الخميس، 26 يناير 2012

النساء والأقباط بقلم د. حسن حنفى ٢٦/ ١/ ٢٠١٢


يبدو الجمع بين النساء والأقباط فى عنوان واحد وفى تحليل واحد غريبا، وهو فى الحقيقة ليس كذلك، فالرؤية لهما واحدة، والعقلية التى وراءهما واحدة، والتصور الذى وراءهما واحد: قسمة المجتمع الذى يرتبط أعضاؤه برباط واحد إلى أقلية وأغلبية طبقا للطائفة، أقباط ومسلمين، أو طبقا للجنس، أنثى وذكر. وهو مازال موجودا فى الهويات الشخصية الرسمية التى تصدرها الدولة وفى بطاقات الصعود أو النزول فى المطارات، وهى قسمة لا تفيد فى شىء. فماذا يهم إذا كان حامل الهوية الوطنية ذكرا أو أنثى للتعرف على شخصيته أو فى معاملات البنوك أو أقسام الشرطة أو المؤسسات التعليمية، فالمواطن أمام القانون العام لا جنس له، ذكرا كان أو أنثى. وفى عقود الزواج لا يحتاج المأذون للتعرف على شخصية الزوجين أيهما ذكر وأيهما أنثى، تكفى طريقة اللباس والزينة. فلا خطأ فى أن يعقد بين ذكرين أو أنثيين. ولا تحتاج المستشفيات للتعرف على جنس الحامل ذكرا كان أم أنثى.
إنما هى العقلية الغربية التى تعتز بنظامها الديمقراطى الذى يقوم على الأغلبية والأقلية، حيث تحكم الأغلبية وتصبح الأقلية فى المعارضة، ثم تحكم الأقلية عندما تصبح أغلبية، والأغلبية عندما تصبح أقلية فى المعارضة، ثم انتقلت هذه القسمة إلى الدين، بروتستانت وكاثوليك وأرثوذكس، وإلى سود وبيض فى أمريكا، وإلى سكان أصليين ومهاجرين فى الوطن الواحد. ثم انتقلت هذه الدراسات إلى الوطن العربى والعالم الإسلامى لتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى أقلية وأغلبية طبقا للدين، مسلمين ومسيحيين، أو الطائفة، سنة وشيعة، أو الجنس، ذكور وإناث، أو العرق، عرب وعجم وأكراد وتركمان وبربر، وربما كان ذلك طبيعيا فى مجتمعات تأصل فيها مفهوم المواطنة ولا خطر فيها على تفتيت الأوطان، أما بالنسبة للدول الحديثة التى تكونت بعد حركات التحرر الوطنى فى القرن الماضى فمازالت المجتمعات فيها أقوى من الدول، ولم يقض فيها على الطائفية والعرقية والقبلية والعشائرية وكل ترسبات الماضى. يسقط الغرب فيها عقليته الكمية العددية ويحولها إلى ديانات وطوائف وأجناس، فإندونيسيا ليست دولة إسلامية بل أغلبيتها من المسلمين. والعراق مكون من عدة طوائف وأعراق، سنة وشيعة، أكراد وعرب وتركمان. وتركيا أغلبيتها من المسلمين، مكونة من أتراك وأكراد. والخليج كله مكون من شيعة وسنة، واليمن زيود وشوافع، ومصر أقباط ومسلمين، والسودان عرب وأفارقة، والمغرب العربى عرب وبربر.
ولما كان فى الغرب أيضا مشكلة فى الأحوال الشخصية، مثل صعوبة الطلاق، وكان من عادات المجتمع هيمنة الرجل بالرغم من الحداثة والتنوير، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت حركات تحرير المرأة وحقوق المرأة، وانتقل الخطاب لدى المتغربين فى مجتمعاتنا، فظهرت كتابات «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» تقليدا للنموذج الغربى، فحوصرت من أنصار القديم بالرغم من أنه فى مجتمعاتنا لدينا مشاكل فى قانون الأحوال الشخصية، الذى بقى كما هو عليه منذ أربعة عشر قرنا دون تحديثه طبقا لتغيرات العصر وطبقا للاجتهاد وأصوله والذى تسمح به الشريعة، وكما وقع فى بعض الحركات الإصلاحية الحديثة. ظل مفهوم الأقلية والأغلبية هو السائد اعتزازا بالديمقراطية، فالعلاقة بينهما علاقة مقهور بقاهر، أقلية مقهورة وأغلبية قاهرة فى الدين وفى الجنس، والهدف تفتيت المجتمع إلى فئات وطوائف وجماعات، وكأن هذا الوطن لا وجود له ولا سيادة له ولا انتماء له، إنما الانتماء إلى الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق أو القبيلة أو العشيرة أو العائلة، فبعد حركات التحرر الوطنى من الاستعمار والاحتلال مازالت القوى الغربية تنكر على هذه الدول الوطنية وجودها، وعلى مجتمعاتها تكوينها الوطنى، وتعاملها بمفاهيم التخلف وهى تدعى الحداثة. وتستمر مفاهيم التفتيت: صعيدى بحراوى، بدوى، حضرى، طبقا للجهة وتمزيق الوطن إلى جهات والتعامل مع الفئات الصغيرة، وتنكر الوحدة الكبرى، الوطن.
ليست الأنوثة أو الذكورة هوية، إنما هى تنوع فى الطبيعة يقوم على التمييز والوحدة، والحب رابطة بينهما، فالتنوع طارئ والوحدة أصلية. وليس التمايز فى الدين أصليا بل يعبر عن مراحل مختلفة لتطور الوعى الإنسانى. الجوهر واحد وإن اختلفت الأشكال، القانون فى اليهودية، والمحبة فى المسيحية، والعدل فى الإسلام. وليست الطائفة هوية سنة أو شيعة، إنما هو تنوع تاريخى فرضته الظروف الاجتماعية والسياسية للمجتمع، إنما الهوية هى الإنسانية التى لا تعرف دينا أو طائفة أو عرقا أو جنسا، الإنسان من حيث هو إنسان. وهو مشتق من الأنس، أى الائتلاف مع الآخر ومحبته على عكس ما تنتهى إليه الطائفية والجنسية من بغض وشحناء.
المسلم والقبطى، الذكر والأنثى، كلاهما ينتمى إلى وطن واحد، يعيشان على أرض واحدة، يعملان فيه، ويتركان أثرهما عليه، يولدان ويموتان فى رحابه. يحنان إليه حين الهجرة. هو الذكرى والتاريخ. وهو مصدر الإلهام الأدبى والفنى. وما أكثر الأغانى الوطنية فى تاريخ الغناء فى مصر. وامرأة القائد «أم المصريين»، تحولت فى وجدان الشعب إلى محطة حافلات ومستشفى وحى. وفى تماثيل الاستقلال الوطنى الرجل والمرأة معا يرفعان العلم الوطنى أو يمسكان بالمطرقة والسندان لتنمية المجتمع صناعيا وزراعيا. واسم يتردد كل يوم على كل لسان مئات المرات، بل إن المرأة بمفردها أحيانا ترمز للوطن، كما هو الحال فى تمثال «نهضة مصر»، ورمز للثورة كما هو الحال فى رفع هدى شعراوى النقاب أثناء ثورة ١٩١٩، فالوطن هو الجامع للمسلم والقبطى، للذكر والأنثى دون أقلية وأغلبية وكأنها قوى سياسية متنافسة على السلطة، تحددها أصوات الناخبين ويتدخل فيها الإعلام، حقيقة أو زيفا. الوطنية هى الانتماء للوطن، وهى فضيلة تتجاوز الأديان والطوائف والأجناس.
قامت حركات التحرر الوطنى باسم الوطن، مسلمين وأقباطاً، رجالا ونساء، على الرغم من الإحصائيات والتعدادات كم فى الوطن من كل طائفة وجنس بناء على مقاييس متخلفة، وفى حالة غياب مفهوم الوطنية، وسيادة التصور الكمى العددى الذى أفرزته الديمقراطيات الحديثة، تغليبا لفريق على آخر باسم الأغلبية. وأحيانا تتحول الوطنية إلى تطرف قومى، كما حدث فى النازية والفاشية والصهيونية، تمتزج بالعنصرية والقوة والعدوان على الشعوب المجاورة أو استئصال شعوب من أرضها وإحلال شعب آخر محله، كما فعلت الصهيونية فى فلسطين. وسرعان ما تندحر لأن كل الأوطان تتساوى فى حقها فى الحرية والاستقلال.
 وأحيانا تطغى طائفة على حقوق طائفة أخرى، لدرجة الحروب بين الأديان والمذابح بين الطوائف. وسرعان ما تنتهى بنهاية مفهوم الطائفة لصالح المواطنة التى تتكون من عدة طوائف لا هويات. وتقوم حركات تحرير المرأة وحقوق المرأة مطالبة بالمساواة مع الرجل فى حق التمثيل فى الحياة العامة، والوظائف القيادية والعمل بالبرلمان، وكل مظاهر الإدارة «مراتى مدير عام». وتحرير المرأة أساسا من سيطرة الرجل ثم من غلبة التقاليد الاجتماعية فى المجتمعات الأبوية، حتى تنتقل من «أمينة» إلى «سوسن» فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة. والحقيقة أن الرجل والمرأة كليهما فى حاجة إلى تحرر، «سى السيد» قبل «أمينة»، وهى ترسبات تاريخية وعادات اجتماعية تستند إلى موروث ثقافى متصل لم يتغير، اعتمادا على الشريعة.
وإذا كانت بعض الاتجاهات المحافظة تستند إلى آيتين لتدعيم التمايز بين الذكر والأنثى وهما (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)، (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) تعبران عن الوضع الاجتماعى القديم، فإن عشرات الآيات الأخرى تساوى بينهما فى العمل الصالح فى الدنيا (أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وفى الآخرة (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ). لا فرق بين الذكر والأنثى إلا السعى فى العالم والكد فيه (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).
وقد خلق الله الذكر والأنثى للتعارف كما خلق الشعوب (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وقد كانت عادة اجتماعية تفضيل الذكر على الأنثى لمنفعته فى الحروب والتجارة (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى). وفى الإجماع كمصدر شرعى إذا اعترض واحد فقط فإنه يكون ناقصا وليس تاما، فلا أغلبية ولا أقلية بل احترام للجميع على قدم المساواة، لذلك نداء للمثقفين والباحثين أن يخرجوا موضوع النساء والأقباط من منطق الأقلية والأغلبية إلى منطق المواطنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ