الأربعاء، 18 يناير 2012

ماذا تريد أمريكا من مصر؟ بقلم د. منار الشوربجى ١٨/ ١/ ٢٠١٢


إذا سألتنى عما تريده أمريكا بالضبط فسأقول لك إنها تريد من «مصر ما بعد الثورة على مبارك» أن تتبع سياسات مبارك نفسها فى الداخل والخارج!
وهى فى سبيل ذلك تسعى بكامل طاقتها للبحث عن الأدوات والوسائل التى تمكنها من دفع مصر دفعاً فى هذا الاتجاه. فأمريكا تريد لمصر أن تظل تدور فى فلك المنظومة الاقتصادية النيوليبرالية الدولية، وأن تتبع سياسات مبارك نفسها فى المنطقة والتى كانت نسخة بالكربون من سياسة أمريكا.
فليس خافياً أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مع الثورة المصرية. فهى منذ اليوم الأول وطوال الثمانية عشر يوما كانت مع بقاء مبارك فى الحكم، بزعم أن وجوده مهم للانتقال للديمقراطية! وهى حين تحدثت لاحقاً عن «النقل المنظم للسلطة» كانت تقصد نقلها لنائبه عمر سليمان. وكلمة التغيير التى كانت على ألسنتنا جميعاً فى أيام الثورة لم ترد بالمناسبة على لسان مسؤول أمريكى واحد إلا بعد أن سقط مبارك فعلاً.
فالتعبير المعتمد وقتها كان «الإصلاح» بغض النظر عما يريده المصريون. لكن مبارك خرج من الحكم بإرادة المصريين، فكان الهم الأول لدى الولايات المتحدة هو البحث عن أدوات لممارسة النفوذ من أجل تشكيل مصر البازغة والضغط عليها إذا ما لزم الأمر. عندئذ، أدركت الولايات المتحدة أنها بلا أوراق، وأن موقفها فى مصر أضعف من أى وقت مضى. فالمعونة الاقتصادية صارت هزيلة بما لايؤثر على الاقتصاد المصرى، والمعونة العسكرية يصعب استخدامها لأن الولايات المتحدة فى حاجة لاستمرارها، خصوصاً أن تلك المعونة كانت جزءاً من معادلة كامب ديفيد التى تسعى أمريكا اليوم بكل قوة لحمايتها. لذلك ظل البحث عن أدوات تسمح لأمريكا بتشكيل حاضر مصر ومستقبلها جارياً على قدم وساق.
ويأتى على قمة الأدوات الأمريكية ترويض مصر عبر القروض والتمويل. فالمطلوب أن تظل مصر منخرطة فى علاقات قوية مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومنعها من الخروج عن المنظومة النيوليبرالية الدولية لئلا تتبنى نهجاً اقتصادياً مغايراً، خصوصاً أن الثورة رفعت بوضوح شعار العدالة الاجتماعية. فمصر ستشكل خطراً كبيراً على تلك المنظومة الاقتصادية الدولية إذا ما تبنت نهجاً اقتصادياً مستقلاً يؤدى لتحول اجتماعى حقيقى على غرار ما فعلته بنجاح بعض دول أمريكا اللاتينية وآسيا. فهى بحكم ثقلها ستصبح نموذجاً للدول العربية والأفريقية على السواء.
لذلك، لم تكن مفاجأة أن تغضب أمريكا بشدة حين رفضت مصر بعد الثورة مباشرة قرضاً من الصندوق. ولم يكن غريباً أيضاً أن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وليام بيرنز، فى زيارته الأخيرة لم يلتق أحداً إلا وذكر له أن بلاده «تطالب» الحكومة المصرية بالتعاون مع الصندوق!
والقضية هنا، ليست التكلفة السياسية التى تدفعها مصر عندما تقترض، وإنما ضمان أن يتم تعريف التنمية فى «مصر ما بعد الثورة» على طريقة الصندوق تماماً كما كان الحال قبل الثورة. وحتى نعرف «طريقة» الصندوق، فعلينا ألا ننسى أنه احتفى احتفاء كبيراً باقتصاد مبارك، حتى إنه عين وزير ماليته الهارب اليوم من السجن رئيساً للجنة المالية للصندوق، بل أصدر تقريراً قبل الثورة بشهور أثنى فيه على حكومة مبارك، وقال نصاً إن «الأداء الاقتصادى المصرى كان أفضل من المتوقع»!
أما كل الاحتجاجات العمالية والمهنية وارتفاع نسبة الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فتلك الأمور ليست فى حسابات الصندوق «الاقتصادية»!
والتعاون مع الصندوق ليس هو الأداة الوحيدة. فالولايات المتحدة التى كانت ترفض بغطرسة مجرد الحديث عن اتفاق تجارة حرة مع مصر، إذا بدوائرها السياسية اليوم تدعو بكل جدية لمثل ذلك الاتفاق لسبب لم يخفه نائب الكونجرس ديفيد دريير، حين قال إنه وسيلة تسهم فى «تشكيل الديمقراطية البازغة». لكن ما لم يقله الرجل هو أن اتفاقات التجارة الحرة التقليدية هى دوماً فى مصلحة الدولة الأقوى، بل والقطاعات الأقوى فى الدولتين على حساب الأضعف.
أما فيما يتعلق بنظام الحكم فى مصر، فأمريكا لا يعنيها أيديولوجيته: إسلامية كانت أو علمانية، ولا حتى طبيعته،: عسكرية كانت أو مدنية، المهم هو ألا يقاوم ذلك النظام البازغ المشروع الأمريكى ولا يتحدى المصالح الأمريكية.
ومن أجل تحقيق ذلك يوجد فى دوائر الحكم الأمريكية تياران: الأول، ضعيف نسبياً، ويميل لقبول نظام حكم ديمقراطى مدنى فى مصر بشرط امتلاك أدوات ضغط سياسية واقتصادية لتقويم الأداء المصرى إذا ما تعارض مع مصالح أمريكا. أما التيار الثانى الأكثر قوة فهو يفضل فى مصر نظاماً سياسياً لا ينسحب فيه العسكر من السياسة، وإنما يشتركون مع الإسلاميين فى الحكم، على غرار تركيا ما قبل انطلاقها الديمقراطى، أو حتى على غرار باكستان اليوم.
وهناك مؤشرات تدل على أن التيار الثانى له الغلبة. فهو تيار له مؤيدون فى الإدارة ولكنه المهيمن فى الكونجرس. لكن الأهم من هذا وذاك هو أن تلك الصيغة التى يهيمن فيها العسكر علناً أو من خلف ستار صيغة طالما فضلتها أمريكا فى الدول التى تفقد فيها حلفاءها، واسألوا شعوب أمريكا اللاتينية. وهى أيضاً صيغة تتفق تماماً مع ما يجرى فى الداخل الأمريكى نفسه من عسكرة للسياسة الداخلية والخارجية معاً.
ورغم أنه من المهم للغاية أن نعى كل تلك المساعى الأمريكية، فإن الأهم منها أن نتذكر أننا نحن المصريين حين امتلكنا الإرادة حققنا ما نريد بغض النظر عن إرادات الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ