الجمعة، 30 ديسمبر 2011

باقة مواجع للدكتور محمد غنيم



  بقلم   محمد البرغوثى    ٣٠/ ١٢/ ٢٠١١
«حملة حب وعرفان للدكتور محمد غنيم رداً على محاولات تشويهه».. هذا هو عنوان الخبر الذى نشره موقع الأهرام الإلكترونى قبل أيام، وقد أثار انتباهى الجزء الثانى من العنوان، أكثر مما فعله الجزء الأول، لأن الطبيعى جداً فى أى مكان وزمان أن تكون هناك حملات حب وعرفان دائمين لشخصيات عظيمة ورائدة مثل الدكتور محمد غنيم، أستاذ جراحات الكلى والمسالك ومؤسس مركز الكلى فى المنصورة، أما غير الطبيعى على الإطلاق فهو أن يتعرض أمثال الدكتور «غنيم» لأى محاولات تشويه.
والحكاية التى تضمنها الخبر، أن بعض الناشطين المنتمين إلى الأحزاب الدينية المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب، لجأوا إلى حيلة منحطة لتضليل الناخبين وإضعاف التأثير الهائل للدكتور محمد غنيم الذى أعلن منذ بدء الانتخابات عن دعمه لقائمة «الثورة مستمرة»، وهو الدعم الذى تمثل فى جولات ومؤتمرات وندوات قام بها «غنيم» فى العديد من قرى ومدن وعزب محافظة الدقهلية، كان خلالها هذا العالم الفذ والمثقف النبيل نموذجاً رائعاً للترفع عن التفاهات والالتزام الشديد بأنصع أخلاقيات العمل السياسى.
ولأن الرجل يحظى فى الدقهلية بشعبية جارفة، ولأنه لا يمكن لمخلوق أن يعثر على نقيصة فى أدائه المهنى أو السياسى، فقد لجأ «الأجلاف الكذابون» إلى مخطط وضيع للإجهاز على تأثيره المعنوى الهائل، بدأ همساً ثم راح ينتشر شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى مسامعه فكتب على صفحته الخاصة فى «فيس بوك»: «بلغنى أننى أواجه حملة تشويه كبيرة.. يقولون إنى ملحد وأشرب الخمر.. أترك لكم الرد، وشكراً».
والحقيقة أننى سمعت بنفسى شيئاً من هذه السفالات خلال زيارتين سريعتين إلى قريتى بمحافظة الدقهلية، فى الزيارة الأولى قيل هذا الكلام أمامى على سبيل الاستفسار، وفى الزيارة الثانية لاحظت أن هناك من يتعمد طرح الأسئلة بإلحاح مقصود عن حقيقة إلحاد الدكتور «غنيم»، وعما إذا كان كافراً حقاً ويشرب الخمر، ويومها دعوت الله سبحانه وتعالى أن يحجب هذه القذارة عن الدكتور «غنيم»، وألا يتطوع أحد معجبيه بإبلاغه بها، حتى لا يكون أهل الدقهلية سبباً فى جرح مشاعر هذا الطبيب العبقرى والعالم الفذ والمثقف الشريف الذى أفنى عمره فى مداواة جراح مرضانا الفقراء والأغنياء دون أن يكلف أحداً منهم قرشاً واحداً.
أعرف أن الدكتور «غنيم» أكثر صلابة من أن تؤذيه نفسياً مثل هذه التفاهات، وأعرف أيضاً أنه كان ولايزال على يقين معرفى بأن الأمية والفقر وانحطاط التعليم ستظل بيئة مواتية تنشط فيها العقارب السياسية التى لا تتورع أبداً عن استخدام الدين فى ارتكاب أبشع الجرائم الأخلاقية. كما يدرك الدكتور «غنيم» أننا لم ننتظر أبداً من الفقر والجهل أن يصنعا شعباً محصناً ضد الشائعات القذرة والدعاية الكافرة.. والمؤكد أن هذا الإدراك هو الذى دعاه إلى أن يمنح علمه ووقته وماله وجهده فى معركة شرسة وطويلة ضد الجهل والانحطاط العلمى والفساد السياسى، وقد سجل انتصارات مذهلة ورائدة فى هذه المعركة ولا بأس أن يخرج منها ببعض الجراح.
ورغم ذلك كله، أضع نفسى أحياناً مكان هذا العالم النبيل، الذى ولد وتربى فى بيت علم ودين وأخلاق ، يصلح لأن يكون نموذجاً مفرحاً لوطن نتمناه ونحلم به، فوالده هو الدكتور أحمد غنيم، عميد زراعة القاهرة الأسبق، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الزراعية، وخاله هو الدكتور عمر عسكر، أستاذ الجراحة بقصر العينى، وخالته الدكتورة وفية عسكر، أستاذ الكيمياء بعلوم القاهرة، وزوج خالته هو الدكتور أحمد مصطفى، وزير البحث العلمى الأسبق، وقد كان طبيعياً أن يستثمر الدكتور «غنيم» هذا الثقل الأسرى والعائلى فى اقتناص مكانة رفيعة فى طب القاهرة.. ولكنه ترك هذا كله خلف ظهره وحط رحاله فى قلب الدلتا: «مستودع الشقاء.. ومستنقع الفقر والمرض»، وانشغل بعلمه وبأمراض الناس عن كل المناصب الرفيعة التى سعت إليه فركلها بحذائه، واختار أن يهب نفسه تماماً لخدمة فقراء هذا الوطن.. وفى نهاية المسعى النبيل يلاحقه الأجلاف السفلة بهذه الشائعات الكاذبة؟
شىء موجع حقاً، وإحساس أليم بالغدر يعتصر قلبى إذ أفكر فى هذا المصير المحزن لأنبل وأطهر وأنجب أبناء هذه الأمة.. ولا أملك الآن غير أن أرفع إلى مقام الدكتور محمد غنيم هذا النداء: أنت الحكيم الماهر والشريف.. ونحن مرضاك الضعفاء، فاحتمل روائحنا الخبيثة وعالج أمراضنا.. وأجرك على الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ