الثلاثاء، 24 يناير 2012

الطريق إلى ٢٥ يناير: طارق الخولى يكتب شهادته عن ٢٥ يناير: وضعنا خطتين للتحرك.. وكلمة السر «ناهيا» ٢٤/ ١/ ٢٠١٢



 (إنى أسمع زئير الأحرار.. وأشم نسائم الحرية).. هكذا قلت لمحمود سامى وعمرو عز زميلىّ فى حركة ٦ أبريل على مقهى البورصة بوسط المدينة قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ بأسبوعين.. فقد كان منوطاً بنا نحن الثلاثة أن ندير فعاليات الحركة فى يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ حيث اعتادت الحركة قبل عامين أن تخرج فى نفس اليوم للتظاهر من أجل التنديد بقانون الطوارئ وبانتهاكات الداخلية فى عيدهم.. ولكن هذا العام كان الأمر مختلفاً فلم نكن نعلم أنها ثورة وإن كنا قد شعرنا بأن هناك شيئاً مختلفاً.. بدأنا نحن الثلاثة فى التواصل مع كل الكيانات الشبابية فبدأنا بحركة شباب من أجل العدالة والحرية ثم حملة دعم البرادعى وشباب الإخوان المسلمين وشباب حزب الغد والتجمع والوفد والكرامة وصفحة كلنا خالد سعيد، حيث كان يتواصل محمود سامى مع وائل غنيم عبر الإنترنت بدون أن يعرف شخصه للتنسيق حول اليوم.
وبتجمع هذه الكيانات الشبابية تم تشكيل لجنة تنسيقية- لاحقا سميت بائتلاف شباب الثورة- مكونة من ممثلين عن كل مجموعة لإدارة فعاليات يوم ٢٥ يناير.. حيث يتخذ القرار داخل اللجنة بالتصويت فى حالة عدم التوافق على أحد القرارات.. وبدأنا فى إعداد العدة ليوم عظيم.. فبدأنا فى عملية الحشد لليوم عن طريق الفيس بوك وتويتر واليوتيوب.. وعن طريق خطة توزيع للمنشورات فى كل أحياء ومحافظات مصر تدعوا للخروج يوم ٢٥ يناير.. وضع محمود سامى للجنة التنسيقية وكلنا خالد سعيد خطة التحرك كاملة على الأرض.. بأن نخرج من أماكن شعبية وشديدة الفقر إلى الميادين والساحات الكبيرة للاعتصام بها.. وبالفعل تم تحديد عدد من الأماكن ومنها مسجد مصطفى محمود بشارع جامعة الدول العربية (الساحة الكبيرة).. ولكن كان هناك مكان سرى وهو شارع ناهيا (المكان الشعبى الفقير) سيخرج منه النشطاء السياسيون إلى شارع جامعة الدول العربية ليلتحم من أتى من شارع ناهيا مع من انتظر عند مسجد مصطفى محمود ليبدأ الزحف نحو ميدان التحرير.. حيث العزة والكرامة.
كان هناك خطتان تم الاتفاق عليهما داخل اللجنة التنسيقية (ائتلاف شباب الثورة).. الخطة (أ) وكانت تنص على أنه فى حالة إذا لم يتجاوز العدد ألفى متظاهر سنعتصم فى ساحة مسجد مصطفى محمود.. أما الخطة (ب) فكانت فى حالة تجاوز العدد العشرة آلاف نتوجه إلى التحرير.. وكانت تعليمات اليوم لمجموعتنا وعلى الفيس بوك أننا لن ترك الأمن يسيطر على المسيرات بالكردونات الأمنية.. وأننا سنواجه الأمن بالكر والفر وسنكسر أى كردون بشرى من قوات الأمن المركزى.
وبالفعل حانت اللحظة التى كنا نحلم بها منذ عدة سنوات عندما كنا نقف فى التظاهرات بالعشرات أمام دار القضاء العالى.. أو نقابة الصحفيين.. أو المحامين نندد بحكم مبارك ونطالب بإسقاطه ونتعرض لقمع بلطجية الداخلية المتجبرين.. فاليوم ٢٥ يناير ٢٠١١.. الساعة ١٢ ظهراً.. المكان شارع ناهيا ببولاق.. حيث تجمع أكثر من ٥٠٠ ناشط من الحركات والأحزاب المختلفة مترقبين ليوم قد يكون عظيماً فى تاريخنا.. منتظرين أن نموت لنمهد الطريق للحرية كى تعبر إلى مصر الحبيبة.. التى أحببناها أكثر من أنفسنا.. فى هذه اللحظة توقف التاريخ ليسجل أعظم مشهد شهدته مصر فى كل العصور.. شباب فى منتصف العشرينيات تشابهت أشكالهم.. وملابسهم.. وسماتهم.. عبروا حاجز الخوف.. متلمسين شوارع الحرية.
فى لحظة واحدة وجدنا أمواج البشر تندفع فى اتجاه واحد هو ميدان التحرير أيقونة الثورة المصرية.. فى هذه اللحظة لم أستطع أن أوقف نزيف الدموع التى كانت تنهمر من عينى فرحا باليوم الذى حلمت به كثيراً مع رفقاء سيارات الترحيلات والزنازين.. وبالفعل اندفعت الجموع من كل مكان لتلتقى فى مغرب هذا اليوم فى المكان والميعاد الذى حدده رب العباد.. أخيراً دخلنا جميعا إلى ميدان التحرير بعد مواجهات كانت صعبة، ولكن لم تكن دامية مع قوات أمن مبارك.. حيث استقبلنا بخراطيم المياه وقنابل الغاز التى استنشقناها وكأنها رحيق الزهور..
وبدأت بعض المواجهات عند مدخل قصر العينى حيث لم تدم كثيراً لنجلس على أرض ميدان التحرير التى لم نكن نعرف أنها ستكتسى بالدماء بعد أيام قليلة.. وهنا وفى حوالى العاشرة مساء قررت أن أذهب مع أحد زملائى لنشترى أول خيمة نصبت فى ميدان التحرير.. قبل حوالى ساعتين من الهجوم الوحشى لقوات العادلى.. فعندما تجاوزت الساعة منتصف الليل بثلاثين دقيقة.. بدأت الوحوش الكاسرة فى الانقضاض على الأطهار من البشر ليفضوا ميدان التحرير بمنتهى الشراسة والجبروت لينتهى يوم أشعل فتيل الثورة.
فى الأيام التالية وبالتحديد يومى ٢٦ و٢٧ يناير شهدت تظاهرات ومواجهات فى بعض المحافظات كانت أشدها مواجهات السويس التى سقط فيها أربعة شهداء كتبوا باستشهادهم استمرار الثورة ونجاحها.. ففى يوم ٢٧ يناير بدأت اللجنة التنسيقية (ائتلاف شباب الثورة) فى عقد اجتماع سرى فى مكان سرى.. لأننا كنا جميعا مطلوباً القبض علينا من جهاز أمن الدولة حيث نجحوا بالفعل فى القبض على محمود سامى يوم ٢٦ يناير.. وفى اجتماعنا السرى قررنا أن ندعوا يوم ٢٨ يناير للخروج فى جمعة سميناها بالغضب.. فكانت كل الأمور فى صالح الثورة.. الحشود محتشدة فى المساجد لصلاة الجمعة والوجوه معروفة.. فلنخرج من كل المساجد إلى ميدان التحرير.. وفى هذا الوقت كانت كل وسائل الإعلام ترصد ما يحدث فبمجرد مكالمة إلى إحدى وسائل الإعلام تنتشر الدعوة كالنار فى الهشيم.
ومع ساعات الصباح الأولى ليوم ٢٨ يناير.. اليوم الموعود.. عرفنا كنشطاء سياسيين أن النظام ارتعش.. بقطع الاتصالات والإنترنت.. وإذا ارتعش النظام فهذا معناه اقتراب سقوطه.. وبالفعل خرجنا فى هذا اليوم الذى كنا فيه أكثر جاهزية من ٢٥ يناير.. حيث أتى كلنا منا بالكمامات والخل والبصل لمواجهة قنابل الغاز.. ومن عدة مساجد بعد صلاة الجمعة كان أبرزها مسجد الاستقامة بميدان الجيزة ومسجد الخازندارة بشارع شبرا انطلقت المسيرات.. ليبدأ أكثر الأيام دموية فى أيام ثورتنا حيث تساقط الشهداء بكل وسائل القتل والقمع بالرصاص والخرطوش والدهس بمصفحات الأمن.. لينتهى هذا اليوم الدامى بسقوط الدولة البوليسية لتشيد دولة ميدان التحرير.. فقد انسحبت قوات العادلى من الشوارع.. لتظهر آليات قوات الجيش التى استقبلت بحفاوة من الثوار.. لنجلس منذ هذه اللحظات فى عاصمة الحرية.. مدينة التحرير.. التى عشت مع سكانها الأطهار أجمل أيام حياتى.
مر خطاب مبارك الأول فى ليلة ٢٨ يناير مرور الكرام وكأننا لم نسمع شيئاً.. ليأتى ونحن نمكث فى التحرير الخطاب الثانى الذى كاد أن يفتك بالثورة لولا غباء المحيطين بمبارك.. فبعد الخطاب الثانى بدا ميدان التحرير فارغا وقد رفع أحد الأشخاص يافطة مكتوباً عليها (من صنع نصف ثورة فقد صنع قبره بيده).. وكأنه يحذر من هذا المشهد ويوضح العواقب.. ومرت علينا الساعات ثقيلة ومظلمة حتى ظهيرة اليوم الذى سمى بعد ذلك بيوم موقعة الجمل.. اليوم الذى أحرقت فيه آخر الأوراق التى يملكها مبارك لإخماد الثورة.
حيث اقتحم علينا أهل الجاهلية راكبو الجمال والخيول ميدان التحرير.. لتبدأ موقعة ومقاومة شعبية من أهالى التحرير البواسل.. الذين أداروا المعركة على خير ما يكون.. معركة خذلتنا فيها قوات الجيش التى دخلت الدبابات معلنة عن عدم تدخلها لحماية الثوار.. وهو ما شكل واقع الصدمة بالنسبة لنا.
كل من كان فى التحرير فى هذا اليوم كانت لديه مهمة يقوم بها.. فكان من هم فى الصفوف الأولى فى الالتحام مع القاذورات من البلطجية الذين استخدموا تكسير الرخام والرصاص الحى فى قتل الثوار.. وكان من الثوار من يقوم بالدعم اللوجيستى للمقاتلين على أطراف التحرير فكان من يقوم بتكسير أرصفة التحرير لحجارة.. وهناك من كان يحمل تلك الحجارة للمقاتلين.. ومن ينقل المصابين إلى المستشفيات الميدانى بالميدان.. ومن يطرق على الحديد لاستنفار الهمم وبث الرعب فى قلب البلطجية المجرمين.. ومن كان يقوم بنقل الغذاء للمقاتلين والذى كان عبارة عن السوداوين التمر والماء.. ومن أكثر المواقف التى لا أنساها فى هذا اليوم.. عندما وجدت أحد شباب الإخوان وهو قادم من معركة المتحف المصرى إلى داخل التحرير ليستريح بعض الوقت.. ليلتقى أحد الأشخاص الملحدين وهو يتوجه لاستكمال المعركة بعد قسط من الراحة.. فسأل الإخوانى مداعبا الملحد إلى أين أنت ذاهب؟ أنا كنت فى المعركة لأنول الشهادة.. أما أنت أين تذهب لو مت ستدخل النار.. فضحك الاثنان ودخل معنا إلى المعركة التى دامت أكثر من ٢٤ ساعة.. تمكن خلالها مقاتلو التحرير العظماء من الدفاع عن دولتهم.
وفى اليوم التالى لموقعة الجمل ذهبنا (اللجنة التنسيقية أو ائتلاف شباب الثورة) لبيت محمد البرادعى لنستعرض ونفكر معنا كيف ستكون الأمور فى المرحلة المقبلة.. وأنهينا اللقاء متوجهين إلى ميدان التحرير.. فتم فى الطريق القبض علىّ مع ثمانية من زملائى هم أحمد دومة.. عمرو عز.. عمرو صلاح.. شادى الغزالى حرب.. ناصر عبدالحميد.. ياسر الهوارى.. مصطفى شوقى.. محمد عرفات.. وقد تمت عملية القبض علينا فى شارع فيصل على يد قوات الجيش والشرطة.. بعدما بثوا فى أوساط الأهالى أننا جواسيس وتركونا نضرب على يد الأهالى الذين أوسعونا ضربنا حتى نقلنا لسيارة ترحيلات حيث احتجزنا فيها ما يقرب من ١٥ ساعة.. ثم نقلنا على يد الشرطة العسكرية الذين أظهروا لنا وجها آخر للجيش لم نعرفه منذ أن نزلت قوات الجيش فى ٢٨ يناير.. حيث ضربنا بقسوة شديدة على يد الشرطة العسكرية.. حيث قيدوا أيدينا من الخلف وعصبوا أعيننا حتى لا نرى لمدة ٣ أيام قضيناها فى مكان علمنا أنه تابع لإحدى الجهات السيادية.. حيث تم التحقيق معنا لأكثر من مرة فى محاولة لجمع المعلومات وإقناعنا بأننا يجب أن نترك مبارك يستمر لستة أشهر.. ولكن كان العكس حيث أقنعنا المحققين أننا كنا فى منزل البرادعى نقنعه بضرورة الرحيل من التحرير.. وأننا كنا سنجرى سلسلة من اللقاءات مع الشخصيات العامة لترك التحرير والرئيس يستمر فى الحكم.. ومن الغريب أن المحققين اقتنعوا على غير الحقيقة وشكرونا على مجهودنا.. وقرروا إطلاق سراحنا حتى نكمل ما بدأناه مع البرادعى بعدما كان من المقرر ألا نخرج إلا عندما يخلو ميدان التحرير من المتظاهرين.
وبعد إطلاق سراحنا بيوم تم تسمية اللجنة التنسيقية.. ائتلاف شباب الثورة لنستكمل دورنا فى بلورة مطالب التحرير الذى لم يكن له قيادة.. ولكن كان له طليعة شبابية تبلور مطالبه وتصدرها إعلاميا كمطالب للثورة.. واستمررنا فى مدينة التحرير حتى سقط مبارك يوم ١١ فبراير فى نهاية أعظم ١٨ يوما شهدتها مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ