الثلاثاء، 17 يناير 2012

حطيت على القلب إيدى وأنا بودع رئيسى بقلم عزت القمحاوى ١٧/ ١/ ٢٠١٢


عندما لعلعت القنوات الفضائية، الفاسد منها والنصف نصف، بأخبار عن مرافعة النيابة التى تطلب الإعدام لمبارك والمتهمين بقتل الثوار انخلع قلبى خوفًا، ووجدتنى فى ميدان واحد مع جماعة «إحنا آسفين يا ريس» وأى أسف بعد أن نعدمه وكيف سيسمعها؟
خلعناه وقلنا «آسفين» ورددناه يحكم من تحت بطانيتين واحدة رمادية كأيامنا والأخرى خضراء كما نرجو لمستقبلنا، لكن كيف سنستعيده من الموت بعد أن يرتدى البدلة الحمراء؟!
ليس فى الموضوع أى تسامح أو إيمان ببراءة الرئيس، بل على العكس، فإن القصاص العادل من وجهة نظرى لا يتحقق إلا عند إعدام قاتل فرد قتل فردًا، لأن سوء الحظ جعل الإنسان لا يملك إلا روحًا واحدة. والروح الواحدة ـ بليدة كانت أو لامعة مسنة أو شابة ـ لا يمكن أن تفى بالقصاص فى حالة شخص مسؤول عن قتل آلاف الأرواح، ما ذهب منها عمدًا وما ذهب إهمالاً وفسادًا.
خوفى من تحقق القصاص السريع فى القتل ألا نجد الوقت للقصاص الاقتصادى، وأن يمضى الرئيس إلى جنة الخلد قبل أن نعرف مصير المليارات المسكوت عنها من ثروته وثروات من شدوه إلى هذا المنقلب وفى الواقع شدونا نحن، فكل ظفر طار من شاب برىء أثمن من أعناقهم.
ولكن هذا هو ما وصلنا إليه، وأقل مداواة تقتضى استعادة ملياراتهم التى تكفى لمنعنا من لوم المانحين إذا لم يمنحوا، ولوم العاملين إذا لم يعملوا بالسخرة كما كانوا فى زمن مبارك، ولوم الثوار لأنهم يعطلون اقتصاد السمسرة والمضاربة الفاسد الذى لم ينتج قلامة أظافر. تحت ضجيج طبول القصاص فى القتل لم نسمع شيئًا جديًا عن القصاص فى التجويع. وكل ما نسمعه الآن فيما يتعلق بالأموال المنهوبة كلام عن أموال شماشرجى الرئيس أو سكرتيره الذى كان من الطبيعى أن تبلغ ثروته بضعة ملايين، لأن خازن السم لابد أن يذوقه.
ولا نعرف سر هذه العدالة الانتقائية، هل السكرتير هو الحيطة الواطية أم أنه الولع بالفكة، يجعلنا نختار ثروة سكرتير بينما نترك مليارات كبار رموز منظومة ثروات الفساد. وكلمة «منظومة» هذه هى بالمناسبة تيمنًا بخالد الذكر صفوت الشريف، ما أخباره؟ طمئنونا عنه، أم أنه سيبقى هو وفتحى سرور سرًا حتى يظهر كل منهما على منصة رئاسة مجلسه، شعبًا وشورى؟!
كثير من الخبراء قدروا ثروة مبارك وأسرته بسبعين مليار دولار، بينما قالت بعض التقديرات إنها تدور حول الأربعين مليارًا، وهى تقديرات معلنة من مجلات اقتصادية كبيرة وخبراء حوكمة معروفين مثل دانييل تيليسكلاف، مدير معهد بازل السويسرى للحوكمة، وعضو مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية. وتبقى هذه الأرقام مجرد تقديرات يستدل عليها الخبراء بطرقهم الخاصة فى تتبع بعض ما يرشح من صفقات وفى القياس بثروات طغاة آخرين، أو حسب معدل النهب الممكن فى بلد مثل مصر، التى توقع الخبير أن يستطيع رئيسها جمع من مليار إلى مليارى دولار سنويًا.
وقد أعلنت هذه الأرقام فى ظل وجود «مبارك» العلنى فى السلطة قبل ٢٥ يناير، ولا يمكن أن يكون قد أنفق من جيبه على قتل المتظاهرين، فالرئيس لا يمكن أن يضع يده فى جيبه يا عيب الشوم فى وجود مليارديرات فبركهم هو وابنه لهذا اليوم الذى ينفقون فيه على الشوم والمولوتوف والرصاص. ولأن «مبارك» لم يرد عندما كان على سرير الحكم، ولم يرد وهو على سرير المحاكمة تبقى الأرقام صحيحة.
لا يمكن أن نستبق أحداث قضية قتل المتظاهرين لنعرف كيف سيكون الحكم فيها، لكن السكوت حتى الآن على مصير المليارات ليس بالأمر الحسن. نعرف أن إعدام الرئيس ـ لا قدر الله ـ أسهل من تفتيشه، لأن الإعدام لا يمكن أن يخلق «منظومة إعدام» تقضى على رموز دولة المناظيم، بينما البحث فى جيوب الرئيس قد يخلق «منظومة» التفتيش، ولكن لا يمكن أن تستقيم الأمور دون استعادة هذه الأموال، ولابد من محاكمة أحد ما عليها، على الرغم من مرارة هذا الدواء.
وإذا كان من الصعب تفتيش الرئيس والعائلة والأتباع، للأسباب الآنف ذكرها، فلابد من تفتيش مجموعة أخرى، وأقترح توجيه تهم الفساد المالى والتربح لعلاء عبدالفتاح وممدوح حمزة ونوارة نجم وغيرهم من المحالين إلى المحاكمة، وأضمن لكم ألا تكون هذه التهمة أكثر عبثية من التهم التى يواجهونها حاليًا؛ فالذى يجعل شابًا مثل علاء عبدالفتاح قادرًا على زعزعة الحكم فى دولة يجعله يختلس خمسة مليارات دون أن يرف له جفن.
على كل حال لابد من محاكمة أحد ما، لأننا بحاجة إلى الفلوس، ولا يصح أن تضيع حقوقنا ويراق ماء وجوهنا تسولاً ودينًا، والأسوأ أن يقودنا الإحباط إلى حريق لا تنفع معه «إحنا آسفين يا مصر».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ