الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

الثوار والجماهير



  بقلم   حلمى النمنم    ٢٨/ ١٢/ ٢٠١١
لم يتم اختراع ميدان التحرير هذا العام، مع ثورة ٢٥ يناير، الميدان له دوره التاريخى والنضالى، وحينما اتجه المتظاهرون إلى الميدان مساء ٢٥ يناير، كان فى ذاكرتهم الجمعية أن هذا الميدان اجتذب الشباب والمتظاهرين فى يناير ١٩٧٢، إبان الاحتجاج على حالة اللاحرب واللاسلم، وبات المتظاهرون فيه، وكتب أمل دنقل «الكعكة الحجرية». ميدان التحرير، بهذا المعنى، حالة رمزية مصرية خاصة، يستقطب أحلام المصريين المعاصرين وتطلعاتهم للحرية وللكرامة الوطنية والإنسانية فى مختلف المراحل، وهذا ما أعطاه زخماً خاصاً أثناء ثورة يناير ٢٠١١، حتى صار رمزاً إنسانياً عاماً وليس مصرياً فقط.
ونحن، الآن، فى حالة استقطاب حادة بين المجلس العسكرى وشباب التحرير، المجلس لديه أخطاؤه الكبرى فى الإدارة وبطء اتخاذ القرارات والتفكير بالعقلية القديمة، والثوار يصرون على مطالبهم ومواقفهم ومن بينها رحيل المجلس العسكرى، الآن وفوراً، وبين الطرفين يقف المواطنون فى قلق حقيقى من الفوضى ومن خطورة الأوضاع الاقتصادية ومن شبح الانقسام العنيف على غرار ما جرى فى ليبيا وسوريا واليمن، ولم يتفاعل الثوار بجدية مع هذا القلق، ولم يستطيعوا تقديم خطاب يهدئ هؤلاء القلقين، ويشرح لهم الموقف، بل صدرت عن بعضهم كلمات وتصريحات تنم عن استعلاء حقيقى وتجاهل لمخاوف المواطنين، حتى لو كانت المخاوف مبالغاً فيها،
وبدا الشباب أمام هؤلاء المتخوفين مجموعة من المتعنتين الذين لا يعنيهم سوى فرض آرائهم على الجميع.. وساعد على ذلك أنه كلما جلس بعض الشباب مع المجلس العسكرى أو مع رئيس الحكومة يصدر على الفور من الميدان أن أولئك الشباب لا يعبرون عنهم ولا يمثلونهم، وهكذا بدا وكأن الشباب فى التحرير شبح، لا يمكن الجلوس معه والحديث حول ما يجب أن يتم، وزاد فى الأمر أن شباب التحرير حين أطاحوا برئيس الوزراء د. أحمد شفيق وتم تكليف د. عصام شرف برئاسة الحكومة، أعتبر شرف رئيس وزراء الثورة، وأن الميدان هو الذى جاء به إلى الوزارة، ثم تم الانقلاب عليه ومهاجمته بعنف، فبدا للبسطاء أن شباب التحرير لا يرضيهم شىء ولا يقنعهم أحد، واستغل خصوم التحرير ذلك ونفخوا فى الأمر.. واليوم نجد مواطنين بسطاء ليسوا من الثورة المضادة، ناقمين على التحرير وشباب التحرير، ويعدونهم مجرد مهيئين ومثيرين للفوضى والشغب، ولن يرضيهم شىء، وأنهم يعطلون عجلة الإنتاج والاستقرار. فى بعض الفضائيات نبرة من هجوم على التحرير يصدر عن مواطنين عاديين، ونسمعه من كثيرين هذه الأيام.
شباب التحرير قدموا الشهداء والجرحى، ويبدو أن لديهم استعداداً لمزيد من الاستشهاد ومزيد من الجروح، والثائر الحقيقى يجب أن يكون مستعداً لجميع الاحتمالات من الاستشهاد والجرح والاعتقال وغير ذلك، لكنه يجب أيضاً أن يعمل على تقليل الخسائر وأن يكون الاستشهاد هو الخيار الأخير لأن الدم غال، والدم يعنى مزيداً من الدم والجراح، ومع ذلك فليس الاستشهاد هو كل شىء، لأن ذلك يمكن أن يحدث دون أن يؤدى إلى نتيجة إيجابية، المهم إلى جوار هذا الحماس والاستعداد للتضحية حتى بالروح إلى أن يكون هناك خطاب ثورى يحقق تواصلاً مع أكبر عدد من المواطنين، المستهدفين بالثورة ويجتذب الجماهير،
 وقد عرف التاريخ نبلاء، استشهدوا وكانوا يحملون أفكاراً وأحلاماً عظيمة، لكنهم لم يتواصلوا مع الجماهير، ولنتذكر جميعاً أن مظاهرات ٢٥ يناير لم تنجح وتتحول إلى ثورة، وتطيح بالرئيس السابق إلا بالتفاف القوى الشعبية والسياسية حولها، قبل ٢٥ يناير وفى عام ٢٠٠٦ كانت هناك حركة القضاة المستقلون سنة ٢٠٠٦، وكانت حركة قوية وتمتلك جميع الحيثيات والمؤهلات لإسقاط الرئيس، ولكنها لم تنجح ولم تهز النظام، لسبب بسيط هو أن الجماهير لم تلتف حولها ولم تساندها، تركت الجماهير أحد رجال الأمن يضرب قاضياً بالحذاء ويصيبه، لكن هذه الجماهير مساء ٢٥ يناير خرجت إلى الميدان، وتدافع المصريون حتى جاوز عددهم الملايين، وفى يوم ١١ فبراير كان هناك ما يتراوح بين ١٢ و١٤ مليون مواطن فى الميادين، من المهم أن يحدث التواصل مع الجماهير والتفاعل معهم، وبدون ذلك لن يتحقق شىء، ويتحول الأمر إلى صراع بين حركتين فقط، وليس حالة ثورية تحرك الجماهير، أو الكتلة الصلبة فيها.
طريق الثورة مازال طويلاً، ولم يتحقق منه سوى الخطوات الأولى، وبدون التحام الجماهير مع الثوار لن نتقدم خطوة إلى الأمام، بل قد يحدث التراجع، وإذا كانت الأزمة الآن مع المجلس العسكرى فإن هذا المجلس سوف يعود إلى ثكناته خلال شهور، وما بعد المجلس قد لا يكون أفضل، فأمامنا مهمة تحديد هوية الدولة المصرية ووضع دستور لدولة مدنية وطنية حديثة، لذا يجب على الثوار مراجعة خطابهم وإعادة مد الجسور مع الجماهير وعدم الاستهانة بقلق الجماهير ومخاوفهم، وكذلك ملاحظاتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ