الأحد، 25 ديسمبر 2011

طبيعة العلاقة بين الدين العقل


ان العلاقة بين الدين والعقل علاقة تكميليّة وليس التكميل بمعنى النقص فكما نعلم ان الدين كامل بالضرورة والعقل كامل من وجه , وبعبارة أسهل هذه العلاقة ثنائية وليس أحادية الجانب فلا هذا يطغى على ذاك , بل المسألة أن لكل منهما مجاله وقبل الشروع بما نريد الوصول اليه وجب تعريف الدين والعقل , فالدين هو مجموعة من الأحكام الشرعيّة تحدد العبادات والمعاملات , أما العقل فهو قوّة مدركة لحقائق الأشياء قادرة على التحليل والاستنتاج .

لقد اختلفت الآراء حول هذه المسألة وانتهت بنظريتين , وسوف نطرحهما باستقراء ناقص كون الاستقراء التام لهما وجب أن يكون ببحث متكامل لا بمقال , لكن هذا لا يعني أننا لن نغطي صلب المسألة .

النظرية الأولى ( عقلنة الدين )

وتنص هذه النظرية على أن العقل هو الأساس والمستند الوحيد لخدمة الانسان والمساهمة بتطوره وحضارته , وهو الوحيد الذي يستطيع أن يؤّمن بناء المجتمع البشري فاذا ما انسجم العقل مع الدين قبل به وان لم ينسجم معه رفضه, وقبل الشروع بدوافع هذه النظرية تجدر الاشارة الى أنها كانت قائمة منذ العصور الوسطى حينما كانت الكنسية مسيطرة على شؤون الحياة .

دوافع نظرية ( عقلنة الدين )

يصّح القول أن هناك دافعين وراء هذه النظرية الأول نظري والأخر عملي : ان الدافع أو المنطلق النظري كان عبارة عن ردة فعل من سيطرة الكنسية على الشؤون الحياتيّة وهيمنة الدين وتدخلّه بجميع المسائل صغيرة كانت أوكبيرة. أما الدافع العملي او الفكري هو أنه كيف لدين مستحدث في عصر جاهلي كان موجودا منذ 1400 سنة أن يلبي حاجات الانسان المعاصر ؟ بل كيف لهذا الدين الذي أتى لبيئة جاهليّة أن يصلح لدولة مدنيّة ؟ وبما أن الدين أتى لانسان جاهلي ولا يصلح لدولة مدنيّة اذن العقل هو الأساس لخدمة الانسان .

النظرية الثانية ( أديّنة العقل )

وتنص هذه النظرية على أن الدين هو الوحيد القادر على بناء الانسان والمجتمع والحضارة لأن العقل قاصر وغير معصوم , وأصح دليل على قصور العقل هو أن القوانين المستمدة من العقل فقط معرضّة للتغير والمراجعة بل والاستبدال , أما الدين ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) لأنه من معصوم والأخذ من المعصوم الكامل أوجب من الأخذ من العقل القاصر .

دوافع نظرية ( أدينة العقل )

ان الدافع الرئيسي وراء هذه المسألة هو أن القوانين ما أتت الى لخدمة الانسان وهذا الانسان يمثّل لغز و( أكثر شيئا جدلا ) وكما قال الامام علي عليه السلام ( أتحسب انك جرم صغير وانطوى فيك العالم الأكبر ) وبما أن الانسان يمثل لغز محيّر وأن القانون أتى لخدمته وللسعي في تكامله وجب ان يكون ممن خلقه , لا من عقله القاصر , فالعالم والقادر الوحيد على معرفة الانسان هو خالقه فالدين هو الأساس .

موقف الاسلام من النظريتين :

أولا ان الاسلام يقول بأن العقل والدين كلاهما مكملّ للآخر وكل منهما يساهم بشكل فعّال في بناء وخدمة الانسان .
ثانيا ان الاسلام يقول بأن هناك مساحات خاصة بالعقل فقط لا يتدخل بها الدين , وأن هناك مساحات للدين لا يتدخل بها العقل , وأن هناك مساحات مشتركة بين الطرفين وسوف نعطي أمثلة بسيطة تقرّب المعنى لكل صنف .

أما المساحة الخاصة بالعقل فقط ولا يتدخل بها الدين , هي اثبات وجود الله سبحانه وتعالى للمشرك , فلا يمكن أن أقول للمشرك الدليل على وجود الله سبحانه قوله تعالى ( الله لا اله الا هو ) ؟! فوجب اثبات وجوده سبحانه وتعالى بنحو عقليّ صرف دون ولوج للدين فيه , كذلك لوجود روايات فيها اساءة لله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم - والعياذ بالله - ولولا حكم العقل لما استطاع أحد أن يحكم بالمسألة .

والمساحة الخاصة بالدين فقط دون تدخل العقل هي مساحة الحكم الشرعي فكل حكم شرعي حرمه الله سبحانه وتعالى لوجود مفسدة , وكل حكم شرعي أوجبه الله سبحانه وتعالى لوجود مصلحة وتعرف هذه النظرية بـ ( نظرية المصالح والمفاسد بملاكات الحكم الشرعي ) , وأبسط مثال هو مسألة رمي الجمرات فملايين المسلمين يجتمعون على رمي عمود بسبع حصيات ؟! فما العلة من وراء هذا الحكم , فهنا تكون المساحة خالصة للدين دون العقل مع السماح للعقل بالتفكر بعلّة الحكم وحتى لو وصل الى علّة , من يقول أنها العلة الحقيقية للحكم الشرعي ؟ بل يقول بعض الفقهاء أن هناك أحكاما العلة من ورائها هي طاعة العبد فقط , فهل هو مسلّم ومطيع لله سبحانه وتعالى في كل الأمور أو لا .

أما المساحة الأخيرة وهي اشتراك العقل والدين كاثبات يوم القيامة مثلا , فالعقل يدرك أن هناك غاية ومستقر للخلق والدين يقرر ذلك , فيمكن أن يشتركا باثبات هذه المسألة , كذلك ممكن أن يشترك العقل والدين في اثبات صفات الله سبحانه وتعالى ( على مبنى العدليّة ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ