الاثنين، 23 يناير 2012

فى الذكرى الأولى للثورة بقلم محمد البرغوثى ٢٣/ ١/ ٢٠١٢


باق من الزمن يومان وتحل الذكرى الأولى لثورة ٢٥ يناير، وهى ذكرى كنا نتمناها عيداً وطنياً نفرح فيه بأجمل وأروع ثورات الدنيا، ونبتهج بخلاصنا من نظام سياسى قاس وفاسد، ونسجد فى كل ميادين مصر شكراً لله على نعمة الكرامة الإنسانية التى استعادها المواطن بعد عقود طويلة من مهانة الاستعباد فى أقسام الشرطة وأقبية التعذيب فى مقار أمن الدولة.
لكن الذكرى الأولى للثورة تحل بعد يومين فقط، وليس فى أيدينا ما نزهو به، ولا فى قلوبنا ما يدعونا إلى الاطمئنان على حاضرنا ومستقبلنا، ولا نكاد نرى إنجازاً واحداً تحقق طيلة عام كامل، غير تمكين طبقة الإداريين الكبار فى شركات قطاع الأعمال وفى مواقع الإدارة الحكومية من استعادة السيطرة الكاملة وإنجاز مهمة إخفاء وإتلاف كل أدلة فسادهم، والاتفاق الجماعى فيما بينهم على اتباع خطة شيطانية لتصفية الثورة، تمثلت فى تعطيل برامج الإصلاح داخل الشركات، وسد كل أبواب التفاهم والتفاوض فى وجوه العمال والموظفين، لدفعهم إلى الخيار الأخير المتبقى لهم: الاعتصام والإضراب!
شهور طويلة مرت ونحن نتابع تمثيلية دراسة مطالب العمال والموظفين فى كل مكان، وشهور طويلة مرت ونحن نتابع وعود تكريم أسر شهداء الثورة ومصابيها البواسل، ولا شىء يتحقق أبداً، وكلما لاحت بوادر حل هنا أو هناك، نصحو على مفاجآت كارثية: رئيس مجلس إدارة شركة يطالب العمال بالتظاهر أو الإضراب، أو قاض يصدر أحكاماً ببراءة المتهمين فى قتل الثوار، أو ضابط يأمر جنوده الجهلاء بضرب المصابين المعتصمين فى ميدان التحرير، أو مسؤول فاسد ومتآمر يشرف بنفسه على تشوين الحجارة وكسر الرخام فوق أسطح البنايات الحكومية، تمهيداً لإهلاك المعتصمين أمام مجلس الوزراء، وبعد أيام قليلة من «شعور المجلس العسكرى بالأسف» نفاجأ بشاهد زور يتقدم ببلاغات ضد رموز الثورة، وتنشط الأجهزة الأمنية فى استدعائهم للتحقيق أمام بدعة قضائية كادت تتحول إلى سبة فى سجل القضاء اسمها قاضى التحقيق.
لا شىء إذن تغير، الفئات والشرائح المظلومة اقتصادياً والمهانة اجتماعياً زادت ظلماً ومهانة، والفئة القليلة التى حققت مكاسب رأسمالية وحشية قبل الثورة، واصلت تقدمها نحو تحقيق مزيد من الأرباح الرأسمالية فى ظل الثورة وظلت القاعدة الاقتصادية المنتجة للديكتاتورية والظلم الاجتماعى والانقسام الطبقى على حالها، والتيارات الإسلامية التى اكتسحت الانتخابات البرلمانية أسفرت عن توجهها الاقتصادى الحقيقى، ومن يطالع أسماء أعضاء مجلس إدارة «الجمعية المصرية للأعمال والاستثمار» التى أسسها «الإخوان المسلمون» سيكتشف ببساطة أن كبار رجال الأعمال، الذين مارسوا احتكاراً مهلكاً للوطن فى ظل نظام مبارك هم أنفسهم الذين استظلوا بجمعية الإخوان، بعد أن أيقنوا أن صلة المال والأعمال أكثر متانة من صلة الدم والمعتقد والانتماء السياسى!
إلى أين ستأخذنا هذه الدوامة.. وكيف لنا أن ننجو من هذا التلاقى الرأسمالى، الذى باركته السفيرة الأمريكية فى القاهرة من المقر العام للإخوان فى المقطم؟ وما الذى تركه لنا «المجلس العسكرى» لنحتفل به بعد يومين؟ وأى بلد فى العالم يحتمل أن يخرج من ثورة ليدخل أخرى؟ أياً كان ما ينتظرنا، فإن كل الاحتمالات لا تدعو أحداً إلى الاحتفال، باستثناء مبارك ورجاله الفاسدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ