الخميس، 2 فبراير 2012

الرضيع والأفعى بقلم فريدة الشوباشى ٢/ ٢/ ٢٠١٢

طيور الظلام
لا أدرى لماذا تدفع جماعة الإخوان المسلمين بنفسها فى قلب الأحداث أمام مجلس الشعب بدفع شبابها إلى الصدام مع بعض شباب القوى الثورية المتطرفة التى تحمل فى باطنها من دون الجرأة على الإعلان الدعوة إلى الفوضى وشيوع الانفلات والعبس تحت جنح الليل بمستقبل وأمن بلد بحجم مصر.
كما أننى لا أدرى لماذا تتصدر جماعة الإخوان المسلمين المشهد «كحارس بوابة» للعراك السياسى، وكأنها أصبحت حامية حما المجلس لا لشىء سوى أنها حصلت على الأغلبية داخل البرلمان.. ولا تترك أجهزة الأمن تؤدى دورها فى الدفاع عن المنشآت والمؤسسات العامة، إن قرار دفع الجماعة بشبابها للاصطدام بالشباب المتطرف خاطئ بنسبة كبيرة، لأن حماية المستقبل الديمقراطى من دعاة الفوضى خيار شعب سار بحضارة بالدفع قدماً بتغيير الإدارة الحاكمة فى ثورة يناير ثم أكثر تحضراً عندما شارك بفاعلية منقطعة النظير فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية مارس الماضى ثم بالمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب التى أفرزت برلماناً حقيقياً معبراً عن إرادة الشعب لأول مرة منذ زمن بعيد.
إن الدعوة إلى رحيل المجلس العسكرى الآن هى دعوة باطلة وجاحدة فى حق الجيش المصرى أولاً الذى أزاح نظاماً عتيداً فى ١٨ يوماً من دون رصاصة اشتباك واحدة، وباطلة وجاحدة أيضاً لأنها ضمان لسلامة وأمن البلاد من كل سوء، كما أن الجيش أعلن أمام العالم تسليم البلاد فى يونيو المقبل سيما ان تسليم السلطة سارى بشكل ممنهج وفق اليات بناء دولة ديمقراطية قائمة على المؤسسية.
إن سر التطرف فى مواجهة المجلس العسكرى كما قلت من قبل هو أن هذه القوى المتطرفة لم تحصل على شىء فى السلطة ولن تحصل، لأنها ببساطة لا تملك أرضاً أو شعبية لدى الشارع.. وخطابها لا يناسب العقلية المصرية، وإنما قد يناسب «الكوبيين» فى الخمسينيات من القرن الماضى وليس «الكوبيين» الحاليين!
.. هؤلاء يريدون الفوضى لأنهم ببساطة لم يحصلوا على شىء من «كعكة» السلطة.. وقد يقول قائل إن الإخوان المسلمين يدافعون الآن عن السلطة لأنهم «حصلوا» على جزء منها.. والجواب نعم.. لأن الأمر ببساطة متعلق بالجماهيرية والشعبية.. الإخوان شاركوا فى الثورة وكانوا أحد أسباب نجاحها لأنهم يملكون رصيداً من الجماهيرية تؤهلهم لأن يكون لهم حق المشاركة فى جزء من الإدارة.. هكذا هى الديمقراطية.
هذه الديمقراطية تقول ببساطة إن الحكم للشعب والإرادة للشعب. والشعب هو الذى يختار والسؤال هو: هل الانتخابات التى أتت بهؤلاء أو غيرهم داخل مجلس الشعب.. والشورى الجارية الان.. مزورة؟! لا يستطيع أحد أن يقول إنها مزورة.. إذن الشعب هو الذى اختار التيار الإسلامى.. قد يكون لنا بعض ملاحظات.. ومخاوف وهواجس وقلاقل.. نعم.. لكن الشعب هو الذى اختار.. وها هى الديمقراطية التى ننشدها جميعاً..
وفى المقابل هل عينت الجماعة نفسها حارسة على المنشآت العامة لكى تدفع بشبابها إلى الصدام مع بعض من هذه القوى «الظلامية» بديلاً عن قوات الأمن الواجب عليها حماية المجلس.. أم أن صاحب قرار دفع شباب الجماعة يريد أن يقول إن هناك وجهة نظر مقابلة لمن يقول إن المجلس «باطل».. هذا التصور خاطئ لأن الناس ببساطة لم تعد تتحمل التصرفات الطائشة لطيور الظلام.. لأن الناس ليس ذنبها أن هؤلاء لا يملكون شعبية.. الشارع موجود.. ومن يرد أن يحصل على أصوات فليذهب إليه ويخاطبه خطاباً يليق بعقيدته وتقاليده لأن المصريين ببساطة ليسوا كولومبيين!
أما «الرضيع» الذى أتحدث عنه فهو فلسطينى من مدينة شفا عمر فى الجليل الأعلى أى فلسطين ٤٨ ـ وهو يبلغ من العمر ثلاثة عشر شهراً، نبتت له بعض الأسنان اللبنية..
أما الأفعى فهى ـ طبعاً ـ إسرائيلية، وقد حاولت عض الرضيع لنشر سمومها فى جسده البض غير أنه فاجأها وفاجأ العالم كله بأن أطبق بأسنانه الصغيرة على رأس هذه الأفعى و«فشفشها»، ولدى إسعاف الرضيع فى أحد مستشفيات حيفا، تبين أن الأفعى لم تتمكن إلا من تفريغ قسط بسيط من سمها فى جسد الصغير، وأنه ولله الحمد لم يؤثر فيه.
استوقفنى الخبر الغريب وربما الذى لم يسبق له نظير فى العالم، وقد نشرته معظم الصحف منذ أيام، ولو لم تقع الحادثة فى فلسطين المحتلة ما صدق أحد أن يقضى رضيع على أفعى!
وتأملت الواقعة، ولكننى لم أجد لها تفسيراً منطقياً سوى أن ما دفع الرضيع إلى مواجهة الأفعى هو أنه لم يتعلم بعد «الخوف» الذى نشأت عليه معظم الأجيال التى رزحت تحت حكم الطغاة المستبدين ومعظمهم خان الوطن وسخر نظامه لخدمة المصالح الأجنبية..
 وعندما «زال» شبح الخوف تمت معاملة الأفعى بندية غريبة، ولذا فقد ماتت هى، وحطم «الرضيع» رأسها، ربما لكونها لم تتصور أن يأتيها الضرب من جانب هذا الكائن الصغير، ولا أن أسنانه «الوليدة» بوسعها تحطيم رأسها، وقد يكون فى الخبر الكثير من الرمزية، وقد يكون أيضاً إشارة إلى أن الخوف قد يزول يوماً، أو أن الأجيال الجديدة لم تعد تعبأ به ولا تدخله فى حساباتها، وهو ما يؤكد أن حقبة جديدة قد بدأت وأن الاعتماد على «الخوف» حماقة قد يدفع المراهنون عليها رؤوسهم ثمناً لها.
 فعلى سبيل المثال: راهن كثيرون من النظام السابق على الخوف وهم حتى الآن لا يفهمون متى سقط منهم سلاح الخوف هذا.. فنحن نعمل كل ما تريده أمريكا وإسرائيل ومن هم فى خدمتهما خشية الدخول فى حروب جديدة!!
وهو ما أدى إلى أن ندفع من مستقبل أبنائنا وأحفادنا أثماناً باهظة دونما أى مقابل، بل على العكس تماماً فنحن لم ننعم باتقاء شر إسرائيل ولا شرور أمريكا يقيناً منهما أننا نموت خوفاً.. وهنا يقفز التساؤل المحير.. هل نحن الكائنات الوحيدة التى يسكنها الخوف؟.. ألا يخاف المعتدون والطامعون؟
 أزعم أنهم يخافون أكثر لأنهم يطمعون فى ثروات وأراضى الآخرين ولكنهم ـ بواسطة العقلاء ـ نجحوا فى زرع الخوف فى قلوبنا على مدى أربعة عقود وأكثر.. ولم يقل أحد إن الخوف ليس غريزة إنسانية، لكنه موجود لدى الآخرين مثلما هو موجود لدينا على أن ينكمش ويزوى ويترك مكانه للمواجهة والجسارة فى مواجهة «العدو» حتى لو كان أفعى تهدد بسمومها.. ويموج المسرح العربى الآن بمشاهد تؤكد أن «الخوف» قد تم تحجيمه بل ربما خنقه حيث كان عائقاً خبيثاً أمام أى رغبة فى التحرر، وأدعوكم إلى قراءة واقعة «الرضيع» الفلسطينى والأفعى.. الإسرائيلية طبعاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ