الخميس، 2 فبراير 2012

عز الدين فشير فى حوار ساخن لـ«المصري اليوم»: الإخوان «رمانة الميزان» واختيارهم لــ«العسكر» أو الثورة أو السلفيين يحدد نظام الحكم حوار رانيـا بـدوى ٢/ ٢/ ٢٠١٢


تصوير- تحسين بكر

يرى الدكتور عز الدين شكرى فشير، الروائى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، الدبلوماسى السابق بالخارجية المصرية والأمم المتحدة، أن ثورة ٢٥ يناير «ثقافية» تبدأ الآن، لكنها لم تكتمل بعد وستتوالى أمواجها مثل «تسونامى»، فهى ثورة عميقة فى طريقة التفكير حدثت داخل عقل المواطن، وهو ما يظهر بين جميع التيارات، ومنهم شباب الإخوان والسلفيين الجدد وشباب الثورة. ورغم أن التغيير وضح جليا فى مجموعة الشباب- كونهم العدد الأكبر الممثل لهذا التفكير الجديد- فإن هناك آخرين ينتمون لهذا الفكر، ومن بينهم الدكتور «فشير»، الذى طالب الشباب بتطوير آلياتهم، وألا يذهبوا عكس رغبات حزب الكنبة، وحذر المجلس العسكرى من تهميش قوى الشباب مما قد يدفعهم للتحالف مع الجياع والمهمشين، فتنقلب إلى ثورة جياع وإلى نص الحوار:
■ هل تنبأت أى من رواياتك بما حدث يوم ٢٥ يناير ٢٠١١؟
- لم تتنبأ، بها لكنها كانت تبحث عنها. الروايات الأربع الأولى-مقتل فخرالدين، وأسفار الفراعين، وغرفة العناية المركزة، وأبوعمر المصرى- تتناول حياة أناس يحاولون التعامل مع الانهيار العام فى مصر. بعضهم يقاوم ويحاول التغيير بأساليب مختلفة من الكلمة إلى العنف، وبعضهم يتعايش أو يحاول تجاهل ما يدور حوله، وبعضهم ينغمس بالكامل فى الانهيار. وفى كل الأحوال فإنهم، بمشاعرهم وأحلامهم المحطمة وبصراعاتهم، يشكلون جزءاً من هذا الانهيار. أما رواية: «عناق عند جسر بروكلين» فهى تخرج من هذا الإطار قليلاً، لكنها مازالت تدور حول شخصيات مصرية- كلها موجودة فى أمريكا لسبب ما- تبحث عن نفسها وهويتها فى عالم هارب من انهيار الوضع العام فى مصر. فى كل هذه الروايات هناك سؤال بلا إجابة وهو: أين المخرج مما نحن فيه. ثورة يناير أتت بالإجابة.
■ وكيف حدث هذا؟ ماذا حدث للمصريين فى ٢٥ يناير؟
- ما حدث أن ثقافة جديدة تسللت دون أن يلحظها أحد- وأنا أول المخطئين، وأعلن ذلك، قبل أن أشير إلى خطأ الآخرين.. فأنا أستاذ جامعى وعلى اتصال بالشباب وروائى دائم التأمل فى المجتمع وخصائصه، لكننى لم ألحظ التغيير ولم أتنبأ به إطلاقا.
■ أفهم من ذلك أنك تقر بفشل النخبة؟                             
- دون شك النخبة فاشلة، لأنها لا تريد أن تتغير.. ليس عيبا أو حراما ألا نتنبه لتغيرات بهذا الحجم، لكن العيب أن تظل النخبة تعمل بالفكر والآليات القديمة بعد حدوث التغيير.. أسوأ ما فى النخبة أنها مازالت تردد ما كانت تقوله من ٢٥ سنة وتتبع نفس ممارساتها، بدلاً من أن تقف وتراجع ونفسها.
■ هل تسللت ثقافة التغيير بسبب اطلاع الشباب على العالم الخارجى ووسائل الاتصال الحديثة، أم أن هناك أسبابا أخرى؟
- هناك أسباب أخرى، وهى أن أجيال الثورة ممن ولدت فى السبعينيات والثمانينيات لم تعاصر الاستعمار أو هزيمة ٦٧.. الأجيال التى عاصرت الاستعمار تأثرت شخصيتها وعلاقاتها بالعالم بعقدة الاستعمار، وتولد لديها شعور بالدونية، أما الجيل الذى لم تعاصر الاستعمار فتوقعاته وطموحه أعلى بكثير من الأجيال السابقة، فهو يتساءل: لماذا ليست مصر فى مصاف الدول الكبرى- والأمر نفسه ينطبق على من عاصر هزيمة ٦٧، فهذا الجيل أصابته الهزيمة فى شخصيته، أما شباب هذا اليوم فولد متحررا من عبء الهزيمة والاستعمار.. جيل سريع يركز على الإنجاز ومحدد الأهداف- ثقافة جديدة.
■ لكن رغم نجاح الشباب فى إشعال الثورة أصبحوا بعيدين عن الشارع فى نظر البعض، فكيف يتجاوز الشباب هذه المعضلة؟
- عليهم أن يدركوا أن هذه المرحلة للعمل السياسى وليست مرحلة خراطيم المياه وقنابل الغاز. أنا ضد الاستمرار فى مظاهرات دائمة، فرغم أنها أسقطت مبارك، لكنها لن تقدم لنا دستورا.. لابد أن يستعيد الشباب ثقة الجماهير، لأنه إذا انعزلت الطليعة الثورية عن أغلبية الشعب فستخسر حزب الكنبة وهو حزب مهم لنجاح الثورة..وإذا لم يشعر هؤلاء بأن كلام الثوريين يمس مصالحهم لن يساندوهم وإن لم يساندوهم «هيتاكلوا»، لأن حزب الكنبة يريد التغيير وتحسين الأحوال، لكنه يريد الاستقرار، ويرى فى البرلمان خطوة، لذلك من الذكاء ألا يصطدم الثوار بالبرلمان، أو أن يذهبوا عكس رغبات حزب الكنبة.. فلنعط إجازة للتظاهر ونبحث عن آليات أخرى، وعلى قوى الثورة الانتقال من منهج المطالبة إلى منهج الصياغة.. من قبل كانت المظاهرات تخرج بهتافات تطالب بالحرية، الآن يجب أن تكون قادرة على صياغة رؤيتها للحرية والعدالة الاجتماعية.. وبدلا من أن نطالب بدستور حر علينا أن نضع تصورا لهذا الدستور.. صياغة إيجابية وليس وضع مطالب تنتظر من السلطة تنفيذها.
■ هل كان خطأ الشباب الاكتفاء بالمطالبة وترك آخرين يصوغون البدائل؟
- نعم بكل تأكيد.. على الشباب صياغة البديل ومحاولة بناء توافق حوله بمساعدة منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية الأقرب فى التفكير والنقابات، التى تلعب دورا مهما فى الحياة السياسية، فعلى الشباب الوصول إليهم.
■ إذا انتقلنا إلى نتائج الانتخابات البرلمانية، هل هناك أسباب أخرى غير معلومة لتفوق الإسلاميين بخلاف تغلغلهم لسنوات طويلة فى الشارع وتديّن المجتمع المصرى؟
- توجد قراءتان لما حدث.. الأولى أن هذه الانتخابات تعكس نتيجة الماضى وليس الحاضر، ولو كنا انتظرنا بعض الوقت لحدوث التفاعل مع الثورة وبدء عمل الأحزاب لما كانت النتيجة لصالح الإسلاميين، ولو كنا اتبعنا «الصح» لم يكن الإخوان ليحصلوا على أكثر من ٣٠% من البرلمان.
■ وما «الصح» من وجهة نظرك؟
- الاتفاق على قواعد العمل المتمثلة فى الدستور، وأن نخلق مناخا يسمح بوجود الحرية ويسمح للقوى المختلفة بأن تعبر عن نفسها وألا تنشغل بأمور تهدر طاقاتها.. وكان يجب التركيز على العمل السياسى والتفاعل مع الناس وتشكيل جمعية تأسيسية تمثل كل فئات الشعب لكتابة الدستور. وهناك الرؤية الثانية عن أسباب تفوق الإسلاميين وهى أن المجتمع مازالت لديه مشكلات مع الحداثة لم يحلها بعد، وأن الإسلاميين يعكسون مشكلات الحداثة.
■ هل كان من الممكن تحقيق ذلك فى غضون أشهر حتى ولو طالت؟
- منذ اليوم الأول، وأنا أطالب بألا تقل الفترة الانتقالية عن ٣ سنوات.
■ وهل كان من الممكن القبول باستمرار المجلس العسكرى ٣ سنوات؟
- لا طبعا، ولا توجد مرحلة انتقالية يقودها مجلس عسكرى. الحل كان فى شكل من أشكال المجالس الرئاسية بغض النظر عن مسماه، مع مجلس آخر استشارى وجمعية تأسيسية، على أن يقوم المجلس العسكرى بمهمته الرئيسية وهى حماية الأمن القومى. أما إذا أجرينا انتخابات فور سقوط الديكتاتور، فإن النتائج عادة إما تكون رد فعل لاستمرار حالة الخوف أو رد فعل الواقع القديم لأن نتيجة التصويت تعتمد على المناخ الذى تمر به بشكل كبير.
■ لكن لدينا ميدان التحرير يمكننا النزول فيه وتغيير الوضع إذا لم يتجه إلى الاتجاه الصحيح؟
- وهل نحن نصمم نظاما سياسيا قائما على التمرد والثورة؟ الأصل فى النظام السياسى أن يخلق أطراً لإدارة الصراع السياسى بشكل مستقر وليس أن يتم الصراع خارج أطر النظام.
■ فى أعتى ديمقراطيات العالم السياسى يخشى الحاكم الرأى العام قبل الدستور والقانون؟
- هذا يحدث فى البلاد راسخة الديمقراطية، لوجود قواعد يعبر من خلالها الرأى العام عن نفسه، فلو أننى سياسى فى فرنسا وأغضبت الرأى العام، فأنا أعرف أننى سأخسر الانتخابات المقبلة، أما لو أننى فى دولة غير ديمقراطية وخسرت الرأى العام فسأمنع الانتخابات. فما أطلبه هو أن تكون هناك آليات تسمح للرأى العام بالتعبير عن نفسه بشكل هادئ ومستمر من داخل النظام السياسى، لا أن نصنع نظاما سياسيا قائما على الانفجارات كآلية للتعبير عن الإرادة الشعبية.
■ وهل هذا هو توصيف النظام الحالى؟
- نعم نحن نصنع نظاما سياسيا هشا يمكن أن ينفجر فى أى لحظة لأن القوى التى قامت بالثورة غير ممثلة داخله. لابد أن يفهم الناس أن النظام السياسى نظام أمان لابد أن تكون به فتحات كافية كى تنتظم الماكينة. لكن لو أن البخار يتراكم ولم نصنع له فتحة، فطبيعى أن تنفجر الماكينة، وهذا ليس فى مصلحة أى طرف.
■ ألا تكفى الضمانات المقدمة من القوى السياسية المختلفة كوثائق الحريات ومبادئ الدستور وغيرها؟
- كدارس ومحلل للعلوم السياسية أرى أن هذه ضمانات غير كافية، لكن كمواطن أدرك أننا لا نستطيع الرجوع عن الخطوات التى اتخذت، ومن ثم علينا أن نتعامل مع هذه التصريحات على أنها إعلان حقيقى للنوايا ونذهب للإخوان مثلا ونقول لهم «أنتم قلتم إن لجنة المائة ستكون ممثلة لجميع طوائف المجتمع فلتظهروا لنا ذلك»، أى أن نطالبهم بتنفيذ ما تعهدوا به.
■ وإذا لم ينفذوا ما تعهدوا به؟
- هنا يأتى دور قوى الثورة «اللى قاعدة تجرى فى الشارع ورا نفسها» وتهدر قوتها.. عليها أن تنظم نفسها لأن هناك استحقاقات أولها الدستور، وأن تبدأ النضال من أجل إلزام كل فصيل بتنفيذ ما وعد به.. ويجب عليها أن «تمسك كل شخص وفصيل من لسانه وتطالبه بتنفيذ تعهداته».. نحن قمنا بثورة من أجل الحريات فلتظهر لنا رؤيتك للحريات، هذا نص الحريات العامة كما جاء فى وثائق الأزهر والبرادعى وغيرهما، فلترنا ماذا ستفعل بها؟ فإذا أجاب أن الحريات مكفولة بما لا يخالف شرع الله، يفترض وقتها أن تنزل قوى الثورة الشارع وتقول لهم هذا رد مطاطى ويتحول الأمر إلى نضال.
■ وهل الشباب قادر على هذه المهمة خاصة فى ظل تشرذمهم والقبض على كثير منهم وتشويهم؟
- إذا ركزت قوى الثورة على متطلبات المرحلة التى تبدأ الآن، وليس على متطلبات المرحلة التى انتهت أعتقد أنهم سينجحون.
■ هل تعتقد أن وجود صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان سينتج عنها حكم ثنائى لمصر؟
- إذا كانت الصفقة حسنة النية وتهدف إلى مصلحة البلد ستنجح، فالرئيس القادم سيكون نتيجة توافق الحكم الثنائى وسيكون دوره فى الحكم محدوداً، ومن الممكن أن يكون الحكم الثنائى كارثة على مصر لو أنه أصر على تهميش قوى الثورة وبعثرتها.. ساعتها ستنمو قوى الثورة خارج النظام وتعمل على هدمه بالتحالف مع الجياع والمحرومين، ومن مخاطر الحكم الثنائى أن كل طرف فى الحكم يحمل الخنجر للآخر وراء ظهره، ويعد العدة للقضاء عليه، فيكون التحالف صورياً.
■ وهل من الممكن أن تتحالف قوى الثورة مع الجياع والمهمشين؟
- ولم لا؟ لو فقدت قوى الثورة حزب الكنبة ومؤسسة الدولة ستبدأ فى البحث عن قواعد جديدة.. يجب ألا نستهين بقوى الثورة لأنهم مبدعون فى أفكارهم.
■ قلت من قبل فى حوار سابق أن الطحن الحقيقى لم يبدأ بعد، فماذا كنت تقصد؟
- كنت أقصد أن الطحن بين قوى الاستبداد باسم الدين وقوى الحرية لم يبدأ بعد وهذا ما سنشهده قريبا.. فأطراف الثورة ثلاثة: الاستبداد السياسى والاستبداد باسم الدين والحرية.. انتهى الاستبداد السياسى ولن يكون لسياسة القبضة الأمنية الحديدية مستقبلا فى مصر بعد الآن، وما يحدث حاليا مجرد توابع.. أما الصراع المقبل فبين الاستبداد الدينى والحرية. الاستبداد موجود عند كل من يرى أنه وحده على صواب، سواء كان تيارا دينياً أواليسار أوالدولة الأمنية.. فالاستبداد الأمنى يرى أنه وحده يعمل لصالح البلد، والإسلاميون يرون أنهم يتحدثون باسم الله، واليسار يرى أنه يتحدث باسم الشعب.. وأنا أخشى على الحريات من كل هؤلاء. وأولى إرهاصات الطحن المنتظر، ماحدث فى الجلسة الإجرائية لمجلس الشعب.. فمثلا من أقسم أن يحترم الدستور بما لا يخالف شرع الله، ماذا لو أن هناك مواطناً غير مؤمن، أليس له حقوق؟ هذه أعراض برلمان لم يقم على أساس سليم، ولم يقر مبادئ الحريات بعد.
■ هل بدأ نقاش بشأن ميزانية الجيش ومراقبتها فى مصلحة البلاد فى المرحلة الحالية، أم من الأفضل إرجاؤها لحين استقرار الأوضاع؟
- إما أن نحترم المصالح الأساسية للجيش، فنكسبهم كمتعاونين معنا فى المرحلة الانتقالية مقابل أن نخسر شيئاً ما، أو أن نصمم على الصدام معهم، فى كلتا الحالتين هناك مكاسب وخسائر، وعلينا اختيار أى مكاسب نريد وأى خسائر نقبل.
■ ما وجهة نظرك فيما يخص علاقتنا بالمؤسسة العسكرية؟
- لو كان المجلس العسكرى أدار المرحلة الانتقالية بشكل توافقى مع القوى السياسية، وفق خريطة سياسية واضحة لكان قد حصل على كل ما يريد من حماية، لكنه كلما أطال فترة حكم المرحلة الانتقالية منفرداً عرض نفسه للنقد والعداء.
■ قاطعته: لكن لم يبق من المرحلة الانتقالية سوى ٥ أشهر.. فهل يمكن إحداث توافق بين المجلس العسكرى والقوى السياسية بعد كل ما حدث؟
- تصورنا أن المرحلة الانتقالية ستنتهى بانتخابات الرئاسة، ولكن الحقيقة أنها ستبدأ بعدها.
■ بمعنى؟
- المرحلة الانتقالية، هى المرحلة الوسط بين النظام الديكتاتورى والوضع الجديد، فهل سندخل فى هذا الوضع بعد ٥ أشهر؟؟ قطعا لا، فكل القضايا المعقدة التى لم نحلها ستستمر فى المرحلة المقبلة. فمازالت لدينا قوانين نود تغييرها، فضلا عن تطهير الإعلام والقضاء والداخلية وحل مشكلات الأحزاب.
■ وماذا نسمى الفترة الماضية إذن؟
- إهدار للوقت. المرحلة الانتقالية ستبدأ مع الرئيس الجديد خلال المدة الرئاسية الأولى، وإذا صارت الأمور بشكل جيد لن تستقر مصر قبل خمس سنوات، أما إذا لم تسر بشكل حسن فسنحتاج إلى ٣٠ سنة أخرى.
■ هل ترى إمكانية لمحاكمة المجلس العسكرى على ما ارتكب من جرائم ضد المتظاهرين؟
- المحاكمة على الجرائم الكبرى ضرورية، وهذا ليس معناه أن نطارد الناس أو نزج بهم فى السجون، لكن الاعتراف بالمسؤولية عن الجرائم ضرورى.
■ وماذا لو قال المجلس العسكرى إنهم حاكموا العساكر والضباط الذين تورطوا فى أعمال عنف ضد المتظاهرين؟
- الجندى يجب أن يخضع لمحاكمة عسكرية بحكم القانون، لكن بما أننا خلقنا أزمة ثقة فإنه من الأفضل حضور مراقبين من المجتمع المدنى والضحايا حتى يروا بأنفسهم محاكمة من أخطأ ؟ يجب أن يحدث ذلك بمبادرة من المؤسسة العسكرية لطمأنة الناس ولندخل المرحلة الجديدة ونحن شركاء لا أعداء.
■ هل يمكن محاكمة المجلس العسكرى عن مسؤوليته السياسية فى قتل المتظاهرين؟
- فى قضايا العدالة الانتقالية لابد من المواءمة بين اعتبارات العدالة واعتبارات الانتقال السياسى لوضع مستقر، فإذا كان هناك ضابط عُرف أنه قاد التعذيب وقتل بدم بارد لابد أن يحاكم، وإذا تبين أن قرار إطلاق النار على المتظاهرين كان بقرار سياسى فلابد أن يتحمل صاحبه المسؤولية. وسواء كان الخروج آمناً أو غير آمن، فإن معرفة المسؤول عن إصدار قرار القتل فى حد ذاته أمر ضروري، وهو نوع من أنواع العقاب.
■ بنفس المنطق لو أعلن مبارك أنه من أصدر قرار قتل المتظاهرين فى يناير لا يحكم عليه أو يحبس؟
- لو أن مبارك خرج للناس وأعلن أنه أصدر قرار ضرب المتظاهرين، فليس من الضرورى فى رأيى معاقبته بالحبس، أنا من أنصار الفصل بين الإقرار بالجرم والعقوبة الجسدية. أنا أريد أن يخرج الضباط علينا ليعترفوا بالذنب، بأنهم سحلوا البنات وأطلقوا النار. السبيل الوحيد للخروج الآمن هو الإقرار بالجرم. وأنا من رأيى ألا توقع عقوبة جسدية على الرئيس السابق، فلو أدين يكفى وضعه تحت الإقامة الجبرية.
■ لماذا؟
- لأن المجتمعات يجب ألا تعاقب أو تنتقم كالأفراد، وإنما أن تتصرف بشكل عاقل، فإعدام الرئيس لن يكون تصحيحا لما مضى.
■ لكنه سيردع الرئيس القادم؟
- وهل إعدام الرؤساء والملوك السابقين ردع من جاء بعدهم؟ الثورة الفرنسية أعدمت لويس السادس عشر، فجاء بعده مباشرة نابليون بونابرت. هل نريد الانتقام من الرئيس السابق أم نريد أن نرى تغييرا حقيقيا فى نظام الحكم؟
■ ما الذى يجب أن يقدمه المجتمع للمؤسسة العسكرية فى المستقبل؟
- حماية حيادها واستقلالها.
■ هذه جملة مطاطة؟ ماذا يعنى ذلك تحديداً؟
- يجب بناء النظام على الثقة وليس التخوين، يعنى يجب مراقبة ميزانية الجيش، والتأكد من جهات الإنفاق، ربما من خلال مجلس أمن قومى يتعامل مع قضايا الأمن الداخلى والخارجى، لكن الأهم هو أن تطور القوات المسلحة آلياتها لتكون أكثر كفاءة وتعيد تقييم أولوياتها: «هل هى مصانع المكرونة أم الوسائل الدفاعية؟ هل لديها فائض عقول تريد أن تساهم بهم فى المجتمع المدنى؟ وقتها يجب التفكير فى كيفية توظيف هذه الطاقات والإمكانيات الهائلة داخل الجيش والمساهمة بها فى تنمية المجتمع بمنطق الشراكة بين العسكريين والمدنيين، ليس بمنطق العداء.
■ بوصفك قريبا من الدكتور البرادعى، كيف ترى انسحابه من الترشح لانتخابات الرئاسة؟
- وفق فهمى لقرار البرادعى، فإنه جاء نتيجة اكتمال انحراف المرحلة الانتقالية عن المسار الصحيح، وهذا ما قاله فى بيان الانسحاب.. وكان هناك أمران سبقا القرار يمكن شرحهما.. أولا عندما أعلن أنه على استعداد لأن يكون رئيس وزراء للمرحلة الانتقالية، لأنها أهم مما قد يأتى بعد ذلك، وكان جادا فى كلامه ولم يكن يناور. ثانيا عندما أعلن أنه لن يدخل انتخابات فى ظل عدم وجود «دستور أولا».. فالعملية الانتخابية الآن أخذت شكل الديمقراطية، دون جوهرها، فقد أبقت على التنوع خارج البرلمان وأدخلت فصيلا واحدا فقط أوكلته كتابة الدستور فأصبحت انتخابات الرئاسة لا معنى لها.
■ البعض فسر توقيت إعلان الانسحاب أنه انتقام من المجلس العسكرى ولتهييج الناس؟
- البرادعى تعمد عدم الظهور الإعلامى حتى ٢٥ يناير، كى لا يفهم الأمر على أنه لإثارة وحث الناس على النزول إلى الشارع، لكن هناك من يريد اتهامه على طول الخط.. فلو خرج للناس، قالوا للتهييج ولو رشح نفسه يبقى طمعان فى الرئاسة ولو انسحب يبقى ينتقم أو يهرب.. أى كلام يعنى.
■ مصر إلى أين؟؟ إيران أم باكستان أم تركيا؟
- الإخوان هم رمانة الميزان لو مالوا ناحية العسكر لذهبوا بنا إلى باكستان، وإذا مالوا ناحية القوى الثورية الديمقراطية لذهبوا بنا إلى تركيا وإذا مالوا إلى السلفيين لذهبوا بنا إلى إيران.
■ ما توقعاتك للرئيس القادم؟
- تخمينى أنه سيكون مرشحا توفقيا بين الإخوان والمجلس العسكرى، ليس إسلاميا وليس عسكريا، وأعتقد أنه سيكون شخصا تحمل مسؤولية تنفيذية فى الماضى، لكن اسمه غير مقترن بالرئيس السابق وهو ما قد ينطبق على منصور حسن أو نبيل العربى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ