السبت، 31 ديسمبر 2011

الإمام والمفتى.. والسؤال الخطأ



  بقلم   محمد أمين    ٣١/ ١٢/ ٢٠١١
أصيب الرأى العام بالرعب بعد تصريحين غريبين.. الأول يتعلق بتوجه سلفى لإنشاء هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. الثانى يتعلق بفتوى تحذر من تهنئة الأقباط بأعياد الكريسماس والميلاد.. واشتد الجدل حول التصريحين معاً.. مصدرهما سلفى.. ولأول مرة ينتظر الأقباط النظر فى أمر تهنئتهم.. فلا الثورة كانت لنبذ المسيحيين؟.. ولا الأقباط أصبحوا من الكفار فجأة!
أثارنى أن البعض طالب مفتى الجمهورية بضرورة إصدار فتوى.. إما بتأكيد فتوى السلفيين، وإما بجواز تهنئة المسيحيين فى أعيادهم.. وكانت المفاجأة أن دار الإفتاء تصدت للقضية.. وأصدرت فتوى شرعية أو سياسية، تسمح بجواز تهنئة الأقباط فى الكريسماس.. واستغربت جداً أن مفتى الجمهورية الدكتور على جمعة قد أصدر فتوى بهذا الشأن.. أذاعها التليفزيون الرسمى!
وجه الغرابة أن السؤال أصلاً غلط.. وبالتالى لا يصح أن يكون محل بحث.. وما كان ينبغى على دار الإفتاء أن تتصدى له، وتصدر بياناً يشبه استطلاع هلال رمضان.. ما كان ينبغى أن يصدر بيان، لأن السؤال خطأ.. وما كان ينبغى أن يذاع على التليفزيون الرسمى.. ثم تتناقله الفضائيات.. وتنشره الصحف.. ويوزعه الأقباط على مواقعهم.. رداً على مزاعم الشيخ ياسر برهامى!
الطريف أن الشيخ السلفى مكتشف الكارثة لم يرد بعدها على المفتى.. ولم يتمسك بأن الأقباط كفار.. ولا عادل عبدالمقصود، رئيس حزب الأصالة، ومساعد وزير الداخلية السابق، قد فعل أيضاً، واعتبر أن تهنئة الأقباط إثم عظيم.. مع أن فتواهما قد أحدثت حالة من الانقسام، والفزع فى المجتمع.. وأرى أن الرد الطبيعى عليه أنه كلام فارغ لا يستحق عناء الرد عليه أبداً!
أتصور أن السؤال خطأ.. ولذلك استحسنت تصرف الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب.. فلا هو عقد اجتماعاً فى المشيخة، ولا هو أصدر بياناً، ولا أى شىء من هذا.. ولكنه ببساطة شديدة هنأ البابا شنودة، والإخوة الأقباط بعيد الميلاد المجيد.. كعادته.. وهو رد عملى جداً، على فتوى السلفيين.. وأرسل برقية تهنئة لقداسة البابا شنودة، بمناسبة الكريسماس!
هذا هو الرد.. لا فتوى ولا بيان ولا اجتماع.. برقية نصها: «يسرنى فى مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد أن أبعث لقداستكم، والإخوة الأقباط، بأصدق التهانى وأطيب الأمانى».. وأضاف: «إننا فى أرض الوطن، الذى يضمنا جميعاً، نبتهل إلى الله أن يرعى خطواتنا المشتركة، دعماً لما بيننا من مشاعر الإخوة، ووشائج القربى فى الإيمان والكفاح الوطنى، لما فيه الخير لأبناء مصر»!
معناه أن الحكاية لا تحتاج إلى فتوى.. ولا تحتاج إلى إجابة على سؤال غلط.. فقط برقية، لم تختلف عن العام السابق فى مضمونها، وإن اختلفت فى دلالتها بالطبع.. وكان على مفتى الجمهورية ألا يستقبل السؤال، وكان عليه ألا يتعامل معه.. التعامل مع خطأ خطأ آخر.. يجعل لصاحبه قيمة.. فهذه الأسئلة هى التى تشق الصف، وتنذر بحرب طائفية تحرق مصر؟!
لا برهامى كان موفقاً، ولا عبدالمقصود، ولا حتى المفتى، رغم أنه حسم الجدل.. أعجبنى شيخ الأزهر، لأنه تصرف بما يليق.. هنأ البابا شنودة كما كان يفعل، وهنأ رؤساء الطوائف المسيحية.. فلا يعقل أن يكون الإمام الأكبر قد اكتشف شيئاً من الدين فجأة.. بعد الثورة.. ولا يعقل أن يكون الأزهر فى مصر، ومازال هناك من يوزع اتهامات الكفر، أو يذبح المخالفين، على الطريقة الإسلامية؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ