الاثنين، 16 يناير 2012

بتوقيت «البرادعى» بقلم مروة مزيد ١٦/ ١/ ٢٠١٢


تتضارب التأويلات حول «انسحاب» البرادعى من سباق الرئاسة، بل إن النقاش يدور حول كلمة «انسحاب» نفسها. فالبعض يقول إنه لم «ينسحب» من سباق لم يبدأ بعد، بشروط لم تُعلن بعد، نظرا لأن الدستور ذاته، والمفترض أن يُحدد وظيفة الرئيس واختصاصاته، لم يُكتب بعد!
وبالتالى قرار «عدم الترشح» - وليس الانسحاب - من وجهة نظر البعض هو «تسجيل موقف احتجاجى محترم» ضد الطريقة التى أُديرت بها الفترة الانتقالية من قبل المجلس العسكرى، والتى نتيجة سوء الإدارة لم تُفض، من وجهة نظر البرادعى، إلى مؤشرات تُنبئ بأن مصر تَعبُر لنظام ديمقراطى ذى أركان واضحة وأسس دستورية صلبة، تُمكن المتنافسين الرئاسيين من أن يتنافسوا وهم يعلمون «الوظيفة» الموكلة إليهم وصلاحياتهم فيها وعلاقاتهم مع السلطات الأخرى، سواء تشريعية أو قضائية، وكذلك وضع الجيش بمؤسسته العسكرية.
فالأسئلة تبقى: هل ستكون المؤسسة العسكرية إحدى أذرع الدولة، كما هو الحال فى بلدان ديمقراطية عدة، تتلقى القرار السياسى من الرئيس؟ أم ستتمتع تلك المؤسسة «باستقلاليتها» على طراز النظام التركى قديما، وليس حاليا، حين كانت المؤسسة العسكرية ذات سطوة سياسية جلية مكنتها من القيام بأربعة انقلابات عسكرية منذ بداية الستينيات وحتى نهاية التسعينيات، إلى أن تغير الوضع الآن بعد أن تم الاستفتاء الشعبى فى سبتمبر ٢٠١٠ على تعديلات دستورية حدّت من «سلطة الجنرالات»؟
فقد قال البرادعى فى بيانه: «لقد استعرضت أفضل السبل التى يمكننى منها خدمة أهداف الثورة فى ضوء هذا الواقع، فلم أجد موقعاً داخل الإطار الرسمى يتيح ذلك، بما فيها موقع رئيس الجمهورية الذى يجرى الإعداد لانتخابه قبل وجود دستور يضبط العلاقة بين السلطات ويحمى الحريات، أو فى ظل دستور تلفق مواده فى أسابيع قليلة». وهذا يعكس السبب فى عدم الترشح وهو الاعتراض على عدم وضوح الرؤية لجدول أو ماهية الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولكن سيرد البعض بأن هناك إعلاناً دستورياً بالفعل، حدد شروط الترشح للرئاسة، التى يعرفها البرادعى وغيره جيدا، وبناء عليها ظل «مُرشحا مُحتملا»، وكان بإمكانه الاستمرار والاستعداد للسباق، سواء جاء وفقا لهذا الإعلان أو بعد الانتهاء من كتابة الدستور من قبل اللجنة التى ستتكون من مجلسى الشعب والشورى، رغم عدم مثالية هذا الوضع لكتابة دستور جديد كان من الأفضل أن يُكتب من مجلس تأسيسى منتخب لهذه المهمة.
غير أن آخرين سيفكرون أن كل هذا نوع من «البكاء على اللبن المسكوب.» تلك هى المعطيات، وتلك هى ظروف الاستفتاء، وهما هاتان القوتان السياسيتان الكبريان فى مصر: مجلس عسكرى «سُلمت له السلطة» بعد «تخلى» الرئيس السابق عن منصب رئيس الجمهورية، وحزب سياسى إسلامى صاعد تصدر انتخابات تشريعية تعتبر حرة ونزيهة.
وبالتالى سيظل الواجب العملى، من وجهة نظر البعض، هو «التعامل مع الواقع» والاستمرار فى العمل السياسى فى ظل المعطيات وخوض الانتخابات الرئاسية، التى إن خسر فيها البرادعى يكفه شرف المحاولة والسجال السياسى بدعم مؤيديه، الذين عبر بعضهم عن إحباطهم وفقدانهم الأمل والثقة بعد تخلى «قائدهم» أو «زعيمهم» أو «أبوهم الروحى» أو حتى فقط «ممثلهم» أو من «يشبههم فكريا»، عن مشروع قد بدأه معهم!
وبالتالى نستطيع أن نتفهم أن مثل هذا «الترك» قد يخذل بعض من تعلقوا بمشروع «البرادعى رئيسا لمصر» وسعوا لإنجاحه بغض النظر عن أهمية الجزم بالنجاح. وبالتالى فقد ينتقل مَن دَعَم البرادعى إلى دعْم مرشح آخر، حرصا على أن يظل التمرن والعمل نحو مشروع إنجاح مرشح تجربة مهمة فى حد ذاتها، تُثقل الخبرة السياسية لشباب مصر.
فى الأخير، قد يكون توقيت البرادعى فارقا. فمع القوتين الأساسيتين، هناك أيضا ثوريون يطمحون فى تغييرات جذرية، حتى الآن لم يتم تحقيقها. ففى أعتاب الذكرى السنوية لـ٢٥ يناير، قد يدع مَن أحبطه البيان إحباطه، وقد يتشجع من احترم القرار، وقد تحدث أشياء لا نتوقعها بشكل كامل فى الخريطة السياسية المصرية، التى تُرسم وتزداد عمقا وتعقيدا يوما بعد يوم.
 وهذا ليس بسيئ. فيبدو أنه رغم الاختلاف فى العديد من التأويلات للعديد من الأحداث، قد نتفق على شىء واحد، هو أن الشعب المصرى لا يكف عن مفاجأتنا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ