الأحد، 12 فبراير 2012

أوجاع المصريين بقلم د. عمرو الشوبكى ١٢/ ٢/ ٢٠١٢

جريمة بورسعيد أصابت المصريين بألم كبير، فهى ليست الأولى فى رحلتهم مع الإهمال الجسيم والتقصير الأمنى والحكومى الفادح، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة ما بقيت أوضاع البلاد على ما هى عليه.
فى بورسعيد سقط شباب فى عمر الزهور حين قرروا أن يقضوا يوماً من إجازة نصف العام فى مشاهدة مباراة كرة قدم، فسقط منهم ٧٥ قتيلاً غدراً وظلماً وحمل كل واحد منهم قصة إنسانية مؤلمة.
فهناك هذا الشاب الوديع «عمرو ستيف» أخ وحيد على ٤ بنات من أسرة بسيطة، لم يتجاوز من العمر ٢٥ عاماً، وأشاد أهله وجيرانه بدماثة خلقه، مات لأنه أحب النادى الأهلى، وكان واحداً من شباب الألتراس الذين ذهبوا لبورسعيد وفقدوا حياتهم بسبب مباراة كرة.. وهناك «أحمد» الذى لم يتجاوز من العمر ٢٤ عاماً وكان يستعد للزواج هذا العام ومات بلا ذنب أو جريرة.. وهناك «عمر على محسن» خريج الجامعة الأمريكية الذى عاد أبوه من أمريكا ليسير فى جنازته بعد أن كان يرتب له حياة ما بعد التخرج وليس السير خلف نعشه.
قال لى والد هذا الشاب تعليقاً على نزول وحدات الجيش للشوارع لحماية المنشآت العامة: هل حماية المنشآت أهم من حماية البشر، وإذا كان هو مثل جل المصريين ضد أى اعتداء على منشأة عامة أو خاصة، فلماذا لم يهتم المجلس العسكرى بأرواح شبابنا فى بورسعيد مثلما يهتم بحماية المنشآت العامة؟
المؤسف أن البعض تعامل مع ضحايا جريمة استاد بورسعيد باعتبارهم أرقاماً وليسوا بشراً، واهتم الكثيرون بالغناء والهتاف أكثر من الاهتمام بتجفيف دموع أهالى الضحايا باعتبارهم الأولى بالرعاية والاهتمام، إلى أن يتم القصاص من كل من ارتكب تلك الجريمة البشعة.
هى ليست دعوة إلى البكاء والعويل على جريمة مضت، ولكن جرس إنذار على نمط سيئ من المعالجة الإعلامية يتجاهل البشر لصالح الهتاف والضجيج، فى حين أن إعلام العالم كله تعامل مع الجرائم المشابهة من خلال البحث فى تفاصيلها، وعن البشر الذين عايشوها أو كانوا ضحاياها.
للأسف الشديد مازلنا نتعامل مع ضحايا أى حادث فى مصر على أنه يجب عدم الحديث عنهم حتى لا نثير المواجع و«نحرك الفتن»، وهو فهم مغلوط وغير مهنى وغير إنسانى فى الوقت نفسه، وهى مشكلة تتجاوز مشكلة المعالجة الإعلامية لتصل إلى نمط خاطئ من الثقافة السياسية تقوم على الكتمان ونسيان الضحايا الأبرياء.
نعم سنتذكر مع ضحايا بورسعيد ضحايا العبّارة الذين كانوا ضحية التراخى والإهمال، واهتم كثير منا بالاحتفال الصاخب ببطولة أفريقيا ونسوا أن هناك ألف روح زهقت فى عرض البحر، تماماً كما لن ننسى ضحايا نجع حمادى والإسكندرية وكل ضحايا الإهمال والطائفية والإرهاب.
هذه المرة، وعلى خلاف المرات السابقة، يجب ألا تمر جريمة بورسعيد دون قصاص وعقاب رادع لكل المتسببين فيها، وألا نكتفى باجترار الحدث وآلامه، فالجرائم السابقة قُيدت تقريباً ضد مجهول حتى لو كان هناك كبش فداء، وهذه المرة يجب أن يكون هناك متهمون حقيقيون حتى لو كانوا فى أعلى المناصب، وحتى لو كانوا لم يقتلوا بأيديهم ولكن بتخاذلهم سقط ٧٥ ضحية من خيرة شباب هذا البلد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ