الخميس، 2 فبراير 2012

شاهد على ثورتين بقلم جمال البنا ١/ ٢/ ٢٠١٢


ويحكم هذا المجلس بمقتضى شرعية الثورة الشعبية التى هى أثمن الشرعيات، فكل الدساتير تنص على أن الأمة هى مصدر السلطات، وها هى ذى الأمة بقضها وقضيضها كما لم تمثل من قبل، وإذا رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أشار الثوار إلى الميدان، فيذعن المجلس لأن من الممكن أن يحتويه المليون.
وكان على المجلس التنفيذى الثورى أن يبدأ عمله فوراً وسريعاً وبكل عزيمة وقوة فيعلن سقوط دستور ١٩٧١، ويقوم بالقبض على قادة النظام الفاسد وهم قرابة عشرين أو ثلاثين شخصاً ويأمر بحل مجلس الشعب ومجلس الشورى واتحاد العمال، وبالطبع الحزب الوطنى، ويصدر قانوناً بالتحفظ على أموال ألف شخص هم الفئة المستفيدة بشكل مباشر من الفساد.
ولكن ما حدث كان شيئاً غير ذلك، فكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحكم بروح دستور ١٩٧١، ويدعى المحافظة على الأصول الديمقراطية، ودل بذلك على جهله الأولى للمبادئ الثورية، وهى أن الثورة إنما قامت لتفاقم الفساد وعجز القوانين العادية عن إصلاحها، وأن إصدار الأحكام على الأساس الديمقراطى معناه تفريغ الثورة من دفقتها الثورية، إنه مثل سكب الماء على نار الثورة، فأدارت الثورة بأيدٍ غير ثورية.. أيدٍ بورجوازية ديمقراطية لا يمكن لها أن تصلح للنظام.
وظهرت وقتئذ قضية أظهرت إفلاس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فكان لابد من وضع دستور يحقق أهداف الثورة ويتخلص من سوءات دستور ١٩٧١ المهلهل الذى عُدل فى أيام السادات وعُدل فى أيام مبارك عدة مرات، وكانت إحداها عن ٣٣ مادة، بينما عُدل أخيراً للتفصيل مواد انتخاب الرئيس بحيث لا تصلح إلا لمبارك نفسه أو ابنه جمال، ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر وضع تعديل للمواد الخاصة بالرئاسة بدستور ١٩٧١، وعرضه للاستفتاء، فإذا أقره الشعب أجرى الانتخابات مباشرة دون حاجة إلى وضع دستور جديد، وكان من أسباب ذلك أيضاً ظهور مجموعة قوية منظمة هى الإخوان المسلمون التى كانت «جماعة محظورة» فجاءت الثورة فحررتها، وكان لديها تنظيم قوى احتفظت به طوال سنوات الاعتقال، فلما حررتها الثورة جعل الإخوان المسلمون هدفهم الاستيلاء على الحكم بأسرع ما يمكن حتى لا يحدث ما قد يؤدى إلى تأجيل أو يعطى الأحزاب الناشئة فرصة لتؤهل نفسها للانتخابات، وقاموا بدعاية جبارة تقول إن رفض التعديلات سيؤدى إلى إقامة دستور جديد يخلو من المادة الثانية الخاصة بمبادئ الشريعة، ولم يكن لهذا أصل مطلقاً، ولكن الإخوان ألبسوها ثوب الحقيقة، وسرت هذه القالة سريان النار فى الهشيم، وكُررت على منابر المساجد أوقات الصلوات حتى انتصرت بأغلبية كبيرة، وقضى على فكرة دستور جديد.
إن تكوين دستور جديد عند قيام ثورة هو أول ما يجب على الثورة أن تقوم به لأنه سيحدد ويقرر مشروعية الإجراءات كافة بما فيها الانتخابات وغيرها، وتكوَّن بالفعل فريق ضم كل الذين لديهم عقول يُنادى بالدستور أولاً، بينما تكوَّن معسكر آخر يضم كل العوام والجهلة يُنادى بالتصديق على التعديلات، وهُزم فريق العقل أمام فريق الجهل.
وعندما بدأت الحكومة ممارسة الانتخابات، فُجعت لأنها وجدت أن دستور ١٩٧١ به ثغرات لا عداد لها ولا يمكن إجراء الانتخابات على أساسه، فوضعت إعلاناً دستورياً من ٦٠ مادة أشبه بدستور يمكن أن تجرى على أساسه الانتخابات، وذهب أدراج الرياح كل ما ادعته من أنها تمثيل الشعب وإرادة الشعب..إلخ.
إن شاهد الثورتwين يؤسفه أن شهادته لم تحقق ما نحب ونرضاه، بل كانت استعراضاً لتجارب فاشلة استنفدت قوى الثورة، وآمل أن تستطيع ثورة ٢٥ يناير أن تنقذ نفسها من هذا المصير، وإنى أناشد الدكتور البرادعى أن يتدخل بكل قوة لينقذ الثورة مما انتهت إليه، ومع أنه حريص على ألا ينزل عن مستوى معين إلا أن الضرورات تلزمه بأن يكون وسط الجماهير، فهو الآن الوحيد الذى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة.
> العناد والجهل والضلالة جعلت أعضاء المجلس الموقر يحلفون ويقسمون على المحافظة على دستور غير موجود.
> سبحان الله.. هل يمكن أن يتحول شعار «الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» إلى «الاستحواذ على المجلس أقصى أمانينا».
الشارع يعاقب الحكومة
جاءت انتخابات مجلس الشورى مخيبة لآمال الحكومة ومحققة لإرادة الشعب، وكأنها كانت نوعاً من العقاب للحكومة، قال الشعب إنه لا يريد مجلس الشورى، لأنه ليس له مهمة مجدية بين المهام البرلمانية، ولأن الأوضاع التى أوجبته أول مرة انتهت، واقترحنا عليها أن ينتخب على أساس المهن بحيث يكون مجلس الشعب ممثلاً عاماً للأمة، ويكون مجلس الشورى تمثيلاً لها على أساس تكوينها المهنى، فتمثل كل مهنة «المهندسين.. المعلمين.. المحامين.. الصحفيين.. العمال.. الفلاحين.. الاتحادات الرياضية.. والاتحادات الاجتماعية والأدبية»، فتستكمل النقص الذى حدث لعدم تمثيل مجلس الشعب لفئات ومهن معينة.
وهذا التمثيل هو فى صميم التمثيل الاشتراكى، وهو الأصل فى «السوفييت»، ولولا فكرة لينين عن الحزب البلشفى وأنه وحده هو الذى يمثل الأمة لأخذت المجالس النيابية فى كل الدول الاشتراكية بنظام السوفييت.
كما أنه قريب من النظام الإسلامى الذى يعتمد على «النقباء»، وهى سابقة جاءت من الرسول، صلى الله عليه وسلم، نفسه عندما قال للأنصار «ابغونى اثنى عشر نقيباً» عندما أراد أن يمارس الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ