الأحد، 12 فبراير 2012

عصيان على العصيان بقلم نيوتن ١٢/ ٢/ ٢٠١٢


دفعتنى وسائل الإعلام للبحث فى معنى (العصيان المدنى). الكثيرون يتحدثون عنه والبعض يدعو إليه. اكتشفت أن المصطلح فى مصر يُستخدم فى غير محله، ومن أجل أهداف ليست له.
هناك تماس لافت بين فلسفة التكفير التى تقود إلى هجرة المجتمعات وبين (العصيان المدنى). هناك تماس آخر بينه وبين فلسفة (المقاطعة). كاتب أمريكى اسمه «هنرى ثورو» كتب مقالة فى سنة ١٨٤٩ بعنوان (مقاومة السلطة المدنية). نظريته أخلاقية جداً: فارق من تختلف معه، إذا كنت تختلف مع السلطة قاطعها، لا تدفع لها ضرائب، لا تعمل لديها، لا تتعامل معها، اعتمد على ذاتك. يشبه هذا الكلام ما كان يردده تنظيم (التكفير والهجرة) فى سبعينيات القرن الماضى فى مصر. تكفير المجتمع كله وليس فقط حكومته وتركه والذهاب بعيداً عنه. شىء مما كان يفعله «مانسون» زعيم الهيبز وجماعته.
أعطى «غاندى» فى الهند زخماً لفكرة (العصيان المدنى) ضد الاحتلال الإنجليزى. زخم آخر نالته الفكرة حين مورست ضد نظام جنوب أفريقيا العنصرى. هذا الأسلوب يختلف تماماً عن ممارسة حق الإضراب. الإضراب غالباً يكون عمالياً ضد صاحب عمل سواء كان حكومة أو «قطاع خاص». العصيان المدنى حالة متكاملة لا تنتهى فى يوم، ولابد لكى تكون مؤثرة أن تستمر لفترة طويلة. لا الدعوة إلى (عصيان مدنى) بالأمس تندرج تحت هذا المعنى، ولا تخفيضه لمستوى (الإضراب) يقود إلى نفس الهدف المعلن عنه.. أى دفع عموم الناس إلى الضغط من أجل إسقاط المجلس العسكرى.
هل (المجلس العسكرى) طاغية؟ هل هو احتلال؟ إذا كان هذا أو ذاك - فرضاً - ما الذى يدفع المصريين إلى الاستجابة لدعوات العصيان المدنى ضده وهو سيترك موقعه، كما كرر فى مختلف الأوقات، فى بداية يوليو المقبل؟
أنا لا أؤيد أو أرفض. كل الناس حرة فى أن تدعو إلى ما تريد مادامت لا تخالف القانون. أناقش فقط منطقية الدعوة والنداء عليها.. وافتقادها إلى المبرر.
وجهة نظرى أن ما سُمّى بـ(العصيان المدنى) لن ينجح. ليس غريباً إذن أن نجد أن من دعا إلى العصيان حوّله إلى إضراب. العصيان معناه ألا تشترى من الحكومة أى سلعة، ألا تتعامل معها، ألا تقبض راتبها، ألا تذهب إلى عملها. لا يقتصر الأمر على أن يترك ما لا يقل عن ٦ ملايين موظف أعمالهم فى مختلف أنحاء مصر لمدة يوم واحد.. لو حدث.
المشكلة ليست فى نجاحه أو فشله، بل فى أن هناك إصراراً على استنفاد كل وسائل وآليات وأساليب الاحتجاج فى وقت قصير. أرى أن ذلك سيؤدى إلى تكريه الناس فى الممارسات الديمقراطية. على الأقل سوف يشعرون أنه ليست لها قيمة مفيدة.. حين يتكرر اللجوء إليها من قبل قوى سياسية بلا جدوى أو تحقيق الهدف المعلن.
نحن نذهب الآن إلى «التحرير» مراراً. تعددت مسميات أيام الجمعة: الرحيل - تقرير المصير - الإنذار الأخير - القصاص... وغير ذلك. تكررت الدعوة إلى الاعتصام الذى لا يتفق أحد على أهدافه. تخرج المظاهرات من حين إلى آخر، وربما كل يوم. تتعدد الإضرابات فى مناطق مختلفة. كل هذا، كما قلت بالأمس، هو مظاهر أزمة، لكنه أيضا استنفاد لوسائل تستعين بها الديمقراطية وطرق الاحتجاج. المصريون سوف يملُّون وتكون النتيجة أن يمارسوا العصيان على العصيان.. حياتهم تتعطل دون جدوى.
قبل اللجوء إلى وسائل الاحتجاج التصعيدية لابد أن تكون قد استنفدت كل أساليب السياسة. أين الأحزاب؟ تصدر بيانات ولا تعمل فى السياسة. أين مجلس الشعب؟ يشكل كل يوم لجاناً لتقصى الحقائق كما لو أنه ليس لديه آلية غيرها للقيام بدوره. لا حوار حقيقى فى مجتمع صاخب. الكل يتكلم ولا أحد يسمع وإذا سمع أحدهم فإنه لا يناقش!!
كيف يمكن اللجوء إلى كل أساليب الاحتجاج فى مناخ سياسى لم يعرف بعد كل تفاعلات الديمقراطية؟ إما أن هذا هو عصيان على الديمقراطية من قبل من يطالبون بها.. أو أن من يستهلك كل الآليات والأساليب يمارس نوعاً من المراهقة السياسية دون أن يدرى!!
مثل أى صبى فى مقتبل الحياة يريد أن يفعل أى شىء وكل شىء قبل أن يبدأ أى شىء. تتفرج المجتمعات على مثل هذا بما لديها من خبرة وتقول لنفسها: غداً سوف ينضج!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ