الأحد، 25 ديسمبر 2011

إيزيس ليست أسطورة بقلم د.سحر الموجى

هل بالإمكان أن نرى فى صورة المرأة التى سحلها العسكر وجردوها من ملابسها ولم يتوقفوا عن ضربها بعد أن تعرت صورة للثورة المصرية؟ فالثورة التى لم تتوقف السلطة الحاكمة عن وصفها بالمجيدة أمام شاشات الإعلام وتقديم التحية العسكرية لشهدائها، يتم ضربها بشتى السبل: بحبس الثوار وقتلهم وعدم محاسبة القتلة، بالتشويه واستعداء الناس ضدها وإلقاء الاتهامات عليها ثم حبسها من معصمها فى سرير المستشفى الحكومى لأنها متهمة بالتخريب والتعدى على موظف أثناء تأدية مهام وظيفته.
ألا يحمل هذا تشابها مع الخطاب الاجتماعى الرسمى عن النساء وعظمة النساء، والمرأة التى هى الأم والأخت والزوجة والابنة، بينما تتعرض النساء فى حياتهن اليومية لسلوكيات تجسد التحقير والمهانة والإذلال؟ لكن تلك ليست كل الحكاية. فلو عدنا فلاش باك إلى ٢٥ يناير لرأينا أن الثورة ومنذ يومها الأول قد هدمت أفكارا ثابتة عن النساء والأنوثة وأعادت بناء أفكار جديدة.
كلما مر الوقت تأكد دور المرأة فى الثورة بدءاً من النزول إلى الميادين، ومرورا بصلابة أمهات الشهداء وتعاملهن مع فقد الابن/ الابنة على أنها قضية وطن يسعى للحرية، ووصولاً إلى الذروة الدرامية لأحداث الأسبوع الماضى ردا على انتهاك النساء. وقد جسد هذه الذروة مظاهرة النساء الثلاثاء ٢٠ ديسمبر التى ضمت نساء من شتى الأعمار والطبقات الاجتماعية والتوجهات الفكرية. وبالرغم من أن فكرة الشرف والحفاظ على جسد المرأة تصدرت التظاهرة فإن الفكرة الأعمق وراءها هى الدفاع عن «حقوق» إنسانية أصيلة. حق التعبير عن الرأى، حق النضال من أجل الحرية دون المساس بسلامة المواطن/ المواطنة. وقد كان مقدراً أن يكون جسد المرأة المنتهك هو العنوان الكبير الذى يضم داخله مفاهيم المواطنة والحرية.
وبينما يتصاعد الخط الدرامى للحكاية على مدار العام الماضى يحدث شىء مواز فى وعى المرأة بنفسها، كل النساء، وليس فقط من شاركن فى الثورة ودفعن ثمن النضال. فالمرأة التى تربت على مفاهيم الأنوثة التى هى مرادف للضعف «الجميل» و«الأنثوى» المحبوب والمرغوب من قبل المجتمع، بدأت ترى نفسها بشكل مختلف فى مرآة الثورة.
 ففى اللحظة التى رأينا فيها النساء يقفن فى مواجهة العسكر المدججين بالأسلحة، فى اللحظة التى نتأمل فيها بحزن صور الشهيدات ونتابع تغريدات نوارة نجم ومنى سيف، فى اللحظة التى شاهدنا فيها أم خالد سعيد تحتضن أم مينا دانيال وسميرة تفضح كشوفات العذرية، فى اللحظة التى نستمع فيها إلى شهادة الطبيبات اللاتى ضربن وهددن بالاغتصاب، فى كل هذه اللحظات وغيرها تتهشم المرأة القديمة التى طالما رأت فيها النساء أنفسهن. لقد اكتشفت النساء الكنز الكامن داخلن. لم تكن إيزيس إذن بشجاعتها وصلابتها وعنادها فى انتزاع الحق مجرد أسطورة، بل إنها حكاية حقيقية تجسد مفاهيم أكثر إنسانية وتوازناً فيما له علاقة بالنساء.
لم تطح ثورة يناير فقط بالطاغية، ولكنها أطاحت ولا تزال تطيح بأفكار المجتمع عن النساء وتصورات النساء عن أنفسهن. وهذا أحد تجليات ثورة اجتماعية ستغير وجه مصر فى السنوات القادمة. وسيكون الأمر صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، على أى توجه سياسى أو فكرى أن يضع النساء فى مرتبة أدنى من تلك التى عرفن أنهن يستحققونها.
نحن نعرف الآن أن إيزيس ليست مجرد أسطورة، ونعرف كذلك أن «سخمت» إلهة الحرب والدواء، القاتلة والطبيبة فى نفس الآن، تعيش أيضا بداخلنا، فاحذروا أيها العسكر غضبتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ