الجمعة، 20 يناير 2012

حضور رائع.. وانسحاب أروع بقلم محمد البرغوثى ٢٠/ ١/ ٢٠١٢


مر أسبوع كامل على البيان الذى أصدره الدكتور محمد البرادعى، يوم السبت الماضى، وأعلن فيه عن انسحابه من الترشح للرئاسة، وخلال هذا الأسبوع طالعت الكثير مما كتبه زملاء وأساتذة فى الصحف وتابعت ردود أفعال الجمهور على «فيس بوك» وعلى مواقع بعض الفضائيات، واتصلت بعدد من الناشطين والخبراء الذين اقتربوا من «البرادعى» أكثر من غيرهم ويعرفونه أكثر مما يعرفه بعض الكتاب الذين سارعوا إلى اتخاذ «الانسحاب» مبرراً جديداً لمواصلة تمزيق الرجل.
ولأننى من أشد المعجبين والمؤيدين للدكتور البرادعى، فقد تعمدت أن أتحدث مع عدد من «حوارييه» القدامى الذين ساروا معه شوطاً أو أكثر ثم انصرفوا عنه لأسباب لم يفصحوا عنها، ومن بينهم شخصيات محترمة ناضلت بشرف قبل الثورة، وواصلت النضال ضد محاولات سرقة الثورة أو إجهاضها، وكان قصدى من الحديث مع الذين انفضوا عن «البرادعى» أن أراجع موقفى، أو أتبين ما خفى عنى من حقيقة هذا الرجل الذى اعتبرته الملهم الحقيقى لثورة ٢٥ يناير.
والمدهش أن بعض ما سمعته دار حول عيب واحد أجمع عليه الحواريون الأوائل، يتلخص فى أن «البرادعى» رجل حالم ومثالى إلى حد كبير، وليس مستعداً على الإطلاق، وربما لا يصلح أبداً، لخوض غمار السياسة الموبوء بالتآمر والمناورات والتحالفات المؤقتة، والقبول ببعض التنازلات فى مقابل بعض المكاسب، وقد ذهب بعضهم إلى أن البرادعى الذى تربى فى سياق حضارى مختلف لا يطيق الكذب، وليس مؤهلاً لاحتمال إساءة مخالفيه فى الرأى أو أعدائه، وأنه يتأثر بشدة كلما طالع طعناً فى نواياه أو تفتيشاً غير مهذب فى حياته الشخصية، وانتهوا جميعاً إلى أن رجلاً على هذه الدرجة من الحساسية المفرطة، يصلح فقط لأن يكون ملهماً أخلاقياً لثورة تنشد الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولكنه لا يصلح أبداً للتدافع فى سباق انتخابى يؤدى به إلى موقع الرئاسة.
البعض الآخر مما سمعته دار حول عيب ثان يتناقض تماماً مع العيب الأول، ومؤداه أن «البرادعى» رجل من طراز رفيع، يتعالى على الصغائر والتفاهات، ويمتلك قدرة مدهشة على تخطى التفاصيل والوصول بذكاء شديد إلى الأمور الجوهرية، كما أنه يمتلك بصيرة تؤهله دائماً لقراءة المستقبل، وتمنحه شجاعة اتخاذ قرارات تبدو مفاجئة دائماً لكل المحيطين به، وقد أجمع هؤلاء أيضاً على أن كل الإساءات القذرة التى طالت «البرادعى» أكسبته صلابة الثبات على المبدأ، وعدم التنازل عما يؤمن بأنه الصواب مهما كلفه ذلك من خسائر.
هناك فريق ثالث تعامل مع قرار انسحاب «البرادعى» من الترشح للرئاسة، باعتباره «تكتيكاً» جديداً من الرجل يعيده إلى قلب الثورة ويضفى عليه هالة الأيقونة أو الرمز الذى لا يموت، وقد اجتهد أعضاء هذا الفريق فى السخرية من هذا «التكتيك» وحاولوا قدر استطاعتهم تجريد الرجل من هذه الهالة واتهموه بالتخلى عن الجماهير التى منحته ثقتها، وبعض هؤلاء تعاملوا مع استطلاعات الرأى التى أسفرت عن تأييد انسحاب «البرادعى»، باعتبارها شهادة ضده، لأن الذين أيدوا انسحابه فعلوا ذلك من باب: «أراح واستراح»!
الذى حدث بعد ذلك أننى قلبت كل هذه الآراء والرؤى فى رأسى، وراجعت مواقف «البرادعى» طوال أكثر من عامين، وقارنت كل ذلك بمواقف غيره من مرشحى الرئاسة المحتملين، ومن رؤساء الأحزاب ومن كبار الناشطين، فلم أعثر على شىء يبرر لى مراجعة موقفى المؤيد لهذا الرجل الرائع، وقد كنت، منذ بداية ظهوره على الساحة السياسية، واحداً من أوائل الذين أشادوا به وأيدوا مواقفه الجسورة، وإذ أعود الآن إلى ما كتبته عن هذا الرجل بتاريخ ٩ ديسمبر ٢٠٠٩ فى هذه الزاوية تحت عنوان «البرادعى.. حلم الوجدان الشعبى»، فإنى أكتشف أننى مازلت شديد الإعجاب والتقدير لهذا الرجل النظيف الذى يمثل انسحابه من سباق الرئاسة موقفاً مبدئياً لا يقل روعة ولا جسارة عن حضوره الفذ والملهم فى قلب إرادة التغيير التى قادت إلى ثورة ٢٥ يناير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ