الأحد، 22 يناير 2012

ثورة جديدة أم إدارة رشيدة لما تبقى من المرحلة الانتقالية؟ بقلم د.حسن نافعة ٢٢/ ١/ ٢٠١٢


أظن أن الأيام والأسابيع المقبلة، التى تتسم بضبابية كثيفة ويلفها غموض مريب، ستكون حاسمة فى تاريخ مصر.
فغداً تُعقد الجلسة الافتتاحية لأول «مجلس شعب» منتخب بعد الثورة، فى وقت يسيطر فيه على قطاع عريض من الشارع المصرى إحساس دفين بأن هذا قد يعبر عن «الشعب» فى تلك اللحظة المضطربة من تاريخه، لكنه لا يعبر بالضرورة عن روح «الثورة» أو عن طموحاتها المستقبلية. وبعد يومين من هذا التاريخ تهل الذكرى الأولى لثورة ٢٥ يناير، بينما يسيطر على قطاع عريض من الشارع المصرى إحساس دفين بأن هذه الثورة الكبرى، التى قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى، سُرقت منه. فالجهة التى أوكلت لها إدارة المرحلة الانتقالية مارست السلطة الممنوحة لها كأنها جزء من نظام قديم تسعى لإصلاحه، على أمل إعادة تشغيله بطريقة أكثر كفاءة، وليست وكيلاً معتمداً لثورة تسعى لتغيير النظام القديم برمته والتأسيس لنظام جديد لا يعيد إنتاج السياسات القديمة ذاتها، داخلياً وخارجياً.
وبعد حوالى أسبوع من الآن ستبدأ انتخابات مجلس الشورى، بينما يسيطر على قطاع كبير من الشارع المصرى إحساس دفين بأن هذا المجلس، بتكوينه واختصاصاته الحالية، لم يعد له محل من الإعراب فى مرحلة ما بعد الثورة، وأن هذه الانتخابات الخاصة به ليست سوى عملية مقصودة لتضييع واستهلاك الوقت فيما لا جدوى ولا طائل من ورائه. وحين يكتمل البرلمان، بمجلسيه، سيتعين على الأعضاء المنتخبين فيهما اختيار جمعية تأسيسية من مائة عضو لكتابة دستور جديد يُطرح لاستفتاء الشعب عليه خلال خمسة عشر يوماً من صياغته النهائية.
ولأن المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى تتيح للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى مهلة قدرها ستة أشهر للاتفاق على أعضاء الجمعية التأسيسية التى تُمنح بدورها ستة أشهر أخرى للانتهاء من كتابة الدستور، فليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية، التى تقرر البدء فى إجراءاتها يوم ١٥ أبريل المقبل، ستتم بعد الانتهاء من كتابة الدستور الجديد أم قبله. ومعنى ذلك أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان رئيس الجمهورية الجديد سيستمد صلاحياته من الدستور الجديد أم من إعلان دستورى مؤقت بطبيعته يفترض أن تنتهى صلاحيته فى موعد أقصاه نهاية شهر يونيو، وهو الموعد الذى حدده رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة.
فى ظل هذه الأجواء من عدم اليقين يتنازع النخبةَ المصريةَ ـ خاصة الشرائح المؤيدة منها للثورة والحريصة على تمكينها من تحقيق أهدافها ـ توجهان: الأول يرى أن النظام القديم الذى سقط رأسه مازال يحكم، وأن إسقاطه يحتاج إلى ثورة جديدة لتصحح المسار، وأن التصحيح لا يكون إلا بنقل فورى للسلطة، وبدء مرحلة انتقالية تستهدف التأسيس لنظام سياسى جديد يليق بالثورة ويعمل على تحقيق أهدافها. والثانى يرى أن جزءاً من أهداف الثورة تحقق بالفعل، وجار العمل لاستكمال بقية أهدافها، من خلال خارطة طريق لتأسيس نظام ديمقراطى جديد يحل محل نظام الفساد والاستبداد القديم، وقد بدأت هذه الخارطة بانتخاب مجلس للشعب سيعقد أولى جلساته غداً، وستستكمل بانتخابات مجلس للشورى من المقرر أن يعقد أولى جلساته فى ٢٢ فبراير، لتنتهى بانتخاب رئيس جديد للجمهورية تمهيداً لنقل السلطة فى موعد أقصاه نهاية يونيو المقبل.
وفى تقديرى أن كلا التوجهين جانبهما الصواب لأنهما يبدآن بمقدمات صحيحة لكنهما ينتهيان باستنتاجات وحلول خاطئة.
فالتوجه الأول ينطلق من فرضية صحيحة، مفادها أن النظام القديم الذى سقط رأسه مازال يحكم، لكنه ينتهى إلى نتيجة تطالب بإنهاء سلطة الحكم العسكرى الآن وفوراً. ولست فى حاجة هنا للتدليل على صحة الفرضية التى بنى عليها هذا التوجه، لأن الشواهد على صحتها أكثر من أن تُحصى، لذا أتوقف عند النتيجة التى ينتهى إليها والتى هى ـ فى تقديرى ـ نتيجة غير مدروسة، وتنطوى فى الوقت نفسه على مخاطر يتعين أخذها فى الاعتبار، فالمطالبة بإشعال ثورة جديدة تسقط المجلس العسكرى وتجبره على التخلى عن السلطة تثير على الفور قضية الجهة التى ستتسلم السلطة، فإذا سُلمت إلى رئيس مجلس الشعب القادم، كما يريد البعض، أو إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، كما يريد البعض الآخر، فسندخل فى متاهة دستورية يعلم الله إلى أين يمكن أن تقودنا. ولأنه سيكون نقلاً مؤقتاً بطبيعته لفرد يتعين أن يجرى بدوره انتخابات لاختيار رئيس جديد للجمهورية خلال مدة أقصاها شهران، فمعنى ذلك أنه لن يكون لدى مصر رئيس دائم جديد قبل شهر مايو المقبل، أى قبل شهر واحد من الجدول الزمنى المقترح لتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة بلا ثورة وبلا متاهات.
فإذا أضفنا إلى ما سبق أن الثورة المفترضة الجديدة ستكون موجهة إلى هيئة مؤقتة ألزمت نفسها بنقل السلطة إلى مؤسسات منتخبة فى نهاية يونيو، وأن البعض سيدركها كما كانت ثورة موجهة إلى مجلس الشعب المنتخب، بسبب كراهية البعض للتيار الإسلامى، فمن الطبيعى ألا يتحمس الشعب كله للمشاركة فيها، وبالتالى ستقتصر حتماً على شرائح سياسية أو اجتماعية فى مواجهة شرائح أخرى، وهو وضع قد يقودنا إلى مزالق كثيرة خطرة، ومن ثم يجب العمل على تجنبه بكل الوسائل.
أما التوجه الثانى فينطلق من فرضية صحيحة تقول بأن جزءاً من أهداف الثورة تحقق بالفعل، لكنه يصل أيضاً إلى نتيجة خاطئة مفادها أن العمل يجرى على قدم وساق لاستكمال بناء باقى مكونات النظام الديمقراطى، غير أن الواقع يقول بغير ذلك، فخارطة الطريق المقترحة، خصوصاً بعد التزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة فى موعد غايته نهاية يونيو المقبل، مليئة بالمطبات والألغاز، ولأن الفترة المتاحة لتشكيل جمعية تأسيسية ثم لكتابة دستور جديد تبدو محدودة للغاية يحاول البعض التقليل من أهمية الانتهاء من كتابة الدستور الجديد قبل الشروع فى إجراء انتخابات رئاسية، باللجوء إلى ترتيبات انتقالية، بل يطالب البعض الآخر صراحة بضرورة إجرائها أولاً كى يُكتب الدستور الجديد فى ظل رئيس منتخب وليس فى وجود المجلس العسكرى. ولأن هذا التوجه سيقودنا حتماً، فى تقديرى الشخصى، إلى متاهة لن تقل بحال من الأحوال عن تلك التى دخلناها حين تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور، فعلينا أن نبحث عن طريق ثالث.
بين هذين الطريقين الملغمين، يوجد طريق وسط بين ثورة جديدة، لا أراها حتمية أو حتى ممكنة، وبين خارطة طريق، أعتقد أنها ربما تقود فى النهاية إلى إجهاض فعلى للثورة، فبدلاً من ثورة كاملة جديدة ربما يكون من الأفضل استبدالها بضغط ثورى على صانع القرار، أياً كان موقعه أو توجهاته، لترشيد خارطة الطريق المطروحة بدلاً من القبول بها كما هى، وبما يسمح بتحقيق الأهداف التالية: ١- إلزام المجلس العسكرى باحترام الموعد الذى حدده لنقل السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة، ألا وهو نهاية يونيو ٢٠١٢. ٢- إلزام القوى السياسية المختلفة، خاصة الفائزة بعدد مؤثر من المقاعد فى البرلمان، بالبحث عن صيغة توافقية تسمح باختيار الجمعية التأسيسية فى موعد أقصاه أسبوع واحد عقب أول اجتماع مشترك للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى، وبانتهاء الجمعية التأسيسية من كتابة الدستور الجديد فى مدة أقصاها شهران من بدء تأسيسها. ٣- وضع حد لفوضى المؤسسات القائمة حالياً بالعمل على: أ- تشكيل حكومة وحدة وطنية فوراً تكون هى المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات الرئاسية. ب- إلغاء المجلس الاستشارى أو إعادة تشكيله وتحديد اختصاصاته ليصبح تابعاً لحكومة وحدة وطنية يتعين أن تنقل إليها معظم صلاحيات السلطة التنفيذية ٤- قصر صلاحيات المجلس العسكرى خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية على الأمور ذات الصلة بالأمن القومى.
يفترض أن تكتمل الانتخابات البرلمانية خلال أسابيع، وأن يدعى مجلس الشورى لعقد جلسته الأولى الإجرائية يوم ٢٢ فبراير، وأن يدعى الأعضاء المنتخبون فى مجلسى الشعب والشورى لعقد جلسة مشتركة لبدء إجراءات اختيار الجمعية التأسيسية. ومعنى ذلك أن أمامنا ما يقرب من خمسة أسابيع من الآن يمكن استخدامها للتوصل إلى توافق وطنى حول مسألتين أساسيتين: أ- قائمة بالأسماء المقترحة لعضوية الجمعية التأسيسية، تطرح على الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى لإقرارها كما هى، أو بحذف وإضافة ما تشاء من أسماء ب- مشروع دستور مقترح يعرض على الجمعية التأسيسية لمناقشته وإقرار الصيغة النهائية للدستور تمهيداً لطرحه على الرأى العام.
لذا تبدو الأسابيع الخمسة التالية حاسمة فى مصير الثورة، فإما توافق يسمح باستقرار الأوضاع وبدء عملية بناء وصناعة المستقبل، وإما خلاف سيقودنا إلى متاهة لا يعلم إلا الله متى نخرج منها. نسأل الله لمصر السلامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ