الخميس، 19 يناير 2012

شباب الثورة والبرلمان الجديد بقلم مصطفى الفقى ١٩/ ١/ ٢٠١٢


تعرفت فى الشهور الماضية على عدد كبير من شباب الثورة وزارنى عشراتٍ منهم وقد أحزنتنى كثيراً حالة الإحباط التى يشعر بها معظمهم، فهم يرون أنهم قد تحركوا من أجل هدف قومى نبيل، وتعرضوا لمخاطر دامية وسقط منهم مئات القتلى والجرحى، لكن الذين يتصدرون المشهد السياسى الآن ليسوا كلهم من الثوار الحقيقيين، بل إن بعضهم من الانتهازيين الذين أكلوا على موائد كثيرة وكان لديهم حسُّ مبكر ألهمهم فكرة القفز فى صفوف المقدمة عندما أدركوا أن النظام السابق راحل لا محالة، وهذا الشباب النقى الثائر الذى خرج منذ اليوم الأول دون حساباتٍ شخصية أو توازنات مصلحية هم الآن خارج الدائرة، وعندما حاول بعضهم التقدم للترشيح للبرلمان وجدوا أن إمكاناتهم المادية لا تفى على الإطلاق بمصروفات الدعاية الانتخابية،
خصوصاً أنهم شباب عادى غير معروفين للعامة، كما أن المنافسة الانتخابية شديدة والإمكانات المادية للمرشحين الكبار هائلة، كذلك فإن الأموال تتدفق على البعض الآخر من كل اتجاه، وقد حكى لى صديقى وزميل دراستى الأستاذ «ممدوح عباس»، رئيس «نادى الزمالك»، أنه التقى مجموعة من الشباب الثائر النقى من ثوار الخامس والعشرين من يناير بحكم صداقتهم لأولاده، وأفزعه كثيراً ضعف إمكاناتهم المادية التى تحول دون ترشحهم فى الانتخابات البرلمانية، خصوصاً أن المشكلة ليست فى رسوم الترشيح، فقد تم إعفاؤهم منها، لكن مسار العملية الانتخابية يتطلب قدرات مادية هم بعيدون عنها،
ولقد كان ذلك الحديث قبيل البدء فى انتخابات المرحلة الأولى، بل عندما كان باب الترشيح لا يزال مفتوحاً، عندها قفزت إلى ذهنى فكرة طرحتها فى أكثر من وسيلة إعلامية وكان لها صداها الكبير عند إذاعتها، وأعنى بها ضرورة السعى لتوسيع مساحة التعيين فى مجلس الشعب، بحيث يرتفع عدد النواب المعينين من عشرة إلى ثلاثين عضواً أو أكثر بحيث يستوعب مجلس الشعب الجديد أكثر من عشرين شاباً من القيادات النقية والحقيقية لثوار «التحرير»، يختارونهم بأنفسهم، وبذلك يتاح لهم صوتٌ تحت القبة يتمثل به ضمير الثورة التى جاءت بأعضاء المجلس الجديد، ولقد قيل لى وقتها إن الأمر يتطلب إجراء دستورياً وتعديلاً قانونياً، ولقد طالبت بالمضى فيهما معاً خصوصا أن تمثيل المرأة المصرية فى مجلس الشعب الجديد يدعو هو الآخر إلى الخجل، فالعدد متواضع للغاية وصوت المرأة المصرية سوف يكون غائباً عن المحافل البرلمانية الدولية، وفى ذلك عوارٌ واضح يشير إلى حالة التخلف السياسى والاجتماعى التى كنا نظن أننا قد خرجنا منها،
ولقد أراحنى كثيراً أن «المجلس الاستشارى» برئاسة الوزير السابق «منصور حسن»- وهو وطنى محترم بكل المعايير- قد رأى الأخذ بهذا الاقتراح ورفعه إلى المجلس العسكرى، لعله يجد طريقة إلى التنفيذ ترضية للثوار الحقيقيين وإحداثاً للتوازن تحت قبة البرلمان ونقلاً لصوت الثورة من «ميدان التحرير» إلى «مجلس الشعب»، بيت الرقابة والتشريع، الذى يجب أن يقود الحياة البرلمانية فى «مصر» خلال هذه المرحلة شديدة الحساسية بالغة التعقيد، وأنا اليوم ونحن على مشارف انعقاد مجلس الشعب الجديد ألفت النظر مرة أخرى إلى هذا الاقتراح، لعله يدفع ببعض العناصر الثورية الحقيقية- من شبابٍ وشابات- نحو قبة البرلمان المصرى العريق
وقد يقول قائل إن عضوية البرلمان من خلال الأعداد المطروحة للتعيين مهما زادت فإنها لن تستوعب القيادات الحالية، فى ظل تعدد الائتلافات وانقسام الثوار والرد هنا هو أننا نترك لهم أن يختاروا من بين صفوفهم أكثر عناصرهم شرفاً وخبرة والتصاقاً بمبادئ الثورة الشعبية وولاءً لها، مع الوعى بطبيعة المرحلة والملابسات التى تحيط بها، ويمكن لمجلس الشورى إذا أجريت انتخاباته أن يستوعب بين المعينين فيه أعداداً أخرى من الشباب والمرأة المصرية، بل الأقباط أيضاً حتى نعيد التوازن المفتقد إلى البرلمان المصرى الجديد بمجلسيه.
تلك رسالة لا نبغى بها إلا العدل السياسى والتوازن النيابى وإدخال ثوار ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى برلمانٍ عريق، انعقدت أولى جلساته فى القرن التاسع عشر، فكان بحق أقدم مؤسسة تشريعية فى المنطقة وأطولها تاريخاً وأكثرها تأثيراً.
  التعيين في مجلس الشعب.
 أولا: كقاعدة عامة، فإننا نعتبر – نحن أساتذة النظم السياسية والقانون الدستوري – أن التعيين في البرلمان يصطدم بمبدئي الديمقراطية والفصل بين السلطات، ولكن في بعض الدول وفي ظل ظروف معينة، نرى أن الخروج على هذين المبدئين هو أمر مطلوب بل ومحمود، وبالنسبة لمصر فهو أمر ملح بشدة في ضوء الظروف السائدة حالياً وما أسفرت عنه نتائج الانتخابات المسرحية و الغالبية التي حصلت عليها بعض التيارات في انتخابات استخدمت فيها كل الوسائل غير الشرعية وغير المشروعة وغير القانونية من أكاذيب وسب وقذف وشائعات مغرضة وطعن في أعراض الآخرين وتكفير الخصوم ونعتهم بالخروج من الملة، واستقطاب ديني ورشاوى انتخابية (أكياس الأرز والمكرونة والسكر والشاي واللحمة والدجاج، بالإضافة إلى بعض الجنيهات)، واستغلوا فقر وجهل الغالبية من الناس البسطاء أبشع وأحط وأقذر استغلال، فحصدوا الغنائم وجنوا الثمار وسرقوها من أصحاب الحق الأصليين فيها، وهم شباب الثورة الحقيقيين، وتركوهم يتسولون حقوقهم في التمثيل في البرلمان، ثانياً: إن من حصل على الأغلبية في هذه الانتخابات الصورية الهزلية كانوا السبب الرئيسي في استمرار النظام البائد كل هذه السنين الطوال، حيث كان النظام البائد يستخدمهم كفزاعة لتبرير استمراره، ولولا وجودهم لكانت مصر انتقلت منذ عقود عديدة إلى الديمقراطية الحديثة والنهضة الاقتصادية الشاملة ولحقت بأقرانها من الدول التي كانت مصر تسبقها مثل كوريا الجنوبية وغيرها. ثالثاً: إن التعيين في البرلمان يُستخدم في البلاد التي يكون فيها الوعي منعدماً أو ضعيفاً لتعويض النقص الناتج عن الانتخابات وعدم استطاعة الأقليات أو أصحاب الخبرات أو التخصصات النادرة الدخول في المعارك الانتخابية والفوز فيها، وهو ما يُعرف بـ "التمييز الايجابي" لعلاج الخلل الذي ينتج عن مثل هذه الانتخابات. رابعاً: لو لم يؤخذ بمبدأ التعيين وزيادة نسبته فسوف يكون مجلس – لا مؤاخذة - الشعب 2012 مطابقاً تماماً لمجلس "أحمد هز" 2010 "بتاع" الحزب الغير وطني الغير ديمقراطي، "يبقى كأننا ما عملناش حاجة" ولا قامت ثورة ولا يحزنون. خامساً: ما أوصلنا لهذا الوضع المقلوب هو الأخطاء الكثيرة والعديدة والمتكررة والعجيبة التي ارتكبها المجلس العسكري منذ توليه إدارة شئون البلاد في 12/2/2011 وحتى الآن والتي ما زالت مستمرة، وقد يكون تعيين 30 أو 40 او حتى خمسين عضو من شباب الثوار الحقيقيين والفئات التي لم تُمثل تمثيل كافٍ في المجلس، قد يكون ذلك تصحيح لبعض أخطائه وتكفير عن بعض سيئاته. سادساً: وسيلة تحقيق ذلك متيسرة من خلال إصدار مرسوم بتعديل العلان الدستوري، وهو أمر يملكه المجلس العسكري، وسبق واستعمل هذه الصلاحية.فهل يسمع المجلس العسكري ولو لمرة واحدة لصوت العقل السليم ويتخذ القرار الصحيح ولا ينحني وينصاع لتوجهات الجماعات المتطرفة التي تريد أن تقود البلاد إلى التهلكة. نرجو ذلك. ونطلب السلامة لبلدنا الغالي مصر الحبيبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ