الأحد، 15 يناير 2012

من توظيف الأموال.. إلى توظيف القرآن بقلم سليمان الحكيم ١٥/ ١/ ٢٠١٢


هل تذكرون شركات توظيف الأموال؟ لا يساورنى الشك فى أن أحداً فى مصر قد نسيها بعد أن أدخلت فى بيوت معظمنا مأساة بحجم الخراب.. حين قامت بأكبر عملية نصب واحتيال على المواطنين باسم الدين لاستنزاف مدخراتهم، وكد السنين، وصرفها على بذخ وملذات أصحابها، من زيجات متعددة، وقصور منيفة، وسيارات فارهة، وأطقم حراسات خاصة، ورحلات ترفيهية إلى مصايف الأثرياء.. إلى غير ذلك من مظاهر الإسراف التى بددوا فيها عرق السنين لمئات الآلاف من المواطنين الغلابة، الذين منحوهم الثقة والأمان بسبب ما أشاعوه حول أنفسهم من أنهم يقيمون دعائم «الاقتصاد الإسلامى» المؤسس على شرع الله، فى مواجهة اقتصاد الدولة والبنوك الربوية التى تخالف فى عملها الشريعة الإسلامية!
لقد وجد هؤلاء، بكل أسف، من يناصر دعوتهم ويدعم حملتهم فى حصد المليارات من جيوب الغلابة وصغار المدخرين، فرأينا الشيخ الشعراوى وعبدالصبور شاهين وغيرهما من كبار رجال الدين يتصدرون احتفالاتهم بافتتاح أحد المشروعات الوهمية، كما كتب أنيس منصور وغيره من كبار الكتاب المقالات المطولة فى مدح بعضهم والإفراط فى وصفهم بالعبقرية والذكاء، وهو ما جعل ابتلاع الطعم فى حلوق وعقول العامة من الناس أمراً سهلاً، فتقدموا طواعية بكل ما يملكون للمساهمة فى تلك الشركات، فى ظل تجاهل تام من مؤسسات الدولة التى لم تشأ وقتها أن تدخل فى سجال فقهى أو سياسى مع هولاء الذين باتوا فى رعاية كبار رجال الدين والإعلام والدولة، قبل أن تصحو مصر على فضائح أصحاب تلك الشركات، ونزواتهم التى تسابقت وسائل الإعلام المختلفة على نشرها، فهرع المواطنون بالآلاف لاسترداد أموالهم المنهوبة فلم يحصلوا منها على شىء، فعادوا بالحسرة.
بعد أن فشل هؤلاء فى مجال الاقتصاد مستغلين الدين، نرى اليوم من ينقل نشاطه إلى مجال السياسة، بنفس المزاعم والأطروحات، فلا نرى كبير اختلاف بين شركات توظيف الأموال، وشركات أخرى لتوظيف الإسلام وجعله فى خدمة أهداف سياسية، يسمونها خطأ بالأحزاب الدينية، لاعتمادها نفس الأساليب القديمة فى إقناع المواطنين بدعمها والوقوف فى صفها، حتى إن أحد هؤلاء، وكثيرون غيره، قال بأن فوزهم فى الانتخابات الآن جاء تحقيقاً لوعد الله لهم بالنصر حين قال فى سورة القصص «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين»، ومعنى الآية كما فهمها هؤلاء، أو كما يحاولون إفهامها لنا، أن الله، سبحانه، كان قد وعدهم بوراثة الحكم والسلطة من مبارك، وها هو يفى بوعده لهم فجعلهم الأئمة وجعلهم الوارثين لمبارك ونظامه!
ألم يكن فى وسع رجال الحزب المنحل أن يقولوا لنا ذلك حين كانوا أئمة وكانوا وارثين؟ وما الذى يمنع أى جماعة متسلطة ومستبدة فى العالم أن تدعى لنا ذلك باستخدام نفس الآية؟!
نحن الآن، إذن، أمام حالة تلبس واضحة ومكشوفة لاستغلال الدين للوصول إلى تحقيق أهداف سياسية بإصدار فتاوى وإطلاق تصريحات، والإدلاء بآراء تلوى عنق النصوص لتطوعها فى خدمة أغراض دنيوية، فيكفرون هذا، ويؤثمون ذاك من معارضيهم، أو منافسيهم، لإقصائه من حلبة المنافسة، والانفراد بالحكم لتحقيق مآرب شخصية وذاتية، لا تبعد كثيراً عن مآرب أولئك الأفاقين من أصحاب شركات توظيف الأموال، الذين صدعوا رؤوسنا حديثاً عن الاقتصاد الإسلامى، ومدى فوائده التى تعود على المساهمين فى الشركات التى تعمل وفق قواعده، قبل أن نكتشف فى نهاية الأمر أنهم لم يكونوا سوى عصابة قامت باستغلال الدين وانتهكت قدسيته لغايات فى نفوسهم المريضة.
وفى الختام لم يبق أمامنا سوى انتظار الكارثة التى ستكشف لنا الأيام عنها على أيدى هؤلاء، والتى أتوقع أن تكون أشد وطأة من كارثة توظيف الأموال!
نسأل الله العفو.. والعافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ