السبت، 31 ديسمبر 2011

دستور وليس لائحة لـ«مصلحة عموم الزير»



  بقلم   صلاح عيسى    ٣١/ ١٢/ ٢٠١١
بأسرع مما كان متوقعاً، توقفت مظاهرات المبادرات التى انطلقت خلال الأسبوع الأسبق، تهتف ـ على صفحات الصحف وشاشات الفضائيات ـ بشعار «اليوم حرام فيه الدستور»، مطالبة باختصار ما تبقى من زمن المرحلة الانتقالية، بحيث تنتهى فى ٢٥ يناير أو ١١ فبراير من العام المقبل، بإجراء الانتخابات الرئاسية فور إتمام انتخابات مجلس الشعب، بما يعنى إلغاء انتخابات مجلس الشورى وانتخاب الهيئة التأسيسية التى ستضع الدستور، وبالتالى عدم إجراء استفتاء شعبى عليه، بحيث يتسلم الرئيس المنتخب سلطته فى العيد الأول للثورة، ويحتفل ثوار يناير بالعيد، وقد حققوا هدفهم الأسمى، فأسقطوا النظام السابق، الذى كان يحكم بدستور معيب، ليحل محله نظام ثورى بطريقة ديمقراطية، يحكمه تحالف الإخوان المسلمين والسلفيين من دون إحم.. ولا دستور.
المدهش أن معظم الذين قدموا هذه المبادرات ومهروها بتوقيعاتهم كانوا من المنتمين إلى الجناح المدنى الديمقراطى من ثوار يناير، الذين تمسكوا بشعار «الدستور أولاً»، وأن الذين اعترضوا عليها كانوا من المنتمين للجناح الدينى من الثوار، وفى مقدمتهم حزب «الحرية والعدالة»، الذى أعلن تمسكه بالجدول الزمنى المتفق عليه، بحيث يوضع الدستور أولاً ثم تأتى الانتخابات الرئاسية ثانياً، وبذلك تبادل الطرفان مواقفهما، وأصبح أسيادنا الذين فى الجناح الدينى لثورة يناير، يطالبون بـ«الدستور أولاً» وأصبح أسيادنا الذين فى الجناح المدنى لها يطالبون بـ«الانتخابات أولاً» وسبحان مغير الأولويات من حال لحال!
وهكذا أسفرت مظاهرة المبادرات، عن اقتراح بإجراء انتخابات الشورى على مرحلتين، وربما مرحلة واحدة، مما يوفر ما بين أسبوعين وأربعة أسابيع، يمكن إضافتها إلى المدة القصيرة، التى حددها الجدول الزمنى لوضع الدستور، وهى عشرة أيام لانتخاب هيئة المائة التى ستضع مسودته، وشهر لصياغة المسودة، وخمسة عشر يوماً لمناقشة عامة فيه لتمتد من سبعة أسابيع إلى تسعة إذا اختصرت انتخابات الشورى إلى مرحلتين، أو أحد عشر أسبوعاً إذا اختصرت إلى مرحلة واحدة، وهى مدة لا تكفى فى حدها الأدنى أو الأقصى، لوضع لائحة مصلحة عموم الزير، فما بالك بدستور بلد مثل مصر، يصعب فيه أن يتفق اثنان على رأى، أو يتوافقا على سياسة، حتى لو كانا ينتميان إلى الحزب نفسه أو الثورة نفسها!
لكن بعض أسيادنا الذين فى التفاؤل أسرعوا يعلنون فى الأسبوع الماضى أن وضع الدستور مسألة سهلة وبسيطة، وأن مصر بها ثروة من الخبراء تستطيع أن تضع الدستور فى أسبوع واحد لا أكثر، وهو ما يؤكد أنهم يتصورون أن وضع الدساتير لا يختلف عن وضع لائحة لمصلحة عموم القلة وليس الزير.. بينما ألمح التحالف الديمقراطى، الذى يتزعمه حزب «الحرية والعدالة»، إلى أنه لا حاجة إلى وضع دستور جديد، وأن كل ما هو مطلوب هو إدخال تعديلات على الباب الخامس من دستور ١٩٧١، وهو الباب الخاص بنظام الحكم، لإعادة التوازن بين سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية، وكفى الله المصريين شر الاختلاف على مواد الدستور!
وبصرف النظر عن أن الباب الخامس من دستور ١٩٧١ يتضمن مائة وإحدى عشرة مادة من أصل ٢١١ هى كل مواده، أى ما يزيد على نصف مواد الدستور، فإن تعديل هذه المواد، سوف يتطلب بالضرورة، إعادة النظر فى بقية المواد لتحقيق الانسجام والتناغم بين كل مواد الدستور، فضلاً عن أنه يتطلب إعادة النظر، وربما إلغاء مواد الباب السابع من الدستور، الذى أضيف إليه بمقتضى تعديلات ١٩٨٠، فصلان فى ٣٧ مادة، أحدهما عن مجلس الشورى والثانى عن سلطة الصحافة، ومعنى ذلك أن التعديل سيشمل ١٤٨ مادة، من أصل ٢١١ أى ما يزيد على ثلثى عدد مواد الدستور
وبالتالى فهو لن يوفر وقتاً يتيح لهيئة المائة وضع الدستور فى الوقت الذى يخصصه له الجدول الزمنى.. حتى بعد إضافة الأسابيع الأربعة التى قد يتم اختصارها من المدة المحددة لإجراء انتخابات الشورى، بل سيقودنا فى الغالب إلى دستور مرقع، كالذى انتهى إليه دستور ١٩٧١ بعد التعديلات التى أدخلت عليه عام ٢٠٠٧، فإذا وضعنا فى الاعتبار أن كتابة الدستور، طبقاً للجدول الزمنى الراهن، سوف تجرى بالتوازى مع فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية فمعنى هذا أن المرشحين للرئاسة سوف يتقدمون للترشح ويقومون بحملاتهم الانتخابية، لشرح برامجهم من دون أن يعرفوا ما إذا كان ما يعدون به الناخبين يدخل فى اختصاصاتهم، بمقتضى الدستور الذى سيكون ـ آنذاك ـ محل مناقشة وبحث، أم سيكون فى اختصاص غيرهم، ودون أن يعرفوا طبيعة هذه السلطات، أو يقبلوا القيام بها، فى ظل تركيبة مجلس الشعب الحالى، التى أصبحت معروفة لهم.
 ومعنى الكلام أن مسألة وضع الدستور لا يجوز أن تؤخذ بالخفة التى تعالجها بها كل الأطراف على الساحة السياسية، ولابد من البحث عن حل يكفل وضع نصوصه فى مناخ بعيد عن الاستقطاب الحالى، ويكفل مساحة من الوقت لمناقشات جادة، داخل اللجنة التى ستكتب مسودته، وعلى نطاق المجتمع قبل طرحه للاستفتاء.. ليكون دستوراً لدولة وليس لائحة لمصلحة عموم الزير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ