الأحد، 22 يناير 2012

أسئلة المصير بقلم نيوتن ٢٢/ ١/ ٢٠١٢


لم أر فى حياتى تناقضات مثل تلك التى يقترفها الشعب الذى أنتمى إليه. شعب مصر. قرأت خبراً مذهلاً يوم الجمعة: أهالى الوراق يقطعون الطريق مطالبين ببناء كوبرى!! كيف يمكن أن تقطع طريقا لكى تطالب بطريق؟!!
كتبت هنا من قبل عن ظاهرة (قطع الطريق) الخطيرة، وعن (هيبة السكك الحديدية) التى أهدرت. أسعدنى أن عدداً من كتاب الصحافة المصرية قدروا خطورة الأمر وكتبوا عنه أيضاً. هذه الظاهرة تعبر عن أحد أشكال رغبتنا فى الانتحار بينما نحن شعب يعشق الحياة!
تناقضاتنا هى أهم مشكلاتنا. نرنو إلى رقى الحضارة الغربية ونرفض قيمها. تدهشنا إنجازات الصين ونسخر من صناعتها. نريد أن نجمع الثروات ولكننا لا نرضخ لقواعد العمل.
يعرف عنا التدين وطاعة الله ولكننا نسرق ونكذب ونعد دون وفاء. نطلب من الحكومة حدا أدنى للرواتب دون أن نفرض على أنفسنا حداً أدنى للإنتاج. نضارب جميعا فى البورصة ثم حين نخسر نلوم المضاربين. نقبل الرضوخ لحكم لمدة ثلاثين عاما.. ثم فجأة ندين من حكمنا ونعلق قى رقبته كل مساوئنا دون أن نسأل أين كنا؟!
نتغنى بالحضارة الإسلامية لكننا لا نعرفها. نفخر بحضارتنا الفرعونية ولا نعرف سيرة الفراعنة بل فينا من يكفرهم. لا نقبل التنازل عن انتمائنا العروبى إلا أننا لا نعرف أشقاءنا العرب. نحلم بأن نكون كاليابانيين ونسخر من طعامهم وملابسهم. نطلب الدعم من الدول وننكر فضلها. «نعيب زماننا والعيب فينا»!
لو راجعت جميع عبارات وجمل الفقرتين السابقتين سوف تكتشف أن المشكلة تكمن فى (المعرفة). نحن لا نعرف ورغم ذلك نتخذ موقفاً. لا نعرف أين نضع أقدامنا لكنها تسبقنا. لا وعى دون معرفة. لا إدراك دون وعى. من العجيب أننا لا ندرك ولا نعى ولا نعرف ثم بدون كل هذا نفعل. لأننا (نفعل) دون الشروط الثلاثة الأولى: نخطئ.. نتخبط.. نرتبك.. لا ننجز.. لا نتقدم.. نحبط.. تكون المشكلة العظمى هى أننا لا نقيم الأمور بموضوعية فنضع العبء على كاهل الآخرين. نقطع طريقاً لكى نطلب بناء كوبرى!!
أين يكمن جذر المأساة التاريخية المصرية؟ فى الوعى العام. فيمن لا يريد أن يبنى هذا الوعى. فى التعليم والثقافة. فى تعطيل عضلة العقل. فى أعطاب الضمير الخاص بكل فرد. فى الاستسلام للعاطفة. فى خشية مواجهة الذات بحقائقها. إذن لا تطوير دون تعليم عصرى ولا تقدم دون ثقافة عامة ناضجة.
فى سبعينيات القرن الماضى، وقبل أن أهاجر إلى الولايات المتحدة، كان هناك سؤال جوهرى فى مصر: لماذا يتطرف خريجو كليات الطب والهندسة والعلوم؟ كيف تكون العقول الرياضية والعلمية أقرب إلى جماعات التطرف الدينى، بل يصبح هؤلاء هم قيادات تلك الجماعات؟ لم نجب عن السؤال رغم أن الإجابة معروفة: عقول قوية بلا ثقافة، ورؤوس علمية بلا محتوى فلسفى. بالتالى تختطفهاالغيبيات وتذهب أبنية شيدت على معادلات المنطق والسببية إلى ظلمات التطرف. كما لم نجب عن هذا السؤال الجوهرى لم نجب عن أسئلة كثيرة أخرى جوهرية بدورها. أسئلة مصير.
لماذا نردد قاعدة ثقافتنا دون أن نعيها (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). لاحظ الاشتراط. إن الفعل الإلهى لن يتأتى إلا إذا سبقه فعل البشر. لم نجب عن سؤال التغيير الأبدى: لماذا لا نغير أنفسنا؟ لم نجب عن سؤال محدد: كيف نوفق بين المتطلبات العصرية وضغوط الموروث؟ ماذا نفعل حين يصطدمان ويكون علينا الاختيار فيما بينهما؟ السؤال الأهم: لمن تعود المشكلة.. أهى للشعب المحكوم أم أنها لحاكمه؟
إذا كانت ثقافتنا قد بنيت على أساس وجود الفرعون ومؤسسته أيا ما كانت صفته.. لماذا لم توفر العقلية المصرية وسيلة لتطوير المجتمع بناء على هذا؟ أطرح السؤال وأنا أدرك أنه لا يمكن هدم بنيان قيم وثقافة شعب شيد حضارته ووجوده على أساس وجود الفرعون. المجتمعات تتطور ولكنها لا يمكن أن تتخلص من خصائصها بل تعيد توظيفها. فى آسيا بنيت نماذج التنمية الحديثة على أساس الثقافة الآسيوية. الصين لم تلفظ مكنونها التاريخى وهى تصوغ حداثتها. التنمية فى اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة لها مواصفاتها النابعة من مجتمعاتها لكنها مجتمعات لا ترفض الاستفادة من قيم الآخر. مزاوجة فريدة.
لن نجيب عن أسئلة المصير ونحن نتفرج على الآخرين مشمئنطين. لن نشيد كوبرى جديداً بينما نطالب بقطع الطريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ