الجمعة، 30 ديسمبر 2011

المرأة.. والثورة



  بقلم   وحيد عبدالمجيد    ٣٠/ ١٢/ ٢٠١١
لم يكن انتهاك أعراض بعض النساء خلال الاعتداء على معتصمين فى منطقة مجلس الوزراء قبل أيام هو الخطر الأول، الذى يواجه المرأة المصرية بعد ثورة ٢٥ يناير، ولذلك ربما يكون للاحتجاجات الواسعة على هذا الانتهاك، خصوصا المسيرة النسائية الملهمة الثلاثاء قبل الماضى ثم «جمعة رد الاعتبار»، مغزى أبعد وأوسع نطاقاً يتعلق بوضع المرأة عموماً فى مرحلة جديدة.
فقد لا تكون هذه الاحتجاجات مجرد رد فعل على ما حدث لبعض النساء، بل ربما تصبح بداية فعل لإعادة المرأة إلى قلب الثورة، التى كان لها دور بارز فى موجتها الأولى الكبرى، لكن هذا الدور أخذ يتراجع بعد ذلك، وظل هامشياً فى الموجة الراهنة للثورة حتى أيام قليلة مضت، فى الوقت الذى يثار فيه التساؤل عن وضع المرأة بوجه عام فى ظل صعود التيارات الإسلامية، خصوصاً تلك القادمة حديثاً إلى الساحة السياسية.
وقد اقترن هذا التساؤل، ولا يزال، بقلق لم يقتصر على أوساط داخلية بل امتد إلى الخارج سواء بشكل مبالغ وصل إلى حد الحديث عن أن «الثورة سُرقت من نساء مصر»، أو أن «المرأة هى ضحية الربيع العربى»، أو بصورة جدية من خلال تقارير دولية أصدرتها منظمات حقوقية دولية وتصريحات كان أهمها للأمين التنفيذى لبرنامج الأمم المتحدة للمرأة.
كان المصدر الأساسى لهذا القلق هو تصدر أحزاب وتيارات إسلامية المشهد الجديد فى بلاد «الربيع العربى» عموما، وليس فى مصر فقط، الأمر الذى يُفهم فى بعض الأوساط المحلية والدولية باعتباره اتجاهاً إلى تقييد بعض حقوق المرأة وحريتها.
غير أن طريقة الاعتداء على مصريات فى الشارع مؤخراً تفيد بأن المشكلة أكبر من موقف هذا التيار أو ذاك، لأنها تكمن فى نظرة مجتمعية إلى المرأة تراكمت على مدى عقود نتيجة سياسات جرَّفت المجتمع، وأخرجت أسوأ ما فيه، وحاول النظام السابق تغطية تدهور أوضاع النساء بسببها عبر إصدار تشريعات فوقية لم يحظ بعضها على الأقل برضا المجتمع، ولذلك أصبحت الفجوة واسعة بين التوجهات المحافظة السائدة فى المجتمع ومتطلبات التقدم فى دور المرأة على المستويين السياسى والاجتماعى. فهناك مشكلة حقيقية إذن، لكنها لا تعود فقط إلى صعود بعض التيارات الإسلامية، بل إلى طبيعة المجتمع، والمزاج المحافظ السائد لدى معظم فئاته وشرائحه.
فإذا أصبح هذا المجتمع هو صاحب الأمر فى نظام ديمقراطى يكون الشعب فيه مصدر السلطة، ويصبح السؤال عن مستقبل دور المرأة منطقياً. فقد لا يكون ممكناً، فى هذه الحالة، أن تتخذ أى حكومة قرارات لدعم دور المرأة مادام أنها لا تحظى برضا المجتمع، ولا أن يصدر البرلمان تشريعات تصطدم مع اتجاه قوى فيه، وقد تزداد هذه المشكلة فى ظل صعود بعض التيارات الإسلامية، ولما كانت إعادة السلطة إلى الشعب واحترام خيارات المجتمع من بين أهداف ثورة ٢٥ يناير، لابد أن يثار السؤال عن مدى وجود تناقض بين حقوق المرأة وهذه الثورة، فهل تكون المرأة حقاً ضحية ثورة كانت هى فى قيادتها وبين قواعدها؟!
السؤال منطقى إذن، والجواب النظرى العام هو أنه لا يمكن تحقيق أهداف الثورة، وفى مقدمتها الحرية والكرامة الإنسانية على حساب حقوق المرأة، ولكن ما يحدث فى الواقع الآن قد يبدو متعارضاً مع هذا المعنى، وهذا هو مصدر القلق الذى تؤكده معطيات فى الواقع، لكن هذه المعطيات قابلة للتغيير، لأنها تناقض حركة التاريخ وتتعارض مع متطلبات التحرر من الطغيان والتسلط والظلم وإهدار الكرامة. فلا سبيل إلى تحقيق هذا التحرر دون تأكيد حقوق المرأة، التى تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الممارسة الديمقراطية، لكن المهم هو أن نعى أهمية الشروع فى تأسيس هذه الحقوق على قواعد متينة من خلال بناء توافق مجتمعى عليها. فأى حقوق تحصل عليها المرأة تظل هشة فى غياب نظام ديمقراطى، وإذا صح أنها حصلت على مكاسب فى مصر خلال المرحلة السابقة، فقد حدث ذلك عبر قرارات فوقية وتشريعات أصدرتها برلمانات جاءت عبر انتخابات مزورة، ولم يحدث حوار مجتمعى حولها، ولذلك يطالب البعض بإلغائها، خصوصا تلك التى يعتبرونها غير متوازنة فى معالجتها لقضية حضانة الأطفال مثلاً.
غير أنه حتى إذا حدث ذلك، واعتُبر تراجعاً عن بعض مكاسب المرأة، سيكون التقدم أكبر وأكثر صلابة عندما تتحقق أهداف الثورة، وتتراجع ثقافة الطغيان والظلم والتمييز، عبر الاستمرار فى مقاومة هذه الثقافة، وتوسيع نطاق حضور المرأة فى الحياة السياسية، ومشاركتها فى الانتخابات، التى لم تحصل سوى على سبعة مقاعد فى مرحلتيها الأولى والثانية.
فهذه المشاركة هى التى تضمن حقوقاً ثابتة ومستقرة للمرأة، وتحول دون إهدار حقوق المصريين جميعا مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ