الخميس، 29 ديسمبر 2011

برطمان أم برلمان؟



  بقلم   محمد عبدالمنعم الصاوى    ٢٩/ ١٢/ ٢٠١١
علاقة طريفة أستأذنكم فى تناولها بالتحليل الموضوعى:
لقد اعتدنا، لعدة عقود قبل الثورة، أن يكون مجلس الشعب أقرب للبرطمان منه للبرلمان: الأعضاء سابقو التجهيز يتم تعليبهم وتعبئتهم كما تُعبَّأ الفواكه والمخللات فى البرطمانات، مع فارق أن الأخيرتين لهما طعم ورائحة، بل وألوان أيضاً، وذلك على عكس أعضاء المجالس أحادية الحزب الذين غرقوا جميعاً فى برميل واحد أو بمعنى أصح.. فى برطمان واحد!
بعد الثورة أصبحت هناك فرصة جادة لتشكيل برلمان حقيقى.. البرطمان وسيلة للعزل، ضماناً لعدم تلف محتوياته، وهو أمر مخالف تماماً لفكرة البرلمان الذى يَتلف وتَفسد محتوياته إذا نشأت عزلة بينه وبين الشارع.
الحفظ فى البرطمان قريب الشبه بالتحنيط، وهو ما يتعارض مع البرلمان الذى يفترض فيه أن ينضح بالحيوية والطاقة الإيجابية. فارق آخر أحب أن أسجله: البرطمان هش ضعيف.. وسهل الكسر، أما البرلمان الحقيقى، فإنه متين شديد الصلابة، لما يجسده من تمثيل للإرادة الشعبية الحرة.
يمكن إذن القول: إن البرلمان ينقلب برطماناً إذا لم يتوافر فيه ما يلى:
ولاء كامل للشعب وحده، فهو وحده صاحب السلطات ومانح الشرعية.
التواصل الدائم مع الشارع لنقل همومه وآماله وأفكاره وأولوياته إلى داخل القبة.
الالتزام التام بأهداف الثورة التى لولاها ما كان البرلمان ولا كانت الانتخابات التى تمثل أول ملامح التغيير.
عدم التفريط فى حقوق أبطال الثورة جميعًا، وفى مقدمتهم أصحاب التضحيات الكبرى من الشهداء والمصابين ومن أُهدرت كرامتهم ظلمًا.
نقل روح الثورة وطاقتها إلى داخل المجلس، فبها وبالحكمة والإخلاص والعمل الجاد يمكن مواجهة أكثر المشكلات تعقيدًا، وتحقيق طموحات الشعب العاجلة والآجلة.
الحرص على تقديم نموذج الديمقراطية الذكية، وأعنى بها الديمقراطية التى تقوم على مشاركة الجميع للوصول إلى معادلات توفر لكل مواطن بيئة صالحة تحفظ أمنه وكرامته، وتفتح له أبواب الاجتهاد لتحقيق طموحاته الاقتصادية المشروعة.
تصحيح أخطاء الماضى بإعادة الثقافة إلى حيث يجب أن تكون على رأس الأولويات، فهى - أعنى الثقافة - قادرة على إحداث التغيير المنشود فى جميع المجالات، فالتغيير لا يبدأ إلا بتصحيح المفاهيم.. علينا أن نتعلم من الشعب الذى صحح مفهوم السلطة فى بلادنا، ونجح فى انتزاع اعتراف المؤسسة العسكرية بأن الشعب وحده هو مصدر السلطات لا ينازعه فيها أحد. أعضاء البرلمان يجب أن يستعيدوا حالة الثورة السلمية والتوحد الكامل الذى ساد مصر فى أيام الثورة الأولى، وهى الأيام الثمانية عشر التى وُلدت فيها مصر من جديد.. عليهم أن يعيشوا هذه الحالة وهم يتصدون لحمل أمانة الحاضر والمستقبل فى اختيار لجنة صياغة الدستور.
أتمنى أن أنجح فى إقناع زملائى النواب بضرورة طرح الدستور فى الاستفتاء الشعبى على شكل أبواب مستقلة، يقبل منها ما شاء، ويرفض منها ما يرغب فى إعادة صياغته، حتى يخرج فى النهاية دستور جدير بشعب الثورة العظيم، وركيزة متينة لانطلاقة كبرى تعيد بناء الحضارة التى لم تغب عن مصر إلا لتعود إليها مرفوعة الرأس.
أختم مقارنة البرلمان بالبرطمان بأن أعضاء البرلمان يجب ألا يحتكوا ببعضهم كما تفعل قطع الفاكهة والطرشى والمخلل، ليسود بين نواب الشعب مودة واحترام يجعلان كلاًّ منهم ينصت للآخر، حتى ينجحوا معاً فى بناء أفكار جماعية تتفوق كثيراً على ما ينتج عن الفكر الفردى الذى يمثل صورة مصغرة من صور الديكتاتور البغيضة.
بلغة هذه الأيام: «يسقط يسقط حكم الفرد.. الشعب يريد تفكيراً جديداً».
أعلم أن هناك المزيد من الأفكار التى تلوح لكل منكم، وأتمنى أن تحرصوا على توصيلها لنا لنتبناها داخل البرلمان، كما فعل «عياد» والسيدة الوقورة اللذان استوقفانى فى الطريق.
قال عياد: «لا تنسوا الغلابة»، وأَكْمَل: «لا أتحدث عن نفسى، فأنا - والحمد لله - أجد ما آكله وأشربه، هناك من لا يجد شيئًا».
أما السيدة الوقورة فقالت: «لا تسمحوا بإهدار حقوق الثوار، أنا ميسورة الحال، وألاحظ أن الكثيرين بدأوا فى التنكر للثورة والثوار».
رددت عليهما بالعبارة نفسها: «أمانة فى عنقى. نعم، هى مهمة شاقة، ولكننا لها بإذن الله».
أشكر ثقتكم، وأعدكم بأننى لن أعيش دقيقة واحدة فى برطمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ