الأربعاء، 25 يناير 2012

٢٥ يناير.. حفلة أم ذكرى أم ثورة؟


  بقلم   مى عزام    ٢٥/ ١/ ٢٠١٢
قل «عام من الثورة»، ولا تقل «عام على الثورة»، فالمسافة بين ٢٥ يناير ٢٠١١ و٢٥ يناير ٢٠١٢ ليست عاما، لكنها يوم واحد فقط، الأول كان الثلاثاء، واليوم هو الأربعاء، وهكذا فإن المسافة هى فقط بين أمس واليوم، بدليل أن دماء الشهداء لاتزال ساخنة على أسفلت الشوارع لم تجف، وأنين المصابين لم يتوقف، وحناجر المحتجين لاتزال تصرخ بالمطالب نفسها، ولم يسمح الوقت بالاستجابة.. الزمن راكد، لا نتائج للمحاكمات، ولا فرصة لاستعادة الأموال المنهوبة، ولا وسيلة للاستقرار، وطبعا لم نجد الوقت لرفع ظلم أو تحقيق استقرار، أو تمتع بكرامة وهدوء، الكل يعيش على أطراف أصابعه، والعام لا يتسع لشىء ولا يعطى أملاً بتحقق التغيير الذى طالبنا به لسنوات وسنوات، حتى مبارك الذى تصورنا أننا خلعناه، فاجأنا محاميه «الديب» وجاهر بصوت مسموع فى محاكمة القرن بأنه لايزال الرئيس، أو على أقل تقدير «الفريق» وربما يرقيه فى الجلسة المقبلة إلى «مشير»، والسيدة سوزان لاتزال قادرة ومؤثرة، ومن أجلها كسروا نظام السجون، لتزور ولديها يوم جمعة، كأنها تريد أن تبعث رسالة لجموع الشعب بأنها الهانم صاحبة الاستثناءات التى تستطيع أن تفعل ما تريد وقتما تريد.
كنا قد تصورنا أن الثورة التى اشتعلت فى مثل هذا اليوم، واستمرت ١٨ يوما، ونجحت فى الإطاحة برأس النظام وأعوانه، لكننا فوجئنا بأن شبح مبارك ظل يحكم القصر والشارع معا، وخرج الفلول من الكهوف وجاهروا بمظاهرات التأييد ورفع صور المخلوع، ومعها شعار «آسفين يا ريس»، وانتقل مبارك بعد معارك طويلة من فخامة المستشفى الدولى بشرم الشيخ إلى فخامة مركز الطب العالمى شرق القاهرة، لا فرق فى الفخامة والمعاملة الخمس نجوم، وفى المقابل عانى الشارع ويلات الانفلات الأمنى، وبطء الإصلاحات، وانشغل فى ملفات إجرائية تتعلق باستفتاءات وانتخابات ومشاجرات ومعارك افتعلها بلطجية ومدسوسون للوقيعة بين طرفى الثورة (الشعب الغاضب والجيش الحامى)، وبدلا من شعار «الشعب والجيش إيد واحدة» الذى دوى فى الشوارع كمقدمة لنجاح الثورة، تعكر صفو الجو وتسلل فيروس الانقسام وأزمة الثقة، وعادت صورة القمع وأجواء التربص والتخوين بين الطرفين، حتى تصور البعض أن مكتسبات ثورة يناير ضاعت تماما، ونادى بعضهم بثورة جديدة، وكأن أمس لم يكن، وكأن دماء الشهداء لم تحقق سوى لوعة الأمهات ووجع فى قلب الوطن، ولهذا فإن اليوم لا يصلح للاحتفال لأننا لم نحقق من الأهداف ما يستحق الاحتفال، فكل الملفات مفتوحة وحجم الإنجاز ناقص ولا يزيد على التعبير الكوميدى «لحسة من قعر الطبق»، ولهذا أيضا فإن اليوم لا يصلح أن يكون «ذكرى»، لأن هذا التعبير يعنى أن الثورة ماتت وانتهت، وطبعا لا الثورة اكتملت وحققت أهدافها لنحتفل بها ونجعل منها عيدا قوميا، ولا هى ماتت لنحتفل بذكرى المرحومة، ولكنها ثورة تحت التأسيس..
مازالت تكافح وتجتهد وتتلمس طريقها وسط زحام وتخبط وعشوائية ومؤامرات وفوضى واتهامات متبادلة، لذلك فإن السؤال الآن لا يتعلق بالعام أو اليوم الذى مر من الثلاثاء الدامى إلى الأربعاء الغامض، لكن السؤال يجب أن يستشرف مستقبل الثورة، وفى رأيى أن هذا لن يحدث إذا استمر التناحر بين كل الأطراف، يجب أن نبحث عن المشتركات بدلا من بذل الجهود لاكتشاف الثغرات والتفتيش عن نواقص الآخرين، كلنا موجوعون ومجروحون من النظام البائد، والفرصة ضئيلة لنجد بيننا أنبياء، فارفعوا راية التسامح تحت سماء الوطن، وتعاونوا من أجل مستقبله، لأنكم لن تجدوا مستقبلكم فى وطن بلا مستقبل. باختصار: اجعلوا من ٢٥ يناير عيد ميلاد للشعب ولا تبالغوا فى الحديث عن الموت والدم والانتقام، لأن دماء الشهداء ليست لإشعال النار فى الوطن، بل كانت وستظل فداء وتضحية من أجل عزته وكرامته، فلا تسترخصوا دماء الشهداء الأبرار، ولا تقايضوا على الثمن، ولنعمل معا لتحقيق حلمنا المشترك «عيش - حرية - عدالة اجتماعية»، ولا تقلقوا على الشهداء فهم أحياء عند ربهم يرزقون.
وتذكروا وصية الشهيد: «إن مت يا أمى ماتبكيش.. راح أموت علشان بلدى تعيش».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ