الأحد، 22 يناير 2012

بشاير يناير بقلم د.سحر الموجى ٢٢/ ١/ ٢٠١٢


«كل ما تهل البشاير من يناير كل عام يدخل النور الزنازن.. يطرد الخوف والضلام»، تطرق بابى قصيدة أحمد فؤاد نجم من داخل السجن إلى حبيبته «عزة»، وأنا أحبس أنفاسى مع اقتراب ٢٥ يناير هذا العام، أشعر بأن مصر تحبس أنفاسها، يسود الصمت والحذر الشوارع، ويتسارع التوتر المكتوم، ينفجر فى مشاجرات هنا وهناك، بالكلمات وبالسنج والمطاوى، رائحة كأنها الغضب تنتشر فى الهواء البارد، شهيق وزفير.. أسمعهما بأذنى، كأنها العنقاء تتنفس تحت الرماد تنتظر لحظة الميلاد، يقترب القابضون على جمر الثورة من بعضهم البعض، ورائحة كأنها الخوف تنتشر فى ردهات القصر، لو صمت قليلا وأصغيت السمع فستصل إليك صيحات السلطان العجوز: «لن يخرجنى أحد من قصرى، من مملكتى، من هم هؤلاء الرعاع فى الخارج؟ ألا يفهمون أننى حاميهم من المهالك؟ أغبياء.. حمقى.. سأقتلهم جميعا حتى يعيش الشعب فى سلام».
والرعاع على أبواب القصر وفى ميادين المدينة، كانت قد أصابتهم حمى يناير، فعندما يشتد البرد ويتسلل بخبث إلى العظام، يدخل النور إلى أروقة الدماغ فتتسع لتصبح بحجم الوطن، والوطن لا يزال زنزانة، لكنها رحبة وفسيحة وفيها من الحبايب ألف، بل قل مليوناً وربما ملايين، دخل النور فطرد الخوف والظلام وانفتح المشهد على غيطان ومعابد وكادحين فى المصانع وعلى نواصى الشوارع المزدحمة، وانبثق نور داخل الرعاع، نور بطعم الكرامة، الرعاع يريدون الحق والخير والجمال والعدل، ويموتون على الأرصفة الباردة فيشتعل الغضب فى قلب يناير، «يا نسيم السجن ميل على الشجر وارمى السلام، زهَّر النوار وعشش فى الزنازين الحمام».
نضج الرعاع خلال عام كامل من ثورتهم، ذهبت أوهام ساذجة أدراج الرياح، أوهام عن إسقاط السلطان وعن العسكر الذين حموا الثورة وطردوا السلطان من القصر ثم سكنوه، استوى عودهم وهم يشهدون الناس العاديين، مثلهم، يتحولون إلى أبطال كما أبطال الحواديت، بينما نجوم كانت ترصع السماء تتهاوى زجاجاً رخيصاً مهشماً على أرض الشوارع وتحت أقدام المارة، وأدرك الرعاع أن التاريخ طوع أيديهم، يشكلونه كالعجينة المختمرة، لكنهم فهموا أيضاً مع الوقت أن الأمر ليس سهلاً، وأنهم يواجهون غيلانا عجائز متشبثة بالقصر وبالذهب، كبروا عندما رأوا البطل داخل كل منهم، كبروا عندما ماتوا شهداء وسجنوا وسحلوا وتعروا وفقئت عيونهم، كبر الرعاع واشتد عودهم من كثرة الضربات، وها هم يملأون الشوارع، شباباً ونساء وعائلات يحكون عن كذب العسكر وعهودهم الرخيصة.
«واسألى لى بالعتاب كل قارئ فى الكتاب، حد فيهم كان يصدق بعد جهل، بعد موت، إن صوت الشعب يسبق أى صوت؟»، صحيح، من كان يصدق؟ من كان يتصور كتل البشر التى كبرت وتمددت كتنانين وديعة لكنها غاضبة؟ من كان يتخيل هدر الصوت الواحد ومدرعات الحديد تدهس أجساداً نابضة بالأحلام، فيموت الجسد ويطير الحلم فوق رؤوس الواقفين ثم يهبط فى قلوبهم؟ من كان يصدق أن جسد امرأة فى مجتمع مهووس بتغطية النساء سوف يتعرى كى يسقط السلطان؟!
آه، تذكرت السلطان. هل تسمعونه يصرخ فى القصر بلا انقطاع: «حمقى.. أغبياء.. لن أتنازل.. اقتلوهم»؟ وهل ترون مثلى الرعاع يجمعون أنفسهم فى الشوارع، يصطفون فى الميادين، يغنون مع شهداء عام من الثورة: «كل ما تهل البشاير من يناير كل عام يدخل النور الزنازن يطرد الخوف والضلام».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ