الخميس، 29 ديسمبر 2011

وماذا على العرب لو تكلموا «العربية»؟



  بقلم   سمير فريد    ٢٩/ ١٢/ ٢٠١١
هناك ارتباط وثيق بين تصريح المرشح الجمهورى المحتمل لرئاسة أمريكا عن أن الشعب الفلسطينى شعب «مخترع»، وبين انسحاب أمريكا من عضوية اليونسكو احتجاجاً على قبول فلسطين، وبين الاتجاه إلى إلغاء تدريس اللغة العربية فى مدارس إسرائيل لأكثر من مليون فلسطينى عربى يعيشون على أرضهم داخل حدود إسرائيل.
كل هذا يعنى أن الصراع الحقيقى بين العرب وإسرائيل هو الصراع الثقافى، وأن المعارك العسكرية ما هى إلا أبسط حلقات ذلك الصراع رغم فداحة الثمن الذى يُدفع فى هذه المعارك على شتى المستويات، وكلمة «الثقافة» لا تعنى الفنون كما يتصور العامة، وإنما تعنى أسلوب الحياة الذى يتكون من عناصر كثيرة مركبة تشمل الفنون لكنها لا تقتصر عليها، وعندما قال أحمد بهاء الدين، رحمه الله، يوماً إن الصراع مع إسرائيل هو صراع حضارى نظر إليه البعض شزراً، وكل يوم من هذا الصراع يثبت أنه على حق تماماً.
القول بأن شعب فلسطين «مخترع» يعنى أنه لا توجد ثقافة وطنية تسمى فلسطينية، والاحتجاج بالانسحاب من عضوية منظمة التربية والثقافة والعلوم الدولية التابعة للأمم المتحدة، التى نعرفها باسم الحروف الأولى من اسمها بالإنجليزية «يونسكو» تعنى رفض أن هناك ثقافة وطنية تسمى فلسطينية، واتجاه البرلمان الإسرائيلى إلى عدم تدريس اللغة العربية للفلسطينيين يعنى محو الأساس الذى تقوم عليه الثقافة الوطنية الفلسطينية، وهى اللغة العربية.
عمر إسرائيل ستون عاماً، وعمرنا ستة آلاف، لكنهم فى عمرهم القصير قاموا بإحياء اللغة العبرية بعد أن كانت لغة للصلاة فى المعابد، فأصبحت لغة حياة يومية ولغة أدب فاز بجوائز دولية، وفى هذا الوقت نفسه قمنا نحن العرب بقتل اللغة العربية التى كانت حية لمدة ألفى عام، وأصبحت على وشك أن تصبح لغة للصلاة فى المساجد، ولا أحد يدرى كيف يتصور العرب أنهم سوف ينتصرون فى الصراع الثقافى مع إسرائيل وهم يفقدون لغتهم.
وفى رأيى أن أول رد فعل من السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه تصريحات المرشح الأمريكى وقرار الحكومة الأمريكية، وتوجه الحكومة الإسرائيلية، أن ينطق تليفزيون السلطة الرسمى باللغة العربية دون سواها.
ولا أحد يدرى لماذا لا يكون هذا حال كل قنوات الراديو والتليفزيون الحكومية فى كل الدول العربية، وماذا على العرب لو تكلموا لغتهم ونبذوا اللهجات العامية على الأقل فى تلك القنوات، أما الدعوة إلى جمع التبرعات لسداد ما يوازى حصة أمريكا فى اليونسكو فهى صرخة فى البرية، والأصح أن يقوم مجلس التعاون الخليجى بتسديد هذه الحصة كاملة باعتباره المجلس العربى الأقدر على ذلك من التجمعات العربية الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ