الأحد، 15 يناير 2012

حدث فى عام ٢٥٠٠ بقلم د. أيمن الجندى ١٥/ ١/ ٢٠١٢


لماذا أمسك بالقلم، وأعود إلى هذه الطريقة البدائية التى اندثرت فى عالمنا منذ قرون؟ أتحسسه فى يدى قبل أن أكتب به. لملمسه هيبة، ولوجوده ثقل. إنه الوسيط الذى دوّنت به البشرية تجاربها منذ ميلادها. لم أملك نفسى. رفعت القلم وقبلته. ثم رفعت صلاة قصيرة إلى خالقى أن يلهمنى الصواب. أؤمن بالله من كل قلبى، وأوقن أنه لن يخذلنى. سيبارك خطوتى ويهدينى الصواب.
اليوم أحكى لكم، وللأجيال القادمة، قصة الأحداث المضطربة التى يموج بها العالم فى عام ٢٥٠٠. كانت البداية - كما تعلمون - منذ خمسة قرون، مع بداية القرن الواحد والعشرين ساد العنف العالم، وتأجج الكوكب الأرضى بالاضطرابات. بؤر الصراع راحت تشتعل الواحدة تلو الأخرى. لم ينتبه أجدادنا الذين كانوا يصطلون بنار التغيرات الكبرى بما يحدث فى المعامل المتطورة من بحث علمى رهيب. ثم أفاق العالم عام ٢٠٣٠ على تطوير مفاعل ذرى محدود الحجم أزاح كل وسائل الطاقة التقليدية. عام ٢٠٤٠، تم تحرير الماء المالح من ارتباط الصوديوم والكلوريد، وأصبحت زراعة كل شبر على كوكب الأرض ممكنة، لن أعدّد الإنجازات العلمية التى يعرفها الجميع، لكن أخطرها شأناً وأبعدها أثراً هو اكتشاف الخريطة الجينية الكاملة للإنسان.
كانت الحروب قد أنهكتنا وبدأنا نتحرر من وصاية الأخلاق. المسألة بدت منطقية جدا: لماذا ننتظر ظهور العباقرة إذا كنا نستطيع تخليقهم جينيا؟ لماذا نرتقب أن تجود المصادفة بالفنانين الموهوبين؟ مثلاً: ما الذى جعل بيتهوفن بيتهوفن؟ وأينشتاين أينشتاين، ونجيب محفوظ نجيب محفوظ؟ ولماذا كان أشقاؤهم خلواً من الموهبة رغم أنهم تعرضوا لنفس البيئة ووُلدوا لنفس الوالدين.
عام ٢٠٥٠، توصل العلم إلى الاكتشاف. تم توصيف (المُحدّدات الجينية الدقيقة) التى تجعل الإنسان عبقريا فى مجاله، سواء كانت عبقريته فى الموسيقى أو الأدب أو الفيزياء. بعدها أصبح الطريق مفتوحا أمام صناعتهم بدلا من انتظارهم. نقطة دم صغيرة تحدد ما إذا كنت ستنجب عبقريا أم لا، لو كانت الإجابة بـ«لا» فمصيرك المهن البسيطة، وإذا كانت الإجابة بـ«نعم» فعليك أن تتزوج من امرأة تحمل نفس (المُحدّد الجينى)، محظور تماما أن يُترك (جين العبقرية) للمصادفة، حسب الظروف.
وهكذا تم تقسيم البشر إلى موهوبين وبشر عاديين. صرنا طبقتين من البشر ولم يعد مسموحا للطبقتين بأن تتناسلا. أطفالك يتم تحديدهم سلفا، بمهنتهم المطلوبة، بخريطة جينية مُحكمة. لم يعد هناك مجال للمصادفة أو موضع للحب إذا اندلعت شرارته فجأة بين الطبقتين.
أربعة قرون مرت على هذا النحو حتى تعوّده الجميع. أصبح لا يستغربه أحد، كحركة الكواكب ومد البحر والشروق والغروب. أنا وحدى الذى رأيته لا أخلاقيا. كفانا انقساماً للبشر، كفانا غنياً وفقيراً، وأبيض وأسود، وذكياً وغبياً. الأرض ملك الجميع، والخالق أنزلنا من بطون أمهاتنا عرايا متساوين. هكذا تحديتُ العالم، وصممتُ أن أتزوج رجلا من الطبقة الدنيا، رجلا خُلواً من الموهبة، لكنه الوحيد الذى أحببته وحرك مشاعرى وأشعرنى بأننى أنثى. وليأتِ أطفالى كما يشاء الخالق دون تخطيط مسبق، أطفالا عباقرة أو أطفالا عاديين.
لا أعرف ما الذى ستكتبه الأجيال القادمة عنى؟ أنا التى لطالما اعتبرونى النموذج الأمثل للخريطة الجينية المتقدمة دون غلطة واحدة. هل سيعتبروننى مخربة أم عبقرية، آثمة أم قديسة؟ لكنى اعتصمت بالثقة، لعلمى أنه لا تصنع التحولات الكبرى فى التاريخ إلا امرأة تحب.
انضم البعض لثورتى، وسادت الاضطرابات العالم، وتتبعتنى السلطات بهدف اغتيالى. وبدأت المعامل تبحث عن الخلل فى جيناتى بهدف اتقائها فيما بعد للنسخ المقبلة، لكننى أظن أنه لن تعود هناك نسخ مقبلة، وأن دعوتى ستنتصر فى النهاية، وتعود الأرض للبشر، ويعود الحب حقاً للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ