الخميس، 19 يناير 2012

الجمعية والجماعة بقلم عماد سيد أحمد ١٩/ ١/ ٢٠١٢


فى خطابه الذى أعلن فيه انسحابه من الترشح لانتخابات الرئاسة، قال الدكتور محمد البرادعى: سوف أعمل وسط الشباب الذين فجروا الثورة من خلال وعاء سياسى، سواء كان حزباً أو ائتلافاً سياسياً، وأعتقد أن هذا هو بيت القصيد، والسؤال الذى يطرح نفسه بعد مرور عام على انطلاق الشرارة الأولى للثورة: أين كنا.. وإلى أين نسير.. وإلى أين نريد أن نصل؟
لا يوجد فى العالم كله الآن ولا فى تاريخه، ديمقراطية دون تداول للسلطة، ولا يمكن أن يحدث تداول للسلطة دون حزبين كبيرين، أى أن الحكومة تكون قوية بحزبها وجماعتها، والمعارضة أيضاً تكون قوية، لأنها بديل محتمل وجاهز فى أى لحظة.
وفى مصر إن لم يولد فيها حزبان كبيران - أحدهما بات موجودا بالفعل - لن تكون هناك ديمقراطية، والمناخ القائم حالياً لن يستمر طويلاً، وأقول ذلك للمنتظرين المترددين، فموقف الحزب الفائز فى الانتخابات التشريعية من مؤسسات المجتمع المدنى لا ينبئ بخير، ليس هذا فحسب، فالحزب المنتصر دائماً يطمع فى الاستمرار فى الحكم، وتغريه فى ذلك المعارضة الضعيفة التى يعبث بها ويحاول الاستئثار بالسلطة أطول فترة ممكنة، حتى وإن كان ذلك بالتزوير، كما تعود أن يفعل الحزب الوطنى.
قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ كانت فى مصر - ومازالت - قوتان رئيسيتان تحتكران المشهد السياسى، الأولى هى قوة الحزب الحاكم ومن ورائه السلطة، والقوة الثانية لجماعات الإسلام السياسى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسملين، والأخيرة هى التى فاز حزبها فى الانتخابات.. ومن الخطأ أن يعتقد البعض أن هذا تداول طبيعى للسلطة، بل هو تداول قهرى، لأنه لا يقوم على تكافؤ الفرص، فالقوة القديمة المحتكرة للسلطة منذ ١٩٥٢ «العسكر» مازالت قائمة، ولم يكن الحزب الوطنى سوى فاترينة للعرض، ليس أكثر.
وما حدث اليوم، ويترتب على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية أن القوة الثانية التقليدية القديمة أيضاً ستشارك فى الحكم، وقد قبلت بذلك أملاً فى الانفراد بالحكم هى هذه المرة، بعكس ما جرى عام ١٩٥٤، حينما سحقت القوة الأولى القوة الثانية بالعنف وانفردت بالسلطة، وشىء من هذا سوف يجرى مرة أخرى، لكن ستمارسه القوة الفائزة فى المستقبل القريب، وإذا تأملنا قرار الإخوان باحتلال الميادين يوم ٢٤ يناير، لمنع الآخرين، سنجد أنه نفس موقف الحزب الوطنى عندما بدأت مظاهرات الحزب الوطنى فى ميدان مصطفى محمود، والمفترض أن من بين يده السلطة لا يتظاهر، فمظاهرات التأييد هذه لا توجد فى أى مكان فى العالم إلا فى بلاد القذافى وبشار الأسد وعلى عبدالله صالح وما يشبهها من الديكتاتوريات.
مع انفجار المظاهرات يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، التى بدأها الشباب انخرط فيها بقوة ١٢٠ ألف عضو، هم مؤسسو الجمعية الوطنية للتغيير، ليس من بينهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين دخلوا الجمعية، عندما لم يكن لهم منفذ شرعى يمارسون من خلاله السياسة، وكان وجودهم فى الجمعية من أسباب الخلاف القوية بين الشباب والدكتور البرادعى، كان شباب الجمعية يتهمون الجماعة بالانتهازية السياسية.
الجمعية التى أسسها الدكتور محمد البرادعى، ظهرت كقوة ثالثة، قوامها من الشباب وأغلبهم من أنصار مشروع «البرادعى»، ومشكلة هذه القوة الجديدة أن الهرم فيها، مقارنة بالقوتين الأخريين، حيث إن الشباب والأفكار الجديدة هم الغالبية، بعكس القوتين التقليديتين القديمتين (الحزب الوطنى الذى هو امتداد الاتحاد الاشتراكى، الذى هو بالأساس واجهة العسكر، أى أنه بعد ٢٥ يناير عادت السلطة لأصحابها الأصليين، وأقصد العسكر)، والثانية (جماعة الإخوان وما يدور فى فلكها من جماعات دينية أخرى أقل شأناً).
ظل موقف القوة الجديدة مائعاً مرتبكاً مفتتاً، حتى قرر الدكتور البرادعى انسحابه من الترشح لانتخابات الرئاسة، وبذلك فشلت المحاولات المستميتة للقوتين التقليديتين بدمج القوة الجديدة فى إحداهما وهضمها، لذلك كان طلب العسكريين والإخوان الدائم فى اللقاءات المغلقة والمفتوحة وأمنيتهم الأساسية يعبرون عنها بجملة واحدة «المهم أن يهدأ الميدان».
القوتان القديمتان لا تريدان الاعتراف بالقوة الجديدة، وهذا ليس مهما، بينما المهم هو بلورة القوة الجديدة لنفسها وخلقها من جديد فى حزب أو ائتلاف سياسى كبديل قوى منافس، لشريكى السلطة (العسكر والإخوان).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ