الجمعة، 27 يناير 2012

الدستور فى النُص بقلم محمد سلماوى ٢٧/ ١/ ٢٠١٢


بعد مرور سنة على قيام الثورة، بدأت من الأمس مرحلة جديدة فى تاريخ البلاد، قد تكون أقصر من السنة التى أضعناها فى التخبط والامتناع عن اتخاذ القرارات التى كان ينتظرها الشعب، لكنها بالتأكيد مرحلة دقيقة، بل هى أكثر دقة من المرحلة السابقة، فهى التى يجب أن توصلنا فى النهاية إلى رئيس جديد منتخب، يتسلم السلطة من المجلس العسكرى.
لقد بدأ المجلس العسكرى عهده بأن أغرق البلاد فى حالة من البلبلة حول أولويات المسار السياسى، وأدى عدم الحسم فى هذه القضية إلى حالة من الاستقطاب انقسمت فيها البلاد بين فريقين: أولهما يطالب بالدستور أولاً، وثانيهما يطالب بالانتخابات أولاً، ومثل هذا الجذب على الجانبين ساهم فى تأخر تقدم البلاد نحو إعادة البناء وإقامة النظام الجديد الذى كان يتطلع إليه الناس.
ثم فجأة، قرر المجلس العسكرى إجراء تعديل على الدستور القديم وفق ما أشارت به اللجنة التى شكلها المجلس، والتى راعت بحكم تشكيلها المعيب المصالح السياسية الصغيرة لجماعة الإخوان المسلمين وليس المصالح الكبرى للوطن، وهكذا جاء الاستفتاء على المواد الدستورية التسع، الذى دعا إليه المجلس ليكرس حالة الاستقطاب التى اكتنفت المجتمع ما بين مؤيد للتعديلات التسعة على الدستور القديم ومطالب بإسقاط الدستور القديم ووضع دستور جديد، وكان فى ذلك استقطاب ثان أعمق من الأول.
وعند ظهور نتائج الاستفتاء التى جاءت بنسبة ٧٠٪ مؤيدة لأعمال الدستور بالتعديلات المستفتى عليها، وجد المجلس أن الصراع المجتمعى الذى جمد تقدمنا أوشك على الانتهاء، فإذا به يقرر فجأة عدم العمل بالدستور، وضرب عرض الحائط بنتيجة الاستفتاء، وذلك بإصدار إعلان دستورى جديد يحل محل الدستور الذى تم استفتاء الشعب على تعديلاته.
والحقيقة أن الأقلية التى رفضت الاستفتاء كانت متفقة مع الأغلبية التى صوتت له على ضرورة إعمال الدستور، لكنها كانت تفضل وضع دستور جديد وعدم العمل بالدستور القديم حتى بعد التعديلات، أى أن الجميع كان يرى أن يكون الدستور أولاً، لكن المجلس بالإعلان الدستورى الذى أصدره قرر ألا يكون الدستور أولاً، ونص فى إعلان الدستور الذى لم يتم الاستفتاء عليه على أن تكون الانتخابات البرلمانية أولاً وتليها الانتخابات الرئاسية ثم فى النهاية يأتى الدستور.
وحين وجد المجلس أن الفترة الانتقالية قاربت على الانتهاء بعد أن تمت انتخابات مجلس الشعب وستليها انتخابات مجلس الشورى، الذى لا يريده أحد، أراد أن «يلخبط» أوراق اللعب مرة أخرى بأن يعلن تأخير انتخابات الرئاسة لما بعد كتابة الدستور، وهو وضع غريب حقاً، فقد تنفسنا الصعداء حين خرجت البلاد من معضلة «الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً»، ورغم أن النتيجة لم تكن مرضية، حيث كنا نرى أن تكون كتابة الدستور الجديد أولاً، إلا أننا التزمنا بما نص عليه الإعلان الدستورى من أن الانتخابات هى التى يجب أن تأتى أولاً، فِلمَ العبث بالجدول الزمنى مرة أخرى بتأخير انتخابات الرئاسة بالمخالفة للإعلان الدستورى؟!
لقد أحزن المجلس أننا خرجنا أخيراً من الجدل العقيم حول الدستور، فقرر ألا يكون الدستور سابقاً للعملية الانتخابية ولا تالياً لها، وإنما يتخللها، أى يجىء ما بين الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، فلا يكون الدستور أولاً ولا يكون آخراً وإنما يكون «فى النُص»!! فهل هذا معقول؟!فى علم المنطق الفرضيات الخاطئه تقود إلى نتائج خاطئه, والموضوع ذو شجون وفيه تتكرر الأحداث مع الماضى لتتطابق أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى, فثوره 52 كانت ثوره شباب أكثرهم بكباشيه حتى أنها سميت بثوره البكباشيه , والعجيب ان عصرهم كانت القراءه هو المتنفس الترفيهى لشباب هذا الزمن, لذا كانت مجمل ثقافه هؤلاء الشباب افضل كثيرا من ثقافه شيوخ هذه الأيام التى هى ثقافه سمعيه بصريه تتأتى من المشاهده والسمع من اجهزه الأعلام. ويعضدها أسلوب التعليم الذى يحاسب الطالب على ماحفظه وليس على ما فهمه, تتشابه المشاكل أن البكباشيه كانوا فى اشد القلق من شرعيتهم وكذلك المجلس العسكرى, وأستعان الأثنان برجال القانون فى 52 أستعانوا بجهابذه مثل السنهورى وسليمان حافظ ولكن ناصر كان مفرط الذكاء ففهم أن مسأله الشرعيه مسأله تبريريه وليست قانونيه, وفهم ناصر أن الشرعيه تصنعها القوه والحجه والسيطره على الجماهير. وهكذا تخلص ناصر من القانونيون فقد أكتشف اللعبه وأصبح بذكاءه يستطيع تسويق الشىء وعكسه. حينما تولى المجلس السلطه كان أيضا فى أشد القلق من شرعيته, فأستعان بفقهاء المحكمه الدستوريه مكررا ما فعلته ثوره 52 , ربما أن هؤلاء الفقهاء ساهموا فى تعميق الخوف فمن خوف سائلهم تتأتى قوتهم, وفى نفس الوقت أقلق الجلس العسكرى شباب الثوره والأحزاب الكاتونيه التى لا وزن لها وفى المقابل وجد الأخوان شريكا معقولا قويا وبرجماتيا يمكن الأعتماد عليه. وبنفس رجال مبارك اللذين اقترحوا التعديلات الدستوريه اتفق مع الأخوان على تشكيل لجنه من الأخوانيون لصياغتها على ان يسطر الأخوان على الشارع لأقرارها بأغلبيه من قال نعم فله الجنه. دخل رجال المحكمه الدستوريه ليأكدوا ان التعديلات وألغاء دستور 71 لن يكسب المجلس الشرعيه فتم عمل الأعلان الدستورى. هنا أصبحت واجبات السلطات سواء تشريعيه او رئاسيه أو رقابيه مجهله فى ظل غياب الدستور فهو الأساس لبناء مؤسسات الدوله وهو الذى يفصل بين السلطات. غياب ادستور أصبح نواه الخطأ الذى يتضخم كلما تحركت واصبح مثل كره الثلج المتدحرجه التى يكبر حجمها ويتعملق فى حركتها من قمه الجبل إلى سفحه وفى العلم يقال Snow ball effect هذا معناه أن الخطأ يكبر حجمه مع الحركه, هنا أصبحت قواعد ونظام الأنتخاب وتقسيم الدوائر خاطئه, لا يعلم أحد هل تأسيس الأحزاب على أساس دينى أمر خاطىء أو لا عموما الحزاب الدينيه فرضت نفسها, ليصبح البرلمان مشكوكا فى شرعيته , وعمل الدستور بعد انتخابات الرئاسه خاطىء وأختيار اللجنه التأسسيه مهما فعلت سيظل خاطئا وقبل أنتخابات الرئاسه خاطئا أيضا فالرئيس هو الذى يعين ثلث أعضاء الشورى فإن كان تأسيس اللجنه يستلزم وجود المجلسين مجتمعين, فلو تم هذا قبل انتخاب الرئاسه سيكون أحداهما ناقصا بنسبه الثلث. هذا يعنى أنك مهما فعلت فستكون الأجابه خاطئه , وعند عمل الدستور الجديد فغالبا ستلغى نسبه 50% عمال وفلاحين وربما يلغى الشورى أيضا ومهما كان شكل الدستور الجديد فسيصبح المجلسان باطلان لأن تشكيلهما غير دستورى وهنا نعود إلى المربع الأول لنبدأ من جديد (ستكلف هذا العبث 4 مليار جنيه). ومن الفكاهى أن نواب الشعب أقسموا على احترام الدستور الغير موجود والأحرى ان يقسموا بأحترام الأعلان الدستورى. إذا كان هناك شىء واحد صحيح أرجو ان تدلنى عليه فقد فشلت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ