الأربعاء، 18 يناير 2012

نقاط فوق الحروف بقلم د.حسن نافعة ١٨/ ١/ ٢٠١٢


أثار ما كتبته يوم الإثنين الماضى، تعليقاً على قرار الدكتور البرادعى الانسحاب من الانتخابات الرئاسية ردود فعل هائلة ومتباينة. وقبل أن أعلق عليها، أود ابتداء توجيه الشكر إلى كل قارئ حرص على إبداء رأى أو تعليق على ما كتبت، سواء اتفق معى أو اختلف. ورغم أن تعليقات القراء، المكتوبة والمسجلة على «تفاعلى المصرى اليوم»، التى استفدت شخصياً من الكثير منها، تدل فى مجملها على ما يتمتع به شعب مصر من ذكاء وبصيرة، فإننى لاحظت أن بعضها يعكس نمطاً من «ثنائية التفكير» يميل إلى اختزال القضايا والمواقف وطرحها على شكل ثنائية لا تحتمل سوى الاختيار بين فرضيتين كلتاهما غير دقيقة، فإما أن تكون مع البرادعى أو ضده، ولا مجال بين الموقفين لأى وجهة نظر أخرى قادرة على التعامل مع عيوب الرجل ومزاياه فى الوقت نفسه، فهو إما قديس أو شيطان رجيم. ولأننى أرفض كلية هذا النوع من التفكير غير النقدى المجرد من كل قدرة على الإبداع، أود أن ألفت نظر قرائى الأعزاء إلى ما يلى:
١- لم يكن الهجوم على الدكتور البرادعى هو الهدف مما كتبت بقدر ما كان حث الرجل على إخضاع تجربته مع الجمعية الوطنية لعملية نقد ذاتى يمكن أن يستفيد من دروسها فى تجربته السياسية الجديدة، لتشكيل حزب أو قيادة وتنظيم صفوف الشباب المعارض للمؤسسات، التى أفرزتها أو ستفرزها الثورة فى ظل «حكم العسكر».
٢- لم يكن النقد الموجه للدكتور البرادعى مدفوعا برغبة فى التشفى أو الانتقام، فليست لى خلافات شخصية مع أحد، وليس صحيحاً ما قيل عن إقالة البرادعى لى من موقعى كمنسق عام للجمعية الوطنية للتغيير، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن يملك ذلك قانوناً ولا كان يستطيعه عملياً. وأود أن أذكر الجميع بأن الدكتور البرادعى قبل على مضض فكرة تأسيس ورئاسة الجمعية، بعد إلحاح الحضور عليه فى لقاء كنت صاحب فكرته، وأدرت النقاش فيه بنفسى، وأنه لم يشارك مطلقاً فى أى اجتماع للأمانة العامة للجمعية.
٣- كتبت فى «المصرى اليوم» ذات مرة، مطالباً الدكتور البرادعى، حين كانت علاقتى به فى أفضل حالتها، بأن «يصارح الناس بما يستطيع وبما لا يستطيع». كان المقال رداً على انتقادات حادة لقطاعات شعبية واسعة نجح البرادعى فى إشعال حماسها للتغيير، لكنها كانت قد بدأت تتململ من تغيبه خارج البلاد، وترى أنه لا يعطى قضية التغيير ما تستحقه من اهتمام، لكنه استاء مما كتبت، وتصرف وكأنه يجب أن يكون فوق كل نقد، مهما كان موضوعياً.
٤- حين وصفت الدكتور البرادعى بأنه «شخصية تريد لعب دور البطولة دون أن تكون مستعدة لدفع أى من أثمانها الباهظة»، وبأنه «يرى نفسه فوق الجميع ومختلفاً عن الجميع، ويتصرف دائماً وكأنه ينتظر من الجماهير أن تصعد هى إليه لتهتف باسمه وتحمله فوق أعناقها قبل أن تسير به لتجلسه على مقعد الرئاسة»، لم يكن ذلك هجوماً بقدر ما كان تقييماً مستمداً من خبرة شخصية أوصلتنى إلى قناعة بأن البرادعى شخصية مهمة يمكن الاستفادة منها لدفع عجلة التغيير، وهو ما حاولته حين كنت منسقاً عاماً للحملة ضد التوريث، لكنها لا تصلح لقيادة بلد كمصر. ولأنه تعامل مع قيادات الجمعية الوطنية بعقلية الموظف الدولى وليس بعقلية السياسى، وافتقد القدرة على التواصل مع الناس، فقد بدا لى فشله مؤكداً.
٥- لا علاقة لما كتبت عن البرادعى بعضويتى فى المجلس الاستشارى، فلست حريصاً عليها، وضررها الشخصى أكثر بكثير من نفعها، فعضوية المجلس لا تضفى على صاحبها سلطة تغريه بالتشبث بها، ولا تمنحه جاهاً يدفعه للحرص عليه، ولولا تمسكى بأمل القيام بأى شىء لصالح الوطن لما قبلتها، واستقالتى جاهزة فى جيبى لتقديمها فى أى لحظة. وأظن أننى لست فى حاجة إلى القول بأن عضويتى للاستشارى لم تمنعنى من توجيه أعنف الانتقادات للعسكرى (راجع مقال «ضد التوريث وليس مع الثورة»، على سبيل المثال وليس الحصر).
لقد اختتمت تعليقى على قرار البرادعى الانسحاب من انتخابات الرئاسة، قائلا: «رغم الانتقادات التى وجهتها إلى الدكتور البرادعى فى مناسبات مختلفة، استخلصتها من واقع خبرتى واحتكاكى المباشر به، فإننى كنت ومازلت على قناعة تامة بأنه شخصية محترمة وأمينة وجادة. غير أن هذه الصفات وحدها لا تكفى لتصنع منه زعيماً أو قائداً سياسياً. وإذا كان يرغب فى لعب دور سياسى فى المستقبل، فعليه أن يبدأ من الآن بتقييم تجربته السياسية السابقة، خاصة مع الجمعية الوطنية للتغيير، وأن يخضع سلوكه الشخصى والعام لعملية نقد ذاتى لاستخلاص الدروس المفيدة». بقى أن أقول إننى كنت فى أشد الحرص على أن أتعامل برفق مع تحفظاتى على البرادعى، حتى لا يفهم موقفى وكأنه قابل للتوظيف لصالح مرشح آخر، أما وقد انسحب من السباق، فلم يعد هناك مثل هذا الحرج.
إذا كان بمقدور البرادعى أن يوحّد فصائل الشباب، فلماذا لم يتمكن من القيام بهذه المهمة الجليلة قبل وأثناء وبعد الثورة؟! هل لانشغاله بمهام أخرى أكثر إلحاحاً، أم لافتقاره إلى القدرة على التواصل مع الناس، وعجزه عن فهم الواقع المصرى بكل تضاريسه المعقدة؟ أتمنى أن يوفق الرجل فى مسعاه المعلن الجديد، لأننى - وعلى عكس ما قد يعتقده البعض - أريد له أن ينجح، ولأننى أعتقد أنه لا توجد مهمة أنبل من محاولة توحيد صفوف الشباب، فسأكون أول المصفقين لمن ينجزها، حتى لو كان البرادعى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ