السبت، 27 أكتوبر 2012

الدستور بين ترزية القوانين وخياطة القفاطين بقلم صلاح عيسى ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٢


لم يحل حكم محكمة القضاء الإدارى، الذى صدر يوم الثلاثاء الماضى، الجمعية التأسيسية الثانية لوضع الدستور، كما كان يتوقع الذين طعنوا على تشكيلها أمام مجلس الدولة، ولم يحل - كذلك - عقدة الجمعية التأسيسية، كما كان يتوقع الذى طعنوا على الطعن، وأقاموا متاريس غير قانونية، تحول بين القضاء الإدارى والحكم ببطلان تشكيلها.. أحالت القضية إلى المحكمة الدستورية بحيثيات تقول بالفم المليان إن التأسيسية الحالية قد تشكلت قبل أن يصدر مجلس الشعب المنحل ما سمى «قانون معايير انتخاب الجمعية التأسيسية» بعد انتخاب الجمعية بالفعل، وبعد مباشرة عملها لمدة شهر تقريباً، فضلاً عن أن القانون نفسه لم يتضمن أى ضوابط فى الاختيار، وصدر خالياً من المعايير، وأن الهدف منه كان الهروب من رقابة القضاء الإدارى، على نحو ينطوى على شبهة إساءة استعمال سلطة التشريع والانحراف فى استعماله.
ومعنى الكلام أنه لولا هذا القانون، الذى فصلته ورشة ترزية القوانين بحزبى «الحرية والعدالة» و«النور» وحلفائهما خصيصاً لكى يحولوا بين القضاء الإدارى ونظر الطعن على تشكيل التأسيسية الثانية، لحكمت المحكمة ببطلان تشكيلها، وهو المصير الذى ينتظرها بمجرد صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة الأولى من قانون الضوابط والمعايير، إذ سوف يعود الطعن مرة أخرى إلى محكمة القضاء الإدارى، لتكشف للمصريين مدى التدهور الذى وصلت إليه أحوال القانون فى بلادنا، بعد أن اختفت ورشة ترزية القوانين فى الحزب الوطنى، لتحل محلها ورشة خياطة القفاطين فى حزب الحرية والعدالة.
والرهان يجرى الآن على الوقت.. فالجمعية التأسيسية مطالبة بأن تنهى مهمتها قبل يوم ١٢ ديسمبر القادم، أى بعد حوالى ستة أسابيع، طبقاً للإعلان الدستورى، الذى ينص على أن تضع الجمعية مشروع الدستور خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، والمحكمة الدستورية تحتاج إلى مدة قريبة من ذلك، حتى تبدأ فى نظر الطعن الذى أحالته إليها محكمة القضاء الإدارى فى دستورية قانون الضوابط والمعايير، وهى فرصة نصحت «ورشة خياطة الدساتير والقفاطين» فى حزب الحرية والعدالة باهتبالها، بحيث يتم تفصيل القفطان - أى الدستور - والاستفتاء عليه، قبل ١٢ ديسمبر المقبل، وبذلك يجرى تحصين الجمعية التأسيسية ضد أى حكم يصدره القضاء الدستورى بعدم دستورية قانون المعايير والضوابط، أو يصدره القضاء الإدارى ببطلان تشكيل التأسيسية، بحكم أن الاستفتاء الشعبى يَجُبّ أى حكم قضائى ويعلو عليه!
وليس مهماً فى هذه الحالة أن يكون القفطان - أى الدستور - الذى تم تقفيله على عجل وقبل صدور حكم قضائى بإغلاق الورشة - لأنها غير مطابقة للمواصفات - مليئا بعيوب الصنعة، وغير مطابق لمقاسات الزبون، صنع من قماش مستعمل، فجاء ضيقا يكاد يكتم أنفاسه، يتعثر فيه أثناء المشى، فيحوله إلى مسخرة لكل من يراه.
ومن سوء حظ الذين يراهنون على الوقت أنهم ما كادوا يفرحون بالفرصة التى منحهم إياها حكم محكمة القضاء الإدارى لتقفيل القفطان قبل إغلاق الدكان، حتى فوجئوا بأن هناك منازعة قضائية منظورة بالفعل منذ شهر يوليو الماضى، أمام المحكمة الدستورية، حول القرار بقانون الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، بإصدار قانون «المعايير والضوابط»، لأن الرئيس أصدر القانون بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، باعتبار مجلس الشعب الذى أصدره منعدما من الأصل، فضلاً عن أن القرار بقانون صدر بعد أن تشكلت اللجنة التأسيسية بالفعل، وبدأت فى عملها قبل شهر من صدوره!
ولأن المحكمة الدستورية غير مقيدة بمواعيد محددة، عند نظر المنازعات أمامها، بعكس الأمر عند نظر الطعون فى دستورية القوانين، ولأن من الوارد كذلك أن يطلب أحد الخصوم فى الدعوى التى أحالها إليها القضاء الإدارى يوم الثلاثاء الماضى، تقصير المواعيد - فلابد أن ورشة خياطة القفاطين والدساتير تبحث الآن عن حل آخر يمكنها من الإسراع فى تقفيل القفطاين وطرحه للاستفتاء العام، قبل أن تقرر المحكمة الدستورية نظر المنازعة خلال أيام، أو تقصر مدة نظر الطعن إلى أسبوعين.. إذ المهم الآن هو الانتهاء من خياطة القفطان قبل إغلاق الدكان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ