الجمعة، 20 يناير 2012

وثيقة الحريات الضائعة بقلم سحر الجعارة ٢٠/ ١/ ٢٠١٢


فى أكثر من معركة وطنية كان صوت الأزهر الشريف «باهتاً»، وكان الأزهر نفسه متهماً بأنه «صوت السلطة» إذا ما أفتى بجواز نقل الأعضاء أو حلل فوائد البنوك. وكانت معركته الرئيسية «داخل البيت» فدائما تدور بين «شيخ الأزهر» و«مفتى الجمهورية»، حتى نجح البعض فى طمس دوره تقريبا!!..
 انشغل الأزهر بمعارك لا تخص المجتمع.. حتى تعامل معه البعض كـ«مؤسسة رسمية» آخر ما تهتم به تكفير المبدعين أو استيراد العصى الكهربائية للنهى عما يراه البعض «منكرا»، إلى أن طرح الأزهر وثيقة «الحريات الأساسية»، التى شارك فى إعدادها علماء ومفكرون مسلمون ومسيحيون، وطرحها للنقاش المجتمعى. أخيرا انتبه علماء الأزهر الشريف إلى أن «وسطية الإسلام» فى خطر، وأن الدستور الجديد يحتاج لرأى معتدل يحدد ضوابط الحريات: (العقيدة، والرأى والتعبير، والبحث العلمى، والإبداع الأدبى والفنى). استشعر العلماء خطر «الفتنة الطائفية»، والأهم أنهم تحركوا لمواجهة التطرف الدينى، أو ما سموه فى مقدمة الوثيقة (بعض الدعوات المغرضة، التى تتذرع بحجة «الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» للتدخل فى الحريات العامة والخاصة، الأمر الذى لا يتناسب مع التطور الحضارى والاجتماعى لمصر الحديثة).. وهكذا نفهم لماذ تحفظ بعض السلفيين على الوثيقة!
إذا دخلنا لصلب وثيقة الحريات، سيلفت نظرنا عمومية الألفاظ وبعدها عن التحديد، فمثلا فى بند «حرية العقيدة» تقول: (يقول المولى عز وجل «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ويترتّب على ذلك تجريم أى مظهر للإكراه فى الدين، أو الاضطهاد أو التمييز بسَبَبِه، فلكلِّ فرد فى المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، دون  أن يمس حقّ المجتمع فى الحفاظ على العقائد السماوية).. فهل هذا معناه مطاردة الطائفة البهائية لأنها خارج الأديان السماوية الثلاثة؟؟. وهل الوثيقة تضع فى الاعتبار أن «الشيعة» مطاردون دائما رغم عدم وجود نص قانونى يجرم الانتماء للمذهب الشيعى؟..
 لقد افترض العلماء والمفكرون أن المطلوب من الوثيقة هو تحقيق التناغم بين (العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء ومنظومة الحريّات الأساسية التى أجمعت عليها المواثيق الدّولية) فحسب، رغم أن الإسلام قد سبق كل المواثيق الدولية فى احترام حقوق الإنسان، وأن المسلم الحق لا يصادر أيا من الحريات التى تضمنتها الوثيقة. سنفترض (من باب التفاؤل) أن الوثيقة ستكون «بوصلة» عند وضع الدستور الجديد، ألم يكن حريا بواضعى الوثيقة المطالبة بإلغاء قوانين حبس الصحفيين، عند الحديث عن «حرية الرأى والتعبير» التى اعتبرتها الوثيقة «أم الحريات».. تلك هى التفاصيل التى يختلف حولها المجتمع، و«الشيطان يكمن فى التفاصيل»!..
كيف ننشر ثقافة الاختلاف والتسامح، ونقول: (إذا تعارض العقل والنقل قُدَّم العقل وأُوِّل النقل).. ولدينا تيار يحتكر الحديث باسم الإسلام، ويفرض رؤيته وتفسيره للشريعة الإسلامية ولكل مقاصدها.. كيف نتحدث عن حرية «البحث العلمى» ونحن أمام ردة مجتمعية تطالب بإقصاء المرأة من الحياة العامة؟.. فى هذا المناخ المسموم نتحدث عن حرية «الإبداع الفنى والأدبى»!. المطلوب من الأزهر الشريف أولا تجديد الخطاب الدينى، والتصدى لكتائب التكفير.. وربما ترميم البيت من الداخل الذى يبدأ بصدور مرسوم بقانون «إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له»، ليأتى شيخ الأزهر بالانتخاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ