الأربعاء، 8 فبراير 2012

الوطنية المهددة بقلم حلمى النمنم ٨/ ٢/ ٢٠١٢


أصدر د. كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء، قراراً بحل مجلس إدارة اتحاد الكرة، رفض الفيفا القرار واعترض عليه وبمعنى أدق لم يعترف به، وأعلن الفيفا أنه يساند المجلس المنحل، وتجنبا لأزمة حقيقية بين ما هو وطنى ودولى أعلن رئيس الاتحاد، سمير زاهر، أن المجلس تقدم باستقالة جماعية إلى رئيس مجلس الوزراء.
هذه الواقعة تكشف أن مفهوم الدولة الوطنية الذى عرف فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وعرفناه نحن فى القرن العشرين يتراجع، وأن معنى الوطنية ذاتها يتغير، لم تعد الدولة الوطنية مطلقة السيادة، تنسحب جوانب من سيادتها وتذهب إلى بعض المنظمات والهيئات الدولية مثل اتحاد الكرة فى حالتنا الآن، ومثل بعض منظمات حقوق الإنسان، فضلا عن الشركات عابرة القارات فى المجالين الاقتصادى والمالى، وكان هناك من ينبه فى السنوات الأخيرة إلى ضرورة التهيؤ لذلك الموقف، د. بطرس غالى بعد عودته من منصب سكرتير عام الأمم المتحدة تحدث كثيراً فى هذا الأمر، بمنطق أن الأفكار والمنظمات العالمية تنزع من الدولة الوطنية بعض اختصاصاتها.
 هذا الجانب والبعد العالمى تكوَّن فى أحد صوره على أرض مصر مبكراً جداً، حين افتتحت قناة السويس للملاحة العالمية سنة ١٨٦٩، فالقناة على أرض مصرية وحفرت بأيدى العمال المصريين، لكنَّ تشغيلها لا يخضع تماماً للسيادة المصرية، بل يتم وفق اتفاقية دولية وصارت مرفقا دوليا ولذا ليس من السهل أن تتخذ مصر قراراً بإغلاق القناة أو تعطيل الملاحة بها فهذا يمكن أن يضعنا فى إشكال مع دول العالم، بينما يمكن للحكومة المصرية فى أى لحظة مثلاً أن تتخذ قراراً بإغلاق جامعة قناة السويس، أو تعطيل المدارس بمدن القناة.. وحين فكر أحمد عرابى فى ردم القناة كان ذلك دافعاً لأن تعجل بريطانيا باحتلال مصر.
وحتى الآن فإن المزاج العام، بين قطاع واسع من النخبة، يبدى سعادة بتراجع الدولة الوطنية لصالح المنظمات العالمية، يتضح ذلك أكثر فى مجال حقوق الإنسان والحريات العامة التى تتعرض للانتهاك من الحكومات والجماعات المحلية، ولكن قد يصدمنا ذلك حين يمتد التدخل الدولى فى الكثير من القضايا، وربما لم تجعلنا كارثة استاد بورسعيد نتوقف أمام واقعة الفيفا وقرار د. الجنزورى وأن نقرأها جيداً. المنظمات الدولية يمكن أن توجه ضربات موجعة للاقتصاد الوطنى، ولنتأمل ما جرى فى الصعيد بالنسبة للسياحة النيلية، فقد أغلق العمال الهويس عند قناطر إسنا مما عطل السياحة النيلية وعلى الفور رفعت الجهات السياحية العالمية الأقصر وأسوان من على خريطتها السياحية لهذا الموسم!!
الدولة الوطنية ليست مهددة فقط بالمنظمات الدولية، رغم أن البعض يرى فى هذه المنظمات حماية للفرد والإنسان، فضلا عن الجماعات الصغيرة والمهمشة من تغول واستبداد الدولة باسم المعانى الوطنية ولذا نجد بعض الأفراد والجماعات يستنجدون بهذه المنظمات مع أى أزمة مع الحكومة الوطنية، وفى أزمة مجلس الوزراء لوح البعض بأنه سوف يتجه إلى مقاضاة المجلس العسكرى دولياً. عموما، نحن بصدد اتجاه عالمى وإنسانى ينمو ويتزايد ولا مفر من أن نحاول التماشى والتفاهم معه ولا سبيل إلى سد الأبواب عنه وإلا دخلنا فى أزمات ومشاكل يصعب أن نواجهها.
استبداد الدولة الوطنية قد يكون سبباً للتدخل الدولى «السلمى» باسم المنظمات والهيئات الدولية، ويفقدها ذلك جزءاً من سيادتها، لكن ضعف الدولة قد يكون مدعاة لتدخل من نوع آخر، وأخشى أن نكون مقدمين فى مصر على هذه المرحلة، وتحديداً فى سيناء. فى أسبوع واحد تقريباً تم اختطاف ٢٥ عاملاً وخبيراً صينياً وتم اختطاف سائحتين أمريكيتين، وبالتفاوض تم الإفراج عن المخطوفين، وهناك حديث عن تنازلات واستجابات مؤلمة مقابل الإفراج عن العمال الصينين، لكن ماذا لو لم تنجح المفاوضات ولم يتم الإفراج عن المخطوفين، وماذا لو كان المخطوفون جميعاً من الأمريكيين وماذا لو قررت الولايات المتحدة أن تتدخل بقواتها الحربية للإفراج عن المخطوفين وماذا وماذا..؟!
 فى هذه الحالة قد نصبح مثل الصومال أو أفغانستان، وفى أفضل الأحوال مثل باكستان، حين تدخلت القوات الأمريكية بعملية عسكرية مباشرة ضد أسامة بن لادن.. هل نحن مستعدون لذلك وهل نحتمله. الواضح أن حالة الفوضى الأمنية، غير المسبوقة التى نعيشها تشكل تهديداً حقيقياً للوطنية المصرية، ويبدو أننا لا ننتبه بالقدر الكافى لما يمكن أن نجد أنفسنا متورطين فيه، وربما تندفع بعض التنظيمات أو الجماعات غير المحلية للعمل فى سيناء، وتورطنا - عمداً - فى أزمات من هذا النوع، ناهيك عن المظالم التى تعرض لها أبناء سيناء والإهانات التى نالوها من ضباط الداخلية وقد تدفعهم إلى أى تصرف.
الوطنية المصرية مهددة أيضاً من الداخل وبدت ملامح ومظاهر التهديد واضحة تماماً فى الشهور الأخيرة، وتستحق تلك الملامح مقالاً آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ