الخميس، 2 فبراير 2012

طبنجة لتوحيد هانم بقلم نيوتن ١/ ٢/ ٢٠١٢


آثرت ألا يذهب أحفادى بالأمس إلى مدرستهم. كان أبوهم (هناء) نائما فى غرفته، حين فاجأونى - الثلاثة: أكثم وميسرة ومُنال - بضم حرف الميم - بمشاعر ملتاعة سيطرت عليهم. سمعوا من زملائهم عن عملية السطو على البنك. استدعى أكثم من على موقع اليوتيوب تسجيلاً للجريمة. بمجرد أن استيقظ عرضه عليهما. نقل خوفه إليهما.. فخافوا كلهم. فهمت من مُنال أن سائق باص المدرسة يردد طوال الطريق من البيت إلى نهاية الرحلة أدعية يتمنى فيها ألا يتعرضوا لشر. طريقته توتر الأولاد. السائق محق فى توقعاته التى تثير الاضطراب.
أمعنت فى الفيديو القصير الذى يسجل واقعة السطو. خمسون ثانية تثير ذعراً وألماً. اللصوص بعثروا ما نهبوه من مال خلال الهروب. ذكّرنى المشهد بما كتبت عنه منذ أيام حين تعجبت من عملية سطو مسلح انتهت بالاستيلاء على بكرات ورق تواليت ولوف حمام. ترقَّت العصابات وانتقلت من الهجوم على محال سوبر ماركت إلى البنوك وسيارات نقل الأموال والطرق والمحال. مصر تعيش حالة متدهورة باطراد من انعدام الأمن.
عاد أحفادى إلى غرفهم. غالبوا مشاعرهم بأفلام الرسوم المتحركة وألعاب الموبايلات والبلاى ستيشن. جلست مع نفسى أفكر فى التدهور الذى يتضاعف يوماً تلو آخر فى المجتمع بينما السياسيون مستغرقون فى خلافات مؤسفة. جرائم السطو المسلح تعبير عن أن الدولة لم تعد تردع مجرماً. القانون لا يخيف. أهم الأسباب هو أن هذه الدولة تُمتهن كل لحظة فى خطاب السياسيين. تطعن سلطاتها فى مصداقيتها. الفوضى تقع فى النفوس قبل أن تتجسد فى الشوارع.
طرق بابى جارى صادق بك وزوجته توحيد. لم أتململ هذه المرة من اقتحامهما لحياتى فى هذا الوقت المبكر. كنت أريد أن (أفضفض) فى الموضوع مع أى أحد. يثير فزعى أن تتهدد سلامة أى من أحفادى. يزعجنى جداً أن يساورهم الخوف. رحبت بصادق وزوجته التى لم أنس اليوم ألا أضيف إلى نهاية اسمها (تاء مربوطة).
فاجأنى مشهد صادق. كان يحيط صدره بحزام جلدى فخيم ممتد إلى ما تحت ذراعه اليسرى حيث استقرت طبنجة. قلت له مندهشاً: هل سوف تذهب للرماية فى هذا الوقت المبكر؟ ثم أضفت متذكراً: لم أعرف عنك الميل إلى هذا النوع من الهوايات!!
قال: هواية؟ ليست هواية يا باشا. هذه طبنجة للحماية لن أتحرك بدونها بعد اليوم، ثم أخرج الطبنجة من مكمنها، وقال بثقة: (حتة ألمانى مفتخرة)، عقبت زوجته توحيد: لم نعد نطمئن إلى شىء، لابد أن نحتاط. نحن نتحرك على طرق طويلة ذهاباً وعودة، ثم فتحت حقيبتها حيث أطلعتنى على (صاعق كهربائى) وأنبوبة (سيلف ديفنس)، ومضت تردف: من فضلك أقنعه بأن يشترى لى أيضاً طبنجة!
تجاهلت طلبها المثير. قد لا يعرفان أنى من هواة الأسلحة ولو أنى لا أمتلكها. كنت أسافر مع بعض الأصدقاء فى رحلات سفارى إلى كينيا وجنوب أفريقيا للصيد، لكنى كنت دائماً أباعد بينى وبين اقتناء البنادق. أستخدم قطعاً مما لدى أصدقائى ثم أعيدها إليهم. ذات مرة اشتريت بندقية احتفظت بها فى بيت صديق، ثم بعتها له. قلت موجهاً كلامى إلى صادق: اقتناء السلاح لا يوفر الإحساس بالأمن ولا يضمن لك السلامة. الأمن (حالة) نفسية قبل أن يكون (حالة واقعية)، إذا سقط الإحساس به فى داخلك لن تطمئن ولو كنت تعيش داخل دبابة!
استمررت أكمل: مصر كانت تعطى انطباعاً بالأمان.. ليس لأن هناك شرطياً يقف عند بداية ونهاية كل شارع.. إنما لأن عصابات الجريمة كان لديها قدر من الشعور بالردع.. انتهى الآن. الشرطة مقيدة ومبعثرة. الدولة منهارة. السلطات انزوت فى أركان الدفاع عن ذاتها. فقدت رموز القانون هيبتها. حتى الآن لم يتورط المجتمع فى حرب أهلية.. لكنه بدأ التعرض لحرب من الجريمة. فى كل فترات عدم الاستقرار لابد أن ينكشف المجتمع أمام العنف بصورة أو أخرى.
قالت توحيد: «ها أنت تتكلم عن العنف. أنا لا يكفينى هذا الصاعق الكهربائى. لابد أن أضع فى حقيبتى مسدساً. اللصوص لا ينتظرون أحداً. أقنعه أرجوك». رد صادق بمنطق الخائف على زوجته: لن يحدث، أنت متهورة، يمكن أن تطلقى النار فى أى لحظة. قلت: تريثى وقتا يا توحيد هانم. إذا كنت أعتقد أنه ليس على صادق بك أن يحمل مسدساً فكيف أقنعه بما لا أريده أن يفعله. انتابها شعور بالإحباط وخيبة الأمل. قالت: نحن نعيش رعباً. قلت: معك حق.. أتفهمك، لكن المشكلة لن تجد حلاً بحمل السلاح.. بالعكس المشكلة تتفاقم لأن الكثيرين يتجهون إلى شراء واقتناء السلاح.. بطريقة شرعية أو غير ذلك.
كانا يتجادلان بينما رحت أقلّب فكرة فى ذهنى لم أطلعهما عليها. المجتمع شاهد السياسيين يختلفون حول إدانة العنف فى الشوارع. بعض المتزيدين مجَّد إحراق المبانى وقذف السلطة بالمولوتوف. برروا للإجرام ما اقترف. صنَّفوا العنف على أنه تعبير عن الرأى. محطات التليفزيون تنقل (خناقات الشوارع كما لو أنها خبر سياسى). سلطات الأمن تفسح المساحات الآن أمام منتقديها خوفاً. إذا كانت تخشى من تنظيم مظاهرة وضمان سلامة من فيها.. فكيف يمكن أن يرتدع منها مجرمون محترفون يقتحمون البنوك والمحال.
انتبهت من تداولى مع نفسى للفكرة حين ارتفع صوتهما.. كانت توحيد تصر على أن تستولى على سلاح صادق بك لنفسها.. قائلة: سوف يكون معى، وتصرف أنت لنفسك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ