الخميس، 29 ديسمبر 2011

مناقشة هادئة مع البرلمانيين الجدد



  بقلم   د.حسن نافعة    ٢٩/ ١٢/ ٢٠١١
سبق أن عبّرت فى هذا المكان عن سعادتى الشخصية بفوز عدد من الوجوه الشابة فى انتخابات مجلس الشعب، آملاً أن تقدم نموذجاً يحتذى فى الأداء البرلمانى، ومؤكداً ثقتى فى قدرتها على إضفاء قدر كبير من الحيوية على البرلمان الجديد، بصرف النظر عن شكل الأغلبية فيه.
وكان من بين الأسماء التى ذكرتها، على سبيل المثال لا الحصر، اسما الدكتور مصطفى النجار والدكتور عمرو حمزاوى، اللذان تردد فى وسائل الإعلام أنهما طرحا مؤخراً مبادرة تدعو مجلس الشعب المنتخب فى جلسته الأولى فى ٢٣ يناير ٢٠١٢، لاستخدام صلاحياته لتشكيل لجنة برلمانية لإدارة التفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول استكمال إجراءات نقل السلطة، ولجنة أخرى للتحقيق فى جميع انتهاكات حقوق الإنسان، التى وقعت منذ ١١ فبراير ٢٠١١، ولجنة ثالثة لضمان حقوق شهداء ومصابى الثورة الذين يتعين الاحتفاء بهم وتكريمهم فى جلسة مجلس الشعب الأولى.
وقد تضمنت المبادرة، التى بدأت وسائل الإعلام تطلق عليها «مبادرة النجار وحمزاوى»، مقترحات بتواريخ محددة لإصدار قانون تنظيم انتخابات الرئاسة قبل أول فبراير، كى يفتح باب الترشح للرئاسة فى ١ فبراير، وتبكير انتخابات مجلس الشورى لتجرى فى مرحلة واحدة فى الأسبوع الأول من فبراير، ودعوة مجلسى الشعب والشورى لاجتماع مشترك فى منتصف فبراير، و«تكليفهما بالشروع فوراً فى تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعد نقل كامل الصلاحيات التشريعية من المجلس الأعلى للبرلمان المنتخب»، وإغلاق باب الترشح لانتخابات الرئاسة فى نهاية فبراير، وإجراء انتخابات الرئاسة فى ١ أبريل والإعادة فى ١٥ أبريل ٢٠١٢.
من حق أى مواطن أن يطرح ما يشاء من مبادرات على الرأى العام، غير أن جدية أى مبادرة تتوقف أساساً على حجم ما تتمتع به من تأييد سياسى يقف خلفها. وفى تقديرى أنه كان يمكن لمبادرة «النجار وحمزاوى» أن تحظى بمصداقية أكبر لو أنها كانت قد طرحت بعد التشاور مع النواب أو مع رؤساء الأحزاب الحاصلة على النسبة الأكبر من أصوات الناخبين أو مقاعد البرلمان.
 لذا ستظل مبادرتهما واحدة من تلك المبادرات «الإعلامية» التى تزخر بها الساحة فى هذه الأيام وتستهدف التأثير على الرأى العام بأكثر مما تعمل على صنع توافق وطنى حقيقى. وقد نسب إلى صاحبى المبادرة قولهما: «إن مجلس الشعب المنتخب المتمتع بالشرعية الديمقراطية هو المؤسسة المنوط بها التفاوض باسم المصريين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو المؤسسة الوحيدة القادرة على تحقيق التلازم المطلوب بين مسار بناء مؤسسات النظام السياسى الجديد، والذى أولى خطواته انتخاب المجلس، ومسار الاحتجاج الشعبى السلمى المعبر عن استمرار الحالة الثورية فى ميادين التحرير».
ليسمح لى النائبان المحترمان بأن أختلف معهما اختلافاً تاماً حول هذه المقولة، التى تنطوى فى تقديرى على خلط شديد فى الأوراق. فدور السلطة التشريعية ليس «التفاوض» مع السلطة التنفيذية وإنما مراقبة أدائها، بل سحب الثقة منها إن انحرفت عن المسار الذى يريده الشعب.
وحين تضع السلطة التشريعية نفسها فى موقف «المفاوض» للسلطة التنفيذية فإنها تنتقص كثيراً من مكانتها وتبدو كأنها تساوم على حلول وسط، بدلاً من إلزام السلطة التنفيذية بالانصياع لرأى الشعب، لذا أخشى أن يفسر البعض هذه المبادرة كأن هدفها الوحيد هو التشكيك فى مصداقية المجلس الاستشارى وأهليته للقيام بدور مفيد فى ترتيبات المرحلة الانتقالية، وهو أمر مؤسف حقاً، وكان بوسع النائبين المحترمين أن يقدما خدمة أفضل لمصر فى هذه المرحلة الدقيقة لو كانا قد سخرا جهدهما للتشاور مع زملائهما فى البرلمان لصنع توافق وطنى حول دستور جديد يليق بمصر الثورة ويؤطر لنظام سياسى يتسع للجميع.
لماذا لا نفكر بروح وعقلية التكامل بين المؤسسات بدلاً من الغمز واللمز والضرب تحت الحزام؟ فالمجلس الاستشارى ليس موظفاً عند أحد، رغم كونه مجلساً معيناً، ويقوم بعمل تطوعى بحت لا يتقاضى عنه أى أجر، بعكس باقى مؤسسات الدولة بما فى ذلك السلطة التشريعية. ولو لم يكن هذا المجلس فى وضع يسمح له بتقديم مشورة مستقلة ومعبرة عن طموحات الثورة لما قبل كثيرون، وأنا واحد منهم، أن ينضموا أصلاً. ويجب أن يكون واضحا أن بالمجلس نقباء منتخبين يمثلون ثلاثاً من كبرى النقابات فى مصر، وشباباً شارك ميدانياً فى الثورة، وكتاباً ومفكرين لم يقفزوا على الثورة وإنما ساهموا فى صنعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ