الاثنين، 13 فبراير 2012

وداعاً جلال عامر بقلم د.حسن نافعة ١٣/ ٢/ ٢٠١٢


كان من المفترض أن تحمل هذه الزاوية اليوم عنواناً مختلفاً لموضوع آخر كنت قد فرغت لتوى من الكتابة فيه. وحين رحت أحاول إرساله عبر «الياهو»، طالعتنى الصفحة الرئيسية لموقع «الياهو» بخبر حمل عنوان: «وفاة الكاتب المصرى الساخر جلال عامر». كان للخبر وقع الصدمة على نفسى، وهتفت بتلقائية وبصوت مسموع، رغم أننى كنت وحيدا: «لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون».
رحت أطالع تفاصيل الخبر، فتبين أن الكاتب الكبير أصيب بأزمة قلبية توفى على إثرها بعد فترة وجيزة قضاها بأحد المستشفيات بالإسكندرية والذى نقل إليه بعد أن شاهد من شرفة منزله مشادة بين مؤيدين ومعارضين للمجلس العسكرى.. قررت على الفور تأجيل الموضوع الذى كنت على وشك أن أبعث به إلى «المصرى اليوم»، وبدأت على الفور فى كتابة هذه السطور.
لم ألتق بجلال عامر وجهاً لوجه سوى مرة واحدة، غير أننى كنت أستمتع بلقائه يوميا عبر مطالعة عموده المتميز فى «المصرى اليوم»، والذى اختار له عنوان: «تخاريف». وكلما كنت أتوغل بين ما يسطره هذا الكاتب المبدع تولد لدىَّ إحساس بأننى أعرف هذا الرجل منذ زمن بعيد، فجرعة المتعة والثقافة التى كنت أحصل عليها من مطالعة إبداعاته اليومية لم تكن تضاهيها متعة. لم يكن جلال عامر مجرد كاتب موهوب، أو صاحب مدرسة متميزة فى الكتابة، لكنه كان مثقفا كبيرا ووطنيا عظيما. وكما كان قادرا على انتزاع الضحكات والقهقهات من أعماقنا الحزينة، كان قادرا فى الوقت نفسه على أن يبكينا على أحوال الوطن رغم السخرية الهائلة التى تنضح بها حروف كلماته.
ذات يوم، فوجئت بعموده المتألق يحمل عنوان: «عتاب للدكتور حسن نافعة» فى (٢١/٦/٢٠١٠)، واندهشت لعدم وجود سابق معرفة بيننا. كان للعتاب صلة بأمور تخص الجمعية الوطنية للتغيير وأحوالها المتقلبة، ورددت عليه فى اليوم التالى باحترام وتقدير. وحين امتنعت عن الكتابة، احتجاجا على خبر كاذب ومقصود نشره صحفى مبتدئ فى «المصرى اليوم»، فوجئت به يناشدنى فى عموده وبأسلوب رائع الجمال العودة للكتابة، لأن «كثيرين يمكنهم حمل الراية، أما القلم فلا يستطيع أحد سوى حسن نافعة حمله». أحسست أن بيننا مودة حقيقية واحتراما متبادلا، رغم عدم وجود اتصال شخصى مباشر بيننا.
فى المرة الوحيدة التى التقيته، وكان ذلك فى المنزل الريفى الجميل للدكتور ممدوح حمزة منذ ما يقرب من عام، لم أتمكن من التعرف عليه مباشرة، وحين قدم لى نفسه، تعانقنا على الفور.. بدا لى الرجل خجولا أكثر مما توقعت، لكنه كان حاد الذكاء، حاضر البديهة، ومتدفقا فى حديثه. رحنا نمضى وقتا ممتعا فى النقاش حول موضوعات كثيرة، كانت فى معظمها تدور حول هموم الوطن، وقتها لم يدر بخلدى لحظة واحدة أن تلك ستكون هى المرة الأولى والأخيرة التى ألتقى فيها هذا الكاتب الكبير والمبدع.
برحيل جلال عامر تكون الصحافة المصرية والعربية، وأسرة «المصرى اليوم» خاصة، قد خسرت كاتبا كبيرا، صاحب إحدى أهم مدارس الكتابة الساخرة فى مصر وفى العالم العربى، ويكون الوطن قد خسر مثقفا عظيما وصاحب رؤية، لا نملك إلا أن نحترمها حتى لو اختلفنا معها.
لا أكاد أصدق أننى سأطالع «المصرى اليوم» منذ اليوم دون «تخاريف» جلال عامر.
رحم الله كاتبنا الكبير وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته وأصدقاءه وأسرة «المصرى اليوم» الصبر والسلوان.. أما العزاء فلكل شرفاء الوطن والأمة.. وداعا جلال عامر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ