الاثنين، 27 فبراير 2012

حكومة إخوانية أم حكومة وحدة وطنية؟! بقلم د.حسن نافعة ٢٧/ ٢/ ٢٠١٢


كتب الأستاذ فهمى هويدى مؤخرا مقالا نشر تحت عنوان «مغامرة حكومة الإخوان» كان لافتا للنظر ومثيرا للعديد من التساؤلات. أبدى الكاتب الكبير فى بداية مقاله تفهما للمطالب الداعية إلى تكليف جماعة الإخوان بتشكيل الحكومة فى مصر، لكنه استغرب فى الوقت نفسه أن تأخذ الجماعة هذه الدعوة على محمل الجد وتشمر عن سواعدها وتبدأ فى المشاورات والترشيحات والترتيبات وكأن الدعوة طبيعية أو بديهية ومخلصة.
غير أن الأستاذ فهمى كانت له وجهة نظر أخرى، فقد عبر بوضوح عن شكوكه فى نوايا وأهداف بعض من يتحمسون لهذه الدعوة ونعتهم بـ«الكارهين والشامتين وبأنهم عملوا بصاصين لحساب جهاز أمن دولة النظام السابق»، ثم عاد وافترض حسن النية لدى أغلبية من تصوروا أن المنطق، بصرف النظر عن أى ادعاءات قانونية،
 يقضى بضرورة تولى الحزب الحائز على الأغلبية فى البرلمان تشكيل الحكومة. ورغم عدم إنكاره لحق الإخوان فى تشكيل الحكومة بعد حصولهم على الأغلبية النسبية فى البرلمان، إلا أنه رأى فى احتمال إقدام الجماعة على تشكيل الحكومة فى هذه المرحلة خطوة غير ملائمة،
 وغير مجدية، بل ومغامرة غير مأمونة العواقب لن تصب لا فى مصلحة البلد ولا مصلحة الجماعة نفسها. فهى خطوة ليست فى مصلحة البلد «لأن دولا عدة غربية بل عربية أيضا سوف تحجم عن تقديم أى معونات أو استثمارات لمصر،
 وليس من المستبعد أن يتكرر مع حكومة الإخوان فى مصر ما حدث مع حكومة حماس فى غزة». وهى خطوة ليست فى مصلحة الإخوان لأن هناك قوى فى الداخل والخارج على السواء تسعى لإثبات عجز حكومة الإخوان وفشلها. بل إن الأستاذ فهمى لم يستبعد أن يتكرر مع حكومة الإخوان ما حدث فى تركيا مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه عام ١٩٩٦، وتضطر بالتالى إلى «الإقدام على تنازلات تهدد رصيدهم التاريخى وقد تهدد شرعيتهم»،
 كما لم يستبعد أيضا احتمال أن تقدم الحكومة الإسرائيلية على وضع الإخوان أمام تحد صعب منذ اللحظة الأولى لتولى حكومة إخوانية فى مصر، وذلك بالإقدام على شن هجوم على غزة للتعرف على نوايا الحكومة الإسلامية الجديدة، وبالتالى تتم محاصرة الحكومة الجديدة من الداخل ومن الخارج أيضا.
ولأن مصر لا تحتاج إلى مجرد إصلاح سياسى، قد يتحقق بإصدار دستور جديد أو بإجراء انتخابات برلمانية، وإنما إلى جهد ضخم «يعيد لمصر عافيتها ويمكنها من تجاوز حالة التقزيم والإعاقة التى فرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية»، فقد اعترف كاتبنا الكبير، بأن إدارة شؤون مصر فى الفترة المقبلة مهمة «أكبر من الإخوان ومن أى فصيل بذاته».
لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يختلف مع ما ذهب إليه الأستاذ فهمى. غير أن ما طرحه فى هذا المقال المهم يثير أكثر من تساؤل حول قدرة جماعة الإخوان على إدراك الحقائق الداخلية والخارجية التى ألمح إلى بعضها إدراكا واعيا،
 خصوصا أن سلوك الجماعة منذ ثورة يناير وحتى الآن لم يكن على المستوى المطلوب ولم يعمل بما فيه الكفاية للمحافظة على وحدة الفصائل التى أسهمت فى صنع التغيير أو لتشكيل جبهة وطنية موحدة قادرة على التصدى لقوى الثورة المضادة التى نجحت فى تفتيت القوى صاحبة المصلحة فى الثورة وفى التغيير معا.
 بل إن سلوك الجماعة المرجح دوما لمصلحتها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا جعلها تتصرف بمنطق شديد الأنانية، حيث عرقلت الجماعة كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى وفاق وطنى يسمح باختيار الجمعية التأسيسية والاتفاق على مشروع للدستور يطرح عليها فى أول اجتماع. وأظن الأستاذ فهمى كان شاهدا بنفسه على هذه المحاولات، حيث لجأت إليه لإقناع الجماعة بالتجاوب مع هذه الجهود، لكن جهودنا معا، وجهود غيرنا أيضا باءت بالفشل.
لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب، كما اعتدنا أن نقول دائما، لكننا للأسف لا نكف عن سكب اللبن ثم نتوقف لنبكى عليه. والسؤال: هل تتعلم القوى السياسية، ولا أقول الإخوان فقط، الدرس وبالتالى يمكنها أن تتحسب للنتائج المحتملة لاحتمال فوز أحد مرشحى التيار الإسلامى بالمقعد الرئاسى وتأثير هذا الاحتمال على الجهود الرامية للتأسيس لنظام ديمقراطى حقيقى فى المستقبل.
أظن أن القضية تستدعى نقاشا جادا وأن الحاجة تبدو الآن ماسة لحكومة وحدة وطنية، وليس لحكومة إخوانية، ولرئيس مستقل يملك القدرة على لم الشمل وبناء نظام سياسى قوى يتسع للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ