الأربعاء، 25 يناير 2012

هل نحتفل بالثورة؟ بقلم د. منار الشوربجى ٢٥/ ١/ ٢٠١٢


تتملكنى فى عيد الثورة مشاعر مركبة هى خليط من الفخر والغضب والحزن والتفاؤل. فلا يمكن لمصرى عاش تلك الأيام الثمانية عشرة إلا أن يشعر بالعزة والفخر. فهى أيام سجلها التاريخ لتحكى قصة شعب عظيم يمتلك حسا حضاريا فذا، سمح بأن يكون حوالى عشرين بالمائة من المصريين فى الشوارع والميادين، لكن دون أن يتحول احتجاجهم للعنف أو يؤدى استفزازهم بالعنف إلى الرد عليه بمثله. شعب يثور بشكل سلمى وحضارى إلى أن يحقق ما يريد.
وفى تلك الأيام سقط من الشهداء والمصابين من أشعر بالغضب لأننا لم ننتزع حقوقهم حتى الساعة ولم نحقق ما ضحوا من أجله حتى تاريخه، فلا تزال بلادى بعد عام كامل من تضحياتهم لم تحقق الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى، فهناك الآلاف فى السجون وغيرهم تعرضوا لامتهان الكرامة بينما لم تتخذ خطوة واحدة نحو العدل الاجتماعى فى مجتمع يعيش ٤٠% من أبنائه تحت خط الفقر.
جوهر المشكلة فى تقديرى أن مبارك سقط لكن روح نظامه ومنهجه البليد لم يرحلا. فمصر تعيش حالة ثورية حتى هذه اللحظة لكنها تدار بروح بليدة غير مبدعة. وبينما يدعو كل ما تقدم للحزن فى ذاته إلا أن ما يدعو للأسى حقا هو سقوط المزيد من الشهداء والجرحى.
لكن رغم الغضب والحزن، وربما بسببهما فإننى لست مع رموزنا الوطنية التى دعت لعدم الاحتفال بالثورة إلا بعد أن تحقق أهدافها. فمع تقديرى للدوافع النبيلة وراء تلك الدعوة، واتفاقى مع أصحابها فى الغضب الذى يتملكنا جميعا لأن أغلب أهداف الثورة لم تتحقق بعد، إلا أن هناك من الأسباب ما يدعو للاحتفال بيوم ٢٥ يناير باعتباره بداية ثورة عظيمة لا تزال مستمرة حتى تحقق أهدافها. والاحتفال ليس معناه إقامة المهرجانات والأفراح والليالى الملاح، فهذا بالتأكيد ليس ما أقصده، وإنما معناه ضرورة استعادة روح الثورة وإنعاش الذاكرة الوطنية لأن كليهما بالغ الأهمية فى عملية صناعة المستقبل.
فالاحتفال الذى أقصده هو استحضار تلك الأيام العظيمة لأنها ضرورة لشحذ الهمم. ومعناه أن نعيد على أسماع أطفالنا وقائع ماحدث وبطولاته التى لا تزال بعيدة عن مناهج التعليم الغارقة فى الإشادة «بإنجازات مبارك»! الاحتفال معناه أن نذكر أسماء شهدائنا ومصابينا وندونها ونحفظها لئلا ننسى أن حقوقا لم تصل لأصحابها وأن أهدافا لم تتحقق بعد، فالاستسلام للحزن والغضب لن يحقق أهداف الثورة، فمن أجل تحقيق تلك الأهداف غير منقوصة، فإننا فى حاجة ماسة لاستعادة روح الثورة. فهذه الروح وحدها هى التى هزمت مبارك وهى القادرة على هزيمة روح نظامه التى راحت تطل بوجهها القبيح.
والحقيقة أن روح الثورة لم تمت فى نفوس المصريين وإنما تم إطفاء جذوتها بفعل فاعل، فخبت قليلا لكنها لم تنطفئ. وإذا كنت تريد الدليل على ذلك، فانظر إلى استطلاعات الرأى التى أجراها مركز المعلومات بمجلس الوزراء طوال العام الماضى، فنتائج الاستطلاع مبهرة لأنها تهدم الكثير من الأساطير وتوضح فى الوقت ذاته أن روح الثورة لا تحتاج إلا أن ننفض عنها الغبار فتشتعل من جديد.
أول الأساطير التى هدمتها استطلاعات مجلس الوزراء هى تلك التى كررها نظام مبارك قبل أن يسقط وعاد بعض كارهى الثورة لتكرارها هذه الأيام بتنويعات مختلفة. وجوهر الأسطورة أن الذين ملأوا ميادين مصر وثاروا على مبارك أقلية صغيرة للغاية بالمقارنة بعموم المصريين، فجاءت الاستطلاعات لتثبت أن ١٧% شاركوا فى الثورة بينما أيدها عندئذ ٨٢% من المصريين رغم أنهم لم ينزلوا للشوارع. ورغم أن الاستطلاع رصد صعودا وهبوطا فى تأييد الثورة بعد فبراير الماضى إلا أن ٨٣% مازالوا يؤيدونها حتى ديسمبر الفائت وإن كان ٣٧% من هؤلاء قد صاروا يؤيدونها بقدر من الفتور أو مع بعض التحفظات.
ولعل هذه الأرقام تحرج الإعلام الذى لم يستح حين راح يقسم شاشاته بالتساوى بين ميدان التحرير وميادين أبناء مبارك بل لعلها تضع حدا لمهازل جماعة «آسفين ياريس» وغيرها التى توضح الأرقام حجمهم الحقيقى. فقد أكد الاستطلاع أن ١٣% فقط من المصريين يعارضون محاكمة مبارك!
ومن المهم أن ندرك أن أغلبية المصريين وفق استطلاع الرأى متفائلون بالمستقبل الذى يرون أنه «سيصبح أفضل». وحتى يصبح المستقبل أفضل، يتحتم علينا استعادة روح الثورة رغم كل الأوجاع والأحزان.
لكن المطلوب ليس فقط استعادة روح الثورة وإنما العناية بالذاكرة الجمعية للمصريين لأنها تلعب دوراً بالغ الأهمية فى بناء المستقبل. والذاكرة الجمعية مفهوم مختلف عن التاريخ. فالتاريخ يسجل أحداث الماضى بدقة، أما الذاكرة الجمعية، فهى البناء الاجتماعى لتلك الأحداث وإضفاء المعنى عليها. ويتفق علماء الاجتماع على أن الذاكرة الجمعية إذ تبنى صورة متفقاً عليها للماضى، فإن وظيفتها الحيوية هى وضع الأساس اللازم للتعامل مع الحاضر والمستقبل. ومن هنا، فإن الذاكرة الجمعية عملية اجتماعية حية وانتقائية بالضرورة حيث يتم إنتاج معنى لأحداث بعينها يتم استدعاؤها وأخرى يتم إغفالها.
وإذا كانت الذاكرة الجمعية هى التى تنتج المعانى التى تؤسس للمستقبل، فإن ما نستدعيه من أحداث ووقائع وما نتجاهله مسألة بالغة الأهمية فى صياغة ذلك المستقبل. ومن هنا، فإن عدم تحقق أهداف الثورة هو فى ذاته السبب الرئيسى الذى يتحتم معه الاحتفال، بمعنى استعادة روح الثورة وإعادة إنتاج معانى الصلابة والإصرار والإبداع التى جسدته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ