الأحد، 25 ديسمبر 2011

«فلول الثورة»!

عد أن قام الجيش بإجبار الرئيس السابق على التنحى، وتولى السلطة، كان من المتصور وقتئذ أنه ينحاز للثورة وفقاً لتصريحاته المتكررة وقتها، إلا أن ما بدر منه طوال الشهور العشرة الماضية يعطى انطباعاً بأنه يعمل ضد الثورة، سواء عن قصد أو غير قصد، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: كان من أهم المطالب التى نادى بها جميع القوى السياسية الوطنية، ضرورة وضع دستور جديد للبلاد كنتيجة طبيعية لقيام الثورة التى إنما قامت لتغيير نظام ديكتاتورى فاسد إلى نظام جديد تسوده مبادئ العدالة والحرية والمساواة، التى حرم منها الشعب طوال الستين عاماً الماضية، إلا أن المجلس العسكرى وقف ضد رغبة غالبية الشعب، وضد المسار الطبيعى للأمور بعد ثورة قامت من أجل تحقيق هذه المبادئ، ورفض تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، بل ذهب إلى أبعد من هذا الرفض، بأن أحيا الدستور القديم، وذلك بإجراء تعديلات على سبع مواد منه، وفرضها فرضاً على الشعب، باستفتاء يعلم الجميع كيف جرى! بالضبط، كما فعل الرئيس السابق حين قام منفرداً بتعديل الدستور ذاته.
ثانياً: كيف يزعم المجلس العسكرى أنه ينحاز للثورة، ثم يطلق النار على المتظاهرين المسالمين ويدهسهم بمدرعاته، ويستشهد منهم العشرات ويصاب المئات فى ماسبيرو، ثم يزعم أن هناك مندسين بينهم هم الذين اعتدوا عليهم! مفترضاً سذاجة الشعب المصرى الذى رأى بعينه كل ما حدث، فكيف يكذّب ما رآه؟! وإذا كان ما يقوله المجلس صحيحاً وتم ذلك تحت سمعه وبصره فلماذا لم يقبض على واحد من هؤلاء المندسين وكأنهم أشباح؟! فهل يصدق أحد أن الجيش بكل إمكانياته يعجز عن القضاء على هؤلاء البلطجية إلا إذا كان يهمه الإبقاء عليهم والاستعانة بهم، بل يمكن القول بأنه يشجعهم، إذ لم يحاول محاكمة من قاموا بقطع الأذن وهدم وحرق المنازل والكنائس والأضرحة، وفى المقابل قام بالقبض على شباب الثورة ومحاكمتهم.
ثالثاً: ظهر انحياز المجلس العسكرى لجماعة الإخوان المسلمين واضحاً عندما أسند إليهم إجراء التعديلات الدستورية ثم الإعلان الدستورى ثم قوانين الانتخابات، والتى تهدف جميعها إلى تمكين الإخوان من السيطرة على الحياة السياسية فى البلاد، وقد صاحب ذلك الإفراج عن جميع المعتقلين منهم ومن باقى التيارات الإسلامية المتطرفة، والسماح لهم بتكوين أحزاب، رغم أن القانون يمنع قيامها على أساس دينى، فهل قامت الثورة واستشهد فيها وأصيب الآلاف لكى يقوم المجلس العسكرى بتقديم البلاد هدية خالصة للإخوان الذين لم يشاركوا فى الثورة.
رابعاً: أصر المجلس العسكرى على إجراء الانتخابات البرلمانية بأسرع وقت ممكن، وهو يعلم جيداً أن الأحزاب الجديدة وشباب الثورة ليسوا مستعدين إطلاقاً لخوض هذه الانتخابات، وبالطبع كان يقصد ذلك، بدليل عدم استجابته لإلحاح هذه الأحزاب لتأجيل الانتخابات، واستجاب فقط للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الذين يتمتعون بخبرة طويلة وتنظيم كبير طوال أكثر من ثمانين عاماً، بالإضافة إلى الأموال الوفيرة التى تتدفق عليهم من الداخل والخارج.
إن هذا يؤكد أن هناك اتفاقًا بين المجلس العسكرى والإخوان على تبادل المصالح الذاتية بينهما، وهكذا تم القضاء على الثورة والقفز عليها وسرقتها، وإذا كان مازالت هناك بقية من «فلول الثوار»، فقد أصبح من السهل إرسال البلطجية إليهم للقضاء عليهم كالمعتاد!!
ولا عزاء للثورة ودماء الشهداء!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ