الخميس، 29 ديسمبر 2011

من الماضى إلى الحاضر


ليس للإنسان المعاصر دخل بالحضارة القديمة، ومع ذلك يباهى بها، وليس للحضارة أهمية إلا إذا انعكست على حياة «الإنسان المعاصر». ربما لا ينطبق ذلك بصورة مثالية إلا على المصريين، فالفارق الحضارى والزمنى بين الحضارة المصرية والمصريين شاسع.
فنحن إلى جوار أجدادنا القدماء نساوى «صفر»، بل لا نعرف كيف صنعوا معجزتهم العلمية والهندسية والدينية على وجه الدقة، لذلك نحن نحتاج إلى مجهود جبار لكى نعقد صلة بين الماضى العريق والحاضر البائس والمستقبل المنشود.. هذه الصلة تحتاج إلى عقول قادرة على تقديم حلول مبتكرة وأفكار غير تقليدية، وهو ما يفعله أبوالعلم الدكتور أحمد زويل.
تفتق ذهن عالمنا الفذ عن فكرة غير مسبوقة، وهى أن يقوم السائح الذى يزور الأهرامات والمتحف المصرى بتفقد «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، التى ستضم نخبة منتقاة بعناية من أهم علماء العالم ومن نوابغ مصر الذين يشرفوننا فى المحافل العلمية العالمية، والتى سيملأ علمها كل أرجاء مصر ويشع فى كل أنحاء العالم. قد تبدو هذه الفكرة عادية أو بسيطة أو مجرد إضافة للبرنامج السياحى، إذا ما نظرنا إلى الأمر بسطحية، لكن إذا ما تفحصنا الفكرة جيداً سنكتشف أننا كنا فى أمس الحاجة إليها. هذه الفكرة السهلة تثبت للعالم أننا لسنا شعباً متخلفاً انفصل عن ماضيه تماماً، وأن المصريين العظماء الذين صنعوا حضارة تبهر العالم يستطيعون إثبات جدارتهم وانتمائهم لهذه الحضارة.
سيكون مهماً أن يتفاعل العالم مع «مدينة زويل العلمية» كرسالة مصرية تقول إن المصريين نفضوا غطاء التخلف، وكنسوا غبار الجهل، ووضعوا أقدامهم على طريق حضارة جديدة ونهضة كبيرة. المصريون أصحاب إرادة صلبة وقدرات تظهر عند الشدائد، فحين تخلى عنهم الغرب شيّدوا سداً عالياً بعرقهم ودمائهم.
 المصريون أحفاد الذين بنوا الأهرامات وأقاموا السد العالى قادرون على التخلص من سباتهم العميق والفرح بالحاضر وانتظار المستقبل بزهو، بدلاً من التوقف عند الماضى والحديث عن الأجداد أكثر من الحديث عن الأبناء والأحفاد، كأن الصلة انقطعت بلا رجعة بين الماضى والحاضر دون أن نفتش عن أسباب هذا الانقطاع ودوافعه. جاء أعلم علماء الأرض، الذى خرج من رحم هذه الأرض، ليرسم خارطة للمستقبل. وضع الدكتور زويل خارطة لا تنفصل عن الماضى العريق، تستلهم روحه، لكنها لا تعتمد عليه، ولا تتوقف عنده، لأنها تعتمد على الرؤية الجديدة والفكر المستنير، تعتمد على ما تجود به قريحة العلماء الكبار.
هذه خريطة لإنقاذ مصر من عثراتها ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، فالعلم يحل أعقد المشكلات، والإرادة القوية تحتاج إلى العلم لكى تنجح. المصريون يمتلكون الإرادة المتحررة الآن، ومدينة زويل تمتلك العلم والعلماء، فما الذى ينقص لكى يكتمل الحلم؟ لا شىء ينقص سوى الالتفاف حول هذا المشروع القومى ليكون مشروعاً لكل المصريين. لا ينقصه سوى أن نساهم فيه على قدر الاستطاعة، ليس لكى ندعم هذا المشروع، ولكن لكى نكون شركاء فيه، فالحلم القومى ليس ملكاً لفرد لكنه ملك للشعب كله، وأظن أن الدكتور زويل ما أقدم على هذا المشروع لكى يحقق مجداً شخصياً بقدر ما تمنى أن يحقق مجداً مصرياً يباهى به المصريون فى كل الدنيا، وسينجح وعلينا أن ننجح معه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ