السبت، 31 ديسمبر 2011

لوحات على جدار النفس



  بقلم   مفيد فوزى    ٣١/ ١٢/ ٢٠١١
ليلة ميلاد سنة جديدة من رحم الزمن، أوثر الحكمة القديمة «مراجعة لا تراجع» أوثر مراجعة دفتر أحوالى فى كل المواسم وأحذف من فيس بوك حياتى وجوهاً سرقت منى الفرح أو مزقت أوصال المحبة أو خانت العهد أو ارتدت أقنعة الشجاعة، وهى تقطر جبنا أو سقطت منى صريعة حادث خيانة. لكنى لا أتراجع عن مبادئ ثابتة لعلها توليفة ذات نكهة من جينات وراثية واحتواء أهل وتربية مسيحية وصلابة ذاتية نسجتها تجارب العمر الصعبة.
 والحياة- بنظرة فاحصة- هى مجموعة لوحات معلقة على جدران النفس فى معرض دائم للترحال والسفر فى البشر. معرض لا يغلق أبوابه ولا شريط له يقصه وزير.
 لوحات ملونة بالسعادة، وأخرى فيها ظلال الأسى. لوحة توقظ فيك الحذر من المنحدرات العاطفية، وأخرى تنعش فيك الأمل رغم صخور التحدى. لوحة مبتلة بدموع على فراق حبيب، وأخرى ذائبة فى عناق رفيق.
 لوحة بريشة الحقد تفترس هناءك وتتمنى زوال نعمتك، وأخرى تسير بك بين الأدغال تحرسك عين الله الساهرة. لوحة رسمتها سواعد قوية وحناجر فولاذية، زئيرها أسقط نظاماً وأنجب ثورة، وأخرى تلمح بالعين المجردة الذئاب والضباع تقفز على الثورة، لوحة تبكيك من أصوات نقيق الضفادع ونعيق الغربان، وأخرى تشجيك من إرادة الميدان، وزغردة العصافير، لوحة تطالع فيها القوة عندما تنكسر وراء قضبان طرة، وأخرى تطالع فيها عطش الانتقام لشعب مهان. لوحة لصداقات عمر معمرة سكنت قلبك واستكانت، وأخرى لصداقات دفنتها فى صدرك وشيعتها.
هناك فى اللوحات بورتريهات أى: وجوه متعددة، وتعال نطوف: وجه فتى نفرت عروق رقبته ويصرخ «الشعب يريد». وجه فتاة احتلت كرسياً فى الفضائيات انتفخت ذاتها رغماً عنها تتكلم من أنفها. وجه صبية فقدت معالم صباها فى حريق مدبر. وجه فنان كان فى جرة وطلع لبرة واعتلى المنصات فى المليونيات.
 وجه من التحرير يهتف «يسقط». وجه من العباسية يهتف «يحيا». وجه مسؤول يذكرك بخيبة الأمل راكبة جمل.
 وجه فلاح أمى ينتخب الراجل اللى يعرف ربنا. وجه أم شهيد جفت دموعها ولم يجف حزنها. وجه بلطجى ينشل الطمأنينة بسلاح. وجه رجل أمن يصلب طوله بعد انهيار. وجه شاب ثائر يحاول ويبدأ الجدل بكلمة «لا».
 وجه يبيع أقراص الصبر للشفاء من الكآبة. وجه محترف فوضى يجيد فن أفخاخ الانقسام ونصب كمائن الفتنة. وجه ملثم يمد يده بنقود ويدسها فى يد أخرى تحمل مولوتوف. وجه ضابط جيش يكظم غيظه رغم كلمات بطعم الإهانات تجرح الكبرياء. وجه منافق يتنطط فوق الأكتاف ومتلون كالحرباء ولديه قناعة بأن الناس بلا ذاكره.
الحياة ليست لوحات ووجوهاً فقط لكنها «أمكنة وشوارع»، الميدان الشرارة التحرير، وألمح عذاب «سكانه» من جمعة ورا جمعة تحمل اسماً وهمّا. هم يعانون والسياح يتفرجون.
 شارع محمد محمود: التدمير بالأمر المباشر! شارع القصر العينى وحرائقه تطال التاريخ والمكان والمكانة! أمام ماسبيرو حيث الفزع يحمل صليباً! خيام الاعتصامات مغزولة من خيوط الألم والمعاناة، فيها أنين الجياع له صوت كعويل ريح الشتاء! قضبان سكة حديد الصعيد مقطوعة احتجاجاً ومقطوعة أرزاق البسطاء أيضاً.
 أكاديمية «المحاكمات» بالقانون، لا بالشارع.
اللوحات رسمتها خطاى وأنفاسى، والتوقيع: مصرى يحلم بترميم الوطن من كل كسوره وانكساراته ويراهن على شبابه وعقلائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ