الاثنين، 26 ديسمبر 2011

ماذا عن هؤلاء؟



  بقلم   دينا خياط    ٢٦/ ١٢/ ٢٠١١
حدثنى قائلا: كنت من أوائل المندفعين إلى ميدان التحرير يوم ٢٨ يناير. تركت زوجتى وأبنائى فى البيت وظللت لمدة أسبوعين فى الميدان. كنا جميعاً مستعدين للتغيير من أجل العدالة الاجتماعية وللتخلص من القهر السياسى. أسبوع بعد أسبوع وأنا أشارك فى مليونيات تحت أسماء مختلفة، فقد اشتركت فى الثورة وأنا أحلم بمستقبل مختلف لأولادى عن الذى عشته أنا.
الآن، وبعد مرور عشرة أشهر، أنا عاطل عن العمل ولا أستطيع توفير الطعام لأسرتى. أنا أرفض أن أتسول وأعمل الآن فى الأعمال المؤقتة أو الموسمية المتاحة وقت أن أجد فرصة لهذا.
عندما بدأت الحكومة فى الاستجابة للمطالب الشعبية فإنها قامت بتحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور، كما لو أن الشعب كله موظفون لهم رواتب. وكنت لا أصدق نفسى وأنا أرى الإضرابات الفئوية واحداً تلو الآخر تتم الاستجابة له، رغم أن هؤلاء لديهم وظائف ورواتب ثابتة، ربما تكون قليلة لكنها مضمونة ومستمرة على الأقل، ولكن ماذا عن الملايين أمثالى الذين يعملون لقوت يومهم ولا يملكون تأميناً اجتماعياً ولا عائلة لتساعدهم، حيث إن إخوتى أيضا يعملون فلاحين بالشرقية، وعندهم ما يكفيهم من المتاعب مثلى تماماً.
أنا متعب وقلق على سلامة أولادى. السياسيون يتحدثون عن الديمقراطية، والليبراليون ضد الإسلاميين والمدنيون ضد العسكريين. وهناك مناقشات لا تنتهى عن أن تكون الدولة رئاسية أو برلمانية. كل هذا لا يعنى لى شيئا على الإطلاق. إن النخبة التى تتكلم دون توقف عن كرامة الإنسان لا تعلم ماذا يعنى أن تواجه زوجتك وأولادك بحقيقة أنك غير قادر على إعالتهم.
والآن طلب منى التصويت فى الانتخابات أو دفع غرامة ٥٠٠ جنيه. أنا لا أعرف أياً من الأحزاب لكنى أعطيت صوتى فى النهاية مقابل لتر من الزيت ولا يستطيع أحد أن يلومنى فأنا انتقلت من الذل السياسى إلى ذل الجوع. وأنا لا ألومه على الإطلاق.
والآن ستنتهى الانتخابات بعد أسابيع لكننا نستطيع أن نرى الفائز بوضوح. البرلمان سيواجه واقع اقتصاد يعانى بشدة، وقد نشرت مؤخراً البرامج الاقتصادية للأحزاب الإسلامية وهى تبدو فى ظاهرها معقولة إلا أنها كانت قاطعة ومحددة فى أن الاتفاقيات السابق إبرامها مع المجتمع الدولى سيتم احترامها حتى لا تفقد المصداقية مع العالم الخارجى لكنها جاءت بحلول عامة فيما يتعلق بالشأن الداخلى، وعموما فإن التحدى الحقيقى سيكون فى كيفية تطبيق هذه البرامج والنتائج المترتبة عليها.
سيكون عليهم التعامل مع المشاكل الواضحة من تضخم عجز الموازنة وتراجع احتياطيات النقد الأجنبى، لكن الأهم من هذا أنه سيكون عليهم إيجاد حلول لمشاكل الملايين الذين صوتوا لهم، وأولها العمل بجدية على تقليص معدلات البطالة المقدرة رسميا بحوالى ١٢%، والتى تقدر فى حقيقتها بحوالى ٣٠% من قوة العمل. هذا اقتصاد يحتاج إلى ٨٠٠ ألف فرصة عمل جديدة سنوياً فقط لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل ناهيك عن العاطلين الموجودين فعلا. إن معدل الادخار المحلى الحالى أقل من نصف المطلوب للتمكن من الدخول فى استثمارات جديدة تؤدى إلى زيادة النمو، فلا بديل عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة فضلا عن تنمية السياحة التى يعمل بها بصورة مباشرة وغير مباشرة أكثر من ١٥% من قوة العمل.
ستكون هذه الأحزاب أمام اختيارين: الأول أن يتحدوا مع كل القوى السياسية للعمل على تحسين الظروف المعيشية للشعب وللأغلبية التى صوتت لهم، أو أن يقعوا فى خطأ الاعتقاد بأن الذين أعطوهم أصواتهم سيستمرون فى تأييدهم بناء على العقيدة فقط، فهذه الأحزاب مدينة أولا وأخيرا للذين صوتوا لصالحهم وللشعب كله بتحقيق نتائج ملموسة تؤثر مباشرة فى الحياة اليومية للملايين أمثال محدّثى.
وهذا هو الاختبار الحقيقى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ