الثلاثاء، 24 يناير 2012

آلام الإخوان بقلم على السيد ٢٤/ ١/ ٢٠١٢


نجحت جماعة الإخوان فى أن تكون «بديلاً سريعاً» عن حزب الأغلبية فى النظام السابق. كان طبيعياً أن تحتل جماعة الإخوان المرتبة الأولى، باعتبارها الجماعة التى كانت تصنف نفسها فى خانة «المعارض الأول» للنظام السابق، وتقدم نفسها على أنها من ضحاياه، حيث استثمرت الجماعة «آلامها»، التى ظلت لسنوات تروج لها، وتبرزها باعتبارها «قصة كفاح». ونحن نعرف أن سقوط أى نظام يأتى بالضرورة بالمعارضة بديلاً، حتى لو كانت هذه المعارضة شريكاً للنظام الساقط، أو أكثر سوءاً وفساداً منه، وهذا هو العيب الأكبر للثورات الشعبية. فالثورات الشعبية لا تأتى غالباً بمن صنعوها ليحكموا، إنما تأتى بالبديل الجاهز الذى كان يتحين الفرصة، لينقضّ على الحكم.
كان الإخوان ومازالوا يصدّرون معاناتهم وآلامهم مع نظام «بغى وطغى»، ونجحوا فى ذلك تماما، مع أنك يمكن أن تتحفظ كثيرا على العلاقة بين «الجماعة» و«النظام السابق»، التى اعتمدت كثيرا مبدأ «الأخذ والعطاء». الإخوان عاشوا طويلا تحت سحر «قصة الألم»، وبها حصلوا على الدولة المصرية، عن طيب خاطر الشعب. الإخوان ضخموا بشكل مفرط «قصة الألم» وتعرضهم للظلم والتعذيب طوال ما يزيد على ٨٤ عاماً، مع أن كل معاناتهم لا تذكر أمام ما عانته «الجماعة الإسلامية»، وأمام ما لاقاه المعارضون الجادون للنظام السابق، من سجن وتعذيب وإقصاء وتهميش. نجحت الجماعة وفقا لهذا السيناريو، وليس وفقا لبرنامج سياسى أو رؤى مستقبلية، إذ إنها لن تقدم جديداً على صعيدى الاقتصاد والسياسة، فهى حتى الآن تسعى سعى الحزب الوطنى.
وإذا كان الإخوان قد استثمروا معاناتهم وآلامهم، بفرض أنها صحيحة، استثماراً جيداً، فماذا هم فاعلون بعدما وصلوا إلى السلطة؟ هل سيحدثوننا عن تضحياتهم وجهادهم الأكبر فى «حكم البلاد»؟ بالتأكيد سيفقد الإخوان ميزة كبيرة طالما كانوا يعتبرونها العصا التى يتوكأون عليها، وهى «قصة الألم».
وإذا كانت مصر تنتظر، بفارغ الصبر، أن يبدأ برلمانها الجديد أعماله، فإن «الهم الأكبر» والمعاناة الحقيقية بدأت مع الإخوان، وتقديرى أن كل تاريخهم كوم واليوم كوم ثانٍ. المطالب كثيرة والأحلام عريضة، والواقع شديد التعقيد، والمشكلات تعم البلاد من شرقها إلى غربها. مصر تحتاج أفكاراً جديدة ومبتكرة للخروج من الأزمة، تحتاج تفكيراً عميقاً فى النظام السياسى الذى ستحكم به، فالإخوان يروجون لنظام برلمانى أو «برلمانى رئاسى» فقط من أجل الهيمنة على السلطة التنفيذية إلى جوار التشريعية. الإخوان لا يستمعون إلى أحد يتحدث عن مخاطر وعيوب النظام البرلمانى، ولا يهمهم الرأى الآخر، تماما كما كان يفعل الحزب الوطنى، بإقصاء وتهميش كل الآراء التى تعارض سياسته.
البرلمان بدأ أعمال أمس وجماعة الإخوان هى المسيطر والمهيمن على المشهد السياسى، وعليها أن تنسى قصة الألم، التى روجت لها سنوات، فالألم القادم أشد قسوة وعنفاً من كل ما فات، وربما تفقد الجماعة وجودها تماماً فى الحياة السياسية لأنها مقبلة على تلال من المشاكل وتريد حلها على طريقة الحزب الوطنى. المشكلة ليست فى أن «الجماعة» ستخسر، المشكلة أننا سندفع الثمن مجددا، وأن مصر كلها ستدفع ثمن السياسات الخاطئة. وأول هذه الأخطاء هو الانفراد بالرأى، والهيمنة التامة على السلطة. فالجماعة وضعت نصب عينيها الوصول إلى «السلطة»، باعتبارها غاية، وليست وسيلة لتطبيق سياسات وتحقيق أهداف تنقل المجتمع من خانة الركود والتخلف إلى خانة الدولة المتحضرة التى تعتمد القانون منهجاً والعلم طريقاً.
الوصول إلى الحكم لن يكون ميزة عظيمة للإخوان، لأن السلطة كانت غايتهم وسيعضون عليها بالنواجذ، مقابل يقظة شعبية لن تسمح لهم بالبقاء طويلاً، وغياب تام لقصة الألم التى نقلتهم من وضع المتألم الذى يثير التعاطف، إلى وضع المتحكم الذى يجلب الغضب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ