الاثنين، 30 يناير 2012

يومـان رائعان بقلم د. يحيى الجمل ٣٠/ ١/ ٢٠١٢


أما اليوم الأول فهو الخامس والعشرون من يناير عام ٢٠١١، وأما اليوم الثانى فهو الخامس والعشرون من يناير ٢٠١٢.
هذان يومان تاريخيان ورائعان بكل معانى الكلمة.
أما اليوم الأول فيكفيه للاعتراف بروعته وتاريخيته أنه كان اليوم الذى كسر فيه الشعب المصرى وفى مقدمته شبابه الثائر النبيل حاجز الخوف إلى غير رجعة. والأمر الثانى أنه كان اليوم الذى وضع فيه الشعب المصرى رجليه على أعتاب الديمقراطية.
وهكذا بدأت الثورة.
ومر عام الآن على قيام الثورة وكان هناك إشفاق وقلق عام بالنسبة لما قد يحدث فى يوم ذكرى الثورة. وكان عندى ما يشبه الحدس اليقينى أن هذا اليوم- ذكرى عيد الثورة- سيمر بسلام وسيكون الصوت الغالب فيه هو صوت العقلانية والرشد. وزاد من هذا اليقين عندى ما حدث فى ميدان التحرير يوم عيد رأس السنة الميلادية حين التقت مجموعات من الأقباط والمسلمين فى الميدان واحتفلوا وابتهلوا واتجهوا إلى الله أن يحقق آمال مصر حتى تستكمل الثورة.
وبالأمس القريب فى يوم الذكرى الرائعة خرج ملايين المصريين إلى الميادين العامة فى شتى محافظات مصر وكان ميدان التحرير فى القاهرة- وسيظل بإذن الله- هو البؤرة والرمز. ولم يحدث أى احتكاك جدى أو شجار عنيف بين المتواجدين فى ميادين مصر المختلفة. حدثت بعض الإصابات نتيجة الازدحام والتدافع وعولج أغلبها فى مكانه ونقل عدد قليل من الحالات إلى المستشفيات العامة وأظنها تكون الآن قد تم شفاؤها والحمد لله.
وأحب أن أشير هنا إلى بيان الجمعية الوطنية للتغيير- والتى أعتز بأننى كنت أحد مؤسسيها- حيث يقول البيان: إن خروج هذه الملايين الحاشدة قد منح الثورة المصرية ميلاداً عفياً جديداً وأعطى قوى الثورة فرصة سانحة لضم صفوفها وتنسيق أعمالها والنهوض لاستكمال مسيرتها، وأشار البيان إلى أن واجب البرلمان الجديد يحتم عليه أن يتجه نحو دستور توافقى جديد تتبناه جمعية تأسيسية تمثل كل أطياف المجتمع وقواه السياسية. وهو المعنى الذى كثيراً ما رددته فى كل كتاباتى ومداخلاتى.
والذى أريده اليوم هو تحليل مختلف الهتافات والنداءات التى نادى بها الفرقاء المتجمهرون.
لعل أبرز النداءات والذى كان هو النداء الذى شارك فيه أغلب المتواجدين فى ميادين مصر المختلفة هو ضرورة أن توجد محاكمات ثورية لرموز الفساد السياسى والمالى فى النظام السابق وفى مقدمتهم الرئيس المخلوع ونجلاه وزوجته وكل رموز حكمه.
هذا المطلب كان مطلباً مشتركاً إلى حد كبير بين سائر الاتجاهات. فما هى إمكانية تحقيق هذا المطلب الآن وما هى العقبات إن وجدت.
كان هذا المطلب سليماً وهاماً ومشروعاً منذ الأيام الأولى للثورة. ووقتها كان يلزم أن تنشأ محكمة ثورة خاصة لمحاكمة هؤلاء الذين أذلوا مصر وأهانوها على مدى ما يقرب من ثلاثين عاماً وفى كل المجالات والميادين.
ولكن ذلك لم يحدث حين كان يجب أن يحدث وكان يمكن أن يحدث وأحيلت تلك القضايا إلى المحاكم الجنائية العادية.
وتقديرى أن محكمة الجنايات التى تحاكم الرئيس المخلوع ونجليه وحبيب العادلى هى محكمة على أعلى مستوى من المهنية والموضوعية وقد أحيلت هذه القضايا إلى المحكمة بالطريق القانونى السليم فهل يمكن الآن انتزاع اختصاصها كما يطالب الثوار وأن يعهد بهذا الاختصاص إلى محكمة ثورة خاصة.
تقديرى أن هذا المطلب تقف أمامه عقبات قانونية. وعلى أى حال فإن مجلس الشعب الذى يملك سلطة التشريع يستطيع أن يواجه هذا الأمر عسى أن يجد مخرجاً يحقق رغبة الثوار وهى رغبة مشروعة مادمنا نحتفل بذكرى الثورة. هذا مطلب ثورى وهذا هو مجلس الشعب الذى جاءت به الثورة وعليه أن يتصدى لهذه المسؤولية.
هذا عن المطلب الذى شاركت فيه أغلب الفئات التى خرجت إلى الميادين العامة. أما المطلب الثانى والذى اقتصر على بعض الكتل السياسية المشاركة فكان هو نقل السلطة من المجلس العسكرى فوراً إلى سلطة مدنية.
هذا المطلب رفضته التيارات الدينية وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة وقد قرأت للدكتور عصام العريان، نائب رئيس الحزب وعضو مجلس الشعب, فى تصريح له لجريدة الشرق الأوسط- نشر بتاريخ ٢٦ يناير ٢٠١٢- أن المطالبة بتنحى المجلس العسكرى تؤكد إصرار البعض على عدم الالتزام بخارطة الطريق الواقعية التى توافقت عليها كل القوى السياسية والتى تحدد انتقال السلطة نهائياً من المجلس العسكرى إلى السلطة المدنية قبل ٣٠ يونيه المقبل. وأضاف الدكتور العريان قائلاً إن الاستمرار فى إهانة المجلس العسكرى واستدراجه إلى معارك فى الشارع سيؤدى إلى ضياع البلد كله.
ولكن جماعات سياسية أخرى وعلى رأسها شباب ٦ أبريل وغيرهم اعتبروا هذا المطلب بنقل السلطة فوراً هو مطلب أساسى من مطالب الثورة.
وأنا هنا أتساءل مع هؤلاء الزملاء عن ماذا يتنازل المجلس العسكرى الآن وماذا ينقله وإلى من؟ كان المجلس العسكرى يتولى قبل انتخابات مجلس الشعب وقبل حكومة الدكتور كمال الجنزورى كل سلطات الدولة.
والآن انتقلت السلطة التشريعية وسلطة الرقابة إلى مجلس الشعب المنتخب انتخاباً سليماً نزيهاً- سواء رضى البعض عن نتائج الانتخابات أو أنكرها- ولكن هذه هى إرادة الشعب التى لابد من احترامها والرضوخ لها وإلا هدمنا كل أسس النظام الديمقراطى.
هذا عن سلطة التشريع ورقابة السلطة التنفيذية. ليس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة منها الآن شىء.
أما السلطة التنفيذية فيتولاها مجلس الوزراء الذى ينعقد أكثر من مرة هو أو لجنة من لجانه مرات على مدار الأسبوع ويتخذ ما يراه من قرارات دون معقب عليه والذى سيخضع بحكم الضرورة لرقابة البرلمان عندما تنتظم جلسات مجلس الشعب.
وهكذا تكون سلطة التشريع والرقابة والتنفيذ قد انتقلت فعلاً ولم تصبح فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وعلى ذلك فماذا بقى للمجلس من سلطات وهل يمكن نقلها فعلاً.
المجلس ومعه الجيش المصرى كله مهمته الأساسية هى حماية مصر من أى عدوان خارجى وقد تبرز هذه المهمة فى الحدود الشرقية أكثر مما تبرز فى الحدود الأخرى وذلك لوجود العدو الرئيسى الذى يتربص بها والذى يتحيّن أى فرصة للانقضاض على سيناء ليعيد عجلة التاريخ إلى الوراء.
هل هذه المهمة قابلة للتنازل ولمن؟
من ناحية أخرى فى هذه المرحلة الانتقالية التى لن تستمر أكثر من خمسة أشهر من الآن من يملك إمكانية الحفاظ على النظام العام وعلى الضبط والربط داخل البلد. من يملك فى هذه المرحلة وفى هذه الأيام أن يصون أمن الناس وحياتهم.
ليت هؤلاء الإخوة الذين يطالبون برحيل المجلس العسكرى فوراً والآن أن يسألوا أنفسهم هذه الأسئلة وأن يجيبوا عنها بقدر من الرؤية والعقلانية.
والله المستعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ