الاثنين، 30 يناير 2012

كتاب الفوضى بقلم نيوتن ٣٠/ ١/ ٢٠١٢


قرأت فى عدد «المصرى اليوم»، أمس الأول، مقال الدكتور عمرو الزنط بعنوان (حزب وفد الميدان). يتمتع الدكتور الزنط بوضوح رؤية فى زمن (المشوشين)!
انتقد الكاتب رغبة النشطاء بميدان التحرير فى نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى مجلس الشعب. أهم انتقاداته هو أنه لا ينبغى تركيز السلطتين التنفيذية والتشريعة فى يد سلطة واحدة. قال بين كلماته (إنهم لا يعرفون ما يريدون)! فى المقال فكرة أخرى، وهى أنه يجب على النشطاء أن يشكلوا وفدا للتفاوض مع المجلس العسكرى. تلك الفكرة، وما سبقها فجرت فى ذهنى مجموعة من الأفكار الموازية والناتجة.
اختلف مع التحليلات المتداولة الآن، من حيث المبدأ. أغلب الاستنتاجات تقوم على أساس قياسات معروفة ومعايير سبق اللجوء إليها. الحالة المصرية الآنية خارج أى خبرة. لا تقاس على أى ثورة كبيرة من الثورات الأربع العظمى - الإنجليزية والأمريكية والفرنسية وآخرها الروسية- لا تقارن بالافتعالات الملونة فى أوكرانيا وصربيا وجورجيا. لا تختبر بناء على الحالات التونسية أو الليبية أو اليمنية أو السورية. مصر (وضع خاص).
للتدليل: يفترض فى الانتخابات أن تصنع شرعية مقبولة شعبيا. «الإخوان» حصلوا على أكثرية مجلس الشعب فى تصويت حر لم يطعن عليه. فى حالات أخرى يعنى هذا أن المطاف انتهى. فى مصر انعقدت جلسات مجلس الشعب ولم يترسخ فى ذهن الناخبين والرأى العام عموما أن سلطة جديدة قد نشأت وفق معايير القانون. عُلقت لافتة على باب المجلس تقول (الميدان هو البرلمان). قال الميدان يومى الأربعاء والجمعة إن (البرلمان هو الميدان)!!
مجلس الشعب جاء باختيار الراغبين فى الاستقرار ومُضى العملية القانونية فى طريقها المعلن. أعضاء مجلس الشعب تبنوا من مقاعدهم حديث ميدان التحرير. اكتسحهم الميدان قبل أن يعارض نتيجة الانتخابات بشكل أو آخر فى المظاهرات الأخيرة. النتيجة هى أن الانتخابات حتى الآن ليست نهاية المطاف. التنازع مستمر. مصر تنشئ وضعا خاصا!
يقول المعلقون.. بعضهم على الأقل.. إن الجيش كان يمكنه أن يتجنب مشكلات كثيرة لو قبل بوضع الدستور قبل الانتخابات. سمعت من يقول إن مصر دفعت ثمن زمالة اللواء ممدوح شاهين بالمحامى الإخوانى صبحى صالح فى دراسة القانون! قد يكون هذا تبسيطا للأمور.
لست على ثقة من أن صياغة الدستور قبل إتمام الانتخابات كان يمكن أن تقودنا إلى مرحلة انتقالية أعقل وأكثر اتزانا. ملايين المصريين أيدوا فى ١٩ مارس الماضى اقتراح الجيش بأن تكون الانتخابات أولا. أقلية من المصريين ترفض ذلك حتى الآن. تطالب بالديمقراطية ولا تقبل أهم قواعدها، الرضوخ لرأى الأغلبية. مصر تبتدع وضعا مختلفا!
لا يوجد (كتاب سياسى) يمكن الرجوع إليه. نحن الآن بين دفتى (كتاب الفوضى). لو تم تشكيل وفد من الميدان لكى يفاوض المجلس العسكرى، كما يطلب الدكتور عمرو الزنط.. فلن يحقق هذا هدفا. لن يتفق الميدان على وفد.. فهو متشرذم. من جانب آخر اختار المصريون من يمثلهم وهم أعضاء مجلس الشعب.. ما حاجتنا إلى (وفد) إذن؟! للمفارقة مجلس الشعب (المنتخب) يطلب أن تكون مصداقيته من الميدان!!
فى المعايير المعلنة إذا قبض جيش على سلطة دولة فإنه يفرض على الكل ما يريد. لا نقاش. لا اعتراض. لا مفاوضات. الآن فى مصر جيش يدير عملية ديمقراطية. يواجه معارضة حادة. لا يتخذ اجراء. تسانده شرعية ١٩ مارس ويقال له اترك موقعك فورا. هذا غير مسبوق فى التاريخ.
حسب الكتب المعروفة تقود هذه الحاله الهشة إلى الفاشية. الفوضى تتلوها سلطة باطشة. تفرض على الجميع أن يصمت، وتضع هى القواعد دون نقاش. تحظى غالبا بتأييد المواطنين الذين تعبوا من عدم الاستقرار. هذا كلام الكتب المعروفة لكن مصر الآن فى (وضع فريد). قد نصل إلى الفاشية وقد نصل إلى تنازع طاحن وعنف بالغ، وقد تنجلى الصورة فى لحظة ويستقر كل شىء فجأة!! أين تكمن المشكلة؟ فى أن الجميع يريد أن يسترضى الميدان.
لماذا؟ لأن الميدان دفع سلطة مصرية عتيدة لأن تترك موقعها فى فبراير الماضى.
من يسيطر على الميدان؟ لا أحد بين فئات السياسة يمكنه أن يقول ذلك أو يدعيه.
الإعلام بيت الداء ومنبع حيوية مصر.. فى آن.. يأخذ من الميدان ويعطيه. لو توقف (الاعتماد المتبادل) بين الإعلام والميدان فقد تتغير الصورة!!
فى مجال الإعلام سوف تبدأ الفاشية عملها. أن يصبح (إعلاما فاشيا) يملأ فراغا فى السياسة أو أن يرضخ إجبارا إلى فاشية تمنعه من أن يملأ هو الفراغ. لو لم يحدث هذا أو ذاك يسيطر (تحالف الاعتماد المتبادل بين الإعلام والميدان) على مجريات مصر!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ