الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

أما قبل.. وأما بعد


امتلأت بالحيوية الصباحية الطازجة. عبأت روحى بطاقة الشروق. ارتديت «بنطلون جينز» قديم و(سويت شيرت) لم أعد أخرج به، ووقفت فوق سلم خشبى مزدوج، لكى أُقلّم نباتات حديقتى. أوراق وأغصان أشجار الفيكس البنغالى تحتاج رعاية مستمرة.. إن أهملتها تبعثرت.. وإن هذبتها أمتعتنى بمشهد رائع.
قبل أن أصعد السلم احتطت للأمر. حصّنت نفسى من احتمالات سقوط متوقعة. أصبحت (عظمة كبيرة) يجب أن تنتبه إلى ما تفعل. فيما مضى من سنوات عمرى كنت مقداماً جريئاً.. مرونتى كانت تمتص نتائج تهورى وتستوعب احتمالات سلبية طارئة. الآن يجب أن أحترس وأفكر مرتين فيما أفعل. لا أضع خطوة بدون تركيز. لا أصعد درجة بدون إمعان.
الحذر لا يمنع القدر، لكن القدر قد يصنعه الهذر. إذا احتطت قبلاً ضمنت بعض ما سوف يجرى بعد. إيقاع البطء فى إدارة الدول يسابقه لهاث الشعوب. حين تلوح فى الأفق الغيوم لابد أن نفكر قبل أن نخرج من البيت. إذا خرجنا لابد أن نتدثر بما يكفى لمواجهة الأمطار والعواصف. نزلات البرد قد تتحول إلى التهاب حاد فى الشعب الهوائية. يتحول زكام بسيط إلى عدم القدرة على التنفس!
أحوال الطقس السياسية ليست طيبة فى فضاء الخليج العربى ودوله. نذر الرياح كشفت عن نفسها فى البحرين. مقياس درجة الحرارة أعطى مؤشرات حمراء حين بدأت تفاعلات مصر. أعرف جيداً أن حكومات الخليج قررت أن تستبق المتغيرات فلا تفاجئها المتلاحقات التاليات. سلطات القاهرة كانت تركب القطار متأخرة بعد أن ينطلق. الخليج يتمتع بمرونة القدرة البترولية والوفرة المالية. ترضيات الشعوب المتتالية فى دول مختلفة تؤجل احتمالات التثوير.
غالبية دول الخليج ساندت الملكية البحرينية بقوات درع الجزيرة. تدخلت لكى تواجه المنامة اضطراباً طائفياً كان الأصعب والأقسى. الرسالة هى أن عائلات الحكم المرتبطة بعلاقات قرابة فى أربع دول على الأقل لن تتخلى عن بعضها فى مواجهة أى تهديد. تصاعدت فى الأجواء احتمالات صون البحرين بنظام (كونفيدرالى) يضم كلاً من السعودية والإمارات والكويت والبحرين.
الكويت نزعت فتيل أزمتها السياسية المتصاعدة بحل مجلس الأمة وانتخابات مبكرة وتخلى رئيس الوزراء الشيخ ناصر عن موقعه. انشغل المجتمع فى عملية فرز انتخابية بين نخبته وتياراته بدلاً من أن يصوب غضبه نحو عائلة الحكم والحكومة. يفتحون صفحة جديدة.
السعودية عالجت أوضاعاً اجتماعية بإجراءات اقتصادية متتالية. الإمارات استوعبت مناخاً غير موات بإجراءات مماثلة.. غالبية دول الخليج تكاتفت لدعم سلطنة عمان مالياً فألجمت احتمالات صعبة لاحت فى «مسقط» فى بداية العام.
الإجراءات الاستباقية علاج لا يجب إغفاله فى بناء الاستقرار. الإغداق المالى قد يكون تسكيناً ضرورياً لتعديل أمزجة الشعوب خصوصاً حين يتوافر مصدره. هذا وحده لا يكفى على المدى المتوسط.. لابد أن تتلوه تطورات سياسية واجتماعية. لن تتحول أنظمة الخليج إلى ملكيات دستورية ولو خلال عقدين من الآن.. حتى فى قطر التى وعد أميرها شعبه بانتخابات بعد عامين على عضوية مجلس ليست له صلاحيات.
الاستباق المالى سوف يتلوه استباق سياسى واجتماعى.. هذا ما أعتقد وأتوقعه على الأقل. نداءات التطوير لا يمكن تغافلها. الشعوب تغيرت. تعلمت. طالعت مجريات العالم. الطموحات كبرت. إذا كانت دول الخليج قد تجنبت سيناريوهات تونس ومصر واليمن وسوريا.. فإن منهجها الاستباقى يعنى أنها سوف تكمل على هذا النحو.. الخطوات ستتلوها غيرها.
هذا درس عميق المعنى. لا تكن رد فعل. كن فعلاً. تقدم شعبك. استشرف احتياجاته. لا تنتظر أن تتخذ قراراً وأنت على الحافة. قد لا تجد وقتا حينئذ. قد يخونك الإيقاع. قد لا تلحق بالقطار. الشعوب فى العصور الحديثة لا تميل إلى الثورات الدموية العنيفة.. لكنها لا تفضل أيضاً أن تنتظر كثيراً لكى تعبّر عن تململها وغضبها.
أنهيت عملية تقليم شجرة تلو أخرى بهدوء وتريث. أسعدتنى النتيجة فى ناحيتين: فى صورة الأشجار التى تهذبت أغصانها واستدارت.. ثم فى هبوطى آمناً من فوق السلم الخشبى دون أن أسقط على الأرض أعانى من كسر فى الحوض أو شرخ فى الفخذ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ