقد تهدد شرعيتهم»،
 كما لم يستبعد أيضا احتمال أن تقدم الحكومة الإسرائيلية على وضع الإخوان أمام تحد صعب منذ اللحظة الأولى لتولى حكومة إخوانية فى مصر، وذلك بالإقدام على شن هجوم على غزة للتعرف على نوايا الحكومة الإسلامية الجديدة، وبالتالى تتم محاصرة الحكومة الجديدة من الداخل ومن الخارج أيضا.
ولأن مصر لا تحتاج إلى مجرد إصلاح سياسى، قد يتحقق بإصدار دستور جديد أو بإجراء انتخابات برلمانية، وإنما إلى جهد ضخم «يعيد لمصر عافيتها ويمكنها من تجاوز حالة التقزيم والإعاقة التى فرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية»، فقد اعترف كاتبنا الكبير، بأن إدارة شؤون مصر فى الفترة المقبلة مهمة «أكبر من الإخوان ومن أى فصيل بذاته».
لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يختلف مع ما ذهب إليه الأستاذ فهمى. غير أن ما طرحه فى هذا المقال المهم يثير أكثر من تساؤل حول قدرة جماعة الإخوان على إدراك الحقائق الداخلية والخارجية التى ألمح إلى بعضها إدراكا واعيا،
 خصوصا أن سلوك الجماعة منذ ثورة يناير وحتى الآن لم يكن على المستوى المطلوب ولم يعمل بما فيه الكفاية للمحافظة على وحدة الفصائل التى أسهمت فى صنع التغيير أو لتشكيل جبهة وطنية موحدة قادرة على التصدى لقوى الثورة المضادة التى نجحت فى تفتيت القوى صاحبة المصلحة فى الثورة وفى التغيير معا.
 بل إن سلوك الجماعة المرجح دوما لمصلحتها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا جعلها تتصرف بمنطق شديد الأنانية، حيث عرقلت الجماعة كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى وفاق وطنى يسمح باختيار الجمعية التأسيسية والاتفاق على مشروع للدستور يطرح عليها فى أول اجتماع. وأظن الأستاذ فهمى كان شاهدا بنفسه على هذه المحاولات، حيث لجأت إليه لإقناع الجماعة بالتجاوب مع هذه الجهود، لكن جهودنا معا، وجهود غيرنا أيضا باءت بالفشل.
لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب، كما اعتدنا أن نقول دائما، لكننا للأسف لا نكف عن سكب اللبن ثم نتوقف لنبكى عليه. والسؤال: هل تتعلم القوى السياسية، ولا أقول الإخوان فقط، الدرس وبالتالى يمكنها أن تتحسب للنتائج المحتملة لاحتمال فوز أحد مرشحى التيار الإسلامى بالمقعد الرئاسى وتأثير هذا الاحتمال على الجهود الرامية للتأسيس لنظام ديمقراطى حقيقى فى المستقبل.
أظن أن القضية تستدعى نقاشا جادا وأن الحاجة تبدو الآن ماسة لحكومة وحدة وطنية، وليس لحكومة إخوانية، ولرئيس مستقل يملك القدرة على لم الشمل وبناء نظام سياسى قوى يتسع للجميع.

مقالات مختارة للكاتب الراحل جلال عامر: لحظة فارقة وأمة غارقة بقلم جلال عامر ٢٧/ ٢/ ٢٠١٢



الحمد لله رب العالمين عمرى ما طلع لى عفريت ربما لأن معى «كشاف» كبير ينير لى الطريق ويعمل «بالحجارة» مثل المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة وبسبب التربية السليمة فى أزقة بحرى كنا فى المدرسة نكره حجرة «الموسيقى» ونعشق حجرة «الفئران» والمرة الوحيدة التى دخلنا فيها حجرة «الناظر» كانت بمناسبة «تعامد» الشمس على وجهه فى «الفسحة» وإذا كان فيلم (وداع فى الفجر) هو النسخة الرديئة لـ(جسر ووترلو) فإن «الحزب الوطنى» هو النسخة الرديئة «للاتحاد الاشتراكى» والسؤال العبيط هل هو حزب الحكومة أم حكومة الحزب؟!
والسؤال الحقيقى هل هو حزب الرئيس أم رئيس الحزب؟.. فعندنا البواب كل يوم بالليل يصحينى من النوم ويبعتنى أشترى له «سجائر» ولما بطل التدخين أصبح يصحينى أشترى له «معسل» فأحمد هو الحاج حسين.. كل عام والإخوة فى الوطن بخير وسلام بمناسبة عيد الميلاد المجيد وإن شاء الله فى العام المقبل نكون قد عثرنا على الستمائة عام الضائعين من تاريخنا بين انتحار «كليوباترا» ومجىء «عمرو بن العاص» وأيامنا كان مدرس «التاريخ» يحب مُدرسة «الحساب» وطول النهار هو يكتب فيها «قصائد» وهى تكتب فيه «شكاوى» ويحضر الناظر إلى الفصل لسماع أقوالنا لذلك تخرجنا ضعفاء فى التاريخ أقوياء فى الحب..
وأصبحنا مواطنين صالحين للاستهلاك الحكومى فالغش يبدأ من سبورة «الفصل» فى حضور «الناظر» وينتهى فى صندوق «اللجنة» فى غياب «القاضى».. والحل إذا لم يتخل السيد الرئيس عن رئاسة مصر ويتركنا لمصيرنا أن يتخلى عن رئاسة الحزب الوطنى ويتركه لمصيره.. وقتها سوف يتفكك الحزب ويتصاعد غاز الهيدروجين ويتحول إلى راسب أسود من برادة الحديد..
المهم أن «الناظر» بعد التحقيق وسماع الأقوال قرر أن يتزوج «مُدرسة الحساب» فتغير اسمها إلى «مرات الناظر» وأصبح من حقها أن تفتش الشنط وتأخذ الساندويتشات وتجمع المصروفات وتبيع «التخت».. وانتهز مدرس التاريخ فرصة «تعامد» الشمس على وجه الناظر وقال له: (إما أن تترك المدرسة «بفتح الميم» أو تُطلق المدرسة «بضم الميم») فرد الناظر عليه بطريقة الصوت والضوء: (أنا الناظر حفرت الترع وأقمت الجسور ونشرت العدل فى ربوع الوادى واللى مش عاجبه يسيب المدرسة) فهمس لى زميلى «عوض»: (هوه فيه برضه ناظر يقول كده!) فقلت له: (أيوه يا ابنى وأكتر من كده ما هى دى مدرسة خاصة).

الجمعة، 24 فبراير 2012

مقالات مختارة للكاتب الراحل جلال عامر .. بقلم جلال عامر ٢٣/ ٢/ ٢٠١٢

البلطجية قادمون 
إلهى ليس لى فى الكون عون فكن عونى إذا رام رمانى.. فأنا- والحمد لله- لا بيت ملك ولا طاحونة شرك، فالدنيا مثل «التاكسى» لا تقف لأحد لكن قلبى أكبر من «خيمة القذافى»، وأعتقد أن رجل الأعمال يقوم بدور اجتماعى مهم وهو الزواج من السكرتيرة، وأن من يطرحون أسماء المرشحين للرئاسة يجب أن يحددوا من الآن من الفائز ومن المحبوس؟

وفى أسبوع واحد أخطأ عضوان من البرلمان الأول اقتحم «مركز شرطة» واعتدى على الضابط والثانى اقتحم «مدرسة بنات» واعتدى على الناظر فرفعوا الحصانة عن الأول وحبسوه وتمت مداعبة الثانى لأن «الأمن» فضلوه عن «العلم» ثم إن الضابط كتب «المحضر» لكن الناظر لم يكتب «الواجب» ومصر هى بلد الأمن وليست بلد العلم والبنت تكسر لها «ضلع» يطلع لها اتنين لكن الضابط تقطع له «زرار» ما يطلعش تانى.

فالعضو الأول نال «العدل» والعضو الثانى وجد «الدلع»، وقد حافظ وزير «الداخلية» على كرامة «ضباطه»، وأضاع وزير «التربية» كرامة «نظاره»، لذلك امتنع الناس عن اقتحام أقسام الشرطة لكنهم اقتحموا بعدها المعهد الأزهرى ودمروه واعتدوا على البنات.. صحيح عندنا «يد» للعدالة لكنها تنتهى بصوابع «زينب».

ولأن الأمن يسيطر على العلم حتى فى الجامعة تجد بعض العلماء بدرجة مخبر (راجع التقارير التى يكتبها بعض الأساتذة ليحصلوا على الترقية) وبعض المخبرين بدرجة عالم (راجع الأوراق التى يكتبها بعض الحرس ليحصلوا على الدكتوراه) وتمضى الحياة بلونها البمبى ويا لابسة البمبى تعالى جنبى.. بدلاً من الوجبة المدرسية وزعوا على التلاميذ «مطاوى» ليدافعوا عن أنفسهم.. ذهب زمن «الإرهاب» وجاء زمن «البلطجة».. فالبلطجية هم أكبر حزب فى مصر الآن ولا يخضع لقانون الطوارئ ولا أحد يتحرك فمصر لم تهتز طوال تاريخها الحديث إلا مرتين، مرة عند اعتزال الكابتن «أحمد شوبير» ومرة عند القبض على المغنى «تامر حسنى».
: وزير عموم الزير
فى مسرحية «وزير عموم الزير» تستولى الحكومة على «زير» وضعه فاعل خير لعابرى السبيل وتنشأ من أجل «الزير» الهيئة العامة للفخار لفحص ومتابعة جسم الزير، والهيئة العامة للأخشاب لفحص ومتابعة غطاء الزير، والهيئة العامة لمياه الزير والهيئة العامة لأمن وحراسة الزير، وقسم إحصاء الشاربين، وفرع الكوز، ثم تضمها جميعاً إلى «وزارة عموم الزير».. وأصبحت كل الهيئات موجودة لكن الشىء الوحيد الذى اختفى هو «الزير» نفسه.

وكلنا نعشق مصر منذ فجر التاريخ حتى الواحدة ظهراً ثم نريح ساعة بعد الظهر، ونقوم لنكمل العشق فنكتشف اختفاء «الزير».. وهى الاستراتيجية التى تتبعها الحكومة منذ عهد محمد أبوالدهب حتى عصر أحمد أبوالحديد.. تفريغ الجهاز من المضمون لتلعب فى المضمون.. أعادت الرقابة الإدارية بدون صلاحية ليعرض الجهاز اكتشافاته على الوزير المختص.. ليستدعى الفاسدين إلى مكتبه ويطلب منهم أن يتلموا فيتلموا عليه ويضربوه.. أنشأت المحاكم الاقتصادية لتبخرها كل يوم وترش أمامها ميه ورملة لعل الله يرزقها بزبون من حيتان الليمون الذين يبيعون «الليمون» بأزيد من التسعيرة دون أن يلتزموا «بفصوص» الدستور الذى تم تعديله حتى لا يأكل بنزين، وهى اللعبة التى تمارسها الآن مع الجهاز المركزى للمحاسبات عندما تهمل تقاريره وتناقش صلاحياته تحت قبة «البرطمان»، لتنزعها من الجهاز المركزى وتمنحها للأمن المركزى يعملها «خوذة».

فى مصر يموت المواطن ليسير وراءه المشيعون ويعيش ليسير وراءه المخبرون، لكن الحكومة ترفض الرقابة إلا على المصنفات الفنية وتعامل مصر كأنها متهمة ضبطتها فى حضن النيل.. وخلاصة ما تقوله لنا إذا كان عندك «صنعة» فإن عدوك هو ابن كارك وإذا كان عندك «بنت» فإن عدوك هو ابن جارك أما هى فتسكن فى القلوب كما يقول المتنبى: «لك يا منازل فى القلوب منازل» وهو البيت الذى قاله أو بناه قبل ظهور أزمة الإسكان ووضع أمامه زيراً وعين له وزيراً. السباحة فى بانيو الوطن
فى العالم العربى التأمين على الإنسان «اختيارى» والتأمين على السيارة «إجبارى»، لهذا نحن لا نفرق بين معارض الحكومة ومعارض السيارات أو معارض الموبيليا ونظل نعبث فى آلة التنبيه حتى تفاجئنا صفارة الإنذار.. فى العالم العربى فقط يجب أن تحصل على رخصة من لجنة أحزاب البلد الذى تقيم فيه حتى يسمحوا لك بالمعارضة.

تكتب البيانات وتملأ الاستمارة وبطاقة ضريبية وصحيفة حالة جنائية و٦ صور، منها صورة بلبس السجن ثم يسألك الموظف «ناوى تعارض فى إيه بالظبط؟!» وحتى تحصل على الموافقة يجب أن تكون إجابتك دبلوماسية «ناوى أعارض فى حكم نفقة حصلت عليه مطلقتى».

بعض الدول يشترط فى المعارض أن يكون متزوجاً ويعول حتى لا يهرب وبعضها يشترط طولاً معيناً للشخص حتى لا تخبط رأس المعارض فى سقف الحرية ويوقع النجفة.. والذى ينجح فى كشف الهيئة يُعطى بعض الأناشيد ليحفظها ويوقع على أوراق يتعهد فيها بعدم المعارضة ثم يُسجل عبارة «ليس فى الدكان أجمل من المانيكان.. هذه رسالة مسجلة».

يقولها عند أى أزمة حتى لو كانت أزمة «ربو».. والحصول على رخصة حزب أصعب من الحصول على رخصة «مسمط» لهذا تجد أن أصحاب «المسامط» هم فى الحقيقة معارضون فشلوا فى الحصول على رخصة حزب ففتحوا مسمطاً ويتحينون الفرصة لتحويل المسمط إلى حزب أو العكس مثلما فعل «الريان» الذى حول «المسمط» الذى يملكه إلى إمبراطورية مالية معارضة، فاضطرت الحكومة لأن تتحفظ على كوارع الإمبراطورية، حفاظاً على حقوق الزبائن، بينما حدث العكس وتحولت بعض الأحزاب إلى مسمط فيها «لسان» و«مخ» لكن فى الساندويتشات.

إحدى الدول العربية الشقيقة «سوريا» لاحظت أن زعيم المعارضة فيها «المرحوم الحلو» يذوب عشقاً فى الوطن فحققت له أمنيته ووضعته فى بانيو وملأت البانيو بحامض كبريتيك مركز ساخن وتركته يذوب عشقاً فى حب الوطن.. أطلقوا حرية الأحزاب المدنية حتى لا يظل المثل السائد تحت القبة «لومانجى بنى له بيت إخوانجى سكن له فيه».
اللى ما يعرفش يقول «مصر»
الدين النصيحة.. فيا وزير الأوقاف صدقنى بعد أن أستمع إلى خطبة الجمعة بابقى عايز أقتل أى حد يقابلنى، رغم أننى عاشق للحياة، وأنا بعشق البحر زيك يا حبيبى حنون وساعات زيك مجنون وساعات مليان بالصبر، ومن عجائب البحار أن «السردين» عندما يشعر بدنو الأجل يسافر آلاف الأميال عبر البحار والمحيطات ليموت فى غرفة «المأمور»، وأن الحيتان لها زعانف جانبية سوداء وبطاقة ضريبية صفراء، وأن «قنديل» البحر قطعوا عنه الكهرباء وألزموه بتركيب عداد.. حضرتك من المنطقة دى ولاّ جاى تقرا وتمشى؟

كنت أريد أن أسألك عن عنوان أقرب «مائدة رحمن لقلبك» فإذا ذهبت إلى هناك حاول تفتكرنى وافتح الحنفية وهات القناة الأولى لتشاهد عودة الصيادين المصريين من بلاد «بونت» على سفينة «حتشبسوت» ومعهم التوابل، أما البخور فهى تصريحات وزارة الخارجية التى لا يصدقها المارة فى «ميدان التحرير» ولا المقيمون خارجه..

وأنا بعشق «الطريق» لأن فيه لقانا وفرحنا وشقانا وكمان فيه «الكمين» أنا بعشق «الكمين».. وأى عجوز من بقايا مسلسل «الملك فاروق»، أو شاب من تنظيم «ابنى بيتك» يعلم أن الموقع ممتاز والمناخ معتدل والخطاب تاريخى، ومع ذلك لم يعد يشدنا إلى أرض الوطن إلا قانون الجاذبية الأرضية الذى يريدون استبداله بقانون الإرهاب.. هل تصدق أن الحكومة أصدرت كتاباً أبيض تتحدث فيه عن إنجازاتها؟

وأصبح للحكومة صحف وتليفزيون وموقع وكتاب وبقى أن تكون لها إنجازات.. وكتاب حكومتى يا عين ما شفت زيه كتاب، الصدق فيه سطرين والباقى كلام كذاب، فأحياناً تكون الحقيقة أغرب من الخيال، والحقيبة أكبر من الشوال، فلا تسمع الشائعات ولا تشم زيت التموين ولا تقرأ كتاب الحكومة.

أنا بعشق السما علشان دايماً مسامحة ومزروعة نجوم وفرحة ومكتوب فيها التاريخ.. أنا بعشق التاريخ من أول «محمد أفندى رفعنا العلم» وحتى «محمد أفندى بعنا مصنعه» وصولاً إلى «محمد أفندى سرقنا كلوته».. فعلاً اللى ما يعرفش يقول «مصر».. قانون محاكمة العفاريت
منذ ألغينا الطرابيش وضعنا مكانها «بطحة»، فهل هذا بلد مريض يستحق الإفراج الصحى؟ أم عليه عفاريت؟ إذ تجوب العفاريت العالم كله لكنها لا تجد مقاساتها إلا فى بلادنا، فيركب العفريت المواطن ويركب المواطن الأتوبيس ويركب الأتوبيس العربة التى أمامه ليطبق قانون المرور ويطبق رفرف العربية.. لذلك يركب رجل لجنة وتركب اللجنة حزباً ويركب الحزب دولة فيصبح عندنا أربعة توائم ملتصقين لو فصلت أحدهم مات، هم الحزب والحكومة والنظام والدولة، فلا تستطيع أن تحدد اتجاه العربة ولا موضع الأتوبيس، ومن العفريت الذى عنده سلطة بلا منصب.

ومن الشبح الذى عنده منصب بلا سلطة، فهذه دولة تديرها العفاريت والأشباح.. فكلنا يعرف واجبات المسؤول فى منزله لكننا لا نعرف واجباته فى مكتبه.. وفى هذا الضباب يخرج الوزير براءة وتقيد التهمة ضد «عفريت» يتم «صرفه» من سراى النيابة.. وهو العفريت نفسه الذى يربط بين «أسانسير» البنك و«سلم» الطائرة.. وهو العفريت الذى قتل المطربة ولوث الدم وسرق اللوحة.. وعندنا فيلم بعنوان «الفقراء لا يدخلون الجنة» والعفاريت لا يدخلون السجن.

والفرق بين الدستور وكتاب «الكباريت فى إخراج العفاريت» أن الثانى واضح ومحدد ويؤكد أن الدكتور زاهى حواس هو الذى اكتشف «البنسلين»، وأن البلهارسيا هى أحد شروط «كامب ديفيد»، وأن أبوتريكة سوف يرفع الطوارئ من عند راية الكورنر، وأن مصر هى ابنة الحزب الوطنى من زوجته الأولى، وهات إيديك ترتاح بلمستهم إيديا، وما دستور إلا بنى آدم، وقد مشيت كثيراً فى الظلام فلم يطلع لى دستور.. وأتذكر أن «الباتعة الكيكى» عندما قتلوها فى طابور الفرن كان لها عفريتة تطلع لنا ليلاً على سلم العمارة وتصرخ: «أنا اللى سرقت الأراضى ونهبت البنوك وزرت الانتخابات».

وكان «التيحى» يخرج إليها على باب الشقة ويقول لها: «عيب يا باتعة امشى الناس عايزة تنام».. فتسأله: «إنت عامل إيه يا تيحى»، فيرد بانكسار: «آهى ماشية».. فتنصحه: «مادامت ماشية حاول تاكل زيتون وجوافة، وخد مطهر للمعدة، وحط الدستور تحت مخدتك».. سؤال الحلقة: من الذى حول البرلمان إلى خمسين فى المائة فئات وخمسين فى المائة ضباط شرطة؟.         العثور على شعب فجأة

ماذا تفعل عندما تعثر على شعب فجأة؟ هل تسلمه أم تسجله باسمك فى الشهر العقارى؟.. فمن غرائب الطبيعة أن الحكام العرب اكتشفوا أن بلادهم فيها «بترول» فى الثلاثينيات من القرن الماضى، ثم اكتشفوا أن بلادهم فيها «شعوب» الأسبوع الماضى فقط.. وراحوا يصرخون فى فيلم «أهل القمة» (شعبى.. شعبى)، بعد أن تعرفوا عليه من «وحمة» موجودة على الكتف.. وأيام «الكشوف الجغرافية» كان البحّار إذا اكتشف «شعباً» أباده لكن أيام «كشوف البركة» لا يمكن فعل ذلك، بسبب انتشار عواميد النور والإنترنت والحمى القلاعية..

وكان «البحّار» يبدأ بإهداء السكان الأصليين «الخرز» الملون، وينتهى بإطلاق الرصاص عليهم.. وكان الحاكم يبدؤهم بعبارة «حكمتكم»، ويودعهم بعبارة «فهمتكم»، ثم يتفرغ لتطبيق ما فهمه فى المنفى.. والمشكلة أن الحكام الذين تخلصوا من البترول بتصديره ليحترق فى الخارج لا يستطيعون ذلك مع شعوب تحترق فى الداخل.. فماذا هم فاعلون؟ وحبيبتى من تكون؟.. كلها أسئلة شرحها يطول وإجاباتها فى آخر كتاب التاريخ.. وعندما قلت فى الأفلام فقط ينتصر الضعفاء، نسيت مهرجان «قرطاج»، حيث الفساد يؤدى إلى المطار، والبطالة تؤدى إلى الانتحار وحرق عربة الخضار، فعلينا ألا نكون بطيئى الفهم خوفاً من الرادار، وأن نعرف أن «الطلعة» الجوية لا تمنع «النزلة» الشعبية، لكن يمنعها الخبز والحرية.. وجرحونى وقفلوا الأجزاخانات..

لذلك يتحول الدستور فى بعض البلاد من «أبوالقانون» إلى «أبوالفنون»، بدليل اهتزاز مصر زمان عند القبض على «سعد زغلول»، واهتزازها الآن عند القبض على «تامر حسنى».. مشكلة أن يعثر الحاكم على شعب فجأة، ويقول «ميكافيللى» فى كتاب (الأمير): إن الحاكم إذا تباسط وجلس مع الفلاح ليشرب معه الشاى، فإن الفلاح يطمع ويطلب أن يلاعبه «دومينو»، لذلك إذا عثرت على شعب فلا تسلمه لأصحابه، وقدّم له مسكنات وخرزاً ملوناً.. وفى (ثورة على السفينة بونتى) طرد البحارة الكابتن «وليم بلاى»، بسبب قسوته، وحبسوا أصدقاءه ومعارفه، وقال لهم وهو يغادر السفينة: (فهمتكم.. فهمتكم.. إنتوا عايزين تلعبوا دومينو!).                                                                                                                                                                حديث آخر الأسبوع
احترس فهذه المقالة تؤدى إلى خارج الصفحة، واليوم إجازة من السياسة، وغداً إجازة من الكتابة لأتفرغ لقراءة مكافآت مجلس الشورى وأحلل الأسماء والأفعال، لأن كل اسم له فعل قاده إلى «التعيين»، وحرف جر وضعه فى أول الكرسى.

وأنا كنت أريد أن أتعين فى مجلس الشورى ولو بعقد مؤقت تقديره هو، لأن المجلس هو مالك الصحف، وكنت أنوى أن «ألم» له الإيجار الشهرى بدلاً من «إسماعيل يس»، لكن ما يعزينى أن القوة الناعمة لمصر ليست المجالس ولكن مراكز التدليك وإوعى يغرك جسمك.. حضرتك لو مولع البوتاجاز روح اطفيه وتعالى.. وأنا ضد الأدب النسائى والأغنية الشبابية، لكننى أقرأ لكثيرات وأحترمهن جداً لكن حبى محجوز لكريمة العنصرين (صافى ناز ونجم) نوارة النهار وكوكب الليل، وللناس فيما يقرأون مذاهب.

أما فى كتابات الرجال فيعجبنى أى واحد طويل وله شنب وليس مهماً ما يكتب، المهم أن يكون طويلاً وفاهم الحياة ومتصور ببدلة أو على الأقل بنظارة شمس أو نظارة لحام.. لذلك عندما لم أجد اسمى فى تعيينات الشورى كنائب أو فى تشكيل المنتخب كلاعب امتنعت عن تناول الدواء، وهددتنى زوجتى بأن تستدعى (٢) أطباء «يضربونى فى مدخل العمارة المجاورة ويبلعونى الدواء».

راجع حضرتك الأسماء التى اختاروها والأسماء التى استبعدوها، واسأل البواب وسوف تكتشف أن المفهوم الوحيد هو إعادة تعيين الجنين الذى يبايع فى بطن أمه لاستكمال فترة الحمل (أسباب طبية)، وتعيين المقاول الذى أصلح مبنى المجلس بعد الحريق لاستكمال أعمال الترميم والدهان (أسباب هندسية)، وكنت أتمنى تعيين بعض المارة من أمام المجلس تخفيفاً للزحام.

كان أبى رحمه الله «بحاراً» لمدة نصف قرن، ومع ذلك لم يكتشف قارة جديدة لكنه اكتشف تكية «كولس» فى قبرص، التى كان البحارة يأكلون ويشربون فيها مجاناً، وكانوا كلما رأوا طيور «النورس» يصرخون «يعيش كولس.. يعيش كولس».. يعيش كولس وطيور النورس ونموت نحن.

منين أجيب ناس

منين أجيب ناس، فأسعد فترة مرت على البشرية عندما كان «آدم» وحده، لأنه كان من المستحيل وقتها عقد المؤتمرات أو تشكيل اللجان والهيئات والمجالس التى تسبب تعاسة البشر.

وعلى مدار التاريخ كانت «اللجان» أخطر على البشرية من الحروب والأوبئة.. فأى دمعة حزن لا على المشروع النووى المصرى الذى ضاع فى دهاليز الروتين وظلمات اللجان بعد أن أرسل السيد مدير المخازن بوزارة الكهرباء خطاباً باستبعاد الشركة الأمريكية المشرفة على المشروع واستدعاء الشركة الأسترالية التى سبق استبعادها لإعادة قيدها بعد كتابة تعهد من ولى أمرها وتسليمها رقم الجلوس على مائدة التفاوض من أول وجديد، وكأنك يا أبوزيد ما سبت الرى ومشيت، لنعود من جديد إلى مربع البداية ومثلث المرور.

ورغم أن معلوماتى فى التاريخ تقتصر على أن العرب خرجوا من «الأندلس» ودخلوا «الأوبرج» ليكملوا السهرة، وأعرف فى الفيزياء أنه عند إضافة هامش الربح إلى هامش الحرية تحدث فرقعة ويتصاعد غاز الهيدروجين من فوهة الأنبوبة ويظهر «راسب» أبيض و«ناجح» أحمر، فإننى أعرف أن طريقة إنشاء محطة نووية تختلف بالتأكيد عن طريقة إنشاء محطة أتوبيس، وأن هناك يداً خفية تمنع مصر من دخول العصر النووى والاكتفاء بعصر الليمون.

وعندما أرسل الروس الكلبة «لايكا» ثم «جاجارين» إلى الفضاء شاهدت الرئيس الأمريكى «جون كيندى» يقول سوف نرسل إنساناً إلى القمر، بعدها رأيت «أرمسترونج» يهبط على سطح القمر بدون كراسة شروط أو دفع تأمين ابتدائى.

لذلك عندما قال كبار المسؤولين إن مصر سوف تدخل العصر النووى تساءلت: هل ستدخل صحراوى أم زراعى؟.. ثم سمعت من خالى عب الحفيظ أن «(الدخلة) اتأجلت وإنهم اتخانقوا ع العفش والعريس إتعور فى دماغه وحماته عضته وراحوا القسم عملوا محضر وعندما سأل الضابط العريس عن سبب الخناقة قال: (يا أفندم عروستى بتعاندنى كل ما أقول لها إن مصر سوف تبنى محطة نووية تقول لى اسكت بلاش هبالة)».

بالمناسبة مجلس الشعب غرقان لشوشته فى مناقشة مشروع جعل «الجلابية» هى الزى القومى للمصريين أهمه لحين انتهاء إسرائيل من بناء مفاعلها على حدودنا، ثم الانتقال إلى جدول الأعمال وجدول الضرب.

:حياة عشوائية
نعيش حياة عشوائية على طريقة «تبات فول تصبح فلافل.. لها سيخ يقلبها»، فالكتب فى أرصفة مظلمة، والأحذية فى فتارين مضاءة، ومالك يا بخت من دون البخوت لبخت.. الناس بتمشى فى الطين وأنا فى الناشف لبخت.

فأنا أكتب ما أكتبه احتساباً لوجه الله والوطن، فإذا رضيت يا عزيزى فأنا «ممنون»، وإذا غضبت فأنا «مجنون»، فكلنا زائلون على يد مدرس أو ضابط أو طبيب مهمل.. والباقى من المائة جنيه التى يحصل عليها خريج الجامعة، هو الوطن الغالى الذى احتاج منها إلى خمسين سنة لينتقل من الخطة الخمسية إلى الكرة الخماسية، والخمسون الأخرى أنفقها فى عمل دراسة جدوى للمفاعل النووى لمعرفة حقيقة زواج عبدالحليم حافظ من سعاد حسنى.

وهل حدث تخصيب لليورانيوم أم طرد مركزى، فعندنا الأمن المركزى والجهاز المركزى والبنك المركزى والمواطن اللامركزى، الذى يقرأ الأذكار بعد صلاة العشاء، ثم يبيع الدقيق فى السوق السوداء بعد صلاة الفجر، ويضع عربته فوق الرصيف ليسير هو فى عرض الشارع، ويلحق ابنه بالمدارس الأمريكية، ويحرق علم أمريكا فى المظاهرات، لذلك صار فى معظم العمارات السكان عاطلين والأسانسير شغال، وأصبحنا نعالج الدولة على نفقة المواطن، وأخذنا نتساءل: هيه حضارة سبعة آلاف سنة وشهرين يعملوا كام باليورو؟

وأصبح عندنا عيد للنظافة نقاطع فيه الصابون تضامناً مع «غزة».. لقد أخرجنا الملك فاروق من مصر إلى إيطاليا عن طريق البحر، ليموت هناك وهو ما نفعله مع الشباب الآن.. نودع الوطن ولا نودع العشوائية.. فى ترام «النزهة» صعد شحاذ، فأخرج كل راكب نقوده ثم صعد مخبر، فأخرج كل راكب بطاقته.

ثم صعد مفتش فأخرج كل راكب تذكرته، وقال المفتش: (كل راكب يرفع تذكرته لفوق)، فاعتقدنا أنه سيجرى سحب على شقة، لكن سيدة يبدو أنها ماتت ثم عادت بحكم محكمة قالت: (أنا معايا تذكرة التأمين الصحى)، وقال رجل يبدو على وجهه أن الفساد موجود فى العالم كله: (وأنا معايا تذكرة الانتخابات)، فقال عجوز ممن خرجوا مع الملك فاروق وهو يطوى الصحيفة: (كله ينفع.. كله عند العرب صابون أنا ابنى عَطوه حتة أرض يبنى بيته ودخّلوا له الميه والكهربا وطالبين منى خمسين ألف جنيه).

سأله الفاسد: (وإيه المشكلة؟) قال العجوز: (المشكلة إن ما عنديش أولاد) قال الرجل الذى يبدو عليه الفساد: (استعيذ بالله واقرأ البرنامج قبل النوم)، نظرت السيدة التى عادت بحكم محكمة إلى العجوز، وقالت له: (إوعى تسمع كلامه..

أنا كل ما أقرا البرنامج يقطعوا معاشى)، ثم سمعنا المفتش يقول: (خلاص نزل إيدك إنت وهوه وارفعوا التذكرة بالإيد التانية).


 طلبات الإحاطة وطلبات البوفيه
نحن نمر بمرحلة خطيرة ونحن نمر بمرحلة حساسة لذلك بدأت أشعر أننا نمر بمرحلة «المراهقة»، وقد دخل «بيكاسو» المرحلة الزرقاء الكئيبة بسبب موت صديق، ثم انتقل إلى المرحلة الوردية المبهجة بسبب لقاء حبيبة دون أن يمر على جهاز كشف المعادن أو بمرحلة النهضة حين يصبح ظل كل إنسان مخبراً، وعندما تشاهد لوحاته بألوانها الزاهية لا تستطيع أن تفرق بين «الرسوم المضيئة» و«الضرائب المسيئة» التى أبدعها الفنان «يوسف بطرس غالى» على جدران بيوتنا.
وانتقلت الحكومة والشعب إلى مرحلة جديدة، هى تتهمه بالكسل وهو يتهمها بإخفاء المسروقات، وعلينا أن ننتظر قرار النيابة لنعرف مَن المخطئ، ونتيجة التحليل لنعرف العيب من مين!
كما انتقل البرلمان المصرى إلى مرحلة أخرى، فلأول مرة تتوحد المعارضة مع الأغلبية مع موظفى المجلس وأفراد الأمن والسُّعاة لإلغاء قرار حكومى ظالم، فالبرلمان يغلى ويشتعل وتدور المناقشات والخناقات، لأن الحكومة أصدرت قراراً بأن تكون المشاريب من بوفيه البرلمان على حساب العضو، بعد أن ظلت مائتى عام (من أيام إسماعيل وأوجينى ولا تغدينى) على حساب الدولة، ليكتشف الناس أن الاستجوابات كانت بالمشاريب، وأن هناك خلطاً بين طلبات الإحاطة وطلبات البوفيه.
وأن العضو كان يحاسب الحكومة على الجنيه، والحكومة تحاسب البوفيه على الشاى والكركديه فلا تعرف الفرق بين القميص المقفول والجامعة المفتوحة ولا بين حجج الأوقاف التى يسرقونها وعزبة الهجانة التى يهدمونها.
وإذا كان الشعب لا يغضب إلا من أجل «الكرة» والنواب لا يغضبون إلا من أجل «البوفيه»، فمن الأفضل أن نحولها من دولة إلى كافيتريا.
ولذلك فإن مصر بخير والدكتور سوف يكتب لها «خروج» من التاريخ.. يا إلهى، بعد مائتى عام من بدء الحياة البرلمانية فى مصر اكتشفنا أن هذا التصفيق الحاد الذى كنا نسمعه كان لعامل البوفيه.

حفلة تنكرية بقلم جلال عامر ٢٠١١


أحارب الفساد منذ ولدتنى أمى، وأتذكر يومها أننى اعترضت على تعيين «الداية» وطالبت بأن تكون بالانتخاب، لكن إذا انشغلنا بالمطاردات فقط، فسوف نتحول إلى غابة أفريقيا.. أغلق عليك دارك فنحن الآن فى الفتنة الكبرى، وتخيل حضرتك أننى دارس لفلسفة السياسة، وقرأت كل روايات «أرسين لوبين» ومعظم أعداد «ميكى»، وحافظ قصيدة «لا تكذبى» ومع ذلك لا أستطيع هذه الأيام أن أميز بين الصالح والطالح، ولا بين الداعر والثائر، فما بالك بالمواطن البسيط الذى لم يقرأ «ميكى» ولم يحفظ القصيدة، ففى هذه الأيام الرمادية اختلطت الأمور وتناثرت الأوراق وأصبحنا نعيش فى «حفلة تنكرية» تراهن على شخص فتجده رهن التحقيق، وتحلف على شخص فتجده يحلف اليمين وراجع حضرتك قوائم الشرف وقوائم العار التى تحتوى على أسماء الإعلاميين، واضحك من قلبك على تسلل «الكوسة» حتى إلى الثورة..
والعقل الجمعى أحياناً ظالم فالمصريون هم الذين صنعوا من «أدهم الشرقاوى» بطلاً، وخرجوا إلى الشوارع يهتفون لفريدة بعد الطلاق «خرجت الطهارة من بيت النجاسة» بينما كانت هى الظالمة و«فاروق» هو المظلوم.. نحن فى «حفلة تنكرية» فعليك أن تختار وجهك أو أغلق عليك دارك.. وأنا ضد مقولة «أن آكل ما يعجبنى وأكتب ما يعجب الناس» لذلك فلست «غبياً» لأطالب بإسالة الدماء، ولا «نبياً» لأقول اذهبوا فأنتم الطلقاء لكن العقل زينة، فالثورة روح وفكر وإرادة، وعندما تتحول إلى سلطة تبدأ الأخطاء وآه من الأضواء التى حولت «الأمانى» إلى «أغانى»..
 ويزعم البعض أن يوم الجمعة فيه ساعة نحس وهى الساعة التى تزورنى فيها حماتى، وهى ترسم على خدودها علم مصر، بعد أن كانت أمينة المرأة فى إحدى القبائل التى نزحت إلى مصر للمبايعة ثم استقرت على طريق مصر- إسكندرية الصحراوى وأحياناً على الشاشة، وهى التى زعمت أنه لا فرق بين «محمد أبوالعينين» و«زكريا أبوركب» و«جمال أبو لجنة» إلا بالتقوى.. نحن الآن فى «حفلة تنكرية» ونريد أن نستدعى «إليدا» ابنه «جيفارا» لتتعرف على والدها من بين هؤلاء الذين يرتدون قناعه.

الاثنين، 13 فبراير 2012

«الجمل» و«السلمى» يكشفان لأول مرة كواليس النظام السابق والمجلس العسكرى وعلاقته بالإخوان و«حكومة شرف» فى «ذكرى تنحى مبارك» كتب عادل الدرجلى وهانى الوزيرى ١٣/ ٢/ ٢٠١٢


كشف الدكتور يحيى الجمل، والدكتور على السلمى، نائبا رئيس الوزراء السابقان، فى أول ظهور إعلامى لهما فى برنامج «مصر تقرر» على قناة «الحياة٢» مساء أمس، مع الإعلامى محمود مسلم، بمناسبة الذكرى الأولى لتنحى الرئيس السابق حسنى مبارك ــ عن كواليس وأسرار جديدة عن «مبارك» والمجلس العسكرى وحكومة الدكتور عصام شرف.
قال الدكتور يحيى الجمل إن «نهاية حكم الرئيس السابق شهدت تبجحاً فى التزوير».
وأضاف: «آخر مقابلة لى مع الرئيس حسنى مبارك كانت فى عام ١٩٨٧ لكن بعدها حدثت مكالمتان معه، الأولى عام ١٩٨٨ بعد الحديث عن أنى سأكون رئيساً لمجلس الشعب، والثانية عام ٢٠٠٨ عندما كانت هناك مظاهرات لحركة كفاية ففوجئت بزكريا عزمى يتصل بى، ومبارك يحدثنى ويقول لى: حد كان منعك تكتب.. إنت عايز تعملنا مصيبة».
ولفت إلى أن المشير عبدالحليم أبوغزالة كان يختلف عن «مبارك»، حيث كان «أبوغزالة» يتمتع بكاريزما، مشيراً إلى أن الحزب الوطنى لم يكن يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أسوأهما.
وقال: إن حزب النهضة التونسى أكثر انفتاحاً من الإخوان فى مصر، والشعب التونسى أفضل حالاً من مصر لأنه أكثر استنارة، مشيداً بالتوافق الذى حدث فى تونس بين ٣ أحزاب حول الرئاسة والحكومة.
ولفت إلى أنه كان الأفضل البدء بالدستور قبل الانتخابات البرلمانية، لكن «الله يسامح طارق البشرى» على التعديلات الدستورية التى أجراها.
وأكد أنه لو أحسن اختيار إدارة مدنية للبلاد كانت أفضل من حكم المجلس العسكرى، موضحاً أنه لا يسىء الظن بالمجلس، لكن من حيث التجربة السياسية هو لديه نفس خبرة مبارك لأنهم من المدرسة نفسها، لافتاً إلى أن مبارك وزوجته سوزان كانا مصممين على مشروع التوريث.
وأوضح أن أبرز أخطاء المجلس العسكرى أنهم كانوا يرسلون توصيات له، لكنه كان يتأخر فى الرد على الحكومة، مشيراً إلى أنه تقدم باستقالته ٣ مرات للمجلس العسكرى ولم يتم قبولها إلا فى المرة الرابعة.
وتابع: «قلت للمشير يكفى العسكر أنهم جاءوا برجل مثل جمال عبدالناصر»، كاشفاً عن أن السعودية طالبت بأن تأخذ «مبارك» إلى أراضيها بعد الثورة.
وأوضح أن الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء السابق، من أنقى خلق الله، وتعرض للظلم كثيراً، والمرحلة كانت تحتاج لرجل أكثر حسماً، معتبراً أن أبرز أخطاء حكومة «شرف» هو التباطؤ، خاصة أن «شرف» لم يكن يحب الصدامات، وكان يتصل بالمشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس العسكرى، ونائبه الفريق سامى عنان، للاستئذان قبل اتخاذ القرارات.
وكشف عن أن «شرف» كان يعقد اجتماعات لا يعلم عنها هو شيئاً، وأن هناك أناساً حاولوا الوقيعة بينه وبين «شرف».
ولفت إلى أنه كان هناك تقارب كبير بين المجلس العسكرى والإخوان.
وقال إنه كان يتمنى «وجود محاكم ثورية لأهل طرة الذين يخربون فى البلد حالياً»، كاشفاً عن أنه سمع من داخل المجلس العسكرى أنهم لا يريدون لمبارك أن «يتبهدل» أثناء المحاكمة.
وأوضح أن الدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء، يحاول محاولات جادة ولديه استقلالية عن المجلس العسكرى أكثر من حكومة «شرف»، وهو استطاع معالجة الانفلات الأمنى، معتبراً أن ما يحدث الآن لم يمر على مصر بهذا الحرج والخطورة منذ أيام «محمد على».
ولفت إلى أن العصيان المدنى شىء مرفوض وقال: «اللى عايز مصر يبنيها مش يهدمها»، واصفاً انتخابات الرئاسة بأنها ستكون «مسرح عبث»، مشيرا إلى أن مادة منع المتزوج من أجنبية للترشح للرئاسة مفصلة على مقاس الدكتور أحمد زويل.
وقال إنه متفائل فى المدى البعيد وليس بكرة»، مشيراً إلى أن وثيقة المبادئ الدستورية ليست وثيقة السلمى، لكنها كانت معدة من قبل عبر مؤتمر الوفاق الوطنى.
وقال الدكتور على السلمى: «إن تولى المجلس العسكرى السلطة بعد مبارك مخالف للدستور»، موضحاً أن «خارطة الطريق كانت (الخطأ التاريخى) الذى ارتكبه المجلس العسكرى».
وأضاف: «التقارب بين المجلس العسكرى والحكومة كان ضعيفاً، كما أن التباعد عن شباب الثورة يعتبر الخطأ الثانى للمجلس».
وتابع: «أنه يوم تنحى مبارك كان فى حزب الوفد، وكان يترقب الأنباء من خلال متابعة البيانات التى أصدرها المجلس العسكرى، وكان الترقب أن هناك خبراً أساسياً، والإحساس بقرب تنحى مبارك كان واضحاً».
وقال: «إن المؤشر الأساسى لسقوط النظام السابق هو ميدان التحرير، كما أن عبارة مبارك (خليهم يتسلوا) كانت قمة العجرفة والاستعلاء».
وأوضح أنه كانت هناك تهديدات شخصية للدكتور السيد البدوى من حسن عبدالرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة المنحل، وعمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، يوم قرر الحزب الانسحاب من انتخابات الشعب ٢٠١٠، وهو ما اعتبره وقتها طامة كبرى، وأن الحزب سيتم تدميره.
ولفت إلى أن التجربة التونسية مختلفة عما حدث فى مصر لأنه فى الوقت الذى سقط فيه نظام بن على اتجهوا إلى نظام مدنى لا عسكرى، وفى النهاية أنشأوا ما يسمى «المجلس الوطنى التأسيسى»، ومهمته الأساسية وضع الدستور بالكامل، أما فى مصر فالخط الذى رسمه حسنى مبارك بتسليم السلطة إلى المجلس العسكرى تم الاستمرار عليه.
وقال: «إن الثورة المضادة نشأت وترعرعت بسبب تباطؤ قرارات إجهاضها».
ولفت إلى أنه يختلف مع «الجمل» حول حكومة «شرف»، مشيراً إلى أن الخط لم يكن واضحاً فى العلاقة بين الحكومة والمجلس العسكرى وشدد على أنه كان يتمتع بكامل سلطاته فى حكومة «شرف» كنائب له.
ولفت إلى أنه كان من السهل على «شرف» أن يقدم استقالته وأن يعود لميدان التحرير، لكنه كان يتحمل الكثير من الصعاب حتى لا يحدث شرخاً فى العلاقة بين الشعب والجيش.
وكشف عن أن استقالة حكومة شرف كانت بسبب إخلاء ميدان التحرير دون علم الحكومة، وهذا نفس ما تتعرض له حكومة الجنزورى الآن من إضرابات واعتصامات.
وأشار إلى أنه لا يرى أن «الجنزورى» حصل على صلاحيات أكثر من صلاحيات حكومة «شرف»، مدللاً على ذلك بأن ما يصدره من قرارات لا يدل على ذلك.
واعتبر أن أكبر المكاسب من المرحلة السابقة هو كسر حاجز الخوف الذى قال إنه أهم مكاسب الثورة لأنه جعل الشعب يعرف طريقه للاختيار، مدللاً على ذلك بأن الشعب كان يحمى «الحرية والعدالة» أمام البرلمان لأنه الذى صوَّت له.
وأشار إلى أن الخسائر هى عدم وضع دستور دون انفراد أى فصيل بوضعه، مشدداً على أن هذا مازال متاحاً ويصححه بأن يفرض الناخب المصرى إرادته حين يعرض عليه الدستور للاستفتاء، متوقعاً أن تحدث ثورة ثانية إذا لم يكن الدستور الجديد معبراً عن الشعب.
وقال: «شرف زار السعودية وقطر والكويت، وتم تحويل دفعات من المعونات التى طلبها لكن تداعيات الأحداث تسببت فى إيقاف ذلك»، مرجعاً ذلك إلى تعاطف الدول العربية مع «مبارك».
وكشف عن أن قانون الغدر أعد فى مجلس الوزراء فى شهر أغسطس الماضى لكنه كان صخرة تحطمت عليها محاولات تنفيذه، مشيراً إلى أنه سلم تجربة جنوب أفريقيا للمجلس العسكرى لكنه رفض تنفيذها.
وأوضح أن التقارب بين المجلس العسكرى والإخوان أساسه عدم الرغبة فى الصدام من المجلس العسكرى، وهذا السلوك شجع الإخوان على مزيد من الاستعلاء، والدليل على ذلك أن الجماعة هاجمت وثيقة المبادئ الأساسية للدستور.
واعتبر أن المجلس العسكرى لم يضح به بسبب الإخوان، لأن الاستقالة كانت بسبب شىء آخر وكانت جماعية للحكومة، مشدداً على أن المجلس للأمانة لم يستجب لمطالب الإخوان والسلفيين بإقالته من منصب نائب رئيس الوزراء أثناء أزمة الوثيقة الدستورية.
وقال إنه يرى أن هناك توافقاً بين المجلس العسكرى والحكومة ومجلس الشعب حول استمرار محاكمة مبارك بنفس وضعها الطبيعى الحالى، وليس بإقامة محاكم ثورية أو إصدار تشريع خاص بمحاكمة الرئيس السابق.
وشدد على أن العصيان المدنى والمزيد من الإضرابات قضية مرفوضة، واصفاً انتخابات الرئاسة بأنها «سمك لبن تمر هندى»، معتبراً أن سلطات رئيس الجمهورية المقبل ستكون «هلامية».
وقال: «إن المؤشرات تقول إن الإخوان والمجلس العسكرى سيتوافقان على مرشح للرئاسة».

العصيان المدنى.. ثورة مضادة بقلم د. يحيى الجمل ١٣/ ٢/ ٢٠١٢

يبدو أننا نعيش فى مسرح اللامعقول أو مسرح العبث. هذا الذى يجرى على الساحة المصرية هذه الأيام لا يمكن تفسيره بالمنطق أو بالعقل. هل من الممكن أن بضعة من أبناء مصر يبذلون قصارى جهدهم من أجل هدم مصر وجعل كل شىء فيها خراباً، ليس هناك إنتاج، وليست هناك سياحة وليست هناك استثمارات جديدة، وهناك استثمارات قديمة هربت.. يحدث هذا كله فى وقت كانت فيه مصر من البلاد المرشحة للانطلاق بعد ثورتها المجيدة التى انطلقت منذ عام وبضعة أيام، لكن كانت هناك قوى تقف بالمرصاد لانطلاق الثورة وتحاول إجهاضها بشتى الطرق، هذا هو ما أطلقت عليه، منذ أواخر مارس العام الماضى، «الثورة المضادة».
تقديرى أن دعوة العصيان المدنى تقودها الثورة المضادة وبعض الذين يقودون هذه الدعوة يتصورون أنهم يحسنون صنعاً، وأغلبهم يدرك أنه يعمل من أجل الانقضاض على ثورة مصر لكى يدمرها ولكى يعيد عجلة الساعة إلى الوراء.
قضيت بضعة أيام فى تونس فى ندوة من ندوات مركز دراسات الوحدة العربية وقد كانت - كما هى عادة ندوات المركز - مكثفة مليئة بالأبحاث والمناقشات الغنية التى شارك فيها نخبة من مفكرى الوطن العربى كله، وقد أعود إلى بعض أبحاثها فيما بعد، وأكتفى الآن بأن أذكر أننى التقيت الشيخ راشد الغنوشى «مؤسس حركة النهضة الإسلامية» مرتين، واحدة منهما عندما أدار هو إحدى جلسات الندوة، والأخرى فى لقاء شبه خاص تحدثنا فيه عن أمور البلدين والفارق بين التجربة الثورية التونسية والتجربة الثورية المصرية رغم وحدة أو تقارب الأسباب المؤدية للثورة فى كل من البلدين.
ولم أسمع، طيلة الأيام الخمسة التى قضيتها فى تونس حديثاً عن عصيان مدنى، وعندما وصلت إلى القاهرة بل قبل أن أصل إليها تنامت إلى أسماعى أخبار الدعوة لهذا العصيان.
ولم أجد عاقلاً ولا ثورياً حقيقياً واحداً يؤيد هذه الدعوة العبثية، وكم كنت سعيداً عندما علمت أن الرجل الفاضل العالم المستنير الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يرفض هذه الدعوة، وأن الكنيسة القبطية المصرية - وعلى رأسها قداسة البابا شنودة الثالث - ترفض أيضاً هذه الدعوة، وكذلك مفتى الديار المصرية المستنير الدكتور على جمعة، وهو صديق قديم منذ كنا نلتقى فى جلسات المجالس القومية المتخصصة وقبلها وبعدها، كل عقلاء هذا البلد وكل قياداته الدينية رفضوا هذه الدعوة الخبيثة المخربة.
وقد قرأت اليوم حواراً مطولاً مع الشيخ يوسف القرضاوى - وهو مَنْ هو فى علمه وإحاطته بالفقه الإسلامى - صاحب الكتاب القيم «فقه الاجتهاد»، الذى تكرم وأهداه لى عقب صدوره منذ عدة سنوات.
الرجل مجاهد بطبعه لا يسكت على باطل ولا يغض الطرف عن شذوذ، ولذلك فقد حرصت على أن أقرأ رأيه فى هذا الموضوع الغريب، موضوع الدعوة إلى العصيان المدنى. يقول الشيخ القرضاوى مسنداً رأيه بأسباب دينية: «هذه الدعوة مرفوضة تماماً»، فنحن نطالب المصريين فى هذا الوقت الراهن الذى تمر فيه البلاد بأزمة مالية بأن يتعبدوا لله بأعمالهم الدنيوية والمعيشية من زراعة وصناعة وتجارة وإدارة وغيرها من الأعمال الإنتاجية والمعيشية كلها، وأن يخلصوا فى أعمالهم، فالبركة تأتى بالإنتاج الوفير وبالإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض».
وليس الشيخ القرضاوى وحده من قال بهذا الرأى فقد ذهب إلى رأيه كل العقلاء فى هذا البلد. حتى بسطاء الناس، كنت أسمع بعضهم يشتكون وقف الحال.
كل العقلاء وكل البسطاء يجمعون على أن هذه الدعوة للعصيان المدنى هى دعوة غايتها إسقاط الدولة وتعميم الخراب - على حد تعبير المجلس الأعلى للقوات المسلحة - وكشف المجلس عن أن البلاد تتعرض لمخططات تستهدف إجهاض الثورة وبث الفتنة والوقيعة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة.
إنها الثورة المضادة من الداخل ومن الخارج صاحبة كل هذه المحاولات لاختطاف ثورة مصر النبيلة السلمية، وعلينا جميعاً أن نقف كالبنيان المرصوص ندافع عن هذا البلد الذى يستحق منا التضحية حتى بحبات العيون.
تعالوا جميعاً نردد قول الشاعر:
يا مصر أنت بذرتنى ونميتنى
فلمن سواك جناى بعد حصادى
لمن سوى مصر نبذل كل جهد لإنقاذ ثورتها وإنقاذ شعبها من هذه الفتن المحدقة التى لا تبتغى غير الخراب والعياذ بالله.
يا أهل مصر.. يا شعب مصر.. إنها مصر.. إنها مصر.
ولم يخيِّب شعب مصر ظنون العقلاء من أبنائه وقد مر يوم السبت بسلام، وكان كل شىء طبيعياً وأخفقت تلك الدعوة الخبيثة سواء للإضراب أو للعصيان المدنى. المطارات تعمل بطاقتها كاملة.. لم تؤجل رحلة طيران واحدة، السيارات والمترو وكل شىء منتظم نعم - كما كنت أقول - إنه شعب فرَّاز.
والحمد لله، الحمد لله.
يبدو أننا نعيش فى مسرح اللامعقول أو مسرح العبث. هذا الذى يجرى على الساحة المصرية هذه الأيام لا يمكن تفسيره بالمنطق أو بالعقل. هل من الممكن أن بضعة من أبناء مصر يبذلون قصارى جهدهم من أجل هدم مصر وجعل كل شىء فيها خراباً، ليس هناك إنتاج، وليست هناك سياحة وليست هناك استثمارات جديدة، وهناك استثمارات قديمة هربت.. يحدث هذا كله فى وقت كانت فيه مصر من البلاد المرشحة للانطلاق بعد ثورتها المجيدة التى انطلقت منذ عام وبضعة أيام، لكن كانت هناك قوى تقف بالمرصاد لانطلاق الثورة وتحاول إجهاضها بشتى الطرق، هذا هو ما أطلقت عليه، منذ أواخر مارس العام الماضى، «الثورة المضادة».
تقديرى أن دعوة العصيان المدنى تقودها الثورة المضادة وبعض الذين يقودون هذه الدعوة يتصورون أنهم يحسنون صنعاً، وأغلبهم يدرك أنه يعمل من أجل الانقضاض على ثورة مصر لكى يدمرها ولكى يعيد عجلة الساعة إلى الوراء.
قضيت بضعة أيام فى تونس فى ندوة من ندوات مركز دراسات الوحدة العربية وقد كانت - كما هى عادة ندوات المركز - مكثفة مليئة بالأبحاث والمناقشات الغنية التى شارك فيها نخبة من مفكرى الوطن العربى كله، وقد أعود إلى بعض أبحاثها فيما بعد، وأكتفى الآن بأن أذكر أننى التقيت الشيخ راشد الغنوشى «مؤسس حركة النهضة الإسلامية» مرتين، واحدة منهما عندما أدار هو إحدى جلسات الندوة، والأخرى فى لقاء شبه خاص تحدثنا فيه عن أمور البلدين والفارق بين التجربة الثورية التونسية والتجربة الثورية المصرية رغم وحدة أو تقارب الأسباب المؤدية للثورة فى كل من البلدين.
ولم أسمع، طيلة الأيام الخمسة التى قضيتها فى تونس حديثاً عن عصيان مدنى، وعندما وصلت إلى القاهرة بل قبل أن أصل إليها تنامت إلى أسماعى أخبار الدعوة لهذا العصيان.
ولم أجد عاقلاً ولا ثورياً حقيقياً واحداً يؤيد هذه الدعوة العبثية، وكم كنت سعيداً عندما علمت أن الرجل الفاضل العالم المستنير الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يرفض هذه الدعوة، وأن الكنيسة القبطية المصرية - وعلى رأسها قداسة البابا شنودة الثالث - ترفض أيضاً هذه الدعوة، وكذلك مفتى الديار المصرية المستنير الدكتور على جمعة، وهو صديق قديم منذ كنا نلتقى فى جلسات المجالس القومية المتخصصة وقبلها وبعدها، كل عقلاء هذا البلد وكل قياداته الدينية رفضوا هذه الدعوة الخبيثة المخربة.
وقد قرأت اليوم حواراً مطولاً مع الشيخ يوسف القرضاوى - وهو مَنْ هو فى علمه وإحاطته بالفقه الإسلامى - صاحب الكتاب القيم «فقه الاجتهاد»، الذى تكرم وأهداه لى عقب صدوره منذ عدة سنوات.
الرجل مجاهد بطبعه لا يسكت على باطل ولا يغض الطرف عن شذوذ، ولذلك فقد حرصت على أن أقرأ رأيه فى هذا الموضوع الغريب، موضوع الدعوة إلى العصيان المدنى. يقول الشيخ القرضاوى مسنداً رأيه بأسباب دينية: «هذه الدعوة مرفوضة تماماً»، فنحن نطالب المصريين فى هذا الوقت الراهن الذى تمر فيه البلاد بأزمة مالية بأن يتعبدوا لله بأعمالهم الدنيوية والمعيشية من زراعة وصناعة وتجارة وإدارة وغيرها من الأعمال الإنتاجية والمعيشية كلها، وأن يخلصوا فى أعمالهم، فالبركة تأتى بالإنتاج الوفير وبالإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض».
وليس الشيخ القرضاوى وحده من قال بهذا الرأى فقد ذهب إلى رأيه كل العقلاء فى هذا البلد. حتى بسطاء الناس، كنت أسمع بعضهم يشتكون وقف الحال.
كل العقلاء وكل البسطاء يجمعون على أن هذه الدعوة للعصيان المدنى هى دعوة غايتها إسقاط الدولة وتعميم الخراب - على حد تعبير المجلس الأعلى للقوات المسلحة - وكشف المجلس عن أن البلاد تتعرض لمخططات تستهدف إجهاض الثورة وبث الفتنة والوقيعة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة.
إنها الثورة المضادة من الداخل ومن الخارج صاحبة كل هذه المحاولات لاختطاف ثورة مصر النبيلة السلمية، وعلينا جميعاً أن نقف كالبنيان المرصوص ندافع عن هذا البلد الذى يستحق منا التضحية حتى بحبات العيون.
تعالوا جميعاً نردد قول الشاعر:
يا مصر أنت بذرتنى ونميتنى
فلمن سواك جناى بعد حصادى
لمن سوى مصر نبذل كل جهد لإنقاذ ثورتها وإنقاذ شعبها من هذه الفتن المحدقة التى لا تبتغى غير الخراب والعياذ بالله.
يا أهل مصر.. يا شعب مصر.. إنها مصر.. إنها مصر.
ولم يخيِّب شعب مصر ظنون العقلاء من أبنائه وقد مر يوم السبت بسلام، وكان كل شىء طبيعياً وأخفقت تلك الدعوة الخبيثة سواء للإضراب أو للعصيان المدنى. المطارات تعمل بطاقتها كاملة.. لم تؤجل رحلة طيران واحدة، السيارات والمترو وكل شىء منتظم نعم - كما كنت أقول - إنه شعب فرَّاز.
والحمد لله، الحمد لله.

موتى يدفنون ميتاً بقلم د. أيمن الجندى ١٣/ ٢/ ٢٠١٢


«سمعتُ الخبر لتوّى. إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمة الله عليك يا جلال عامر! رحل الرجل الذى لطالما رسم البسمة على وجوه ملايين المصريين، وترك لنا الحزن».
لا أدرى ما الذى يدفعنى هذه الأيام إلى البوح بخبراتى العميقة، وهذه الأحداث العجيبة التى لا أدرى حتى اليوم هل مررت بها أم كنت أتوهم؟! هل أبوح لأتخفف؟ أم أبوح لأتحقق؟ على كل حال كنتُ أسير فى الجنازة التى لا أعرف اسم صاحبها. فقط أعرف شكله وملامحه، أبيض الوجه، قصير القامة، نحيف القوام، ويرتدى الجلباب الأبيض، كان يسكن فى الحى نفسه، وكنا نلتقى كثيرا فى المسجد، أو فى الطريق إليه، لم نتبادل الحديث يوما، ولكن كلينا كان يهز رأسه بالتحية إذا تلاقينا وجها لوجه.
الجنازة منتظمة فى طريق ملتوٍ وسط المقابر. والأقدام تدفع الغبار فتثير زوبعة من تراب، خُيّل إلىَّ أنها أفئدة وعيون. أفئدة كانت تنبض بالحب، وعيون تلمع بالفرحة. ثم ذهب الموت بالحب والفرحة والقلوب، حكم بات لا رجعة فيه.
رحت أتأمل نفسى كأننى أشاهد رجلاً آخر. لا مفر من الاعتراف بأننى - منذ بلغت الأربعين - وأنا أفكر فى الموت باستمرار. بالتأكيد هناك تفاعل ما هو الذى جعلنى أتقصى عن الميت، وأخمن شخصيته وأسير فى جنازته، مع أن علاقتى بالميت لا تتعدى هز الرأس، ولم أكن يوماً من هواة الجنازات.
صدقونى هذا ما حدث بالحرف الواحد، وإن كنت لا أجد له تفسيرا حتى الآن: كان الموكب يسير فى المقابر، وأنا غارق فى تأملاتى، حتى انتبهت فجأة إلى أن الرجل الذى يسير بجوارى يشبه الميت جدا. مثله أبيض الوجه، قصير القامة، نحيف القوام ويرتدى الجلباب نفسه! قلتُ لعله أحد أقاربه.
وانهمكتُ فى خواطرى المُعذبة: الموت نهاية كل حى، وكلنا أموات أبناء موتى. هكذا اعتدنا أن نقول فى مثل هذه المواقف، ولكن الشىء المُحيّر حقا هو: لماذا نموت؟. ولماذا نتعلق بالحياة طالما سنموت؟، وما معنى أن نعيش ونحن ننتظر الموت؟ أليس من الغفلة أن نفرح والموت يتربص بنا؟! أم أن الغفلة هى ألّا نفرح طالما الموت يتربص بنا؟. ليتنى أستطيع أن أُزيح الكفن وأسأل الميت، الذى لا أعرف اسمه، عن الجواب وأستريح.
أيها الرجل الذى أمشى فى جنازته ولا أعرف اسمه، ترى ما الذى شعرت به وأنت تموت؟
وانتهى الموكب إلى مدفن العائلة. المقابر كلها متشابهة، وتحمل طابع العزلة والتنائى والسلام العميق. القبور متشابهة مثل نهايتنا المتشابهة حتى لو تفاوتت حظوظنا فى الدنيا!
فيا أيها الموت المُحيّر الساخر من أحلامنا، خبرنا عن الذى تشعر به وأنت تقبض أرواحنا، هل تتشابه فى عينيك ملامحنا وردود أفعالنا؟ تشابه الملامح مدهش حقا! الرجل الذى يحفر القبر يشبه الميت! المُشيعون جميعا يشبهون الميت، لابد أننى أحلم، أو أتوهم، أو أن الموقف بأسره غير حقيقى! وإلا فكيف أصدق أن الجميع - حتى أنا - صاروا فجأة يحملون ملامح الميت نفسها، لونه وقامته ونحافته نفسها!
ونرتدى كلنا الجلباب نفسه؟! فهل ما نرتديه جلباب حقاً أم كفن! وهل يوجد تفسير لما يحدث سوى أننا موتى يدفنون ميتاً! لذلك تشابهت ملامحنا وإن تعددت الأسماء!!

كاتب شهيد.. ومحارب قديم بقلم محمد أمين ١٣/ ٢/ ٢٠١٢


جلال عامر كاتب شهيد.. سقط فى الميدان أيضاً.. لا نطلب له تعويض شهيد.. لكن نطلب له أجر الشهيد.. مع السلامة يا عم جلال.. يا عمنا على رأى محمد عبدالقدوس.. مع السلامة يا بوضحكة حلوة منورة.. كنت عاوز أقفل المحل للحداد.. قلت: وأقول إمتى أنا وإنت، هنتقابل مع الشهداء؟.. كنت فاكرك هتعبر هذه المحنة.. وأنت دايما كنت بتعبر بينا من الهزيمة للنصر!
كنت بشتاقلك وأنا وإنت هنا.. بينى وبينك خطوتين.. والعمل إيه العمل؟.. ما تقولّى أعمل إيه؟.. النهاردة مش هنبكى.. النهاردة لازم نبتسم.. عمرك ما كنت عاوزنا نبكى.. تسخر من كل شىء، لنعبر المحنة وننتصر للثورة.. وكان آخر عهدك بالميدان.. لا تنسى أنك فارس، ومحارب قديم.. وستبقى كتاباً فى عشق الوطن.. عندما يبقى من عشق الوطن خريطة لا تتغير، وتاريخ لا يموت!
ثلاثة أبكيهم.. كما لم أبك على أحد غير أمى.. مصطفى شردى، ومجدى مهنا، وجلال عامر.. عندما مات شردى، كنا فى أول عهدنا بصاحبة الجلالة.. ساعتها أحسست أننى لا أبكى كاتباً كبيراً، أو قائد كتيبة مقاتلة.. إنما كنت أبكى مستقبلى.. تمنيت لو كان يومى قبل يومه.. يومها كانت يد مجدى مهنا تربت على كتفى: مش وقت البكاء.. كلمة ظلت ترن فى أذنى حتى الآن!
ذكريات.. تذكرت مصطفى شردى، ونحن نشيعه، يوم رحل مجدى مهنا.. كان هناك رابط من نوع ما.. بين شردى الأستاذ ومهنا التلميذ.. الجبل والأمل.. كلاهما كان شريفاً مقاتلاً .. وكلاهما مات شهيداً فداءً لوطنه.. واليوم يرحل جلال عامر.. لا، بل يعيش فينا.. كما عاش شردى ومهنا.. عاشوا من أجلنا، وماتوا من أجلنا.. حاربوا معاركنا.. لم يخونوا ولم يبيعوا، حتى سقطوا شهداء!
اليوم، لا نطلب لهم تعويض الشهداء، ولكن أجر الشهداء.. كان شردى ومهنا، يحلمان بالثورة.. ولم يحدث.. وأدرك عامر الثورة، ولم يفرح بها.. لا هو عبر محنة المرض، ولا الثورة عبرت الميدان.. لا الشهداء استراحوا، ولا الكُتّاب الشهداء.. جلال عامر كان كاتباً استشهادياً، لا استرزاقياً.. لا يشغله مبارك ولا زبانيته.. ولا يشغله عسكر ولا إخوان، ولا سلطة ولا برلمان!
وكلمونى تانى عنك، فكرونى.. صحوا نار الشوق فى قلبى وف عيونى.. محارب قديم يذكرنى بمصطفى شردى، يوم وقف فى وجه العدوان الثلاثى.. وأنت وقفت فى وجه العدوان على مصر فى عهد مبارك.. ووقفت فى وجه العدوان على الثورة، فى ظل العسكر والإخوان.. فلا خشيت من السلاح، ولا خشيت من اللحية.. عشت نفسك ووطنك.. وكنت نسيجاً وحدك دوماً!
أنساك، ده كلام، أنساك يا سلام.. أهو ده اللى مش ممكن أبداً.. فلا أنسى اتصالاتك يا أستاذنا.. كانت تأتى فى عز الظلام، لتملأنى بالأمل والنور.. تسأل عن كل شىء، كأنك صديق قديم.. أدهشت من لم يعرفك، فكيف بالذين يعرفونك؟.. جعلت من الكاتب نجماً، عندما كان النجوم هم لاعبى الكرة فقط.. وملأت الدنيا غناءً وسخريةً.. ولا أدرى هل نغنى بعدك، أم نعلن الحداد؟!
لسه الأغانى ممكنة.. ولو كانت النقابة تنكِّس علمها لكاتب، أو تعلن الحداد، لكنت أول من نعلن من أجله الحداد.. فلا مات شردى، ولا مات مهنا، ولا مات جلال عامر.. عشتم فينا.. عاش الجبل، وعاش الأمل، وعاش المحارب.. سأركن ظهرى إلى شردى، وسأنظر لبكرة مع مهنا.. وسأحمل السلاح خلف عامر.. كانت مصر هى العنوان.. عندما ضل كتاب السلطة عنواناً.. اسمه الوطن!
مات رجل لا ككل الرجال رجل من أشجع الرجال ومن أوفى الرجال ومن أخلص الرجال مات الأستاذ الكاتب الكبير ( جلال عامر ) رمز الوطنية ومن آخر ما قاله " المصريين بيموتوا بعض " الى هذا الحد كان قلبه على المصريين ولم يتحمل هذا القلب الرقيق حزنه على بنى وطنه مات ولم ينعم بثمار الثورة التى كان عاملا ايجابيا بكتاباته فى خروجها لحيز النور باختصار مات الذى أجمع على حبه كل من عرفه با للوعتنا وثكلانا فيك يا أستاذ شخصيا لا أتخيل أن أفتح الجريدة ولا أقرأك ويا لحزن المصرى اليوم بعد وفاة مجدى مهنا وجلال عامر على من يأتى الدور ؟ يا لخوفى وقلقى على مهندسنا حاتم فودة يبدو أنه عام الحزن الحديث اللهم آجرنا فى مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها اللهم اغفر له وارحمه وأكرم نزله ووسع مدخله ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم أغسله بالماء والثلج والبرد اللهم أبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وجيرانا خيرا من جيرانه وآخرة خيرا من دنياه اللهم ان كان محسنا فزد فى احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم أعطه كتابه بيميته ولا تعطه كتابه بشماله اللهم نوّر له قبره واجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النيران وأخيرا انّ لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شىء عنده لأجل مسمى فلنصبر ولنحتسب والله ان العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا وإنّا على فراقك يا أستاذنا لمحزونون و( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) وأعزى أهله وأعزى نفسى وأعزى كل مصر فى فقدك يا حبيبنا ( بـهـاء الـديـن شـعـبــان عـبـاس / ابـن الـريـاض ... كـفـر الـشـيـخ )

خاض ٣ حروب.. ثم استراح ليبدأ حرب الـ«٣ وجبات»



  كتب   ابتسام تعلب والإسكندرية - عليا تمراز    ١٣/ ٢/ ٢٠١٢
رحل من كان يضحك المصريين على آلامهم ويحول أوجاعهم اليومية إلى نكتة، لم يحتمل قلبه رؤية المصريين يقتلون بعضهم البعض بعد أن كانوا قبل عام واحد فقط «إيد واحدة»، مات جلال عامر ولم يتعد الستين عاماً بأزمة قلبية، وكانت آخر كلماته التى نقلها ابنه «رامى»: «المصريين بيموّتوا بعض»،
 لم يجد من العبارات الساخرة ما يعبر به عما رآه فى آخر أيامه، واستسلم قلبه للحزن والإحباط بعد أن كان دائماً رمزاً للصمود والسخرية من مصائب القدر، ورغم وصيته بالتبرع بقرنيته إلى مصابى الثورة بعد وفاته فإن الوصية لن تنفذ لعدم وجود بنك قرنية فى الإسكندرية!
ولد جلال عامر مع ثورة يوليو فى ١٩٥٢ وتخرج فى الكلية الحربية وشارك كضابط فى حرب أكتوبر ٧٣ وشارك فى تحرير مدينة القنطرة شرق، ثم درس القانون فى كلية الحقوق والفلسفة فى كلة الآداب، ليبدأ مشواره من جريدة «القاهرة» التى تصدر عن وزارة الثقافة،
 ومع كتابة القصة القصيرة والشعر والمقالات المتنوعة فى عدد من الصحف مثل «المصرى اليوم» و«الأهالى» و«البديل» وجريدة «العرب» القطرية ليكون صاحب مدرسة فى الكتابة الساخرة تعتمد على التداعى الحر للأفكار والتكثيف الشديد.
آخر ما قاله «عامر» على موقع «تويتر» إن «مشكلة المصريين الكبرى أنهم يعيشون فى مكان واحد، لكنهم لا يعيشون فى زمان واحد».
ويعرّف «عامر» نفسه فى كتابه «مصر على كف عفريت» بأنه كان ضابطاً فى الجيش، خاض ٣ حروب ضد إسرائيل، لكنه يخوض الآن «حرب الثلاث وجبات»، إذ يخرج المواطن لشراء الخبز وقد يعود أو لا يعود بعد معركة «الطوابير»،
وكتب «عامر» عن زيارة السيد الرئيس مبارك إلى قبرى جمال عبدالناصر وأنور السادات، وهى الزيارة السنوية التى يحرص عليها، متخيلاً ما الذى يمكن أن يقوله أمام قبر كل منهما، هكذا سيقول أمام قبر عبدالناصر: «طبعاً إنت عارف أنا لا عايز أزورك ولا أشوفك بس هى تحكمات السياسة اللعينة. حد يا راجل يعادى أمريكا؟ ويحارب المستثمرين. على العموم ارتاح،
 أنا بعت كل المصانع اللى إنت عملتها، والعمال اللى إنت مصدعنا بيهم أهم متلقحين على القهاوى...». وأمام قبر السادات، سيقرأ الفاتحة ثم يمسح وجهه وينصرف، هذه الحكاية تلخص فعلاً ما أصاب مصر من تحولات، وتجيب عن سؤال: كيف تحولت من «أم البلاد» إلى «أم الفساد».

وداعاً جلال عامر بقلم د.حسن نافعة ١٣/ ٢/ ٢٠١٢


كان من المفترض أن تحمل هذه الزاوية اليوم عنواناً مختلفاً لموضوع آخر كنت قد فرغت لتوى من الكتابة فيه. وحين رحت أحاول إرساله عبر «الياهو»، طالعتنى الصفحة الرئيسية لموقع «الياهو» بخبر حمل عنوان: «وفاة الكاتب المصرى الساخر جلال عامر». كان للخبر وقع الصدمة على نفسى، وهتفت بتلقائية وبصوت مسموع، رغم أننى كنت وحيدا: «لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون».
رحت أطالع تفاصيل الخبر، فتبين أن الكاتب الكبير أصيب بأزمة قلبية توفى على إثرها بعد فترة وجيزة قضاها بأحد المستشفيات بالإسكندرية والذى نقل إليه بعد أن شاهد من شرفة منزله مشادة بين مؤيدين ومعارضين للمجلس العسكرى.. قررت على الفور تأجيل الموضوع الذى كنت على وشك أن أبعث به إلى «المصرى اليوم»، وبدأت على الفور فى كتابة هذه السطور.
لم ألتق بجلال عامر وجهاً لوجه سوى مرة واحدة، غير أننى كنت أستمتع بلقائه يوميا عبر مطالعة عموده المتميز فى «المصرى اليوم»، والذى اختار له عنوان: «تخاريف». وكلما كنت أتوغل بين ما يسطره هذا الكاتب المبدع تولد لدىَّ إحساس بأننى أعرف هذا الرجل منذ زمن بعيد، فجرعة المتعة والثقافة التى كنت أحصل عليها من مطالعة إبداعاته اليومية لم تكن تضاهيها متعة. لم يكن جلال عامر مجرد كاتب موهوب، أو صاحب مدرسة متميزة فى الكتابة، لكنه كان مثقفا كبيرا ووطنيا عظيما. وكما كان قادرا على انتزاع الضحكات والقهقهات من أعماقنا الحزينة، كان قادرا فى الوقت نفسه على أن يبكينا على أحوال الوطن رغم السخرية الهائلة التى تنضح بها حروف كلماته.
ذات يوم، فوجئت بعموده المتألق يحمل عنوان: «عتاب للدكتور حسن نافعة» فى (٢١/٦/٢٠١٠)، واندهشت لعدم وجود سابق معرفة بيننا. كان للعتاب صلة بأمور تخص الجمعية الوطنية للتغيير وأحوالها المتقلبة، ورددت عليه فى اليوم التالى باحترام وتقدير. وحين امتنعت عن الكتابة، احتجاجا على خبر كاذب ومقصود نشره صحفى مبتدئ فى «المصرى اليوم»، فوجئت به يناشدنى فى عموده وبأسلوب رائع الجمال العودة للكتابة، لأن «كثيرين يمكنهم حمل الراية، أما القلم فلا يستطيع أحد سوى حسن نافعة حمله». أحسست أن بيننا مودة حقيقية واحتراما متبادلا، رغم عدم وجود اتصال شخصى مباشر بيننا.
فى المرة الوحيدة التى التقيته، وكان ذلك فى المنزل الريفى الجميل للدكتور ممدوح حمزة منذ ما يقرب من عام، لم أتمكن من التعرف عليه مباشرة، وحين قدم لى نفسه، تعانقنا على الفور.. بدا لى الرجل خجولا أكثر مما توقعت، لكنه كان حاد الذكاء، حاضر البديهة، ومتدفقا فى حديثه. رحنا نمضى وقتا ممتعا فى النقاش حول موضوعات كثيرة، كانت فى معظمها تدور حول هموم الوطن، وقتها لم يدر بخلدى لحظة واحدة أن تلك ستكون هى المرة الأولى والأخيرة التى ألتقى فيها هذا الكاتب الكبير والمبدع.
برحيل جلال عامر تكون الصحافة المصرية والعربية، وأسرة «المصرى اليوم» خاصة، قد خسرت كاتبا كبيرا، صاحب إحدى أهم مدارس الكتابة الساخرة فى مصر وفى العالم العربى، ويكون الوطن قد خسر مثقفا عظيما وصاحب رؤية، لا نملك إلا أن نحترمها حتى لو اختلفنا معها.
لا أكاد أصدق أننى سأطالع «المصرى اليوم» منذ اليوم دون «تخاريف» جلال عامر.
رحم الله كاتبنا الكبير وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته وأصدقاءه وأسرة «المصرى اليوم» الصبر والسلوان.. أما العزاء فلكل شرفاء الوطن والأمة.. وداعا جلال عامر.

الأحد، 12 فبراير 2012

http://www.facebook.com/mahmoou

http://www.facebook.com/mahmoou

من المتآمر.. ومن الجبان؟ بقلم چيلان جبر ١٢/ ٢/ ٢٠١٢


إن كان المشهد السياسى يحمل الكثير من التساؤلات والشكوك التى يصعب تفسيرها أو الإجابة عنها.. فهذا ليس حال الشؤون الداخلية فى مصر، ولكن أيضاً فى مواقفها على مستوى السياسة الخارجية، نعم هناك تخاذل واضح فى مواقف وتحركات مصر فى الإعلام أحياناً،
 وداخل الكواليس أحياناً أخرى، فى ظل غفوة من الزمن وهموم الثورة والثوار وضياع بوصلة القرار المصرى، وهناك تحركات لا تصب فى صالح الشعب المصرى، وصورة مصر أكبر الدول العربية المحورية فى المنطقة،
 لكنها ربما فى صالح جماعة معينة أو حزب أو بعض الأشخاص الذين تربطهم مصالح مستقبلية مع جهات خارجية وإقليمية.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، المشهد الأخير فى الجامعة العربية وموقف مصر المتخاذل من الثورة السورية، فكيف يكون الموقف المصرى بهذا الضعف ونحن الدولة التى قامت بثورة على حاكم فكّر فى توريث الحكم،
 ويحاكم هو ونظامه فى السجن على عمليات فساد وقتل الثوار، فكيف يجب أن يكون موقف الحكومة المصرية وحزب الأغلبية فى البرلمان والمجلس العسكرى مما يحدث فى سوريا، فى جيش يقتل شعبه يومياً وحاكم ورث الحكم من أبيه،
 ومن حزب الأغلبية البعثى السورى الذى يحتل البرلمان منذ أكثر من أربعين عاماً يقمع ويظلم وينشر الفساد دون رادع، والمصيبة الأكبر أنه منذ عشرة شهور وسقوط أكثر من سبعة آلاف قتيل وشهيد، تجد أمين عام الجامعة العربية نبيل العربى،
 يجتهد فى إعطاء النظام الفرصة وشراء الوقت لزيادة القمع والقتل بحجة عدم أخذ مواقف حاسمة من هذا النظام، وافتضح الأمر مؤخراً حين كان وزير الخارجية السعودى أول من أعلن سحب المراقبين من بعثة الجامعة العربية بعد زيادة العنف والدم من قبل النظام.
ورفضت أربع دول عربية فقط هى العراق ولبنان، بسبب سيطرة إيران على حكومة حزب الله فى بيروت، والمالكى فى العراق، ورفضت معهما السودان والجزائر بسبب مخاوفهما من كشف علاقاتهما المشبوهة مع النظام السورى، وللأسف وقفت مصر مع الأربع دول بدلاً من التصويت مع الأغلبية، مما جعل عددا من الدول العربية يتساءل عن هذا الموقف الغريب لنبيل العربى، ووزير الخارجية المصرى،
 هل هذه الدولة المصرية التى قامت بثورة على التوريث والفساد والقمع والاضطهاد، أم هناك مخطط آخر لإبعاد مصر عن محيطها العربى حتى لو كان بدفع الثمن للشهادة الزور والوقوف مع المحور الإيرانى السورى، مما جعل مؤخراً تعيين نبيل العربى للجامعة،
ضمن هذا المخطط، فتعالت الأصوات والضغوط للخروج بقرار سريع بوقف مهمة بعثة المراقبين العرب فى سوريا مع تزايد العنف مهما حاول أمين الجامعة العربية إعطاء الفرصة وتبرير المواقف لهذا النظام، حتى علق أحدهم بأن نبيل العربى يدافع ويعمل لصالح النظام السورى بجهد أكبر ونشاط أكثر من وزير خارجيتها وليد المعلم.
فهل العلاقة القديمة بين الإخوان المسلمين وإيران هى من شكّلت هذه المواقف المتخاذلة لصورة مصر أمام الشعوب العربية.. وهل الهدف منها هو إبعاد مصر من محيطها العربى بالاتهام المتواصل والمنظم بدون دليل وتحقيق ومحاكمة للتمويل أو التقصير والعمالة ضد مصر فقط كلمات عن أصابع خارجية لم تقطع على مدار سنة كاملة، حتى نصبح أمام اختيار واحد وهو التعاون الإيرانى. فعلى الإخوان المسلمين،
 أصحاب الحرية والعدالة، وعلى المجلس العسكرى أن يعلن كل منهما مواقف واضحة عن البوصلة المصرية لمصالح مصر المستقبلية ونتوقف عن السيولة السياسية والإعلامية والاجتماعية التى تخلط بين المصالح الذاتية والتآمر والجبن عن مواجهة كل من يحاول السيطرة على قرار أكبر دولة محورية، فهناك من هو متآمر ومن هو جبان، وهناك شعب مصرى جاهل وفقير وغلبان.

كيف يستعيد الشعب ثورته المسروقة؟ بقلم د.حسن نافعة ١٢/ ٢/ ٢٠١٢

فى مثل هذا اليوم من العام الماضى، الذى كان أول أيام مصر دون حسنى مبارك وأسرته فى السلطة، بدا شعب مصر، الذى كانت ثورة يناير قد وحدت بين شرائحه الاجتماعية وفصائله السياسية وتياراته الفكرية والأيديولوجية المختلفة وصبتها فى سبيكة غير قابلة للكسر أو التفكك، كأنه ولد من جديد. فقد اجتاحه يومها شعور طاغ بالفرح بالانتصار على الفرعون، وارتفعت هامته - ومعها آماله وأحلامه فى مستقبل أفضل - إلى عنان السماء. أما اليوم، وبعد عام واحد من سقوط الطاغية، فتبدو الصورة مختلفة تماما: فقد تفرق الشعب شيعاً وأحزاباً من جديد، وانفكت الرابطة التى كانت قد جمعته مع الجيش فى «إيد واحدة»، وراحت الفجوة تتسع بينه وبين من ائتمنهم على مصير الثورة إلى أن وقع الصدام بينهما وسالت دماء راحت الحناجر بعدها تنطلق من جديد مطالبة برحيل «العسكر» أو الطاغية الجديد. لذا لم يكن غريبا أن يتراجع الشعور بالفرح والانتصار، الذى ساد قبل عام مضى، ليحل محله اليوم شعور نقيض يغلب عليه طابع الإحباط والكآبة والخوف من مستقبل يبدو مجهولا وغامضا.
كان يفترض، بعد عام من الثورة، أن تكون مصر قد قطعت شوطاً لا بأس به لاستئصال جذور نظام قديم، قامت الثورة لإسقاطه ونجحت فى الإطاحة برأسه، وللتأسيس لنظام جديد يتسع للجميع ولا يستبعد أو يهمش أحدا. غير أن ما تحقق على هذين الصعيدين يبدو محدودا جدا، فسواء تعلق الأمر بمحاولات استئصال بقايا النظام القديم أو بمحاولات التأسيس لنظام جديد، بدأ يتضح تدريجياً أنها تدار جميعها وفق خطة جهنمية يبدو أنها لا تهدف سوى إعادة إنتاج النظام القديم، ولكن بأسماء ورموز جديدة.
فإذا نظرنا إلى القضايا المتعلقة ببقايا النظام القديم، فسوف نلاحظ ما يلى: ١- أن الرئيس المخلوع مازال يقيم فى جناح ملكى داخل أكبر مستشفيات مصر، وينقل إلى قاعة المحاكمة محمولاً على طائرة هليكوبتر، ويمثُل أمام القاضى وهو مسجى فوق سرير طبى ويخفى عينيه تحت نظارة سوداء فاخرة، ويحاكم بتهم تافهة ليس من بينها تهمة الخيانة العظمى أو الحنث بالقسم على حماية النظام الجمهورى أو نهب ثروات البلاد. ٢- تعيش زوجة الرئيس المخلوع ومدير مخابراته فى جو فسيح من الحرية وبوسعهما الاتصال بمن يشاءان فى الداخل والخارج. وكان زكريا عزمى نفسه قد ظل حراً طليقا لأسابيع عديدة بعد سقوط رأس النظام، لاشك أنه تمكن خلالها من محو كل أثر يساعد على إدانة النظام. ٣- تم وضع رموز النظام التى تحاكم بتهم قتل المتظاهرين أو الإثراء غير المشروع فى مكان احتجاز واحد يتيح لهم كل وسائل الاتصال الحديثة، حيث أصبح فى مقدورهم قيادة الثورة المضادة جماعيا. ٤- تركت الكوادر السياسية للنظام القديم حرة طليقة تتمتع بكامل الحريات والحقوق السياسية، وسمح لها بتأسيس أحزاب تحت مسميات جديدة وبخوض الانتخابات البرلمانية على المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية وفى الدوائر الفردية.
فهل كان بوسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الجهة المؤتمنة على إدارة المرحلة الانتقالية، أن يقدم لقوى الثورة المضادة تيسيرات أكثر من ذلك لتمكينها من الانقضاض على ثورة تحكم باسمها؟
أما إذا نظرنا إلى الجهود المتعلقة ببناء النظام الجديد، فسوف نلاحظ ما يلى: ١- حرصاً شديداً على الاحتفاظ ببنية النظام القديم كما هى، بدليل خوض أول انتخابات برلمانية بعد الثورة فى ظل مجلس شورى لا وظيفة له سوى تبديد المال العام وإتاحة وظائف سياسية وحصانات قضائية لمكافأة كل من هم على استعداد لتأدية خدمات للنظام، والاحتفاظ بنصف المقاعد للعمال والفلاحين كى يظل البرلمان ضعيفاً وعاجزاً. ٢- العمل على مط المرحلة الانتقالية باستخدام أدوات وآليات مختلفة، كإطالة فترة الانتخابات البرلمانية وابتداع نظم انتخابية معقدة وعقيمة... إلخ. ٣- ترحيل أو تأجيل المشكلات المعقدة، بدلا من السعى لمواجهتها والبحث عن حلول لها من خلال نقاش حر يستهدف التوصل إلى اتفاق عام حول القضايا الأساسية. وكانت النتيجة خوض الانتخابات البرلمانية، وأيضا احتمال خوض الانتخابات الرئاسية، قبل صياغة دستور دائم يحدد شكل النظام السياسى وينظم صلاحيات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية وآليات ضبط العلاقة بينهما.
وأخيرا فإذا نظرنا إلى الجهود الرامية إلى تحسين أحوال المواطنين وإشعارهم بأن الثورة فى طريقها إلى تحقيق آمالهم، يلاحظ أن محاولات متعمدة جرت لضمان: ١- استمرار الفوضى الأمنية والإحجام عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للإسراع بتطهير وزارة الداخلية وبعودة الأجهزة الأمنية لممارسة أعمالها بعد تأهيلها. ٢- العمل على تشويه الشباب الثائر ومحاولة إظهاره كأنه ينتمى إلى جماعات من البلطجية وقطاع الطرق. ٣- عرقلة الجهود الرامية لوضع حد أدنى وأعلى للدخول والإبقاء على الصناديق الخاصة التى شكلت بؤرا هائلة للفساد والتحايل على القوانين كما هى دون أى تغيير. ٤- قصر اختيار القيادات التنفيذية، بدءاً برؤساء الوزارات وانتهاء بالمحافظين، على رموز ارتبطت فى مرحلة أو أخرى بالنظام القديم، وتعمد إهمال شباب الثورة وتعميق الانقسامات بين صفوفه. ٥- ترك التجار والمضاربين يتلاعبون بالأسعار ويرفعونها بشكل مبالغ فيه وغير مبرر، مع الإيحاء فى الوقت نفسه بأن الثوار هم من يتسببون فى معاناة الأغلبية الساحقة من الشعب الكادح. ٦- التلكؤ فى حصر الشهداء وتكريمهم ومعالجة الجرحى وتأهيلهم.
كان الحفاظ على الزخم الثورى، من ناحية، وحسن إدارة المرحلة الانتقالية، من ناحية أخرى، يتطلبان عملا شاقا للمحافظة بكل الوسائل الممكنة على وحدة القوى المعارضة للنظام القديم، خاصة القوى التى ساهمت فى تفجير الثورة (الشباب) والقوى التى أسهمت، بنصيب وافر، فى مدها بالزخم الشعبى اللازم لإنجاحها (جماعة الإخوان)، غير أن هذا هو تحديداً ما سعى النظام القديم لإجهاضه. وكان قد ساد لفترة طويلة انطباع مفاده أن حالة الارتباك التى اتسمت بها إدارة المرحلة الانتقالية تعود إلى افتقار المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الخبرة السياسية التى تؤهله لإدارة الشأن العام، غير أن شواهد كثيرة تشير إلى أن هذا الارتباك كان متعمدا، وقصد به خلق أجواء تساعد على إحداث أكبر قدر من الانقسام والبلبلة داخل صفوف النخبة السياسية، بالعمل على استمالة التيار الإسلامى بصفة عامة وجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة إلى صف المجلس الأعلى للقوات المسلحة والسعى لعزل شباب الثورة والعمل على تفتيت صفوفهم إلى أقصى حد.
والواقع أننى أصبحت أكثر ميلا للاعتقاد، خصوصا بعد أن أجريت قراءة جديدة متأنية للطريقة التى أديرت بها المرحلة الانتقالية طوال العام المنصرم، بأن بذور هذه الخطة وضعت خلال الأيام الثلاثة التى سبقت قرار الرئيس مبارك بالتنحى عن السلطة، بصرف النظر عما إذا كان هذا القرار قد جاء طواعية أو كرهاً. وللتدليل على ذلك يكفى أن نقارن بين نص القرار الذى كان الرئيس مبارك قد أصدره يوم ٨ فبراير، أى قبل تنحيه بثلاثة أيام فقط، ونص القرار الأول الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة فور تسلمه رسميا للسلطة فى ١١ فبراير، وكلاهما يتعلق بتشكيل لجنة لتعديل الدستور ويكادان يتطابقان تماماً، نصاً وروحاً، خصوصا فيما يتعلق بصلاحيات هذه اللجنة وحدود التفويض الممنوح لها. أما الخلاف الوحيد بين القرارين فقد تعلق فقط بتشكيل اللجنة، وهو أمر له مغزاه.
فلجنة مبارك لتعديل الدستور كانت برئاسة المستشار الدكتور سرى صيام، رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى، وضمت فى عضويتها سبعة من رجال القضاء هم المستشارون: كمال نافع، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، أحمد مكى، النائب الثانى لرئيس محكمة النقض، محمد الشناوى، رئيس المحكمة الدستورية العليا، ماهر يوسف، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، الدكتور محمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، كمال اللمعى، نائب رئيس مجلس الدولة، إضافة إلى أربعة من كبار أساتذة القانون الدستورى هم الدكاترة: أحمد كمال أبوالمجد، يحيى الجمل، إبراهيم درويش، محمد حسنين عبدالعال. أما لجنة طنطاوى فجاءت برئاسة المستشار طارق البشرى، وعضوية ثلاثة من أساتذة القانون الدستورى هم: عاطف البنا، ومحمد حسنين عبدالعال، ومحمد باهى يونس، ومحام بالنقض هو الدكتور صبحى صالح، العضو البارز فى جماعة الإخوان المسلمين، وثلاثة من رجال القضاء هم المستشارون: ماهر سامى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، وحسن البدراوى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، وحاتم بجاتو، رئيس هيئة المفوضين فى المحكمة الدستورية. ولا يحتاج المرء إلى كبير فطنة ليدرك أن لجنة مبارك بدت أكثر مهنية من لجنة طنطاوى، التى غلبت عليها مسحة سياسية وأيديولوجية، خصوصا أنها ضمت عناصر منخرطة تنظيمياً فى صفوف جماعة الإخوان، ومن هنا جاء اعتقاد البعض بأنها جاءت نتاج صفقة أبرمت بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان يحصل الطرف الأول بموجبها على تهدئة سياسية ينشدها، مقابل حصول الطرف الثانى على اعتراف قانونى يمكنه من التحول إلى لاعب كامل الأهلية على الساحة السياسية.
وسواء كان لهذه الصفقة وجود فعلى، من خلال اتفاق جرت مناقشة بنوده صراحة بين الطرفين - وهو ما أستبعده شخصيا - أو وجود افتراضى، أوحت به إشارات ومصالح متبادلة يمكن استنتاجها من سياق الأحداث - وهو ما أميل إليه شخصيا
- إلا أنه لا يخالجنى أى شك فى أن جماعة الإخوان ربما تكون قد اندفعت إليه بحسن نية، من منطلق إحساسها بأن من حقها جنى ثمار صبرها الطويل وتحملها لضربات موجعة من جانب النظام السابق. غير أنه لا شك عندى فى أن الانقسام الذى أحدثته الصفقة، فعلية كانت أم ضمنية،
 وبحسن أو بسوء نية من هذا الطرف أو ذاك، ألحق ضرراً بالغاً بالثورة وأدخل البلاد فى متاهات كانت فى غنى عنها. وربما تكون هذه المتاهات قد بدأت باستفتاء سرعان ما تحول إلى ما يشبه الحرب الدينية (غزوة الصناديق)، لكنها لم تنته بتلك الانتخابات التشريعية التى أفرزت برلمانا يسيطر عليه تيار واحد، هو تيار الإسلام السياسى بفصائله المتعددة،
 والأرجح أن تستمر معنا لفترة طويلة، خصوصا إذا جرت الانتخابات الرئاسية القادمة، التى تقرر فتح باب الترشيح لها يوم ١٠ مارس القادم، قبل الانتهاء من صياغة دستور توافقى يحدد صلاحيات رئيس الجمهورية القادم.
وأيا كان الأمر، تكفى نظرة سريعة على ما يجرى على الساحة للتوصل إلى قناعة، مفادها شيوع حالة من الفوضى الشاملة. ولهذه الحالة شق أمنى يؤدى إلى استمرار نزيف الدم، بدليل ما وقع فى بورسعيد من أحداث مؤخرا،
وآخر سياسى يؤدى إلى استمرار «فوضى المؤسسات»، على النحو الذى أشرنا إليه فى مقال سابق، بدليل وجود حالة من عدم التناغم حاليا، بين برلمان يدعى أنه يتحدث باسم الشعب الذى صنع الثورة، وبين مجلس أعلى للقوات المسلحة يدعى أنه مفوض بإدارة الدولة باسم الشرعية الثورية!.
ومن المؤكد أن حالة الفوضى هذه لن تنتهى بإجراء الانتخابات الرئاسية، خصوصا إذا جرت هذه الانتخابات قبل الاتفاق على دستور جديد، وعلى الأخص إذا صاحبتها صفقة جديدة، فعلية أو ضمنية، بين المجلس وجماعة الإخوان تسمح بالتوافق على مرشح رئاسى والتنسيق لضمان نجاحه.
إن شيوع هذه الحالة من الفوضى الشاملة يعكس، فى تقديرى، إحساساً شعبياً متزايداً بأن الثورة سرقت، أو - على الأقل - انحرفت عن مسارها الطبيعى،
وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مازال يصر على إجهاض أى محاولة ترمى لتأسيس نظام ديمقراطى حقيقى تعود القوات المسلحة بموجبه إلى ثكناتها للقيام بواجبها الطبيعى فى حماية الأمن الخارجى دون تدخل فى الشأن السياسى الداخلى. ولاستعادة الثورة، أو ربما إعادتها إلى مسارها الطبيعى، يتعين اتخاذ سلسلة من الإجراءات، فى مقدمتها:
١- تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بثقة كل من مجلس الشعب والنخبة الفاعلة، خاصة شباب الثورة.
٢- تمكين هذه الحكومة من إحكام إشرافها الفعلى على انتخابات الرئاسة القادمة. ٣- تشكيل إطار مؤسسى يضم ممثلين عن مختلف القوى السياسية الفاعلة على الساحة، خصوصا تلك التى تحظى بتمثيل فى مجلس الشعب، بهدف إدارة حوار مكثف فيما بينها للتوصل إلى توافق حول معايير تشكيل اللجنة التأسيسية التى ستتولى كتابة الدستور يسمح بتشكيلها فى أول اجتماع مشترك للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى،
 وللاتفاق على مشروع للدستور يوضع أمام نظر اللجنة التأسيسية فى أول اجتماع لها على أمل أن تتمكن من إقراره قبل اليوم المحدد للانتخابات الرئاسية والتى من المتوقع أن تجرى خلال شهر مايو أو أوائل شهر يونيو القادم. حمى الله مصر من شرور الفتنة والفوضى.

عصيان على العصيان بقلم نيوتن ١٢/ ٢/ ٢٠١٢


دفعتنى وسائل الإعلام للبحث فى معنى (العصيان المدنى). الكثيرون يتحدثون عنه والبعض يدعو إليه. اكتشفت أن المصطلح فى مصر يُستخدم فى غير محله، ومن أجل أهداف ليست له.
هناك تماس لافت بين فلسفة التكفير التى تقود إلى هجرة المجتمعات وبين (العصيان المدنى). هناك تماس آخر بينه وبين فلسفة (المقاطعة). كاتب أمريكى اسمه «هنرى ثورو» كتب مقالة فى سنة ١٨٤٩ بعنوان (مقاومة السلطة المدنية). نظريته أخلاقية جداً: فارق من تختلف معه، إذا كنت تختلف مع السلطة قاطعها، لا تدفع لها ضرائب، لا تعمل لديها، لا تتعامل معها، اعتمد على ذاتك. يشبه هذا الكلام ما كان يردده تنظيم (التكفير والهجرة) فى سبعينيات القرن الماضى فى مصر. تكفير المجتمع كله وليس فقط حكومته وتركه والذهاب بعيداً عنه. شىء مما كان يفعله «مانسون» زعيم الهيبز وجماعته.
أعطى «غاندى» فى الهند زخماً لفكرة (العصيان المدنى) ضد الاحتلال الإنجليزى. زخم آخر نالته الفكرة حين مورست ضد نظام جنوب أفريقيا العنصرى. هذا الأسلوب يختلف تماماً عن ممارسة حق الإضراب. الإضراب غالباً يكون عمالياً ضد صاحب عمل سواء كان حكومة أو «قطاع خاص». العصيان المدنى حالة متكاملة لا تنتهى فى يوم، ولابد لكى تكون مؤثرة أن تستمر لفترة طويلة. لا الدعوة إلى (عصيان مدنى) بالأمس تندرج تحت هذا المعنى، ولا تخفيضه لمستوى (الإضراب) يقود إلى نفس الهدف المعلن عنه.. أى دفع عموم الناس إلى الضغط من أجل إسقاط المجلس العسكرى.
هل (المجلس العسكرى) طاغية؟ هل هو احتلال؟ إذا كان هذا أو ذاك - فرضاً - ما الذى يدفع المصريين إلى الاستجابة لدعوات العصيان المدنى ضده وهو سيترك موقعه، كما كرر فى مختلف الأوقات، فى بداية يوليو المقبل؟
أنا لا أؤيد أو أرفض. كل الناس حرة فى أن تدعو إلى ما تريد مادامت لا تخالف القانون. أناقش فقط منطقية الدعوة والنداء عليها.. وافتقادها إلى المبرر.
وجهة نظرى أن ما سُمّى بـ(العصيان المدنى) لن ينجح. ليس غريباً إذن أن نجد أن من دعا إلى العصيان حوّله إلى إضراب. العصيان معناه ألا تشترى من الحكومة أى سلعة، ألا تتعامل معها، ألا تقبض راتبها، ألا تذهب إلى عملها. لا يقتصر الأمر على أن يترك ما لا يقل عن ٦ ملايين موظف أعمالهم فى مختلف أنحاء مصر لمدة يوم واحد.. لو حدث.
المشكلة ليست فى نجاحه أو فشله، بل فى أن هناك إصراراً على استنفاد كل وسائل وآليات وأساليب الاحتجاج فى وقت قصير. أرى أن ذلك سيؤدى إلى تكريه الناس فى الممارسات الديمقراطية. على الأقل سوف يشعرون أنه ليست لها قيمة مفيدة.. حين يتكرر اللجوء إليها من قبل قوى سياسية بلا جدوى أو تحقيق الهدف المعلن.
نحن نذهب الآن إلى «التحرير» مراراً. تعددت مسميات أيام الجمعة: الرحيل - تقرير المصير - الإنذار الأخير - القصاص... وغير ذلك. تكررت الدعوة إلى الاعتصام الذى لا يتفق أحد على أهدافه. تخرج المظاهرات من حين إلى آخر، وربما كل يوم. تتعدد الإضرابات فى مناطق مختلفة. كل هذا، كما قلت بالأمس، هو مظاهر أزمة، لكنه أيضا استنفاد لوسائل تستعين بها الديمقراطية وطرق الاحتجاج. المصريون سوف يملُّون وتكون النتيجة أن يمارسوا العصيان على العصيان.. حياتهم تتعطل دون جدوى.
قبل اللجوء إلى وسائل الاحتجاج التصعيدية لابد أن تكون قد استنفدت كل أساليب السياسة. أين الأحزاب؟ تصدر بيانات ولا تعمل فى السياسة. أين مجلس الشعب؟ يشكل كل يوم لجاناً لتقصى الحقائق كما لو أنه ليس لديه آلية غيرها للقيام بدوره. لا حوار حقيقى فى مجتمع صاخب. الكل يتكلم ولا أحد يسمع وإذا سمع أحدهم فإنه لا يناقش!!
كيف يمكن اللجوء إلى كل أساليب الاحتجاج فى مناخ سياسى لم يعرف بعد كل تفاعلات الديمقراطية؟ إما أن هذا هو عصيان على الديمقراطية من قبل من يطالبون بها.. أو أن من يستهلك كل الآليات والأساليب يمارس نوعاً من المراهقة السياسية دون أن يدرى!!
مثل أى صبى فى مقتبل الحياة يريد أن يفعل أى شىء وكل شىء قبل أن يبدأ أى شىء. تتفرج المجتمعات على مثل هذا بما لديها من خبرة وتقول لنفسها: غداً سوف ينضج!!

أوجاع المصريين بقلم د. عمرو الشوبكى ١٢/ ٢/ ٢٠١٢

جريمة بورسعيد أصابت المصريين بألم كبير، فهى ليست الأولى فى رحلتهم مع الإهمال الجسيم والتقصير الأمنى والحكومى الفادح، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة ما بقيت أوضاع البلاد على ما هى عليه.
فى بورسعيد سقط شباب فى عمر الزهور حين قرروا أن يقضوا يوماً من إجازة نصف العام فى مشاهدة مباراة كرة قدم، فسقط منهم ٧٥ قتيلاً غدراً وظلماً وحمل كل واحد منهم قصة إنسانية مؤلمة.
فهناك هذا الشاب الوديع «عمرو ستيف» أخ وحيد على ٤ بنات من أسرة بسيطة، لم يتجاوز من العمر ٢٥ عاماً، وأشاد أهله وجيرانه بدماثة خلقه، مات لأنه أحب النادى الأهلى، وكان واحداً من شباب الألتراس الذين ذهبوا لبورسعيد وفقدوا حياتهم بسبب مباراة كرة.. وهناك «أحمد» الذى لم يتجاوز من العمر ٢٤ عاماً وكان يستعد للزواج هذا العام ومات بلا ذنب أو جريرة.. وهناك «عمر على محسن» خريج الجامعة الأمريكية الذى عاد أبوه من أمريكا ليسير فى جنازته بعد أن كان يرتب له حياة ما بعد التخرج وليس السير خلف نعشه.
قال لى والد هذا الشاب تعليقاً على نزول وحدات الجيش للشوارع لحماية المنشآت العامة: هل حماية المنشآت أهم من حماية البشر، وإذا كان هو مثل جل المصريين ضد أى اعتداء على منشأة عامة أو خاصة، فلماذا لم يهتم المجلس العسكرى بأرواح شبابنا فى بورسعيد مثلما يهتم بحماية المنشآت العامة؟
المؤسف أن البعض تعامل مع ضحايا جريمة استاد بورسعيد باعتبارهم أرقاماً وليسوا بشراً، واهتم الكثيرون بالغناء والهتاف أكثر من الاهتمام بتجفيف دموع أهالى الضحايا باعتبارهم الأولى بالرعاية والاهتمام، إلى أن يتم القصاص من كل من ارتكب تلك الجريمة البشعة.
هى ليست دعوة إلى البكاء والعويل على جريمة مضت، ولكن جرس إنذار على نمط سيئ من المعالجة الإعلامية يتجاهل البشر لصالح الهتاف والضجيج، فى حين أن إعلام العالم كله تعامل مع الجرائم المشابهة من خلال البحث فى تفاصيلها، وعن البشر الذين عايشوها أو كانوا ضحاياها.
للأسف الشديد مازلنا نتعامل مع ضحايا أى حادث فى مصر على أنه يجب عدم الحديث عنهم حتى لا نثير المواجع و«نحرك الفتن»، وهو فهم مغلوط وغير مهنى وغير إنسانى فى الوقت نفسه، وهى مشكلة تتجاوز مشكلة المعالجة الإعلامية لتصل إلى نمط خاطئ من الثقافة السياسية تقوم على الكتمان ونسيان الضحايا الأبرياء.
نعم سنتذكر مع ضحايا بورسعيد ضحايا العبّارة الذين كانوا ضحية التراخى والإهمال، واهتم كثير منا بالاحتفال الصاخب ببطولة أفريقيا ونسوا أن هناك ألف روح زهقت فى عرض البحر، تماماً كما لن ننسى ضحايا نجع حمادى والإسكندرية وكل ضحايا الإهمال والطائفية والإرهاب.
هذه المرة، وعلى خلاف المرات السابقة، يجب ألا تمر جريمة بورسعيد دون قصاص وعقاب رادع لكل المتسببين فيها، وألا نكتفى باجترار الحدث وآلامه، فالجرائم السابقة قُيدت تقريباً ضد مجهول حتى لو كان هناك كبش فداء، وهذه المرة يجب أن يكون هناك متهمون حقيقيون حتى لو كانوا فى أعلى المناصب، وحتى لو كانوا لم يقتلوا بأيديهم ولكن بتخاذلهم سقط ٧٥ ضحية من خيرة شباب هذا البلد.

مى زيادة.. دراما الحب والجنون بقلم خالد منتصر ١٢/ ٢/ ٢٠١٢


احتفل موقع «جوجل» أمس، بيوم ميلاد الأديبة مى زيادة التى ظلمناها بالإهمال، كما ظلمها أقاربها واتهموها بالجنون، وحبسوها عامين فى مستشفى الأمراض العقلية بلبنان، الحياة الدراماتيكية العنيفة لهذه الأديبة تصلح مسلسلاً رائعاً، ولا أعرف لماذا حتى الآن لم يخرج المسلسل الذى كتبه السيناريست عاطف بشاى عنها إلى النور؟ فتاة ولدت فى فلسطين وتعلمت فى لبنان وعاشت فى مصر، تتقن ست لغات، تقتحم المجتمع الذكورى وتفرض عليه احترام عقلها وثقافتها وتستضيف قمم الفن والأدب فى صالونها كل ثلاثاء، تحب «جبران» بالمراسلة لمدة عشرين عاماً وبينهما آلاف الأميال، بعد رحيل «جبران» دخلت فى اكتئاب أكمل دائرته الجهنمية أهلها الذين سجنوها فى المستشفى!! قمة الدراما وقمة المأساة.
تضامناً مع «جوجل» الذى تذكرها فى زمن الجحود، الذى يعتبر الحب رجساً من عمل الشيطان سأحاول نشر فقرات من الرسائل المتبادلة بين «مى» و«جبران»، تقول «مى»: «قلبى يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك... غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هى الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هى مثلى، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذى تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقى بالقلم جانباً لتحتمى من الوحشة فى اسم واحد: جبران».
يرد «جبران» برسالة يقول فيها: «نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا مارى أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق، وأحب الثلج فى الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة. أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبى لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع.
ما ألطف من قال: يا مى عيدك يوم.. وأنت عيد الزمان
انظرى يا محبوبتى العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة (رفيقة) ارتعش قلبى فى صدرى، فقمت ومشيت ذهاباً فى هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة فى بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة.
تقولين لى إنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتى؟.. أتخافين نور الشمس؟.. أتخافين مد البحر؟.. أتخافين مجىء الربيع؟.. لماذا يا ترى تخافين الحب؟.
أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل فى الحب لا يرضينى، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شىء. نحن نريد الكمال. أقول يا مارى إن فى الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله.
لا تخافى الحب يا مارى، لا تخافى الحب يا رفيقة قلبى، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة، اسمعى يا مارى: أنا اليوم فى سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معى فى سجنى حتى نخرج إلى نور النهار؟ وهل تقفين إلى جانبى حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟
قربى جبهتك، قربى جبهتك الحلوة – والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبى الحبيبة».

السبت، 11 فبراير 2012

فيدوهات من أعمالى

عقد اجتماعى جديد بقلم جلال عامر ١١/ ٢/ ٢٠١٢


حاجة غريبة منذ ظهر «الجنزورى» على «الساحة» اختفى «الكفراوى» من «الشاشة».. أما تآكل الاحتياطى النقدى فهو «ريجيم» قاسٍ بأمر الدكتور «العقدة».. أما «انتصار الشباب» فهو ليس فيلماً لـ«أسمهان» لكنه حقيقة علمية، فلا أحد يقف أمام الطبيعة ولا عاقل يهتف ضد التكنولوجيا، هو فقط يُؤجل مثل مباريات الكرة ومواعيد حبيبتى وجلسات المحاكمة..
ومن كام ألف سنة خصصنا كام ألف كيلومتر لإقامة دولة ومن يومها ونحن «نسقع» الأرض ولا نبنى عليها الدولة بل نبنى عليها قصوراً للحكام وقبوراً للزعماء، لذلك أظن أننا لا نحتاج إلى «دستور جديد» بقدر احتياجنا إلى «عقد اجتماعى جديد».. يعمل فيه الموظف نظير راتب وليس نظير رشوة.. وينال فيه الضابط احترامى دون أن ينال منى.. ويجلس فيه القاضى على المنصة مكان الشعب وليس مكان أحد أقاربه.. ويختار فيه الناخب مرشحه على أساس «حجم الكفاءة» وليس على أساس «وزن اللحمة».. ونعرف فيه أن مدرس اليوم هو تلميذ الأمس وناظر الغد يشرح فى المدرسة بطعم الخصوصى وأن طبيب اليوم هو تلميذ الأمس ومريض الغد يكشف فى المستشفى بطعم العيادة..
نريد عقداً اجتماعياً جديداً نمارس فيه السياسة فى الجامعات وليس فى الجوامع وفى المدارس وليس فى الكنائس، فبيوت الله تعلو على مقار الأحزاب.. نريد علاقة صحية وصحيحة بين السلطة والإعلام، فليس حتماً أن يظهر «الجنزورى» فيختفى «الكفراوى» وشفافية تحاسب «العقدة» وتحاكم «المنشار»..
وقد تابعت الصراع بين علماء «نظرية الكم» مثل «بلانك» الذين تحدثوا عن «الاحتمال» وبين علماء «نظرية النسبية» مثل «أينشتاين» الذين تحدثوا عن «الدقة» ولاحظت أن كليهما خصم «الفترة الانتقالية» من عنصر الزمن وقالوا إن سبعة آلاف سنة ليس فيها سبعة أيام حرية..
لذلك نريد رئيساً لا يرفعون عنه الستار كأنه تمثال فرعونى أو يقصون أمامه الشريط كأنه محل تجارى، بل حاكم يحكم ويتحكم ويحاكم من أخطأ ويُحاكم إذا أخطأ.. وهناك موضوع آخر فى غاية الأهمية لكننى نسيته وعندما أتذكره سوف أتصل بك.. ثم أن يقدم الجميع وعلى رأسهم «أينشتاين» و«بلانك» إقرارات ذمتهم المالية كل عام مع دخول المدارس سواء بنظرية «الدقة» أو بنظرية «الاحتمال».

يوم الكرامة وإسقاط الفرعون بقلم ضياء رشوان ١١/ ٢/ ٢٠١٢


اليوم هو يوم كل المصريين الذين عادت لهم إرادتهم وكرامتهم وقدرتهم على التغيير بأنفسهم دون اللجوء إلى نخبة أو حزب أو طليعة تنوب عنهم فى إنجاز التغيير الذى يريدون.. اليوم هو يوم خلع مبارك الفرعون من عرشه للمرة الأولى على يد شعبه منذ عدد من السنين لا يعرفه أحد بدقة. اليوم التاريخى العظيم سبقه سبعة عشر يوماً من الصمود والإصرار من الغالبية الساحقة من المصريين فى كل شوارعهم وميادينهم وقراهم ومدنهم على أن يسقطوا نظاماً قهرهم وأفقرهم وأذل أعناقهم وأجاعهم وزور انتخاباتهم وإرادتهم، فى ثورة عظيمة غير مسبوقة نجحت فى النهاية فى مثل هذا اليوم قبل عام بالضبط فى خلع فرعونه الأعلى.
ولاشك أن أحداً - لا فى مصر ولا خارجها - كان يتوقع ثورة بمثل هذا الاتساع وهذا الرقى وهذا الإصرار على تحقيق أهدافها، إلا أن كثيرين كانوا يتوقعون منذ سنوات طويلة قبل سقوط مبارك ونظامه أن تؤدى خطة توريث نجله الأصغر إلى انفجارات كبيرة فى البلاد لا يعلم أحد مداها ولا مسارها. وقبل الثورة بنحو خمس سنوات شهدت صفحات هذه الجريدة سطوراً لكاتب هذا العمود فى ٩ أبريل ٢٠٠٧، فيما يمكن أن تشهده مصر فى حالة الإصرار على توريث الرئاسة.
وكان السيناريو حينها فى هذا المقال هو «الاستقالة أو الاعتزال المفاجئ للرئيس مبارك بأى نوع من الحجج، ورعايته شخصياً نقل السلطة لنجله السيد جمال مبارك عبر تقديمه كمرشح رسمى للحزب الحاكم الذى يشغل فيه أعلى المناصب القيادية. والحقيقة أن هذا السيناريو لا يمكن أن يقوم قبل كل شىء سوى على توافق يبدو شديد الصعوبة بداخل الدولة المصرية نفسها يقوم فيه الرئيس بدور رئيسى وحاسم، وبخاصة مع القلب الصلب لها.
وبافتراض نجاح هذا التوافق الداخلى حول ترشيح نجل الرئيس، فإن العقبة الرئيسية لهذا السيناريو ستتشكل من الرفض الواسع والحاد المتوقع من مختلف القوى السياسية المصرية، فضلاً عن مشاعر الأغلبية الساحقة من المصريين الرافضة لهذا السيناريو (الملكى) فى التوريث. ومن الوارد فى ظل هذين الرفضين وبعض المقاومة - أو كثير منها - من داخل جهاز الدولة، أن تدخل البلاد إلى أزمة غير مسبوقة توصلها إلى حالة من عدم الاستقرار وربما عودة بعض ممارسات العنف السياسى من داخل بنية الدولة أو من بعض القوى السياسية تجاهها أو من الدولة تجاه تلك القوى السياسية والمجتمع كله. وقد تتدهور الأوضاع فى ظل ذلك السيناريو بصورة أخطر وأكبر مما قد يوصل إلى أوضاع لم تعرفها مصر منذ يوليو ١٩٥٢ وما سبقها من شهور عصيبة عرفتها البلاد».
إن السطور السابقة لم تكن نبوءة عرّاف لكنها كانت توقعاً شائعاً بين عدد ليس كبيراً من المصريين، وقد أتت ثورة يناير العظيمة لكى تؤكد أنه أيضاً لم يكن بحجم غضب المصريين وإصرارهم على محو عار التوريث ومعه النظام الذى أذلهم ودمر حياتهم وبلادهم. إن الحفاظ على الثورة وإنجازاتها، التى لم تكتمل بعد وتحتاج سنوات لاستكمالها، هو المهمة الأولى وربما الوحيدة لكل المصريين الفخورين بما أنجزوه قبل عام، وهو ما يحتاج منهم إلى جهود هائلة لإدارة خلافاتهم السياسية والفكرية بأكبر قدر من الحكمة والحرص على مستقبل بلادهم وثورتهم، وقبلها ومعها جهود أكبر لإعادة بناء مصرهم التى حلموا بها طويلاً وحرمهم منها طغاة كثيرون كان آخرهم المخلوع فى مثل هذا اليوم: حسنى مبارك.

الطريق قبل الرفيق بقلم مفيد فوزى ١١/ ٢/ ٢٠١٢


الثابت والطبيعى والمألوف أن الرفيق قبل الطريق، إذ لو كان هذا الرفيق مناكفا كناشط سياسى محدث لأفسدت على نفسى الرحلة، ولو كان شخصية متحجرة خاصمت المرونة لفضلت الصمت لآخر مدى، ولو كان إنسانا صموتا كتوما لا يتكلم ولا يعبر ولا يشكو ولا يصرخ ولا يبكى لعشت أكبر عقوبة، ذلك أنه من شروط رفقة الطريق تجاذب الحديث بلين والاختلاف والاتفاق بحرارة وحضارة، دون أن يمسك أحدنا للآخر سكينا يذبح به المودة ويجرح المشاعر ويهدم الجسور بيننا، ساعتها سوف أنسحب من الحديث لا هربا ولكن احتراما لدستور الحوار.
وكان أن ترددت عبارة على ألسنة المصريين تقطر قلقا وهى «إحنا رايحين على فين؟» من هنا كان الطريق قبل الرفيق، من هنا أهمية محطة مصر الأخيرة فى قطار الثورة. وأدرك بقناعة لا تحتمل التأويل أن الحياة تتطور وتتجدد كالخلايا، وقيمة الثورة فى حتميتها، ولكن «مكلمة» الفضائيات تصم الآذان وتحجب الشمس.
مهموم بمحطة اقتصاد هذا الوطن ومتى نصل إليها. مهموم بعودة الناس للحياة الطبيعية والرزق الحلال، وشىء من العدالة للمهمشين الذين تعنى لهم الثورة حياة أفضل وكرامة بلا ذل.
مهموم بالطريق أكثر من الرفيق. وأعلم أن الوطنية قد تصاب بأمراض التوتر والسباب، لكن السباب زاد وفاض حتى كدت أخشى على هيبة الرئيس القادم من الإهانة والتطاول. ولو طالت ألسنة السباب كل شىء، فماذا يتبقى لنا؟ إن الإنسان- عند علماء النفس- كائن انفعالى وشحنة انفعالات هى التى توجه سلوكياته، ويتفاوت عند الناس أسلوب استهلاكها. «رايحين على فين؟» قلق أى مصرى مخلص وأن اعتقدت أن عامة الناس مخلصون لأنفسهم أكثر من الحقيقة. وما أسخف الحياة إذا تصورنا أن لا صواب إلا ما نعتقده، تلك آفة بعض الثوار والنشطاء ونواب البرلمان والمدعين بالحق المدنى، فكل المسامع مغلقة ولا تسمح بمرور رأى مخالف!
الثورة الحقة ثورة على الركاكة فى اللفظ والانحطاط فى السلوك، من الممكن أن يحرض التشاؤم على التفكير ولكن ليس إلى العنف لفظا وبدنا. والصمت على أحكام ماسبيرو وإمبابة والقديسين قاد إلى مخطط احترافى لعب فى مباراة استاد بورسعيد وكسب ٧٤ قتيلاً، دخلوا شبكة الموت، وترك «حارس المرمى» مكانه، حتى النخب «تتراشق» بالمنطق وبالنظريات تحت قبة البرلمان وفى الندوات العامة والمرئية، ولا تجيب الثرثرة الممنطقة عن سؤال عن الطريق. فهل قطعه محتجون؟
إننى أحلم برفقاء طريق تشير لافتاتهم إلى «آن الأوان لتعليم غير زمان»، و«يا قلاع الصناعة كفانا صياعة»، و«واحد اتنين تلاتة.. السياحة جاية بالتلاتة» هذه اللافتات بتظاهرة سلمية لا تحتاج لحناجر قوية وستعطى إحساسا إيجابيا بأن الثورة تنحو منحى آخر، منحى بناء، ولن يجد «شياطين الشر» فرصة للاندساس أو الالتحام بالثوار، نعم، الطريق قبل الرفيق، الطريق الذى تفوح منه رائحة الأمان، الطريق الذى يمحو الغضب على الثورة والثوار، الطريق الذى يجمع شرفاء مصر وطاقاتها الخلاقة ومهنييها المحترمين وكفاءاتها النادرة وعمالها المهرة فى مركب واحد يرسو على بر ازدهار.
أحلم برفقاء طريق يتفقون على قناعة بأننا- كمصريين- تعبنا ونحتاج لفترة التقاط للأنفاس، وأن العصيان المدنى فى مصر هو «شلل» تصاب به مصر فى عز شبابها، ربما كان وسيلة ولن يكون غاية، ولا أتمنى مطلقا أن تسقط «الأيدى الكادحة» سهوا، وهى المشتاقة لمطالبها الحياتية اليومية. الرحلة- حقاً- شاقة، والطريق ملغم ومن هو الرئيس الذى يرضى الشارع ويحل مشاكل ٨٧ مليون مصرى بعدد سكان المحروسة؟ ولماذا «عصيان مدنى» والبلد فى حالة «عصيان مدنى» منذ شهور وغير معلن. رغم ثورة جاءت لتبشر بقيم جديدة تضىء جنبات مجتمع وتقف ضد «العصيان المدنى».

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ